شعار قسم مدونات

قصة نجم.. من زنازين النسيان إلى أسطورة تاريخية

blogs باولو روسي

أحياناً تقسو الحياة عليك إلى أن تبلغ أبواب النهايات، وأحياناً أخرى تمنحك الوقت لتضرب بعواصفك جدران الخيبات، وتذرف إنجازاتك حمماً تُغير بها أرض الإحباط إلى أخرى ترتكز عليها أقدامك بشموخ يوازي هامته أعلى القمم، وعلى الأرض ذاتها يُنقش تاريخ تُسطر صفحاته بحروف مضيئة لتتزين بها سماء وتنعكس على جنباتها تميز ما قد كتب.

   

باولو روسي من أتى من وراء القضبان ليصنع ربيع إيطاليا في مونديال 1982، هكذا أضاء نجمه وتوهج في وقت كان من المفترض أن يكون خارج الحسابات أو هكذا ما قيل آنذاك وما دونته سجلات مطلع الثمانينيات، وبالعودة قليلاً إلى سطور نقترب بها من نجمٌ إيطاليا وفارسها في أسطر كأس العالم النسخة الإسبانية، والذي أبصر النور سنة 1956، وارتداء كرة القدم ثوباً منذ نعومة أظافره، وفي جنة كرة القدم لا صوت يعلو فوق الكالتشيو فإذا تمكنت من تمثيل أحد أنديته فتعتبر من المحظوظين وأما إذا توهجت فيه فأنت قد قرعت أجراس التميز تاريخياً.

 

روسي صاحب 17 ربيعاً خطى أولى خطواته مع السيدة العجوز بتورينو، طريق لم يكن بتلك السهولة لتوالي الخطوات وذلك لمستوى التنافس الكبير الموجودة بين نخبة اللاعبين في الفريق الأول، فاستدار باولو نحو فيتشينزا بدوري الدرجة الثانية الإيطالي ليسطر معه أروع الحكايات مقارنة بعمره اليافع، وسرعان ما أضاء نجمه رفقة فريقه الجديد حاصداً لقب الهداف في أول موسم له بعد توقيعه على 21 هدفاً وامتد تميزه إلى موسم ثان رفقة فيتشبنزا وفي ثاني مواسمه أمطر شباك الخصوم بثمانية عشر هدفاً معلناً عن ولادة هداف هو ليس كغيره.

 

وكعاداتها إدارة البيانكونيري منذ نشأتها تملك نظرة في اكتشاف النجوم الذين يقودونها نحو الأمجاد، في وقت تميز روسي مع فيتشينزا كانت أعين السيدة العجوز ما تلبث أن تراقب باولو في مباراة حتى تتمعن جلياً بمهاراته في أخرى، وما سبق الأعين قد أمضته الأنامل في عقد باولو روسي حين انتقاله من يوفنتوس إلى فيتشينزا ووقتها نقش فيه بند يسمح للاعب بالعودة إلى أسوار الأبيض والأسود في أي وقت ترغب فيه الإدارة بإبرام التعاقد معه، وهذا ما قد حدث بعد مرحلة أولى بفيتشينزا تلتها ثانية قصيرة مع بيروجيا.

   undefined

   

تميز عكر صفوه إيقاف لموسمين بعد تخفيف الحكم من المحكمة الرياضية الإيطالية والتي كانت قد أقرت ثلاث سنوات في الحكم الأول قبل الاستئناف ليخفف إلى سنتين لاحقاً، حكم جاء على خلفية تهم وجهت لباولو روسي بمساهمته في التلاعب بنتائج المباريات والمراهنات رفقة شخصيات كبيرة في أسوار الكرة الإيطالية وعدد من أعرق أنديتها والتي من أبرزها قلعة ميلان التي غطاها ضباب فضيحة التتونيرو 1980 وهبط فيها الروسونيري إلى مصاف الدرجة الأولى، وكذلك هبط روسي من منصات النجومية إلى زنزانات النسيان.

    

إضاءة بات وميضها يخفت شيئاً فشيئاً، والإسم الذي أحدث ضجيجاً بالأمس القريب أصبح اليوم حبيس أحرفه، فلا أقدام تجوب الملاعب ولا طموحات تعتلي المنصات، النهاية هي إذاً أو هكذا رسمت على محيا عاشقي فيتشينزا والسيدة العجوز في الماضي القريب، ولكن هو العكس تماماً مع كل خفقان لقلب روسي هناك طموح، خروج من السجن كان المبتغى ولكن كيف السبيل.

 

إيطاليا جنة كرة القدم وعظيمة أوروبا عند التحدث عن المونديال العالمي، هكذا كنيت لتقف أمام أبواب مونديال إسبانيا محملة بآمال عشاق الأزوري في رؤية شواطئ روما وعلى سماوات صقلية وجزر الجنوب تكتب حروف ذهبية تضئ وتزداد توهجاً عالميا، قبيل عزف آخر مباريات الكالتشيو وبالتحديد في الثلاثة المواجهات الأخيرة للسيدة العجوز عاد روسي إلى ملاعب كرة القدم بعد توقيع يوفنتوس مع الأخير ليتوج بلقب الأسكوديتو، ورغم لعبه لثلاث مباريات فقط منح باولو فرصة لتمثيل منتخب إيطاليا في كأس العالم 1982، قرار غلف بالغرابة في وقتها فكيف يمنح لاعب لم يخض إلا ثلاث مباريات الفرصة ليكون ضمن منتخب إيطاليا خاصة وأنه كان في فترة توقف لما يقارب السنتين.

 

البدايات كانت خجولة لروسي مع منتخب بلاده في مونديال إسبانيا ،ففي دور المجموعات لم يدون أي هدف وصعد رفقة إيطاليا إلى الدور الثاني في المركز الثاني بالمجموعة التي تصدرتها بولندا آنذاك، وفي ثاني أدوار البطولة والتي كان نظامها أن تقسم المنتخبات المتأهلة إلى مجموعات، فكان التحدي أصعب ما يمكن إيطاليا رفقة الأرجنتين والبرازيل في صراع التأهل للمركز الأول فقط، نجحت إيطاليا في أولى الخطوات أمام الأرجنتين والتي كانت الحلقة الأضعف بالمجموعة إذ خسرت أمام البرازيل أيضاً، فكانت المباراة المصيرية للتأهل بين إيطاليا والبرازيل، هنا سطع اسم باولو الذي أثبت أحقيته بتمثيل المنتخب الإيطالي بالمونديال ليكون رده قاسياً على كل منتقديه بثلاثية أمطر بها شباك السيلساو، ورشح بها منتخبه إلى نصف النهائي بيكون الموعد مع بولندا، وبالموعد ذاته ضربت مدافع روسي أسوار بولندا بثنائية اقتلع بها الاحترام من أفواه الخصوم قبل المحبين، سمفونية تواصل عزف ألحانها في نهائي الحلم إيطاليا أمام الماكينات الألمانية، ليجد باولو اللقاء مجدداً بهدف في شباك المنتخب الأبيض ويتوج بلقب كأس العالم ويتوشح رداء الهداف وأفضل لاعب بالبطولة.

  

أشهر قليلة هي في عددها بين أمس كانت فيه أنامل روسي تلامس برود الزنزانات وبين اليوم والذي تلامس فيه الأنامل ذاتها ذهب أغلى بطولات العالم، حظ أم مهارة أو قدر رجل سميها ما شئت ولكن ما احتفلت فيه التسميات قد اجتمعت في رجل ضرب بعنفوانه أمواج الصعوبات ليجد نفسه يقف بشموخ على شواطئ تاريخ سطرت صفحات دفاتره بحروف من ذهب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.