تعرف على آفاق الصادرات الجزائرية بعيدا عن المحروقات

الجزائر- في حصيلة غير مسبوقة، حققت التجارة الجزائرية طفرة نوعية ملفتة -وفق مراقبين- بارتفاع الصادرات من غير المحروقات في النصف الأول من العام الجاري.
وكشفت مؤخرا إحصاءات لوزارة التجارة عن بلوغ هذه الصادرات 2.03 مليار دولار، مقابل 1.04 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بتحسّن قدره 95.55%. في حين مثلت ما نسبته 12.38% من إجمالي مبيعات البلاد إلى الخارج، وهو معدّل قياسي في تاريخ التجارة الخارجية للجزائر، خاصة في ظل الظروف الوبائية الاستثنائية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمنطقة تجارة حرة ورفع المبادلات.. ما آفاق العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وليبيا؟
الطريق العابر للصحراء الأفريقية كلف 2.6 مليار دولار.. ما أهمية المشروع للجزائر؟
12.6 مليار دولار عائدات الجزائر من مبيعات النفط والغاز خلال 5 أشهر.. فماذا عن الكهرباء مع لبنان؟
ومن بين أهم المواد المصدرة خارج قطاع المحروقات الأسمدة المعدنية والكيميائية الأزوتية، الذي وصلت قيمة صادراته إلى 618 مليون دولار، في حين سجّلت صادرات الحديد والصلب الجزائري 370 مليون دولار، أما المواد الكيميائية غير العضوية فقد بلغت 343 مليون دولار.
من جهتها، سجلت المواد الغذائية ارتفاعا إلى 287 مليون دولار، كما بلغت صادرات السكر الجزائري 206 ملايين دولار، في حين ارتفعت قيمة المصنوعات المعدنية المصدرة إلى 141 مليون دولار، وفقا للمصدر نفسه.
وتعدّ هذه الأرقام مكسبًا مهمّا للجزائر -حسب مختصين- في ظل العجز المتواصل للميزانية العامة، وتآكل احتياطي العملة الأجنبية، بفعل تراجع أسعار النفط منذ سنوات.
وتعوّل الحكومة الجزائرية على التخلص من عقدة الريع النفطي، الذي لازمها منذ نصف قرن، بتحقيق نحو 5 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات، كهدف رئيسي لسنة 2021، وفق ما شدّد عليه الرئيس عبد المجيد تبون، وأدرجه ضمن أولويات الإنعاش الاقتصادي، في مسعى للاستفادة من مزايا الدخول إلى المنطقة الأفريقية الحرة.

نتيجة إيجابية
ورأى الخبير المالي برّيش عبد القادر أن الأرقام المعلنة إيجابية، بالنظر إلى السياق العام للاقتصاد الوطني والعالمي، بفعل تأثيرات جائحة كورونا، وما فرضته من قيود على التنقل وحركة النقل الجوي للأشخاص، وزيادة تكاليف الشحن للبضائع.
وأكد -في تصريح للجزيرة نت- أن الأهمية الأولى بغضّ النظر عن الكميات المصدرة والقيم المالية هي تحرر المتعامل الاقتصادي الجزائري من عقدة النقص، وإيمانه بأن منتج بلاده قابل للتصدير والمنافسة في الأسواق الخارجية، وفق المتطلبات والشروط المعيارية الأوروبية والدولية المتعارف عليها.
وأوضح عضو لجنة المالية بالبرلمان الجزائري أن المكسب الأساسي هو أن قضية تنويع الصادرات خارج المحروقات ورفعها أصبحت انشغالا مؤسساتيا، بدءًا من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة، مرورا بالبنوك وإدارة الجمارك، وانتهاء بدور الدبلوماسية التي تحوّلت إلى مساعدة المتعاملين الاقتصاديين في الدخول إلى الأسواق الخارجية، خاصة الأفريقية منها.
إرادة سياسية
وأرجع مستشار المعهد الدولي للحوكمة والتنمية المستدامة تقدم الصادرات الجزائرية خارج المحروقات -منذ مطلع العام الجاري- إلى "وجود إرادة سياسية دافعة نحو تحقيق هذا الهدف، تجسدت في حرص رئيس الجمهورية شخصيا على بلوغ عتبة 5 مليارات دولار خلال سنة 2021".
وفسرّها أيضا بتنظيم المتعاملين في القطاع، وممارساتهم الضغط على الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارة التجارة، من أجل تسهيل عمليات التصدير، خاصة مسألة توفير الدعم اللوجيستي، رغم أن هذا الجانب لا يزال يشهد نقصا كبيرا، خاصة مسألة النقل، على حد تعبيره.
وأشار برّيش، في قراءته لتحسن الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، إلى انخراط باقي العاملين وتفاعلهم الإيجابي بتسهيل الإجراءات على مستوى البنوك والجمارك، وغيرها من الجهات المتدخلة في سلسلة التصدير.
كما نوّه بالاحترافية التي أصبح يتمتع بها المصدرون الجزائريون في دخول الأسواق الخارجية، واعتماد الطرق التسويقية الحديثة، مع الاستفادة من اتفاقية التجارة الأفريقية الحرة، وما أتاحت من فرص للنفاذ للأسواق الأفريقية.
وشدّد على التحسن الملاحظ في جودة المنتج الجزائري وقدرته على المنافسة في الأسواق الخارجية، من حيث السعر والنوعية.

شروط النجاح
من جهة أخرى، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عيّة أن ضبط النصوص القانونية والتنظيمية، وتذليل العراقيل الإدارية، إلى جانب ضرورة تسيير ملف التصدير وفقا لأسس اقتصادية بدل الإدارة البيروقراطية؛ تبقى من أهم العوامل لتحقيق الهدف المنشود في تحرير الصادرات الجزائرية خارج المحروقات.
ويرى عيّة -في تصريح للجزيرة نت- أن منطقة التجارة الحرة الأفريقية تتيح للتجارة الجزائرية فرصة كبيرة، خاصة مع انعدام الشروط التعجيزية التي تفرضها دول أخرى على المنتجات التي تدخل أراضيها.
واعتبر المتحدث أن شروط تكتل الاتحاد الأوروبي (الشريك التجاري الأساسي للجزائر) قاسية، بدعوى حماية المستهلك والبيئة، مما يفرض عليها تركيز إستراتيجية رفع الصادرات خارج قطاع المحروقات على الأسواق الأفريقية بالدرجة الأولى.
وقال إن على الجزائر استغلال الانفتاح القارّي لتصدير منتجات الصناعات التحويلية، وعدم الاكتفاء بتسويق السلع الخام التي تستحوذ حاليا على 71% من إجمالي الصادرات خارج قطاع المحروقات، مع التركيز على الصناعة الغذائية التي تمثل فقط 19% من المجموع.
ونبّه إلى أن الأخيرة هي الأكثر طلبًا في الأسواق الأفريقية، علمًا أن المنتجات الغذائية الجزائرية تمتاز بالجودة والمحافظة على مميزاتها الطبيعة، عكس السلع القادمة من الدول المتقدمة، كونها مُعدّلة جينيّا، على حد وصفه.
ولتحقيق ذلك -حسب الخبير نفسه- لا بد من الاهتمام بجانب تسويق المنتج، مثل التعليب الذي وصفه بالتحدي العالمي اليوم في التبادلات الدولية، وكذلك الاعتماد على دراسة الأسواق، ناهيك عن وضع خطط لاقتحام الأسواق الأفريقية بإشراك مختصين وطنيين وأجانب، مع أولوية تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية على مستوى السفارات والقنصلية بالخارج.