2018 ينطلق بموجات غلاء عربية

Protesters throw stones during demonstrations against rising prices and tax increases, in Tebourba, Tunisia, January 9, 2018. REUTERS/Zoubeir Souissi
تونس شهدت احتجاجات عنيفة رفضا لقرارات الحكومة التي أدت لرفع أسعار سلع وخدمات أساسية (رويترز)
محمد النجار

لم يكد عام 2018 يفتح أبوابه حتى شهدت العديد من البلدان العربية موجات غلاء، تفاوتت ردات الفعل الشعبية عليها بالاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي تارة، وصولا لمظاهرات ومواجهات عنيفة مع أجهزة الأمن تارة أخرى.
ولم تستثن موجات الغلاء الدول الغنية بالثروات والموارد وتلك التي تعاني مشكلات اقتصادية مزمنة، فقد شملت دولا نفطية كالسعودية والإمارات والبحرين، وأخرى تعاني أصلا من مشكلات اقتصادية كمصر والسودان وتونس والأردن.
 
وربما تكون القرارات الاقتصادية التي أعلنتها السعودية الحدث الأبرز في موجات غلاء هذا العام، إذ قررت الرياض رفع أسعار البنزين بنسب تراوحت بين 82% و126%، كما رفعت أسعار الكهرباء والمياه.
 
وفرضت الحكومة أيضا ضريبة قيمة مضافة بقيمة 5% على السلع والخدمات بعد أن فرضت العام الماضي ضريبة انتقائية بنسبة 100% على سلع مختارة كان أهمها التبغ ومشروبات الطاقة  والمشروبات الغازية.
 

تكاليف المعيشة

وتوقعت الحكومة السعودية أن يرتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 5.7% خلال العام الجاري.
وأثارت هذه الموجة استياء كبيرا في السعودية، لاسيما وأن الحكومة سبقتها بوقف العلاوة السنوية والزيادات على الرواتب، وغرد عشرات الآلاف من السعوديين على موقع التدوين القصير تويتر معبرين عن استيائهم من ظروفهم المعيشية.
 
لكن الحكومة السعودية عادت لتعلن عن حزمة دعم لمواطنيها، حيث قررت إعادة العلاوة السنوية وتقديم معونات مؤقتة للموظفين للعام الجاري فقط، واتخذت أيضا قرارات اعتبرها مراقبون محاولة من السلطات للتخفيف من حدة الغضب في الشارع.
 
وقد قررت الحكومة الإماراتية فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، إضافة لقرارها فرض ضريبة انتقائية على سلع وخدمات.
 
موجة الغلاء انتقلت للبحرين، التي قررت رفع أسعار الوقود بنسب تراوحت بين 12% و25%، وقالت الحكومة إن قراراتها هذه جاءت لتخفيف عجز الموازنة المتفاقم في البلاد، مؤكدة أن الحكومة لا تزال تقدم الدعم للوقود.
 

لكن موجات الغلاء كانت أكثر قسوة على الدول العربية التي تعاني من شح الموارد وارتفاع كلف المعيشة.

 
ورغم أن موجات الغلاء لم تغب عن مصر، فإن الحكومة أعلنت قبل أيام أنها اتخذت قرارا نهائيا برفع أسعار تذاكر السكك الحديد، دون أن تحدد نسبة الرفع، وكانت الحكومة أعلنت أنها سترفع تذاكر مترو الأنفاق أيضا.
 
وقال وزير النقل المصري هشام عرفات إن هذا الرفع ضروري لتمويل المشروعات المقرر إنشاؤها حتى العام 2022، والبالغة قيمتها 25 مليار جنيه (1.4 مليار دولار)، وسداد الديوان البالغة 40 مليار جنيه (2.26 مليار دولار).
 
وخلال افتتاحه مشروعات بمدينة العاشر من رمضان، برر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي توجّه الحكومة لرفع الأسعار بأنه ضروري لسداد القروض التي جرى من خلالها تمويل مشروعات تطويرر السكك الحديد.
 

الأردن والخبز

واحدة من أكثر موجات الغلاء قسوة لهذا العام شهدها الأردن، حيث قررت الحكومة رفع أسعار الخبز لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما بنسب وصلت إلى 100% اعتبارا من مطلع الشهر المقبل.
 
وأثار قرار الحكومة موجة كبيرة من الاستياء والجدل، لا سيما وأنه سيتسبب -بحسب خبراء اقتصاديين- في موجة غلاء كبيرة ستنعكس على قطاعات عدة، لكن الحكومة نجحت في تمرير موازنتها التي تضمنت رفع الأسعار في البرلمان، وأعلنت عن شبكة أمان اجتماعي للحد من آثار هذا الارتفاع تبلغ نحو 240 مليون دولار.
 
وبررت الحكومة قرارها هذا بأن نحو 65% من الدعم الذي توجهه للخبز سنويا يذهب لغير الأردنيين، في إشارة لنحو ثلاثة ملايين غير أردني غالبيتهم من السوريين والعراقيين والمصريين، إضافة للفلسطينيين من أبناء قطاع غزة.

عنف السودان وتونس
موجات الاحتجاج على غلاء الأسعار أخذت منحى عنيفا في السودان وتونس، إذ تشهد مدن عدة في السودان لا سيما العاصمة الخرطوم احتجاجات منذ أيام بعد أن ارتفعت أسعار الطحين بنسب تصل إلى 1755%، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الخبز بنسب غير مسبوقة.

 
وأدت هذه الموجة من الاحتجاجات لمصادمات بين الشرطة ومتظاهرين غالبيتهم من الطلاب، حيث قتل طالب في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وأصيب العشرات جراء تفريق الشرطة مظاهراتهم بالقوة.
 
ويشكل رفع أسعار الخبز في السودان أحدث موجة في رفع أسعار المواد الأساسية هناك، حيث رفعت الحكومة أسعار الوقود عام 2016، وقررت إلغاء الدعم عن المواد الأساسية ضمن توجه قالت إنه يهدف لإصلاح "التشوهات في الاقتصاد".
 
الموجة العنيفة الأخرى من الاحتجاجات شهدتها تونس إثر قرار الحكومة رفع أسعار عدد من السلع والخدمات الأساسية، مما أدى إلى مقتل مواطن في مدينة طبربة غربي العاصمة.
 

وفاة تونسي

ورغم نفي الحكومة أن يكون المواطن قد توفي نتيجة للاضطرابات، قال محتجون إنه توفي إثر استنشاقه الغاز المدمع الذي أطلقته الشرطة لتفريق المظاهرات الغاضبة.
 
وتوسعت الاحتجاجات في عدد من مدن البلاد، وانتقلت للعاصمة تونس، وسط دعوات من أحزاب معارضة والاتحاد التونسي للشغل للحكومة إلى التراجع عن رفع الأسعار، في وقت طالب فيه الاتحاد الحكومة بقرارات داعمة للطبقة الفقيرة وأمهلها أسبوعا واحدا لتنفيذها.
 
وموجة الغلاء هذه هي الأوسع في العالم العربي منذ سنوات، واللافت أن الحكومات تنبهت للتعامل معها إما عبر إجراءات تحاول من خلالها "امتصاص الغضب"، وإما من خلال قيام أجهزة الأمن بقمعها، في وقت لعبت فيه مؤسسات الإعلام المحسوبة على السلطة في دول عدة دورا مهدئا ببث خطاب يخير المحتجين بين التعايش مع الغلاء، وبين الانتقال لمصير شعوب تعيش في ظل الحروب والفوضى.
المصدر : الجزيرة + وكالات