لقد طالت الحرب في غزة، وكنت لا أرغب في الكتابة أثناء الحرب لأنني لا أحب الكتابة عن الحزن والفقد والفراق، أتدرون ما هو الحب الحقيقي في هذا الوجود هو حب الأم لطفلها، الحب النقي الصافي الذي لا تشوبه شائبة، مهما كانت العلاقة معقدة أو شابها بعض المشاكل والاختلافات ولكن يبقى الحب الأصفى والأنقى.
أولادنا بيننا أكبادنا التي تمشي على الأرض، لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض.
كنت أسمع أمي تدعو عند الحديث عن الأطفال "الله يخلي لكل عين رجاها"، نعم أبناؤنا هم رجاؤنا في هذا الوجود، وهم الحب والسند وكل شيء في هذه الحياة، كان الله في عون كل أم فقدت وليدها.
عندما أنظر للمشاهد القادمة من غزة وأسمع ماذا تقول الأمهات في غزة، اللواتي يفقدن أبناؤهن في أعمار الورود، أو تقطعت بينهم الأوصال أمام أعينهن، أصمت. فماذا نقول عن أحزاننا أمام هذه الأحزان وهذا الصبر، هانت الدنيا في أعينهن ولم تعد تعني لهن شيئا بعد أولادهن، وأنا أشعر أن كل طفل في غزة بمثابة ابن لي.
يؤلمني ما يؤلمهن ويغثني استشهادهن، وقد أتجنب مشاهدة أي شيء عنهن فأنا ما بيدي حيلة، فحب الأم لأطفالها لا يعوضه حب أخر، ويأتي كموجة بحر قوية تجرف كل ماقبلها وبعدها حتى تستقر هي من السطح وحتى الأعماق.
تودع ولدها الشاب قبل ذهابه للمعركة وهي تعلم أنها لن تراه إلى أجل لا يعلمه إلا الله، وتعرف أيضا أنه قد يستشهد ولا تراه، ولكنها صابرة مرابطة، فالابن هو الحنية والحب والمستقبل، وعندما يكبر يصبح السند والصديق والأهل والعالم كله، "الله يحفظ لكل عين رجاها"، وكم من أم غزاوية ذهب عنها رجاؤها في هذه الدنيا وأصبح كل ماتصبوا اليه اللحاق بابنها لتلقاه في جنة النعيم بإذن الله.
إنما أولادنا بيننا أكبادنا التي تمشي على الأرض، لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض.
والله إن الوجع كبير والألم فظيع، لكن ما يبلسم الجراح هو ما تفعله المقاومة للدفاع عن كرامة الغزيين، والثأر لهذا الألم والفقد، وإنني والكثير الكثير لسنا مصدومين من هذا الصمت العالمي، بل إننا وصلنا لمرحلة الاشمئزاز من الصمت والنفاق
الإسرائيليون يحاربون الحياة، ويهدمون روح الأسرة في غزة، وهذا ما يتحدث عنه جنودهم، فهذا الجندي الإسرائيلي الذي بث فيديو يهاجم مرؤوسيه بسبب الحرب على غزه، وقد أعلن أنه تم القبض عليه والتحقيق معه لاحقا.
واليوم وكل يوم مجزرة أخرى من مجازر الكيان الغاشم في رفح، والله إن هذا الوجع كبير، والكلام كثير وهناك مفارقات صعبة. ففي الوقت الذي تربى الأجيال على الخنوع والذل تأتي كل العزة التي في غزة لتعلم الأجيال الثأر والسخرية من هذا العالم.
إنني متفائلة وأتوسم في الأجيال القادمة الخير والرجولة، وأن يكون فيها قوة وجبروت أكثر منا، وأنا أعتذر من غزة، أعتذر من أطفال غزة، من هذا الخوف الذي يجعلنا نتوقف عن قول الكثير مما يجب قوله، وأعتذر من غزة على ضعف القلب الذي يمنعني من مشاهدة أي صور أو فيديوهات عن مجازر الكيان سحقه الله وأفناه.
أنا أعتذر يا غزة من قلة حيلتي وضعفي عن أقدم لأطفالك شيئا، أعتذر لأنني لا أملك سوى ورقتي وقلمي لأبوح بالضيق الذي يأكل صدري ويلتهمني ويشعرني بسخافة ومهزلة هذا العالم القذر
والله إن الوجع كبير والألم فظيع، لكن ما يبلسم الجراح هو ما تفعله المقاومة للدفاع عن كرامة الغزيين، والثأر لهذا الألم والفقد، وإنني والكثير الكثير لسنا مصدومين من هذا الصمت العالمي، بل إننا وصلنا لمرحلة الاشمئزاز من الصمت والنفاق والضعف والذل والنعرة الكاذبة التي تسود هذا العالم.
أنا أعتذر من غزة لأنني في الوقت الذي تشيع شهدائها لا أجرؤ أن أشير إلى النفاق والمهزلة، وأخبرهم أن هنا الذل وهنا تكمن المسرحية ولا تكونوا ضحايا، أنا أعتذر يا غزة من قلة حيلتي وضعفي عن أقدم لأطفالك شيئا، أعتذر لأنني لا أملك سوى ورقتي وقلمي لأبوح بالضيق الذي يأكل صدري ويلتهمني ويشعرني بسخافة ومهزلة هذا العالم القذر، مجزرة يستنكر ويندد بها العالم لأن مصالحه تمنعه من تقديم شيء أكثر من ذلك.
يارب مات ضمير العالم أو أنه في سبات لا لأعرف، لكنه عالم مريض ومريض ومريض، وغزة وحدها تقاوم هذا المرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.