نجح بجدولة ديون العراق وسعى لمساواة الدينار بالدولار.. ماذا تعرف عن رجل الاقتصاد العراقي الراحل سنان الشبيبي؟
الشبيبي كان حريصًا على استعادة مكانة الدينار العراقي بين العملات العالمية الرصينة ورفع قيمته

يُعد محافظ البنك المركزي الأسبق الدكتور سنان الشبيبي -الذي غيبه الموت السبت في جنيف نتيجة مرض عضال عن 80 عاما- من أبرز رجالات العراق في صناعة السياسة النقدية ما بعد عام 2003.
ولد الشبيبي في بغداد اليوم الأول من يوليو/تموز 1941، والده محمد رضا الشبيبي المتوفي عام 1965 من نوابغ الشعراء وزعيم وطني أبتلي بالسياسة فكان مصلحًا اجتماعيًا مثالي النزعة أكثر منه سياسيًا ورجل دولة.
درس صاحبنا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد وتخرج عام 1966 حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، كما نال دبلوما في الدراسات العليا في التنمية والاقتصاد عام 1969. وحصل على شهادة ماجستير بعلم الاقتصاد من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة (1970-1971) وأيضًا الدكتوراه بعلم الاقتصاد من جامعة بريستل البريطانية عام 1975.

حياته المهنية
شغل الشبيبي منصب رئيس قسم الاستيراد والتسويق في وزارة النفط منذ مايو/أيار 1975 حتى مارس/آذار 1977، ثم تولى رئاسة قسم التخطيط والتنسيق في وزارة التخطيط حتى نهاية 1980.
بعد اندلاع الحرب مع إيران، انتقل الشبيبي إلى جنيف حيث مكث هناك من عام 1980 حتى 2001 وعمل خبيرا اقتصاديا في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
كان مستشار الحكومة للشؤون المالية الدكتور مظهر محمد صالح قد عمل مع الشبيبي قرابة عقد من الزمن في أعمال السلطة النقدية في الدولة.
ويقول صالح في حديث للجزيرة نت "الشبيبي كان يملك الثقة والمهنية الصادقة والأكاديمية العالية وحب الوطن وهي الصفات السامية التي ورثها عن والده" مشيرا إلى أن أداء السياسة النقدية وتنظيم شؤون القطاع المصرفي كانا صلب اهتمام الشبيبي في أشد الظروف وطأةً التي مر بها العراق خلال العقد الماضي بعد الحروب والدمار وانعدام الاستقرار والتضخم، ليرسم بنفسه خريطة الطريق لمستقبل عراقي زاهر ينعم بالرفاهية والاستقرار النقدي.
وأضاف أن الشبيبي -منذ توليه منصب محافظ البنك المركزي- أدخل أنظمة الحسابات ونظم الدفع الحديثة للمؤسسة المالية، واستبدل الطابعات اليدوية والحاسبات بأنظمة حواسيب حديثة، وأدخل أدوات المحاسبة كمزادات بيع العملة الأجنبية، واستبدل العملة النقدية ما قبل عام 2003 بالعملة الجديدة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2003 ويناير/كانون الثاني 2004.

جدولة الديون
وتقول الدكتورة رجاء البندر مدير عام متقاعد بالبنك المركزي إنها عاصرت فترة تولي الشبيبي لمنصب محافظ المركزي منذ عام 2003 حتى 2012، وتشير للجزيرة نت إلى أن الراحل تميز بالإدارة المركزية الناجحة والعلمية والمهنية العالية، وكان من أشد المدافعين عن استقلالية البنك.
وكشفت أيضًا عن "استطاعة الشبيبي جدولة ديون ما قبل عام 2003 بذمة العراق لدول أخرى في نادي باريس مع زميله ونائبه وقتها الدكتور مظهر صالح مما ساهم بتسديد 80% من الديون الخارجية.
وقال الخبير المصرفي عبد الرحمن الشيخلي "الشبيبي كان حريصًا على استعادة مكانة الدينار بين العملات العالمية الرصينة ورفع قيمته بعد أن كان يعاني التضخم الذي أصابه بعد الحصار الاقتصادي المفروض بعد غزو الكويت في تسعينيات القرن الماضي حيث انحدر فيها إلى 3000 دينار مقابل كل دولار واحد.
ويشير الخبير المصرفي للجزيرة نت إلى أن "الشبيبي استطاع إيصال قيمة الدينار بالسوق الموازي نحو 1100 دينار مقابل الدولار قبل تركه مسؤولية محافظ المركزي بعد المحاولة الحكومية لإسقاطه عام 2012".
وكشف أن سياسة الشبيبي النقدية "كانت تهدف لإيصال قيمة العملة الوطنية نحو ألف دينار مقابل الدولار من أجل ضمان نجاح قاعدة رفع الأصفار الثلاثة ليكون الدينار الواحد مساوياً للدولار".

خلافه مع المالكي
ويستطرد الشيخلي أن "عدم توافق الشبيبي مع الحكومة وقتها برئاسة نوري المالكي التي شاءت استخدام احتياطيات العملة لأغراض خاصة" إضافة للتعاقد مع شركات عالمية لتنفيذ مشاريع بالآجل مما يؤدي إلى "خفض قيمة الدينار على مدى الدهر".
ومن جانبه يقول الخبير المصرفي عقيل الأنصاري "حكومة المالكي عام 2012 كانت بحاجة لسحب 5 مليارات دولار، إلا الشبيبي رفض طلب رئيس الوزراء وقدم استقالته مباشرة التي رفضها المالكي لاحقًا.
وأرجع الأنصاري -خلال حديثه للجزيرة نت- سبب هذه الخلافات إلى أنه يعود لعدم معرفة الحكومة بقانون المركزي الصادر عام 2004 الذي نص على استقلالية البنك في رسم السياسة النقدية، وكذلك غياب الفريق الحكومي الاقتصادي الواعي.
ورغم أن قانون المركزي يسمح له إقراض الحكومة عند الحاجة، لكن الشبيبي لم ير وقتها هناك حاجة حقيقية للإقراض، الأمر الذي عده الأنصاري بالصحيح لكن الحكومة -كما يقول- كان ينقصها التعاون والعمل مع المؤسسات كافة.
ويكشف الأنصاري أيضًا عن الخلاف الذي أدى لاتهام الشبيبي في أعقاب تحقيق أجرته اللجنة المالية البرلمانية عام 2012 نتيجة ارتفاع سعر الصرف إلى 1340 دينارا بعد أن كان مستقرًا لفترة طويلة عند 1230 دينارا مقابل كل الدولار، حيث رفع التقرير بشكل مباشر إلى رئيس البرلمان حينها أسامة النجيفي الذي بدوره أحاله إلى لجنة النزاهة. ويختم المصرفي قائلاً "لم يكن هناك تصويت برلماني على إقالة الشبيبي أو إصدار أمر إلقاء القبض من الحكومة وقتها.