شعار قسم مدونات

لم أنهت المملكة دعمها للفصائل السورية؟

blogs - السعودية

تتحوّل المملكة العربية السعودية من النقيض إلى النقيض في سياستها تجاه الثورة السورية. فمن داعم غير محدود لفصائل المعارضة السورية منذ 2012 وحتى نهاية 2016 إلى مانع لهذا الدعم في 2017، وهو العام الذي حمل الكثير من المفاجآت للثورة السورية. بدأ العام بتسلم ترمب للسلطة والذي قرّر بلا مواربة عدم الاكتراث المطلق برحيل الأسد، والتركيز الأوحد على "الحرب على الإرهاب" بما يتضمن ذلك من إعادة ضبط العلاقات الإقليمية والدولية بما يخدم هذه الحرب كأولوية أولى. كما تعني أولوية الحرب على الإرهاب توجيه الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم المملكة، لتكريس موارد المال والسلاح والدعم للفصائل الأكثر كفاءة وقدرة على الحرب على الإرهاب، وبمعنى آخر، الفصائل الكردية.

تفكك الحلف الذي خدم الثورة السورية في ربيعها وخريفها، وهو الحلف الذي تكون من السعودية وقطر وتركيا. وبموجبه تعاونت الدول الثلاثة في إمداد فصائل الجيش الحر خاصة بالسلاح والمال ليخوضوا معركتهم في مواجهة الأسد، ويحبطوا الحلم الإيراني بإكمال الهلال الشيعي. وهو الهدف الذي لم يتحقق.

وكانت الإمارات هي من تزعمت تفكيك هذا الحلف، واستطاعت تقديم نفسها في الولايات المتحدة كلاعب إقليمي ناجح في "الحرب على الإرهاب." وكان لصلات محمد بن زايد بمحمد بن سلمان أكبر الأثر في استمالة المملكة نحو حلف جديد تنضم فيه إلى الإمارات والبحرين ومصر، وتعادي فيه تركيا وقطر.

تحوّل الأمر من تحالف كان يضم السعودية وقطر وتركيا هدفه إسقاط نظام الأسد عبر دعم الفصائل السورية المقاتلة وعلى الأخص المعتدلة إلى تحالف جديد يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ويقاطع قطر لتتخلى عن دعم الثورة السورية كما تخلت، صديقة الأمس، السعودية عنها.

نستطيع قراءة القطيعة الخليجية لقطر لمحاولة إرغامها على تغيير رؤيتها والتخلي عن سورية من جهة، والتخلي عن حماس من جهة أخرى، ومن ثمّ اللحاق بركب التحالف الجديد الذي لم يخسر عداوة إيران، ولكنه فاز بعداوة الإسلاميين، وصداقة الولايات المتحدة.

تفكّكت الرؤية السعودية لخريطة المنطقة إذن والتي كانت تدعم الثورة السورية، وترى وجوب رحيل الأسد لإخراج سورية من الهيمنة الإيرانية، وقطع الطريق أمام إكمال الهلال الشيعي. وتكوّنت رؤية أخرى ترى الحرب على الإرهاب هي الأولوية الأولى: رؤية جديدة للمنطقة بأكملها تقودها الإمارات العربية بدعم من الولايات المتحدة، وتحدد أجندتها.

وسيكون لصعود نجم محمد بن سلمان الأمير الشاب وولي العهد السعودي منذ أسبوع مضى أكبر الأثر في تدعيم الرؤية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط التي تنحي سوريا جانبًا وتقبل بالوضع الذي فرضته روسيا وتقبل استمرار الأسد أو ردّ اعتبار الشرعية له، وإعادة الأولوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل والتحالف مع إسرائيل في مواجه عدو مشترك لدول الخليج ولإسرائيل، ألا وهو إيران.

وفي ضوء هذه التحولات الجذرية التي طالت مستوى رؤية المملكة العربية السعودية لخريطة المنطقة، نستطيع أن نفهم التقارب الجديد بين الأكراد وبين السعودية والإمارات والتي تعني دعم الأخيرتين لمشروع انفصال الأكراد عن سوريا وتكوين دولة كردية خاصّة بهم. وبالمثل، نستطيع قراءة القطيعة الخليجية لقطر لمحاولة إرغامها على تغيير رؤيتها والتخلي عن سورية من جهة، والتخلي عن حماس من جهة أخرى، ومن ثمّ اللحاق بركب التحالف الجديد الذي لم يخسر عداوة إيران، ولكنه فاز بعداوة الإسلاميين، وصداقة الولايات المتحدة.

وبناء على هذه التحولات والتحالفات الجديدة نستطيع أن نقرأ بوضوح إسدال الستار تمامًا على مرحلة الثورات العربية وما كان من الممكن أن تحمله من تحوّل في المنطقة، واستمرار قصة الحرب على الإرهاب التي بدأت في عام 2001 واستمرت وستستمر إلى أجل لا يعلمه إلا الله.