شعار قسم مدونات

سقراط البرازيل.. الموسيقار الذي عزف وحيداً

blogs سقراط دي أوليفيرا

استثنائي هو، مختلف في أزمنة المتشابهين، يعزف منفرداً وعلى ألحانه تُبنى أمجاد أندية، وبالألحان ذاتها تُداعب أهدافه شباك الخصوم تارةً وبتمريرات تُرفع لها قبعات الخصوم قبل المحبين تارةً أخرى. سُقراط ارتبط ذكره في سابقٍ قد ولّى بالفلسفة ومفكريها، وبالمعاني ذاتها ترجم سقراط البرازيل وفيلسوف كرتها أقوال الفلاسفة إلى جُمل كروية خرّ أمامها خصوم على أرضية الملاعب، وناظرت أعين آخرين سحر ما يرسم الفيلسوف ليكون المشهد النهائي لوحة فنية رُسمت بأقدام الأخير، وتلألأت على جنباتها مهارات ابن بوابة الأمازون بيليم أيقونة الشمال.

سقراطيس دي أوليفيرا من اختلف عن رفاقه في تحصيله العلمي وشابههم في عشق كرة القدم، 1954 أبصر الحكيم كما أحب عاشقيه تسميته النور في بلاد تجمع من التناقضات الشيء الكثير، ليشق طريقه في مسيرة العلم التي تفوق فيها ليسير في خطين متوازيين بين نجاحات علمية وتميز كروي، والذي لامست فيه أقدامه أولى خطوات الاحتراف بسن 24 ربيعاً، وحينها ارتداء ألوان كورنثيانز ليبدأ عزف ألحانه بمسفونيات أطربت كل من شاهدها واستمر صداها يروي حكايات الفيلسوف في زمن عجت فيه السماء العالمية بالنجوم، وكان سقراط فيه يُضيء بدراً بين هذه النجوم.

رحل سقراط وترك تاريخاً عظيماً في الساحرة المستديرة ونجاحات فردية دخل لها قلوب العاشقين قبل المحبين، هكذا نسج خيوط الإبداع وعلى الخيوط ذاتها نقش التميز بلمسات تمتع أي كان من يشاهدها

الفيلسوف تألق في مونديال 1982، وحينها شكّل مع أيقونات السيلساو منتخباً يُمتع أعين الخصوم قبل المحبين، ورغم الخروج خال الوفاض في هذه النسخة إلاّ أن سقراطيس ورفاقه كانوا من أفضل النسخ البرازيلية التي لامست أقدامهم أرضية المونديال العالمي، أو هكذا صُنف برازيل 82 بأعين من شاهدهم. الدكتور، لاعب كرة القدم، الثائر مراحل حياة سقراط فبعد مشاركته في مونديال المكسيك 1986 والتي كتب فيها آخر حروف مشاركاته المونديالية ليظل أحد الأساطير الذين لم تلامس أناملهم كأس العالم. استهوته بلاده وعشق هوائها فبمجرد ما ارتدى ألوان الفيولا في كالتشيو إيطاليا سرعان ما نزع ثوب الاحتراف خارج الحدود وعاد إلى موطنه من بوابة فلامنغو.

أفكاره الثائرة وهوسه بالديمقراطية كان شغله الشاغل والثورة على الحكم العسكري آنذاك، وبالرجوع إلى الأشخاص الذين تأثر بهم سقراط يتضح لنا أسباب سيره في هذه الدروب، والتي خطى فيها تشي جيفارا وكاسترو طريق كفاحهما، كفاح لامس قلب الفيلسوف قبل عقله فانضمامه لصفوف طبقة البروليتاريا ومناهضته للأحكام المستبدة من طرف الحكومة آنذاك، وساعدت شهرته في تمهيد الطريق إلى نسج خيوط أفكاره وعلى الطريق ذاته كانت كلماته ذات صدى ينتقل من مكانه ليبلغ آخر ردهات شوارع البرازيل. رجل امتهن الطب أكاديميًا، وداعب كرة القدم كهاوٍ فجعلت منه معشوقاً في قلوب المحبين، وبين هاتين المرحلتين كان الكفاح ونيران الثورة تشتعل في قلب الفيلسوف لتكون 2011 آخر الصفحات والتي بها طويت حياة سقراط كإنسان ويترك ورائه إرثاً يناهز النجوم في إضائتها وذهب لا يصدأ مع مرور السنين.

رحل سقراط وترك تاريخاً عظيماً في الساحرة المستديرة ونجاحات فردية دخل لها قلوب العاشقين قبل المحبين، هكذا نسج خيوط الإبداع وعلى الخيوط ذاتها نقش التميز بلمسات تمتع أي كان من يشاهدها، وواصل نثر سحره بإيمانه بقضية الكفاح والوقوف بجانب الطبقة الكادحة ومن ينامون على الإسفلت محاولاً أن يلامس شيئا من معاناتهم وكان صوتهم إذا أرادوا الحديث، كلمات كُتبت في إنسان جمع من الثراء الشيء الكثير كمٌ عظيم من الاحترام يقابله القدر ذاته من التميز أكاديمياً ورياضياً فاكتمل في جوانب عدة ليفرض نفسه نجماً قلّ نظيره.

ولأن الشيء من مأتاه لا يستغرب البرازيل الحاضنة لأبناءها ومنبع النجوم، هكذا عرفت وهكذا صنفت بين كبار كرة القدم وبالحديث عن الكبار فليس بالأمر السهل أن تضيء في سماء تعج بالنجوم، بل وتتوهج لتترك أثراً يتحدث عن ذاته واسم إن ذكر في حاضره ابتسمت له شفاه المحبين، ودقت قلوب آخرين تهليلاً لعلم مسبق بما يملك الفيلسوف من إمكانيات تصنفه أحد أبرز من لامست أقدامهم كرة القدم ذات يوم. سقراط الجامع للتناقضات وكاسب احترام من جانبه أو لامس اسمه مسامع غيره، ورغم عدم تتويجه بأغلى الألقاب العالمية رفقة السيلساو إلاّ أنه نجح في حجز مكانة في قلوب عاشقي المنتخب الأصفر خاصة ومن يعشق كرة القدم في العالم أجمع وفي داخلهم صوت يقول يأتي عديد اللاعبين ولكن يظل سقراط فريداً واستثنائي عن البقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.