الحرائق تطل من جديد على محاصيل القمح العراقية مهددة الاقتصاد.. فمن يقف وراءها؟

مع استمرار ظاهرة حرق محاصيل القمح والشعير في العراق كل عام، فإن أكثر ما يُثير القلق هو أن يواجه البلد أزمة اقتصادية بارتفاع أسعار الخبز، في ظل انخفاض المساحات الزراعية بسبب شحّ المياه والجفاف.

صورة رئيسية عن احتراق المحاصيل الزراعية هذا العام (مواقع التواصل)
حريق كبير التهم محاصيل القمح في مساحات زراعية واسعة (مواقع التواصل)

مع حلول الصيف، تطلُ الحرائق برأسها على مزارع العراق لتجتاح مساحات واسعة منها، فتأكل آلاف الدونمات، وتُلقى اللائمة عادة على أعمال إرهابية ونزاعات عشائرية، أو على أيدٍ خارجية لتحقيق مصالح اقتصادية تسعى لإبقاء العراق سوقا رائجة للسلع الأجنبية؛ سواء كان الأمر يتعلق بالقمح والشعير أو البضائع الأخرى.

وقبل أيام، مع دخول موسم الحصاد، أُعلن عن احتراق نحو 50 دونما من حقول القمح في قرية عمر بن الخطاب في قضاء داقوق بمحافظة كركوك (240 كيلومترا شمال بغداد)، ولم يعلن وقتها عن السبب، ثم أُعلن لاحقا أن تنظيم الدولة الإسلامية يقف وراءه.

 

صورة رئيسية عن احتراق المحاصيل الزراعية هذا العام (الجزيرة نت)
احتراق محاصيل زراعية في إحدى مناطق العراق العام الماضي (الجزيرة نت)

احتراق آلاف الدونمات

ويعدّ عام 2020 أحد أكثر الأعوام فتكا بمحاصيل القمح والشعير، فضربت فيها الحرائق 16 محافظة، وبلغت الحرائق 164 حادثا خلال الفترة من 21 أبريل/نيسان وحتى 22 مايو/أيار من العام المذكور، وذلك وفقاً لبيانات رسمية. وشملت احتراق نحو 102 ألف دونم من المحاصيل الزراعية.

وفي العام 2019 أعلن عن احتراق نحو 53 ألف دونم لمحاصيل القمح والشعير.

وبالتزامن مع استمرار هذه الظاهرة، فإن أكثر ما يُثير القلق هو أن يواجه البلد أزمة اقتصادية بارتفاع أسعار الخبز المحلي وما يتعلق بالقمح والشعير، في ظل انخفاض المساحات الزراعية بسبب شحّ المياه والجفاف الذي يضرب العراق.

د. حميد النايف متحدث وزارة الزراعة الجزيرة
النايف رأى أن الحرائق التي تشهدها المحاصيل الزراعية كل عام لا تؤثر على الإنتاج العام للقمح في البلاد (الجزيرة)

تتعدد الأسباب

ورغم أنها تجاوزت الحدّ المعقول خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن المُتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف يقول إن ظاهرة الحرائق ليست بجديدة في البلاد، فهي تحدث منذ سنوات عديدة.

وعن الأسباب، يقول النايف إنها تعود لعدة معطيات أبرزها الأعمال الإرهابية "لا سيما في المحافظات الهشّة أمنيا". أما السبب الثاني فيعود للتماس الكهربائي وإهمال الفلاحين، بالإضافة لأسباب أخرى.

واستدرك النايف بالقول إن تلك الحرائق لا تؤثر على الإنتاج العام للقمح، مشيرا إلى قرب انتهاء الحصاد في محافظات وسط وجنوب البلاد من دون تسجيل أي حالات حرائق فيها.

ووفق النايف فإن العراق ينتج مليونين ونصف مليون طن من القمح، ويحتاج سنويا لاستيراد مليوني طن آخرين، لسد حاجته، مشيرا إلى أن مصدر الاستيراد عادة ما تكون الولايات المتحدة وأستراليا وكندا.

وينفي النايف في رده على سؤال للجزيرة نت عن احتمالية أن يكون استمرار ظاهرة الحرائق له علاقة باقتراب العراق من الاكتفاء الذاتي من الإنتاج، مشيرا إلى أن البلاد وفق هذا المنظور لن تصل قريبا لنقطة الاكتفاء الذاتي.

رئيس الاتحاد العام لجمعيات الفلاحين حسن التميمي (الجزيرة 1)
التميمي اتهم "أيادي خبيثة" بالوقوف وراء حرائق محاصيل القمح بهدف ضرب اقتصاد العراق (الجزيرة نت)

أياد خفية وعملاء

من جهته يرى رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق حسن التميمي في استمرار الحرائق مع بداية الصيف ومواسم الحصاد؛ أنه يقف وراء ذلك من يُسمّيها "الأيادي الخبيثة" التي لا تريد لاقتصاد العراق النمو، سواء كانت من دول الجوار أو من يصفهم بـ"العملاء"؛ من أجل بقائه سوقا رائجة لبضاعتهم.

وكان للعراق نصيب من الأزمة العالمية فيما يتعلق بإنتاج القمح، وهذا ما يعني وفق التميمي انعكاسا سلبيا وخطيرا للحرائق على اقتصاد العراق في حال استمرت أكثر، لأنّ احتراق الدونم الواحد منها مع استمرار انخفاض المساحات المزروعة سيؤثر سلبا على الإنتاج الوطني.

ومع استمرار الحرائق، فإن أكثر المحافظات التي لديها مشاكل مع محاصيل القمح والشعير هي المثنى وواسط والنجف والرمادي وكركوك وديالى، وهي مهمة وفقا لإشارة التميمي الذي يؤكد بأنّ العراق بحاجة لإعداد خطة مُتكاملة لمعالجة هذه الظاهرة، أبرزها استغلال الواردات من المياه الواصلة من دول الجوار.

ووفق التميمي لم يتبق للعراق من المياه إلا الواردة منها من تركيا، وأما إيران فقد قطعت جميعها بشكل كامل، وأثّر ذلك سلبا على العراق.

أبو رغيف اتهم تنظيم الدولة بشكل رئيسي بالوقوف وراء حرائق الأراضي الزراعية (الجزيرة نت)

علاقة تنظيم الدولة

على المستوى الأمني وما يتعلق بحرائق المحاصيل الزراعية، فإنه بعد دحر تنظيم الدولة عام 2017، بات يبحث عن موارد بديلة لتمويل عملياته بعد أن نضبت مصادرها، فالطريقة الأسهل لذلك هي أخذ الأتاوات من الفلاحين والمزارعين تحت التهديد في المناطق التي يوجد فيها التنظيم، وفق الخبير الأمني فاضل أبو رغيف.

"ويسعى التنظيم لخلق حالة من الإرباك والفوضى باللجوء إلى حرق المحاصيل الزراعية الذي يتسبّب باندثار اقتصادي لضرب خاصرة الاقتصاد، بالتزامن مع الأزمة العالمية فيما يتعلق بالحبوب نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، وهذا ما يجعله يتزامن من جهة، ويتبع منهجية مُسبقة من جهة أخرى"، يقول أبو رغيف للجزيرة نت.

وتلك الحرائق يُنفذها التنظيم بكلّ أريحية سواء بنصب مفارزه أو حرق المحاصيل والآليات أو أخذ الأتاوات وسط تقصير استخباري أمني واضح، وفقا لأبو رغيف الذي أشار إلى ضرورة إعادة النظر في جميع الخطط الأمنية والاستخباراتية في تلك المناطق.

الخبير الاقتصادي الأكاديمي الدكتور صلاح العبيدي (الجزيرة 2)
العبيدي طالب بتوفير مخزون إستراتيجي من القمح والشعير لمواجهة أي تحديات بما فيها ظاهرة الحرائق (الجزيرة نت)

البطاقة التموينية

بدوره يُشير الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور صلاح العبيدي إلى أن استمرار ظاهرة الحرائق يؤثر سلبا على المخزون الإستراتيجي للدولة واقتصاده العام مع توجه العالم نحو أزمة غذائية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويؤكد على ضرورة أن يكون للحكومة مخزون إستراتيجي من القمح والشعير لمواجهة التحديات بما فيها ظاهرة الحرائق التي لها انعكاس مباشر أيضا على القطاع الخاص.

ويحذر الخبير الاقتصادي في حديثه للجزيرة نت من أزمة قد تضرب مفردات البطاقة التموينية لا سيما مادة الطحين في حال استمرت ظاهرة الحرائق وما تُحدثه من ارتدادات سلبية على المخزون الإستراتيجي للدولة.

المصدر : الجزيرة