إصلاح الخلل الإنتاجي بدول مجلس التعاون

undefined

* بقلم/ د. يوسف حمد الإبراهيم

مقدمة
الملامح الأساسية لخلل الهيكل الإنتاجي
تداعيات استمرار هذه الاختلالات في المستقبل
الأهمية الإستراتيجية لمواجهة هذه الاختلالات

مقدمة

تملك دول مجلس التعاون حوالي 44% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في العالم، وحوالي 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي. من ناحية أخرى فإن هذه الدول تنتج حوالي 15% من الناتج العالمي للنفط الخام، وتصل صادراتها من النفط الخام إلى حوالي 20% من إجمالي الصادرات العالمية، وهي بهذا الشكل تحتل وضعية فريدة بين مجموعة الدول النامية، حيث تمكنت دول مجلس التعاون بفضل الإيرادات النفطية من تحقيق مستويات مرتفعة للدخول فاقت في بعض الأحيان متوسط الدخل في الدول الصناعية المتقدمة.

ولقد ساعد ارتفاع أسعار النفط في النصف الثاني من السبعينيات دول المجلس على تبني خطط تحسين هياكل البنية التحتية وتنويع الهيكل الإنتاجي. غير أن الفائض الكبير في ميزانيات تلك الدول قد بدأ في التلاشي بدءا من عام 1982 بسبب تزايد الإنفاق العام، في الوقت الذي أخذت فيه الإيرادات في التناقص بفعل انخفاض أسعار النفط، ومن ثم بدأت تشهد دول المنطقة تراجعا في معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي وكذلك احتياطياتها الخارجية.

ونتيجة لذلك بدأت دول المجلس في تبني سياسات للتعديل تضمنت خفضا في إنفاقها العام بصفة خاصة الإنفاق الرأسمالي. غير أن عملية التعديل قد اعترضتها أزمة العدوان العراقي على دولة الكويت وما تلاها من حرب لتحرير الكويت عامي 90/1991، حيث تولدت عن ذلك ضغوط إضافية على الميزانيات والموازين الخارجية لتلك الدول بسبب الزيادة في الإنفاق المصاحب للأزمة.

وعلى الرغم من أن الإيرادات النفطية قد ساعدت على نمو النشاط في القطاعات غير النفطية، إلا أن الهياكل الاقتصادية الحالية لدول المجلس ما تزال تعتمد وبشكل كبير على النفط، ولم تسفر جهود التنمية الحالية عن إحداث تغيرات ملموسة في هيكل توزيع الناتج. من ناحية أخرى فإن ملكية الدولة للنفط وبسبب كونه المصدر الرئيسي للناتج، قد جعلت من القطاع العام مسيطرا على النشاط الاقتصادي وتراجع دور القطاع الخاص بشكل واضح. وبقدر ما تم تحقيقه من إنجازات إلا أن السياسات التي اتبعت بشأنها قد تسببت في العديد من الاختلالات، وهي اختلالات تفاقمت حدتها بمرور الوقت وباتت تشكل قيدا على عملية التنمية ذاتها.

وتهدف هذه الورقة إلى استعراض أنماط التنمية في دول مجلس التعاون خلال ربع القرن الماضي، وتحليل اختلالات الهيكل الإنتاجي التي نجمت عن تلك الأنماط وبيان تداعيات استمرار تلك الاختلالات في المستقبل، وإيضاح الأهمية الإستراتيجية لمعالجة تلك الاختلالات، وعرض إمكانية إصلاح الخلل ومتطلبات الإصلاح على مستوى الحكومات والمجتمع الأهلي ومستوى المواطن.

أنماط التنمية في دول مجلس التعاون
مما لا شك فيه أن النمو الذي حققته دول المجلس يعد جوهريا مقارنة بباقي الدول النامية الأخرى، غير أن هذا النمو قد شابه العديد من التشوهات، بصفة خاصة تشوهات هياكل الأسعار في أسواق السلع والعناصر واختلالات هياكل الإنتاج والسكان وأسواق العمل بالشكل الذي أصبحت معه تلك الاقتصاديات عاجزة، في ظل الأنماط الحالية للتنمية، على إيجاد بدائل ملائمة لتنويع هياكل اقتصادياتها وتخفيف اعتمادها على النفط.

وقد شكل الدور الحيوي الذي يلعبه القطاع النفطي تحديا كبيرا لدول مجلس التعاون، إذ جعلها عرضة للتقلبات في أسعار النفط على المستوى الدولي، الأمر الذي يعد عائقا أمام تحقيق معدلات مستقرة للنمو. وبالرغم من أن دول المجلس بهذا الشكل تتشابه مع الدول النامية الأخرى، إلا أن الاعتماد المفرط على النفط يضع تلك الدول في وضع حرج. إذ ترتفع نسب مساهمة هذا القطاع في الناتج القومي والصادرات والإيرادات العامة. من ناحية أخرى فإن التقلبات في أسعار النفط تنعكس بصورة كبيرة على تقلبات الناتج المحلي والإنفاق الحكومي وإيرادات الصادرات.

ولكي تواجه دول المجلس الآثار السلبية لتلك التقلبات حاولت أن تنوع هياكل الإنتاج الخاصة بها وتقلل اعتمادها المفرط على الإيرادات النفطية، مستخدمة في ذلك سبلا عدة. ففي بعض الدول انصب الاهتمام على تنويع الإيرادات من خلال تنويع هياكل الأصول الخارجية، على سبيل المثال قامت الكويت بتكوين حجم كبير من الأصول المالية لكي توفر موارد للأجيال القادمة، ولكي تساعد على تجنيب الميزانية آثار التقلبات في إيرادات النفط.

من ناحية أخرى ارتكزت جهود التنويع في بعض الدول على القطاعات التي تتمتع فيها بميزة تنافسية واضحة، بصفة خاصة في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة والبتروكيماويات مثل الألومنيوم والحديد والأسمنت والصناعات الخفيفة. على سبيل المثال قامت المملكة العربية السعودية بتنويع هياكل الدخل من خلال تطوير قطاع محلي غير نفطي بمشاركة جوهرية للقطاع الخاص، كذلك حاولت بعض الدول أن تتبع سبلا أخرى لتعظيم القيمة المضافة في بعض القطاعات مثل التجارة الحرة، كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة، والخدمات المالية والسياحة مثل البحرين والإمارات. كذلك اتبعت دول أخرى مزيجا من السياستين، من خلال تحديد إستراتيجياتها على أساس المصادر النفطية واحتياطيات النقد الأجنبي والفرص الاستثمارية في الداخل.

وفي كافة الدول التي اتبعت سياسات استثمار محلي ارتكز القطاع غير النفطي على الصناعات البتروكيماوية وغيرها من الصناعات التي تعتمد على النفط والغاز الطبيعي والتي تتمتع فيها تلك الدول بميزة تنافسية واضحة. أكثر من ذلك فإن معظم الصناعات غير النفطية بقيت في يد القطاع العام بما يعكس سياسات السلطات نحو الصناعات الإستراتيجية وحجم المشاركة الأجنبية. من ناحية أخرى فإن القطاعات التقليدية مثل التجارة والتشييد والخدمات استمرت في النمو استجابة للزيادة في الطلب الناجم من القطاع العائلي، أما في قطاعي الزراعة والصناعة فقد كانت مساهمة القطاع الخاص فيها جوهرية، غير أن الإنتاج كان مدعما بشكل عام من خلال الأشكال المختلفة للدعم والوسائل الأخرى التي أدت إلى أعباء إضافية على كاهل الميزانية العامة وأدت إلى تشويه هياكل الأسعار النسبية.

أولا – الملامح الأساسية لخلل الهيكل الإنتاجي

اعتمدت أنماط التنمية في دول المجلس، وما تزال، على سياسات التنمية الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة، الأمر الذي أفرز الكثير من الاختلالات التي أصبحت تهدد مسار عملية التنمية في المستقبل، بسبب تزايد الأعباء المالية لتلك السياسات على الميزانيات العامة. ويمكن تلخيص مجموعة الاختلالات الأساسية التي تعاني منها دول المجلس في الآتي:

1. الاعتماد المفرط على القطاع النفطي

جدول رقم (1) متوسط مساهمة قطاع النفط والتعدين في الناتج المحلي (1996-2001)

الدولة

متوسط المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي %

الإمارات

28.68

البحرين

16.98

السعودية

33.89

عمان

34.71

قطر

46.50

الكويت

28.41

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

فبعد أكثر من ربع قرن من التنمية ما تزال مساهمة قطاع النفط الخام في الناتج المحلي مرتفعة بشكل واضح، وما يزال إنتاج وتصدير النفط يشكل المكون الأساسي للدخل المحلي والمصدر الرئيسي لتمويل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المحلية في الغالبية العظمى لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتراوح نسبة مساهمة القطاع النفطي بين 16.98% في البحرين و%46.5 في قطر، كما هو موضح في الجدول رقم (1).

2. ارتفاع مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي للقطاع غير النفطي

فقد انصبت جهود التنمية بشكل واضح على تنمية قطاع الخدمات والتي يتمثل جانب كبير منها في الخدمات التي يقدمها القطاع الحكومي (مساهمة أنشطة خدمات المجتمع والخدمات المالية وأنشطة التجارة والمطاعم والفنادق)، حيث تتراوح مساهمة هذا القطاع بين 41.01% في قطر و56.17% في البحرين كما هو موضح في الجدول رقم (2). من ناحية أخرى يلاحظ محدودية مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي حيث تتراوح مساهمة هذا القطاع بين 7.1% في قطر و22.9% في الكويت، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الصناعات المعتمدة على النفط في قطاع الصناعات التحويلية تعد مرتفعة أيضا، مما يعكس صغر قاعدة الصناعات التحويلية الأخرى.

وبالرغم من أن ارتفاع مساهمة قطاع الخدمات يعد إحدى خصائص الاقتصاديات التي قطعت شوطا كبيرا في مسيرة التنمية، إلا أنه في دول المجلس يتركز في النشاط الحكومي. كما أن المشكلة الأساسية تتمثل في أن القطاعات السلعية تعتمد على النشاط الأولي وهو استخراج النفط الخام، في الوقت الذي تنخفض فيه مساهمة قطاع الزراعة بصورة واضحة كما هو موضح في الجدول رقم (2)، حيث تقل في بعض الدول عن 1% من إجمالي الناتج المحلي.

جدول رقم (2) متوسط مساهمة قطاعي الخدمات والصناعات التحويلية في الناتج المحلي (1996-2001)

الدولة

متوسط مساهمة
قطاع الخدمات%

متوسط مساهمة
قطاع الصناعات
التحويلية%

متوسط مساهمة
قطاع الزراعة%

الإمارات

45.19

12.57

3.34

البحرين

56.17

16.10

0.85

السعودية

48.74

9.77

5.82

عمان

50.5

9.32

2.44

قطر

41.01

7.12

0.46

الكويت

47.91

22.85

0.42

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

3. اختلال هيكل الإنفاق الكلي

حيث ترتفع مستويات الإنفاق الاستهلاكي من الناحية المطلقة إلى إجمالي الناتج، كما يتزايد الاستهلاك النهائي الحكومي والخاص بمعدلات تفوق معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. من ناحية أخرى تنخفض مستويات التكوين الرأسمالي ومعدلات نموه فضلا عن تقلبها من سنة إلى أخرى، بصفة خاصة الإنفاق الاستثماري العام. كذلك يلاحظ انخفاض نسب التكوين الرأسمالي إلى إجمالي الادخار القومي بسبب انخفاض الطاقة الاستيعابية المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى خروج الكثير من المدخرات خارج تلك الدول.

ويوضح الجدول رقم (3) متوسط معدلات الاستهلاك النهائي إلى إجمالي الناتج والتي تتراوح بين 49.38% في قطر و75.21% في الكويت، من ناحية أخرى يلاحظ أن معدلات تكوين رأس المال بالنسبة للناتج تتراوح بين 12.75% في الكويت و27.32% في الإمارات العربية المتحدة.

جدول رقم (3) متوسط معدلات الاستهلاك والتكوين الرأسمالي إلى الناتج المحلي (1996-2001)

الدولة

الاستهلاك الإجمالي%

الاستهلاك الخاص%

الاستهلاك العام%

تكوين رأس المال%

الإمارات

64.31

47.54

16.78

27.32

البحرين

69.60

50.04

19.55

13.32

السعودية

66.65

38.98

27.67

19.71

عمان

70.79

47.12

23.67

15.79

قطر

49.38

21.97

27.41

26.86

الكويت

75.21

48.63

26.58

12.75

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

4. ارتفاع معدلات التسرب من دورة الدخل والإنفاق القومي

ويرجع ذلك إلى ارتفاع مستويات الواردات من الخارج بسبب ارتفاع الميل المتوسط للاستيراد وضعف قدرة القاعدة الإنتاجية المحلية على مواجهة الطلب المحلي، بصفة خاصة من السلع الاستهلاكية، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الفائض في الميزان التجاري عبر الزمن، خصوصا مع ميل أسعار النفط نحو التراجع من الناحية الحقيقية. ومن الجدول رقم (4) يتضح أن متوسط نسبة الواردات إلى الناتج المحلي تتراوح بين 27.45% في المملكة العربية السعودية و68.67% في البحرين. وتتكون الواردات بشكل أساسي من السلع الاستهلاكية وواردات الخدمات المختلفة.

جدول رقم (4) متوسط معدلات واردات السلع والخدمات إلى الناتج المحلي (1996-2001)

الدولة

نسبة الواردات إلى الناتج %

الإمارات

62.29

البحرين

68.67

السعودية

27.45

عمان

36.70

قطر

32.95

الكويت

39.28

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

5. هيمنة القطاع العام على حركة النشاط الاقتصادي المحلي

مع تزايد درجة التدخل الحكومي المباشر في الحياة الاقتصادية، تضخم حجم القطاع العام حيث أصبح يهيمن على مستويات النشاط الاقتصادي، إذ ترتفع نسبة مساهمة القطاع العام في هيكل النشاط الاقتصادي المحلي بصورة واضحة في دول مجلس التعاون بسبب سيطرة الدولة على أهم أصول الثروة الوطنية وهو النفط، فضلا عن اتساع أنشطة الإدارة العامة في الوقت الذي تنخفض فيه المساهمة النسبية للقطاع الخاص وتراجع الدور الذي يضطلع به كمنتج وموظف للعمالة الوطنية.

6. اختلال هيكل الميزانية العامة


النظام المالي الخليجي لا يحقق العدالة الاجتماعية المفترضة بين الأفراد نظرا لإعفاء الجميع من الضرائب المباشرة على الدخول أو الأرباح في الوقت الذي تتاح فيه السلع والخدمات المدعمة للجميع

تتمثل أهم جوانب الاختلال في الميزانيات العامة في الآتي:

  • سيطرة الإيرادات النفطية:
    حيث تتركز إيرادات دول مجلس التعاون كما هو معلوم في الإيرادات النفطية، وحتى وقت قريب كانت الإيرادات المولدة من الاستثمارات الخارجية تشكل جانبا مهما بالنسبة لها، ويوضح الجدول رقم (5) أن الإيرادات النفطية تسيطر بصورة واضحة على هيكل الإيرادات العامة في دول مجلس التعاون. ففي المتوسط تتراوح الإيرادات النفطية إلى إجمالي الإيرادات العامة بين حوالي 61% في البحرين ونحو 77.7% في المملكة العربية السعودية.
  • وتعاني المصادر الأخرى للإيرادات من مشكلة انخفاض قاعدتها، بصفة خاصة القاعدة الضريبية والتي تتكون أساسا من الضرائب الجمركية وضرائب الدخل المحدودة والرسوم الأخرى حيث تمثل هذه الإيرادات في المتوسط حوالي 8% فقط من الناتج المحلي في دول الخليج، وهو ما يقل بكثير عن المستويات المماثلة في الدول النامية الأخرى. كذلك يلاحظ انخفاض إيرادات الخدمات بشكل عام نتيجة تقديم الخدمات العامة برسوم بسيطة لا تعبر عن التكلفة الحقيقية لها، أو بدون مقابل في بعض الأحيان، الأمر الذي يؤدي إلى الإسراف في استخدامها ومن ثم زيادة الضغوط على الإنفاق العام مع نمو السكان.
  • ويتضح من الجدول رقم (5) أن نسبة الإيرادات غير النفطية إلى الإيرادات النفطية قد اقتصرت في المتوسط على حوالي 21.94% في المملكة العربية السعودية، وتبلغ أقصى مستوياتها في البحرين حيث تمثل حوالي 38.58%. وتوضح هامشية الإيرادات غير النفطية مدى خطورة وضع المالية العامة لدول مجلس التعاون. حيث تمثل الإيرادات من النفط العمود الفقري للإيرادات في حين تتسم الإيرادات التقليدية للدولة بالهامشية بصفة خاصة الإيرادات الضريبية كما تنخفض مستويات الإيرادات من الرسوم على الخدمات وإيرادات السلع العامة بسبب برامج الرفاه.
  • من ناحية أخرى فإن هامشية المصادر التقليدية للإيرادات العامة، أي الضرائب المباشرة وغير المباشرة، تجعل الصلة بين الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات العامة مفقودة، وبالتالي حرمان صانع السياسة من أحد أهم أدوات السياسة المالية للتأثير على مستويات النشاط الاقتصادي المحلي. حيث يجعل ذلك النشاط تحت رحمة العوامل الخارجية، كما يعني ذلك أن النظام المالي الحالي لا يحقق العدالة الاجتماعية المفترضة بين الأفراد نظرا لإعفاء الجميع من الضرائب المباشرة على الدخول أو الأرباح، في الوقت الذي تتاح فيه السلع والخدمات المدعمة للجميع.
  • انخفاض نسب الإنفاق الرأسمالي مقارنة بالإنفاق الجاري:
    ففيما عدا الإمارات العربية المتحدة لا تتجاوز نسبة الإنفاق الرأسمالي العام ما بين 12.94% – 18.53%، ويلاحظ ميل هذا الإنفاق نحو التقلب بشكل مستمر مع تقلب الإيرادات من النفط. ففي الأوقات التي ترتفع فيها الإيرادات النفطية يزداد فيها الإنفاق الاستثماري أيضا، أما في الأوقات التي تنخفض فيها الإيرادات من النفط فإن أكثر أشكال الإنفاق تأثرا يكون الإنفاق الاستثماري، حيث يسهل تخفيض هذا النوع من الإنفاق بينما يصعب تخفيض الأشكال الأخرى من الإنفاق الجاري مثل الرواتب والدعم نتيجة للقيود السياسية والاجتماعية.

جدول رقم (5) مؤشرات المالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي (1996-2001)

البيان

الإمارات

البحرين

السعودية

عمان

قطر

الكويت

الإيرادات النفطية
للإيرادات العامة%

64.90

61.05

77.67

75.38

69.39

الإيرادات غير النفطية للإيرادات العامة%

35.10

38.58

21.94

24.62

30.61

الإنفاق النفطي
للإيرادات العامة %

34.72

18.53

16.41

18.55

12.94

14.53

الإنفاق الجاري
للإيرادات العامة %

65.28

81.47

83.77

82.09

87.06

85.54

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

وفي المقابل نجد أن الإنفاق الجاري يمثل الجانب الأكبر من الإنفاق العام حيث يتراوح الإنفاق الجاري بين 81.47% و 87.06% من الإنفاق العام (باستثناء الإمارات العربية المتحدة)، ويستحوذ الإنفاق على الرواتب والمدفوعات التحويلية الأخرى الجانب الأكبر من الإنفاق العام. ويرجع ارتفاع تلك المستويات إلى سياسات التوظيف التي اتبعتها تلك الدول وسياسات الدعم والمدفوعات التحويلية الأخرى الهادفة إلى إحداث قدر من إعادة توزيع الثروة النفطية بين المواطنين. ومن المعلوم أن الإنفاق الجاري لا يمكن تخفيضه بصورة محسوسة في معظم الأحوال ليتماشى مع تطورات الإيرادات العامة. ويترتب على ذلك أن يصبح هيكل الإنفاق برمته غير مرن.

وبما أن الجانب الأكبر من الإنفاق العام يتمثل في الإنفاق الجاري، فإن جمود الإنفاق الجاري سوف يعني أن محاولات تقليص الإنفاق العام ليتماشى مع مستويات الإيرادات العامة سوف تنصب على تخفيض مستويات الإنفاق الاستثماري، الأمر الذي يؤثر على فرص النمو المستقبلي للاقتصاد المحلي، فضلا عن تعميق الآثار الانكماشية للإنفاق على مستويات التوظف والتشغيل المحلي باعتبار أن الإنفاق العام، خاصة الاستثماري منه، هو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي. ومما لا شك فيه أن هذا الهيكل للإنفاق العام لا يمثل أساسا صلبا لتنمية مستقرة في الأجل الطويل، إذ من المعلوم أن النمو الاقتصادي يحتاج إلى رفع معدلات الاستثمار بشكل مستمر ولفترة طويلة من الزمن، ويصعب تحقيق مثل هذا الاستقرار في معدلات الاستثمار في ظل أنماط الإنفاق وهياكل الإيرادات الحالية.

  • عدم تناسب الإنفاق العام مع الإيرادات العامة:
    يتسم الإنفاق العام في دول المجلس بالتزايد المستمر بينما تتقلب الإيرادات النفطية حسب التغيرات في سعر النفط في السوق العالمي، وحينما تميل الإيرادات النفطية نحو التناقص يصعب تخفيض مستويات الإنفاق العام نتيجة اتسامه بالجمود النسبي. ويعني هذا الوضع ضعف إمكانية السيطرة على الإنفاق العام بدون المساس باعتبارات الأمن الاجتماعي، أو المساس بمستويات الرفاهية للسكان، التي يعتقد أنها أصبحت حقوقا مكتسبة.
  • وتنشأ الضغوط على الإنفاق الجاري أساسا من جانب المرتبات والإنفاق على الدفاع والأمن والدعم. حيث يتزايد الإنفاق على أبواب المرتبات بصورة كبيرة عاما بعد الآخر نتيجة الدور الذي تضطلع به حكومات دول المجلس كموظف أساسي لقوة العمل الوطنية في الاقتصاد. فقد ترتب على النمو المتزايد في مستويات المرتبات وجود فجوة كبيرة بين هيكل الأجور في كل من القطاعين العام والخاص. كما أصبح الإنفاق على الدفاع والأمن يستنزف نسبة كبيرة من الإنفاق العام، كذلك تزايد الإنفاق على الدعم في دول مجلس التعاون في ظل تبني إطار عام لعملية إعادة توزيع الثروة النفطية على الجمهور ولدعم أنشطة القطاع الخاص. وبالإضافة إلى السياسات الحمائية الأخرى فإن الدعم الموجه لكل من المستهلكين والمنتجين قد هدف إلى تأمين أسعار منخفضة ومستقرة للمواد الغذائية الأساسية والخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم ولتشجيع الصناعات الأساسية. وعلى الرغم من انخفاض نسبة الدعم النقدي المقدم مقارنة بالمعايير الدولية، فإن هناك دعما مستترا كبير الحجم والمتمثل في الخدمات الحكومية المجانية أو المنخفضة التكاليف في مجالات التعليم والصحة وأسعار المنتجات النفطية، وكذلك في بعض الدول من خلال القروض طويلة الأجل بفائدة منخفضة أو بدون فوائد.

7. اختلال هيكل السكان وقوة العمل

نما عدد السكان في الخليج من 4 ملايين عام 1950 إلى حوالي 32.1 مليون نسمة عام 2001، أي حوالي ثمانية أضعاف. غير أن معظم هذه الزيادة قد تم خلال ربع القرن الماضي. فقد كان معدل نمو السكان في دول المجلس أكبر معدلات النمو في العالم، حيث بلغ حوالي 5.5% في المتوسط خلال السبعينيات مما جعل تلك الدول أعلى الدول من حيث معدلات النمو بالمقاييس الدولية. ومن العوامل التي ساعدت على النمو السكاني تحسن الخدمات الصحية وتحسن مستويات المعيشة بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى خفض معدلات الوفيات بين الأطفال في الوقت الذي ارتفعت فيه توقعات الحياة.

ولقد كانت هناك حاجة للنمو السكاني المرتفع في المراحل الأولي لاكتشاف النفط في ظل الندرة الواضحة للسكان الوطنيين وتزايد الاعتماد على العمالة الوافدة، غير أن مستويات النمو الحالية أصبحت تمثل تهديدا واضحا لاقتصاديات دول الخليج مع تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج وتزايد إعداد الداخلين الجدد لسوق العمل، إذ يترتب على النمو السكاني مزيد من الضغوط على الخدمات العامة ونفقات الرفاه الاجتماعي والبنى التحتية ودعم السلع الأساسية للسكان، وعلى قدرة تلك الاقتصاديات وبشكل خاص القطاع العام على توفير وظائف للداخلين الجدد.

وقد حدث نوع من التباطؤ النسبي مؤخرا في معدلات النمو وأصبح من الواضح أن ظاهرة التحول السكاني Demographic transition قد أخذت في الظهور في مجتمعات الخليج العربي، إذ أن هناك عوامل طبيعية تحد من النمو السكاني مع ارتفاع معدلات التحضر وزيادة درجة مشاركة المرأة في سوق العمل والابتعاد عن مفهوم الأسرة الممتدة Extended family وتبني مفهوم الأسرة الذرية Nuclear family، الأمر الذي يساعد على التحول السكاني، إلا أنه حتى تحدث ظاهرة التحول السكاني بشكل كامل فسوف يتحتم على تلك الدول أن تواجه الأعباء المرتفعة لعمليات النمو السكاني. وقد تواجه عمليات الحد من النمو السكاني عدة عوائق أهمها استمرار السياسات المالية الحالية المشجعة للنمو السكاني مثل علاوة الأولاد والعلاوة الاجتماعية بالإضافة إلى العوامل الثقافية والدينية الأخرى، كما أنه قد يصعب تبريرها في ظل وجود الحجم الكبير للسكان والعمالة من الأجانب.

وبالرغم من التحسن الواضح في معدلات مساهمة المواطنين في النشاط الاقتصادي وارتفاع المستوى التعليمي لقوة العمل الوطنية، ولا سيما من الإناث، إلا أن العمالة الوافدة ما تزال تسيطر على أسواق العمل في دول المجلس، حيث تمثل العمالة الوافدة حوالي ضعفي العمالة الوطنية في المتوسط، وفيما عد المملكة العربية السعودية حيث تتساوى نسب العمالة الوطنية والوافدة في إجمالي قوة العمل تقريبا، فإن نسبة العمالة الوافدة تتراوح بين 60.62% في البحرين و85.73% في قطر، كما يتضح من الجدول رقم (6).

وعلى الرغم من محاولات الحد من العمالة الوافدة وجهود إحلال الوطنية محل الأجنبية، إلا أن العمالة الوافدة ازدادت بشكل عام في تلك الدول. ويلاحظ أن زيادة الطلب على العمالة الوافدة تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المختلفة الأمر الذي يخلق الحاجة إلى المزيد من الطلب على العمالة والتي يتم الوفاء بها بشكل أساسي من خلال المزيد من العمالة الوافدة.

وقد أدى الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة إلى تعقيد عملية تجزئة أسواق العمل بتلك الدول Segmentation، حيث أدى ذلك إلى موقف سادت فيه العمالة الوافدة في القطاع الخاص، بينما تركزت العمالة الوطنية في القطاعات الحكومية، وأصبح من غير الممكن الاستمرار في توظيف كامل العمالة الوطنية عندما بلغت قيود الميزانية حدودها القصوى، وازدادت بالتالي معدلات البطالة بين المواطنين. وقد أصبحت دول المجلس أمام خيارين حرجين، إما تقييد دخول العمالة الأجنبية وفرض توظيف العمالة الوطنية بما قد تحمله من آثار سلبية على القدرة التنافسية على الأقل في الأجل القصير، أخذا في الاعتبار فروق الأجور بين المواطنين والأجانب، أو الاستمرار في الحفاظ على سياسة منفتحة نحو العمالة الوافدة ومواجهة الأعباء الاجتماعية لارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين.

وقد اختارت معظم دول المجلس حلا وسطا من خلال محاولة التقليل من العمالة الوافدة عن طريق استخدام نظام الحصص والأهداف التأشيرية واستخدام نظم الحوافز والتدريب لتشجيع القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية.

وتشير الدراسات إلى أن هناك عوامل عدة قد أسهمت في عدم تشغيل كميات كافية من العمالة الوطنية في القطاع الخاص، أهمها أن العمالة الوطنية التي في حالة بطالة قد لا تمتلك المهارات المطلوبة، وأن العمال الوطنيين يطلبون مستويات من الأجور لا يمكن مقارنتها مع نظرائهم الأجانب، وأن مستويات الإنتاجية للعمالة الوطنية محدودة في ظل انخفاض الحافز على العمل. وفي المقابل نجد أن أجور العمال الأجانب أقل من نظرائهم الوطنيين، وأنهم يعملون لساعات أطول خاصة في القطاع الخاص، فضلا عن انخفاض المزايا الممنوحة لهم بالمقارنة بالعمالة الوطنية.

جدول رقم (6) التوزيع النسبي للعمالة في دول مجلس التعاون

الدولة

مواطنون %

غير مواطنين %

ذكور

إناث

جملة

ذكور

إناث

جملة

الإمارات

البحرين (1)

30.59

8.79

39.38

50.08

10.53

60.62

السعودية (2)

41.89

17.12

49.02

43.67

7.21

50.88

عمان (3)

18.72

81.16

قطر (4)

9.98

4.29

14.27

74.41

11.32

85.73

الكويت (5)

11.5

6.04

17.54

64.98

17.48

82.46

(1) عن السنوات 1986-2001
(2) عن السنوات 1999-2001
(3) عن السنوات 1986-2001
(4) عن سنة 2001
(5) عن السنوات 1986-2001

المصدر: محسوبة من بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

ثانيا – تداعيات استمرار هذه الاختلالات في المستقبل

إن استمرار الاختلالات السابقة في المستقبل يحمل معه الكثير من المخاطر على دول مجلس التعاون، ويمكن تلخيص تلك المخاطر في الآتي:

  1. تزايد اعتماد دول المجلس على النفط
    بما يعمق الآثار غير المواتية للتقلبات في أسعار النفط والصدمات التي يمكن أن تتعرض لها الاقتصاديات الوطنية لدول المجلس بسبب تزايد اعتماد الإيرادات العامة على الإيرادات النفطية، ومن ثم عدم استقرار مستويات الطلب الكلي وبصفة خاصة الطلب الحكومي والطلب الاستثماري العام. ويترتب على استمرار هذه الأوضاع أن تصبح دول المجلس تحت رحمة تقلبات أسعار النفط، ويجعل المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتلك المجتمعات برمته غير محدد المعالم في ظل استمرار اعتمادها على مورد ناضب بطبيعته.
  2. استمرار تضخم القطاع العام
    بما لذلك من آثار سلبية على الكفاءة الاقتصادية، بسبب انخفاض كفاءة المشروعات العامة كموظف للموارد في المجتمع، وذلك بالمقارنة بالقطاع الخاص. ومما لا شك فيه أن تضخم القطاع العام له أيضا آثار سلبية على مستويات الرفاهية العامة. إن استمرار تضخم القطاع العام يجعل من عملية التحول إلى الخصخصة مسألة معقدة بسبب تزايد فاتورة عملية إعادة هيكلة المشروعات العامة، والتكلفة الفادحة التي ستترتب على تحويل العمالة الوطنية بالقطاع العام نحو القطاع الخاص، وتعد النقطة الأخيرة من الأسباب الأساسية لبطء عمليات التحول نحو القطاع الخاص.
  3. استمرار تكدس العمالة الوطنية في القطاع العام
    وتحولها من مصدر لعملية التنمية إلى أداة تعيق المسار التنموي، وذلك بسبب ارتفاع تكلفتها سواء بالنسبة لتضخم العمالة في المصالح الحكومية وانتشار البطالة المقنعة بشكل يؤثر على سير العمل وكفاءة عملية تقديم الخدمات للجمهور، أو بالنسبة للتكلفة الفادحة لاستمرار أوضاع العمالة الوطنية كما هو في ظل سياسات الرفاه الحالية.
    وتشير جميع المؤشرات عن دول مجلس التعاون إلى استحالة استمرار الأوضاع الحالية للقطاع الحكومي بتلك الدول كموظف أساسي لقوة العمل البشرية. على سبيل المثال تشير إسقاطات المستقبل بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدولة الكويت إلى أن استمرار الوضع الحالي بدون إصلاح اقتصادي ومالي جاد سوف يؤدي إلى:
    • إن توازن الميزانية العامة للدولة سوف يحتاج إلى أن يصل سعر النفط للبرميل إلى حوالي 50 دولارا بحلول عام 2020, وغني عن البيان أنه ليس هناك ضمان لتحقق مثل هذه المستويات المرتفعة من الأسعار.
    • إن إيرادات النفط لن تكفي لسداد باب المرتبات بالميزانية العامة للدولة.
    • إن عجز الميزانية سوف يفوق أي إمكانيات للتمويل سواء بالنسبة للتمويل المحلي أو التمويل الخارجي.
      إن مثل هذه الإشارات المبكرة تحتاج إلى التعامل معها بقدر كبير من الجدية تتوازى مع حجم التحدي المصاحب لها.
  4. استمرار اضمحلال القطاع الخاص
    ومن ثم عدم قدرته على التوسع في نشاطات حديثة أو تمكن من استيعاب تزايد العمالة الوطنية بسبب ضخامة حجم القطاع الحكومي، ومن ثم الدور الذي يلعبه القطاع الحكومي كقطاع سائد في اقتصاديات دول المجلس في مقابل هشاشة الدور الذي يضطلع به القطاع الخاص،. فالعلاقة بين القطاعين العام والخاص في ظل الأوضاع الحالية هي علاقة تبعية إلى حد كبير، حيث يعتمد النشاط في القطاع الخاص على مستويات النشاط الاقتصادي في القطاع العام وخطط الإنفاق العام بالميزانية العامة للدولة.
    ويمثل هذا الوضع حجر عثرة أمام تنمية دور القطاع الخاص في ظل تركز الإنفاق الاستثماري بيد القطاع الحكومي، مما يعني أن هذا القطاع بشكله الحالي لا يصلح أولا لكي يكون رائدا في عملية توظيف العمالة الوطنية لصغر حجمه أو أن يكون قطاعا رائدا في المجالات الأخرى المرتبطة بالاستثمار والإنتاج والتصدير.
  5. تزايد انفتاح الاقتصاد الوطني على العالم الخارجي
    وذلك بسبب زيادة حجم الواردات وزيادة الاعتماد على الصادرات النفطية، ومن ثم تصبح دول المجلس في موقف فريد، فهي من ناحية تفتقد أداة هامة من أدوات الاستقرار الاقتصادي وهي الضرائب، في الوقت الذي تعتمد فيه على مصدر متقلب وهو الإيرادات النفطية. من ناحية أخرى لا تستطيع إحداث التناغم من خلال أدوات الاستقرار المرتبطة بالقطاع الخارجي بسبب تقلبها، كما أنها لا تستطيع الاستغناء عن الخارج بسبب قيود الطاقة الإنتاجية المحلية. وتشير البيانات المتاحة إلى أن دول المجلس تعد من أكبر الدول انفتاحا على العالم الخارجي، الأمر الذي يزيد من فرص انكشاف اقتصاديات تلك الدول على العالم الخارجي وتعرضها للصدمات الخارجية بشكل أكبر نتيجة التقلبات في مستويات النشاط الاقتصادي الدولي وأسعار سلع التجارة (Tradeables).
  6. الانعكاسات النقدية على العملة والتضخم
    إن الاستقرار النسبي الذي تتمتع به عملات دول المجلس ينبع أساسا من عاملين:
    • العامل الأول هو وجود احتياطيات كافية من النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية لدول المجلس يمكن أن تستخدم كخط دفاع أول ضد أي ضغوط على عملات تلك الدول.
    • العامل الثاني هو عدم لجوء تلك الدول إلى التمويل التضخمي (إصدار النقود) كسبيل لتمويل عجز الميزانية العامة، حيث تلجأ تلك الدول إما إلى السحب من احتياطياتها الخارجية أو الاقتراض.

وفي ظل استمرار الأوضاع الحالية فإن الاحتياطيات الخارجية لتلك الدول سوف تتآكل، كما قد تلجأ تلك الدول في ضوء الحاجة الملحة لتمويل العجز إلى التمويل التضخمي وهو ما سيترتب عليه ضغوط تضخمية ناجمة عن تدهور معدلات صرف العملات الوطنية مما يؤدي إلى تغذية التضخم المستورد الناجم عن ارتفاع كلفة الواردات، كما يؤدي ذلك إلى تغذية التضخم المحلي نتيجة الإفراط في الإصدار النقدي وتزايد مستويات الطلب الكلي بصورة تفوق معدلات نمو العرض الكلي من السلع والخدمات.

ثالثا – الأهمية الإستراتيجية لمواجهة هذه الاختلالات


إن ثروتنا الناشئة من امتلاكنا لمورد طبيعي مثل النفط لن تمكننا من الاستمرار في العيش عند مستويات رفاهيتنا الحالية ما لم نطور من قدراتنا وإمكانياتنا ومهاراتنا في المجالات الأخرى

مما لا شك فيه أن هذه التداعيات المستقبلية ستؤدي إلى انحدار وتراجع على كافة المستويات بشكل كبير يتزايد ككرة الثلج وربما يؤدي كمحصلة نهائية إلى تفكيك النسيج السياسي والاجتماعي لهذه المجتمعات وذلك للأسباب الآتية:

  1. إن هذه الاختلالات تهدد مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحالية ومستقبلها في دول المجلس، ذلك أن استمرار هذه الاختلالات سوف يهدد الجهود المبذولة لدفع برامج الاستثمار وتبني خطط طموحة للنمو، بسبب ما تحدثه من اضطراب على المستوى الاقتصادي.
  2. إن هذه الاختلالات تهدد مستقبل الاستقرار والأمن لتك الدول، ذلك أن التدهور الاقتصادي وانخفاض مستويات الرفاهية للسكان وانتشار البطالة تمثل بيئة خصبة لانتشار الجريمة بأشكالها المختلفة وانتشار الإرهاب والتطرف الديني ونمو التنظيمات المناهضة للنظم السياسية الحاكمة، حيث ترى تلك التنظيمات أن المؤسسات الحاكمة هي المسبب الأساسي لهذه المشاكل وأن التخلص من تلك المؤسسات هو السبيل للإنقاذ والطريق نحو مستقبل أفضل لجموع الشعب، وغيرها من الدعوات الهدامة التي قد تهدد الاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به مجتمعات دول الخليج.
  3. إن هذه الاختلالات تهدد مستقبل التعاون بين دول المجلس، بل وتهدد مستقبل المجلس ذاته كمؤسسة تكامل بين الدول الأعضاء. إذ تشير تجارب الدول النامية في التكامل إلى أن كافة الحالات التي فشلت فيها مؤسسات التكامل بين الدول الأعضاء ترجع إلى تزايد الضغوط الاقتصادية على الدول الأعضاء في التكتل مما يدفع الدول إلى التصرف بطريقة تخدم اقتصادياتها المحلية بغض النظر عما يمكن أن يترتب على ذلك من أضرار لباقي الدول الأعضاء في التكتل أو على التزامات تلك الدول قبل باقي الدول الأعضاء بموجب الاتفاقيات فيما بينهم، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى انهيار كيانات التكتل الاقتصادي. ولعل انهيار منظمة التعاون بين الدول الشيوعية سابقاCOMECON أفضل مثال على ذلك.
  4. إمكانية إصلاح الخلل: وتأتي إمكانية وكيفية إصلاح الخلل في مقدمة أية سياسات أو برامج للإصلاح الاقتصادي، ولذلك سوف نتناولها أولا تاركين الحديث عن متطلبات إصلاح الخلل في المحور الأخير من هذه الورقة. ويمكن تلخيص سبل معالجة الخلل الإنتاجي بدول مجلس التعاون في الآتي:
    1. تنويع الهيكل الإنتاجي
      تهدف عمليات تنويع هياكل الإنتاج بدول المجلس إلى:
      • خلق قطاعات جديدة مولدة للدخل بحيث ينخفض الاعتماد على القطاع النفطي.
      • فتح مجالات جديدة ذات قيمة مضافة أعلى توفر فرص عمل أكثر إنتاجية للعمالة الوطنية بعيدا عن القطاعات الحكومية.
      • رفع معدلات النمو في الأجل الطويل
        وتحتاج دول المجلس إلى إعادة دراسة المزايا النسبية التي تتمتع بها سواء من ناحية العناصر أو من الناحية المالية أو البشرية أو التقنية، بحيث يتم وضع برامج استثمارية مكثفة لاستغلال المزايا المتاحة لتنويع الهيكل الاقتصادي وضمان تنمية مستقرة على المدى الطويل من خلال التخلص من المخاطر التي يفرضها اعتماد تلك الدول بشكل أساسي على مصدر أحادي للدخل. كما يقتضي الأمر تنفيذ سياسة مكثفة للإصلاح في الأجل الطويل تهدف إلى إزالة تشوهات الأسعار في أسواق العناصر والسلع بحيث يسمح لتلك العناصر بحرية البحث عن العوائد الأعلى وزيادة إنتاجيتها وتقليل الهدر ودفع عمليات التنمية الاقتصادية.
    2. معالجة الخلل في الميزانيات العامة وإعادة هيكلة المالية العامة
      يعكس عجز الميزانية بدول المجلس طبيعة الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها اقتصاديات تلك الدول. ويعني ذلك أن محاولات معالجة العجز لابد وأن تتم بصورة هيكلية، أي في إطار عملية تصحيح شاملة للاقتصاد الوطني ككل، تهدف إلى تنويع هيكل الاقتصاد المحلي بحيث يقل الاعتماد على قطاع النفط كقطاع أساسي، ومحاولة الإسراع في تبني برامج أكثر جدية للخصخصة تهدف إلى خلق دور أكثر فاعلية للقطاع الخاص بالشكل الذي يجعله الموظف الأساسي لقوة العمل ويقلل من هيمنة الدولة على الاقتصاد الوطني ويعيد صياغة دورها، وبما يضمن استمرار الاحتياطيات الخارجية عند مستويات مناسبة ويقلل الحاجة إلى الاقتراض الخارجي. غير أن معالجة أوضاع الميزانية يجب أن تتم جنبا إلى جنب مع تشجيع عملية النمو، حتى لا يترتب على ذلك تخفيض معدلات النمو وتقييد الطاقة الاستيعابية لتلك الاقتصاديات والذي قد يضر في مواجهة النمو بالعمالة الوطنية.
      ففي جانب الإنفاق يمثل ترشيد بنود الإنفاق المختلفة للميزانية ومعالجة جوانب الهدر في الإنفاق مدخلا فعالا لعملية إصلاح أوضاع الميزانية. وتحتاج دول المجلس في الأجلين القصير والمتوسط إلى تبني سياسات أكثر تقشفا للإنفاق العام الجاري لتقليص المستويات المرتفعة من الدعم والتحويلات الأخرى، وتعديل أسعار السلع لمستوياتها الدولية وكذلك تعديل أسعار الخدمات بما يتناسب مع تكاليفها الحقيقية، من خلال رفع رسوم الخدمات الحكومية. ومما لا شك فيه أن عملية التعديل التي ستتم على الأسعار سوف ينسحب أثرها على المجموعات ذات الدخول المنخفضة، ويمكن معالجة ذلك من خلال برامج الدعم المباشر الموجهة أساسا إلى مجموعات دخلية معينة، والتي تتسم بعدالتها في التوزيع وشفافيتها. إذ يجب إعادة تقييم برامج الدعم وغيرها من سياسات الحماية في إطار الأهداف العامة لعملية التنمية والأولويات القطاعية. وربما يكون من المناسب أن يصاحب إلغاء الدعم توجيه الموارد نحو دعم القطاعات الأخرى التي تدعم الإنتاجية مثل التعليم والصحة والإسكان. كذلك يجب تنسيق خطط تخفيض حجم الدعم والحماية بشكل عام بين دول المجلس حتى لا يترتب عليها تحولات في رؤوس الأموال والإنتاج بين هذه الدول نتيجة تغير المناخ في تلك الدول بتغير السياسات.
      من ناحية أخرى ينبغي أن تركز سياسات ترشيد الإنفاق على الحد من زيادات الأجور في القطاع الحكومي لتخفيض فاتورة الأجور والمرتبات، وذلك في إطار من إصلاح قطاع الخدمات وإبراز أهمية معالجة مشكلة البطالة المقنعة والتي أصبحت إحدى سمات القطاع الحكومي. كما يجب أن تفكر دول المجلس بشكل أكثر جدية في تخفيض حجم الإنفاق العسكري والأمني دون أن يحدث ذلك أخطارا على سلامتها وأمنها، خاصة بعد تراجع الهاجس الأمني في أعقاب تغيير النظام في العراق وإعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة. وفي المقابل يجب التأكيد على أهمية دفع مستويات الإنفاق الرأسمالي بما يضمن إحداث دفع مستمر لعملية التنمية في الأجل الطويل.
      أما بالنسبة لجانب الإيرادات فيجب تعبئة الإيرادات غير النفطية من خلال تفعيل الإيرادات الضريبية، وهو ما سوف يتطلب إصلاح مصادر الدخل الضريبية وغير الضريبة من خلال إدخال الضرائب على الاستهلاك وضرائب القيمة المضافة وتوسيع نطاق التغطية لضرائب الدخول والأرباح الحالية. كذلك يمكن زيادة الإيرادات الضريبة من خلال إلغاء الإعفاءات الجمركية وزيادة الضرائب الجمركية على السلع الكمالية والسلع المعمرة. كما يجب تعديل أسعار الرسوم على الخدمات لكي تصل بالأسعار إلى التكاليف الحقيقية لتلك الخدمات ولإحداث نوع من التقارب بين التكلفة الحقيقية التي تتحملها الدولة وسعر البيع للجمهور، وذلك بهدف ترشيد استخدام هذه الخدمات والحد من الهدر في استخدام الموارد وتقليص الاعتمادات المالية اللازمة للوفاء باحتياجات النمو المتسارع في الطلب على هذه الخدمات.
      وبشكل عام يجب على دول مجلس التعاون إعادة هيكلة ميزانياتها العامة، والأخذ بميزانية البرامج التي تسمح بدرجة أكبر من التحكم والرقابة والمتابعة لكل من جوانب الإيرادات والإنفاق للقطاعات المختلفة بالدولة، وقد بدأت دولة الكويت مؤخرا الأخذ بنظام ميزانية البرامج. كما أنه لابد من البدء في برامج تزيد من الشفافية بسياسات الإنفاق الحكومي للحد من الفساد والرشوة التي تعيق كفاءة هذا الإنفاق.
    3. تطوير التعليم وتنمية القوة البشرية
      يعد التعليم عنصرا مهما في عملية الإصلاح الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الهيكلية. ذلك أن إعداد القوى البشرية القادرة على قيادة عملية التنمية يعد شرطا ضروريا لاستدامة التنمية، ومن هذا المنطلق فإن الفرد هو عنصر الثروة الحقيقية لمجتمعه كما أنه غاية الجهد التنموي، وبقدر النجاح في الارتقاء بإمكانياته وقدراته سوف يتحقق النجاح في بلوغ أهداف التنمية. ومن هنا تتأكد أهمية التعليم والتدريب كنشاط رائد في عملية التنمية، حيث يقع على كاهل النظام التعليمي مهمة تأهيل القوى البشرية الوطنية لمواجهة احتياجات التنمية في الأجلين المتوسط والطويل، كما تبرز أهمية التدريب في ضوء الحاجة لإعادة تأهيل وتدريب مخرجات التعليم لمواجهة احتياجات سوق العمل على المدى القصير، فضلا عن التهيئة المستمرة لقوة العمل لمواجهة الاحتياجات المتطورة لأسواق العمل في ظل التقدم التكنولوجي المتواصل.
      وتحتاج نظم التعليم إلى تطوير مناهجها بشكل واضح كي يتماشى مع متطلبات العصر، والانتقال من التركيز على الحفظ إلى الفهم والاستيعاب والابتكار، وتنمية مواهب الابتكار والتعامل مع وسائل التعليم الحديثة والحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة واللغات الأجنبية. كذلك تحتاج نظم التعليم إلى التركيز على التعليم الفني والتطبيقي وزيادة نسبة خريجي العلوم، وبشكل عام فإن مخرجات التعليم يجب أن يتم تفصيلها لتتوافق مع احتياجات السوق. كذلك يجب التوسع في مراكز التدريب المهني للمهارات الفنية المطلوبة وبرامج إعادة التدريب لفائض الخريجين. إن نجاح برامج تطوير التعليم وتنمية القوة البشرية سوف يساعد على الارتقاء بالمستوى التعليمي للسكان الوطنيين، مما يؤدي إلى تحسن نوعية المعروض من قوة العمل الوطنية.
      إن علينا أن ندرك في الخليج أن ثروتنا الناشئة من امتلاكنا لمورد طبيعي مثل النفط لن تمكننا من الاستمرار في العيش عند مستويات رفاهيتنا الحالية ما لم نطور من قدراتنا وإمكانياتنا ومهاراتنا في المجالات الأخرى. ومن ثم فإن استثماراتنا في عمليات التعليم تعد شرطا أساسيا لتحولنا نحو الاقتصاد المبني على المعرفة.
      كما يجب علينا أن ننظر إلى استثمارنا في قوتنا البشرية على أنه نوع من الاستثمار القومي, والذي يجب أن يحتل أولوية أولى ضمن سلم أولوياتنا في المستقبل. فمما لا شك فيه أن النمو السكاني المتسارع وزيادة الإنفاق الجاري دون الإنفاق الاستثماري في قطاعي التعليم والصحة يخلق ضغوطا سلبية على هذا المحور الهام والأساسي في عملية التنمية.
    4. دعم برامج الخصخصة وإعادة صياغة دور الدولة
      يعد الأخذ بقوى السوق أحد المبادئ الرئيسية في البيئة الاقتصادية العالمية الجديدة. ويعتبر هذا المبدأ رافداً رئيسياً عند الحديث عن إعادة صياغة دور الدولة، حيث أن هناك الكثير من التشريعات والقوانين وبرامج الإنفاق والدعم، والتي تدخل ضمن نطاق النشاط الأساسي للدولة، وتخلق تشوهات في قوى السوق، وتؤثـر على كفـاءة آليـاته سواء في أسواق السلـع والخدمات أو أسواق العمل. وقد أدى ذلك الوضع إلى نشوء قطاع خاص ليس لديه المقدرة في ظل الوضع الحالي على مشاركة الدولة في الصياغة الجديدة لدورها، والمنافسة ضمن البيئة الاقتصادية الجديدة. وتتطلب معالجة هذا الوضع العمل على تخفيض هذه التشوهات وإعادة تأهيل القطاع الخاص، بالتخلّي التدريجي عن سياسة الدعم الشامل إلى سياسة الدعم الانتقائي الهادف إلى حماية الطبقات الضعيفة أساسا، وإلى فتح مجال المنافسة وإزالة احتكار قلة لمجموعة أنشطة الأعمال الريعية (Rent Seeking Business) حتى يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
      من ناحية أخرى فإن مبدأ الشراكة والتكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص يعد مهماً وضرورياً في إعادة صياغة دور الدولـة، فالقطاعان يجب أن يكمل بعضهما بعضاً، وعلى دول المجلس أن تعزّز هذه الشراكة تدريجياً حسب درجة تطور وتأهل القطاع الخاص في البيئة الجديـدة، وذلك بتخلّي الدولـة عن بعض الأنشطة، خاصة تلك التـي ساهمت التطوّرات التقنية في خلـق فرص استثمارية تنافسية جديدة فيها للقطاع الخاص مثل قطاعي الاتصالات والكهرباء. ومما لا شك فيه أن دول المجلس لديها خبرة محدودة في عملية الخصخصة، غير أن التجارب الدولية في هذا المجال تشير إلى أن برنامج الخصخصة يجب أن تركز أساسا على تهيئة نظام كفء لا يهتم فقط بتوسيع نصيب القطاع الخاص ولكن أيضا بتهيئة مناخ أفضل لاتخاذ القرارات ويكون ذا ملكية أوسع، وبمهارات تنظيمية وقدرات إبداعية أفضل. كما يجب أن يصاحب ذلك تحرير أكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة. لقد حدد العديد من دول المجلس قطاعات الخدمات العامة كقطاعات مؤهلة لعملية الخصخصة، إلا أن هذا الأمر يقتضي تعديلات أساسية في الأسعار لكي تضمن قدرة تلك القطاعات على تمويل نفسها بعد التحول للقطاع الخاص ولكي يتم تخفيض الأعباء على الميزانية. فضلا عن ذلك لا بد من تطوير التشريعات المنظمة لبرامج الخصخصة والتي تشمل منع الاحتكار وتشجيع المنافسة وتطوير النظم الضريبية وإنشاء الهيئات الرقابية والتنظيمية لمتابعة أعمال المشروعات المحولة إلى القطاع الخاص لحماية المستهلك وضمان المنافسة العادلة.
      ويثير الجدل السائد حول الخصخصة إلى أن قضية العمالة تعد أحد القيود الأساسية التي تعرقل دفع عملية الخصخصة في دول المجلس، غير أن التجارب الدولية تشير أيضا إلى أنه من الممكن معالجة هذا الأمر بعدة برامج لضمان عدم الإضرار بمصالح العمالة الوطنية العاملة في المشروعات العامة، وبما يرفع من كفاءة المشروعات قبل تحويلها إلى القطاع الخاص. ومما لا شك فيه أن ارتفاع درجة الكفاءة يحقق فوائد لكل من المستهلكين والعمالة والاقتصاد ككل. حيث ترتفع درجة استفادة المستهلكين من هذه الصناعات حينما تعود عليهم آثار الكفاءة العالية التي يتم تحقيقها من خلال الخصخصة سواء أكان ذلك في شكل انخفاض الأسعار، أو ارتفاع الجودة، أو تحسين مستوي أداء الخدمات، أو على الأقل إتاحة فرصة أوسع للاختيار أمامهم. إذ من المتوقع أن تكون الصناعات التي يتم خصخصتها أسرع في استجابتها للتغيرات التي تحدث في طلب المستهلك، كما أنها ستكون أكثر ابتكارا في تقديم المنتجات الجديدة للسوق .
      كذلك سيستفيد الاقتصاد ككل من خلال ارتفاع العائد علي رأس المال المستثمر في هذه الصناعات. كذلك ستدخل هذه الصناعات سوق رأس المال مثل غيرها من الشركات الخاصة للمنافسة علي الحصول على التمويل اللازم لها بدلا من الاعتماد علي الحكومة في توفير التمويل، وهو ما يقلل من احتياجات الاقتراض للقطاع العام.
    5. تنسيق السياسات النقدية والمالية
      ارتكزت السياسات النقدية بدول الخليج على استقرار معدلات الصرف مما أسهم في الحفاظ على معدل منخفض للتضخم بتلك الدول وزاد من ثقة القطاع الخاص. وتقوم كافة دول مجلس التعاون حاليا بتثبيت عملاتها بالنسبة للعملة الأميركية، وهو ما يعني أن معدلات الفائدة بها سوف تكون مرتبطة إلى حد كبير بالفائدة على الدولار. وفي هذا الإطار فإن الدول الخليجية تحتاج إلى إنشاء نظام لمعدلات فائدة مستقرة بين عملاتها، وهذا التنسيق الواسع بين السياسات النقدية لدول الخليج يعد أمرا هاما لتحقيق الاستقرار النقدي وتنسيق سياساتها النقدية. ولحسن الحظ فإن الضغوط على السياسات النقدية الناجمة عن تصاعد العجز في ميزانيات تلك الدول ما تزال محدودة وعند حدها الأدنى، إلا أن هذا الأمر قد لا يستمر بهذا الشكل في الأجل الطويل خصوصا إذا ترتب على تزايد مستويات العجز تدهور وضع الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية. إذ من المتوقع أن يترتب على استمرار أوضاع الميزانية بشكلها الحالي تزايد الضغوط على السياسة النقدية لأغراض تمويل العجز مما تنشأ بالتبعية ضغوط تضخمية تهدد قدرة الدول على اتباع سياسات لمعدل الصرف الثابت مقابل الدولار الأميركي ومقابل عملاتها بعضها البعض. وعلى ذلك فإن التنسيق بين السياستين المالية والنقدية يعد أمرا مهما، فالسياسة المالية المنضبطة يجب أن تصاحبها سياسة نقدية مناسبة لكي تضمن استقرار الأسعار ومعدلات الصرف، وعلى ذلك إذا لم يكن هناك تصحيح مالي جوهري فإن الضغوط على السياسة النقدية سوف تتزايد. إن ضمان استقرار الأسعار ومعدلات الصرف والحفاظ على ثقة القطاع الخاص يستلزم اتباع المزيج المناسب من السياستين المالية والنقدية.
      ونحن نتطلع إلى التعاون بين دول المجلس في السياسة النقدية التي وضعت هدفا لتوحيد العملة عام 2010 مما يعني توحيد الكثير من السياسات المالية والنقدية ومؤشراتها مثل نسبة عجز الميزانية من الناتج ومعدل التضخم وغيرها.
    6. تطوير ودمج أسواق المال
      تعاني الدول الخليجية من صغر حجم أسواق المال بها، غير أن هذه الأسواق سوف تلعب دورا هاما بالمستقبل في عملية تخصيص الموارد وزيادة عمليات التمويل من خلال الأسهم والسندات للقطاع الخاص، كذلك فإن فرص الاستثمار المتاحة محليا سوف تساعد على جذب كميات كبيرة من المدخرات التي يحتفظ بها مواطنو دول مجلس التعاون في الخارج. من ناحية أخرى فإن معظم دول المجلس أصبح لديه التزامات نحو منظمة التجارة العالمية، ووفقا للمنظمة فإن أسواق المال المحلية لا بد وأن يتم فتحها، ومن المعروف أن المنظمة تعطي للدول الأعضاء فترة انتقالية قبل الفتح التام للأسواق، ويجب أن تستغل هذه الفترة لتأهيل البنوك المحلية والمؤسسات المالية الأخرى لتقوية أوضاعها بصفة خاصة وإن الكثير من هذه المؤسسات تعيش حاليا حالة من غياب المنافسة من قبل المؤسسات الدولية المثيلة.
      لقد أثبتت تجارب الخصخصة الناجحة الأهمية الحيوية لسوق المال الكفء. ومما لا شك فيه أن الأداء الجيد لأسواق الأسهم سوف يستفيد من المشاركة الأوسع للمشروعات المحلية وكذلك المستثمرين الأجانب. غير أنه من المهم تطوير الأطر القانونية والضريبية التي تكفل التقليل من عمليات المضاربة على الأسهم في الأسواق والمحافظة على ثقة القطاع الخاص، كذلك فإن تطوير أسواق المال أكثر تكاملا في دول المجلس سوف يتطلب تنسيقا أكبر للأطر القانونية والرقابية وتدفقا أسهل لرأس المال بين تلك الدول. وتحتاج دول المجلس إلى دمج أسواق المال بها وربطها بشبكة معلومات تساعد على دمج تلك الأسواق بشكل أفضل وتطوير عمليات التعامل المشترك عبر تلك الأسواق من خلال تطوير الأنظمة الآلية للتقاص والتسوية وربط تلك الأنظمة مع بعضها البعض. وتوسيع القواعد الاستثمارية للسوق وتوسيع قاعدة المتعاملين في الأسواق بالشكل الذي يسمح بعمليات تسويق الاستثمارات المحلية للدول الأعضاء عبر دول المجلس في ذات الوقت. وقد حققت بعض الدول الأعضاء تقدما كبيرا فيما يتعلق بعدد الشركات المسموح بتداول أسهمها لمواطني دول المجلس.
    7. تعظيم الاستفادة من العولمة
      تواجه دول المجلس تحديا كبيرا في ظل توقيع معظمها على اتفاقية منظمة التجارة العالمية، ومن ثم فمع تطبيق الدول الأعضاء لجداول التزاماتها أمام المنظمة وفتح أسواق السلع والخدمات بها، فإنها ستخضع أسواقها ووسائل الإنتاج المحلية لخطر تزايد درجة المنافسة الدولية في مجال السلع والخدمات. ويسهل انتشار ظاهرة العولمة وتكامل أسواق المال تدفقات رؤوس الأموال كما يخلق فرص تمويل أفضل للعديد من الدول النامية. ويمكن القول إن مستويات الضرائب الجمركية بدول المجلس تعد منخفضة أساسا مقارنة بباقي الدول النامية، إذ لا تتجاوز حسب الاتفاق الأخير للاتحاد الجمركي نسبة 5%، الأمر الذي قد يقلل من الأخطار المحتملة لفتح الأسواق. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن الكثير من الصناعات وغيرها من وسائل الإنتاج تعتمد بشكل أو بآخر على الدعم الحكومي السخي المقدم لها، وهو ما يرفع من معدلات الحماية الفعالة لوسائل الإنتاج المحلية، الأمر الذي قد يحمل معه تهديدا حقيقيا لتلك الصناعات في حالة التزام تلك الدول بتعهداتها أمام المنظمة بإزالة أشكال الدعم الحكومي عن تلك المؤسسات.
      وأخذا في الاعتبار هيكل الإنتاج والإنفاق الحالي، فإن الفوائد المباشرة على دول مجلس التعاون من عولمة التجارة الدولية ربما تكون محدودة، على الأقل في البداية. أكثر من ذلك فإن الفوائد الاقتصادية من العلاقات الوثيقة مع أسواق رأس المال الدولية يمكن تعظيمها فقط من خلال قطاع مالي محلي يتسم بالتنوع، وأسواق مفتوحة تعمل بشكل فعال ومدارة ومراقبة بشكل جيد، وهو ما يبرز أهمية تطوير أسواق المال السابق الإشارة إليها. وعلى ذلك فإن دول مجلس التعاون تحتاج إلى العمل على تنمية وتطوير قدراتها الاقتصادية لرفع قدراتها التنافسية، والاستفادة من وضعها كتكتل عند التفاوض مع منظمة التجارة العالمية مما يتطلب الإسراع في تنفيذ إجراءات التكامل الاقتصادي فيما بينها.
    8. تفعيل دور مجلس التعاون
      على الرغم من الخطوات التي تم اتخاذها لتطبيق الاتفاقية الاقتصادية وإنشاء منطقة للتجارة الحرة، وإقرار الاتحاد الجمركي، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تزايد النشاط التجاري بين دول المجلس إلى المستوى المأمول، حيث ما يزال التبادل التجاري بين دول المجلس يتسم بضآلة حجمه مقارنة بإجمالي التبادل التجاري بين هذه الدول وباقي دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن نسبة الصادرات البينية بين دول المجلس لا يتجاوز 6.1% في المتوسط من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون خلال الفترة من 1990 إلى 2001، بينما لا تتجاوز نسبة الواردات البينية بين تلك الدول 6.7% في المتوسط خلال نفس الفترة. وهو ما يعني أن علاقات دول المجلس التجارية أوثق مع الأطراف الأخرى خارج التكتل. وتعني هذه المستويات المتواضعة للتجارة البينية أن اتفاقية المجلس لم تتمكن من إيجاد أرضية مناسبة لتنويع هياكل الإنتاج بها من خلال بناء قاعدة إنتاجية عريضة تسهم في توسيع نطاق التبادل التجاري فيما بين الدول الأعضاء بالشكل الذي يسمح بتقليل اعتمادها على العالم الخارجي، كذلك انتهجت دول مجلس التعاون بشكل منفرد إستراتيجيات تنموية غير متوافقة مع الأهداف العامة للمجلس.
      ويعكس هذا التدني في مستويات التجارة البينية حقيقة أن المجلس لم يبذل الجهد المناسب لإيجاد الأرضية المناسبة لنمو المشروعات المشتركة بين الدول الأعضاء، بالشكل الذي يسمح بنشر مؤسسة الخليج للاستثمار لاستثماراتها عبر دول المجلس. إن الدور المتواضع للمشروعات المشتركة لا يعكس الإمكانات المالية الضخمة لتلك الدول. فبالرغم من كثرة المشروعات المشتركة التي تم إقرارها أو تقييمها فإن عدد المشروعات المنفذة منها يعد محدودا، الأمر الذي يعكس انخفاض أهمية تلك المشروعات في سلم أولويات دول مجلس التعاون، بالرغم من الأهمية الكبيرة التي تحتلها المشروعات المشتركة بالنسبة لأي تكتل اقتصادي، إذ تمثل تلك المشروعات أساس عمليات التخصص وتقسيم العمل بين الدول الأعضاء. ولذا ينبغي أن يعاد تفعيل دور مؤسسة الخليج للاستثمار بحيث تضطلع بدور أكبر في الاستثمار بالمشروعات المشتركة بين دول المجلس بحيث توزع على أساس إقليمي يتوافق مع المزايا النسبية للأعضاء وبما يحقق كلا من التكامل الأفقي والرأسي بين المشروعات المشتركة المختلفة. كذلك ينبغي أن تركز دول المجلس في المستقبل على المشروعات والأنشطة التي تؤدي إلى خلق فرص عمل لقوة العمل الخليجية وذلك لمواجهة خطر البطالة القادم والذي يمثل أهم التحديات التي ستواجهها أسواق العمل في المستقبل، والتوجه نحو الأنشطة التي تخلق طلبا على العمالة الماهرة وليس العمالة غير الماهرة أو الهامشية التي عادة ما تستورد من الخارج. ومن خلال تكثيف حجم الاستثمارات داخل المجلس، وفى ذات الوقت توزيع هذه الاستثمارات للاستفادة من المقومات الإقليمية، يمكن إقامة قاعدة إنتاجية ضخمة تمكن من استيعاب العمالة الوطنية وتساعد على تنويع هياكل الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات من الخارج.
    9. معالجة اختلالات هيكل أسواق العمل في دول مجلس التعاون
      لقد هدف المجلس إلى رسم سياسة لمعالجة الخلل السكاني بالدول الأعضاء وترشيد استخدام العمالة الوافدة، والعمل على توطين الوظائف من خلال تشجيع عمليات الإحلال، كذلك عمل المجلس على تنمية القوى البشرية في المنطقة من خلال الدعوة إلى إلزامية التعليم لكل من البنين والبنات، والاهتمام بالتعليم الفني والمهني، وفتح مجالات العمل أمام المرأة، والعناية بمراكز التدريب. وبالرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذا الجانب إلا أن استعداد القطاع الخاص في هذا المجال ما يزال محدودا. وتلعب السياسات الحكومية دورا هاما في تعقيد هذه المشكلة. فقد أدى ارتفاع معدلات الأجور للوطنيين إلى عزوف القطاع الخاص عن توظيف مواطني دول المجلس، كما ساعد هيكل الحوافز للعاملين بالحكومة إلى عزوف الوطنيين عن العمل بالقطاع الخاص، وجاءت مخرجات قطاع التعليم لتعقد من المشكلة، حيث يوجد تفاوت واضح بين مستوى وطبيعة مخرجات التعليم واحتياجات القطاع الخاص. ولذا ينبغي التركيز في المستقبل على قضايا التعليم والتدريب وحل مشكلة البطالة، وذلك بهدف التغلب على اختلالات هيكل البنية السكانية واختلالات سوق العمل بما له من انعكاسات سلبية على دول المجلس. ومن الممكن أن تلعب الاتفاقية الاقتصادية الموحدة دورا هاما في هذا المجال من خلال تفعيل اتفاقيات حرية انتقال عنصر العمل بين الدول الأعضاء، ويمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية في هذا المجال عن طريق الإعلان عن الوظائف المتاحة بكافة دول المجلس بشكل مركزي، وبحيث يتم إعطاء أفضلية في عملية شغل الوظائف بدولة ما إلى مواطني تلك الدولة أولا ثم مواطني دول المجلس الآخرين ثانيا، قبل أن يتم شغل تلك الوظائف من خلال العمالة الوافدة.
      خامسا: متطلبات الإصلاح على مستوى الحكومات والمجتمع الأهلي والمواطن


إن صياغة رؤية الدولة ضمن الإطار التنموي لدول المجلس وتغليب المصلحة الخليجية على المصلحة القُطرية هو المسار الممكن والمجدي ضمن المستجدات العالمية

لا شك أن هناك مجموعة من المعوقات لإصلاح هذا الخلل ذات جوانب متعددة منها سياسية واجتماعية وتقنية ومؤسسية. ويمكن تلخيص متطلبات الإصلاح في الآتي:

  1. وضع رؤية واضحة ومتكاملة:
    إن وجود الرؤيـة المستقبلية طويلـة الأمد (Vision) لدى متخذي القرار ورسم الإطار العام لإستراتيجية طويلة الأمد لتحقيـق هذه الرؤيـة يعد من الأمور الأساسية لمعالجة أوجه الخلل المختلفة التي تعاني منها دول المجلس. ولعل من الأمور المفيدة الإشارة إلى أن هذه الرؤيـة لا بد وأن يؤمن بها ويعمل على تحقيقها جميع المشاركين في عملية اتخاذ القرار، بل ينبغي إشراك جميع فئات المجتمع في هذه العملية، وذلك لضمان كسب تأييد الفئات المختلفة ولحشد التأييد الشعبـي لهذا الدور. إن التجـارب الناجحة هي التـي استطاعت أن توضح للجماهير الرؤية طويلة الأمد وفوائدها مقارنة بالصعوبات الناجمة عنها في الأمد القصير، وأن تجعل فئات المجتمع تشعر بأنها صانعة لهذا التغيير وليس مفروضاً عليها.
    وقد سعت معظم دول المجلس إلى رسم رؤية لمستقبل المجتمعات بها مثلما فعلت سلطنة عُمان بوضع رؤية سنة 2020، (Vision 2020)، وكذلك فعلت دولة الكويت (الرؤية الاستشرافية لمستقبل التنمية في الكويت 2025)، إضافة إلى الخطط الخمسية التـي تتضمن بعض الأهداف البعيدة المدى.
    غير أنه تنبغي الإشارة إلى أنه يغلُب على معظم هذه الرؤى والإستراتيجيات نقص في الإرادة والالتزام السياسي الداعم لها من حيث الإقرار والتنفيذ والمتابعة، إذ أن معظمها يُصاغ في مؤسسات بعيدة عن مركز اتخاذ القرار، كما تعاني هذه المؤسسات من نقص الكفاءات البشرية المحلية القادرة على إدارة برامج هذه الرؤى والإستراتيجيات طويلة الأمد. ويُلاحظ كذلك أن معظمها يركّز على التنمية المحلية للدولة بمعزل عن الإطار الخليجي والتنمية المشتركة بين دول المجلس، إذ عادة ما يأتي ذكر مجال التعاون والتكامل الخليجي في جُمل عابرة في هذه الوثائق.
    إن صياغة رؤية الدولة ضمن الإطار التنموي لدول المجلس وتغليب المصلحة الخليجية على المصلحة القُطرية هو المسار الممكن والمجدي ضمن المستجدات العالمية، والذي سيحقق في المحصلة النهائية المصلحة القطرية أيضاً. ومن الإشارات المطمئنة في هذا المجال وضع الأمانة العامة لمجلس التعاون إستراتيجية للتنمية الشاملة بعيدة المدى لأعضاء مجلس التعاون 2000 – 2025، لترسم التوجهات المستقبلية للتنمية الشاملة بتلك الدول. وقد تناولت الوثيقة تحديدا للخطوط العريضة لإستراتيجية التنمية بعيدة المدى وتحديدا للآليات التي ينبغي اتباعها لتفعيل تنفيذ الإستراتيجية، سواء أكانت مؤسسية أو تنظيمية أو فنية أو تشريعية، إلا أن هذه الإستراتيجية تنقصها الإرادة السياسية والجهاز الفني لتنفيذها.
  2. دعم قدرة المؤسسات على إدارة عملية التغيير:
    ينبع ضعف قدرة المؤسسات المختلفة على إدارة عملية التغيير من نقص القدرات البشرية والخبرات الفنية، أو بسبب الإجراءات واللوائح والقوانين، أو بسبب مقاومة بعض القيادات في بعض الأحيان لعملية التغيير خوفا مما قد يترتب عليها من مساس بالمزايا والمكتسبات التي تتمتع بها تلك الأطراف. ولعل أخطر أشكال المقاومة للتغبير هو تلك التي تأتي من الداخل. إن عمليات التغيير الناجحة لابد وأن تعتمد بشكل مكثف على قدرة القيادة على تشكيل الأطقم التنفيذية والإدارية. ولذلك لا يمكن النظر إلى عملية التغيير على أنها تمثل سلسلة من الخطوات للوصول إلى حالة إستراتيجية محددة سلفا، بل على العكس تتطلب عملية التغيير اشتراك القادة الأساسيين لكي يتم التغلب على العقبات الخارجية غير المتوقعة من جانب والتغلب على المقاومة الداخلية للتغيير من جانب آخر.
    كذلك ينبغي أن يكون للسلطات الحاكمة استعداد أكبر لتطبيق سياسات التغيير، وتحمل الضغوط التي يمكن أن تنشأ عن ذلك من الأطراف المختلفة، ودفع برامج التغيير بدون تراجع حتى لا يترتب على ذلك آثار سلبية تجهض إستراتيجيات التغيير.
  3. مشاركة المؤسسات الحاكمة في تحمل أعباء التغيير:
    مما لا شك فيه أن عمليات الإصلاح بأشكالها المختلفة وبصفة خاصة الإصلاح الاقتصادي والمالي سوف تتطلب أساسا مشاركة من كافة الأطراف في تحمل أعباء عمليات الإصلاح، بما في ذلك المؤسسات الحاكمة. فمما لا شك فيه أن تبني أي نظام للضرائب على الدخل لابد وأن يطال أيضا المؤسسات الحاكمة وامتيازاتها السيادية التي تتمتع بها في ظل النظم الحالية. وليس من المتوقع أن تتم عملية إصلاح مالي فعال دون أن تشارك فيها أيضا المؤسسات الحاكمة. ولذلك من الممكن أن تواجه مثل هذه الدعوات بمقاومة من قبل أطراف داخل المؤسسات الحاكمة خوفا على امتيازاتها التقليدية التي تتمتع بها وخشية من إجبارها على تقديم تنازلات من طرفها في مقابل هذه الإصلاحات. ولا شك أن مثل هذه المقاومة قد تمثل تحديا كبيرا لعمليات الإصلاح، حيث يفترض أن العدالة في تحمل الأعباء يجب أن يتحملها الجميع بغض النظر عن موقعهم في السلم الاجتماعي والسياسي في المجتمع. وعندما يجد رجل الشارع أنه وحده هو الذي سيتحمل أعباء عملية الإصلاح فإنه لن يشارك فيها، وسيحاول التهرب منها بكافة السبل. من ناحية أخرى فإن مشاركة رجل الشارع دون مشاركة حقيقية من النخبة الحاكمة سيكون لها رد فعل سلبي على الأفراد، ومن ثم فإن عملية التغيير الفعال لا بد وأن تتطلب مشاركة فعالة من قبل المؤسسات الحاكمة في تحمل نصيبها من تلك الأعباء.
  4. التخطيط بحكمة لمواجهة ردود فعل الشارع:
    لقد صاحب الوفرة المالية لدول المجلس تبني سياسات مكثفة للرفاه في مجالات مختلفة استهدفت أساسا إعادة توزيع الثروة النفطية ورفع مستويات الدخل والمعيشة للفئات المختلفة من المواطنين. وينظر المواطنون إلى أشكال الدعم المختلفة وسياسات الرفاه على أنها من أهم مكتسبات عهد الوفرة. وبعد عقود من تبني مفهوم دولة الرفاه يصعب على الأفراد التنازل عن تلك المكتسبات. وفي أسوأ السيناريوهات ربما تنعكس ردود فعل الشارع على الاستقرار السياسي الداخلي. ولتفادي ردود الأفعال تلك لا بد من إدارة عملية الإصلاح بشكل يقلل من أعباء عمليات الإصلاح على الفئات محدودة الدخل بصفة خاصة. ولعل من بعض هذه التجارب في هذا المجال ما أشارت إليه الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدولة الكويت من إنشاء شبكة للأمان الاجتماعي تهدف إلى مراعاة الأبعاد الاجتماعية لعملية الإصلاح المالي، وذلك من خلال تأمين التغطية لأصحاب الدخول المحدودة وتخفيف أعباء عمليات إعادة تسعير السلع والخدمات العامة بصفة خاصة أسعار الكهرباء والماء على تلك الفئات.
  5. دعم حرية التعبير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني:
    يعد ضمان حرية التعبير والرأي مدخلا أساسيا لنجاح عملية التغيير، فهو من ناحية يضمن مشاركة أكثر فاعلية لمختلف الأفراد والفئات والمؤسسات في صناعة عملية التغيير، من ناحية أخرى فإن حرية التعبير وحرية الرأي من خلال وسائل الإعلام المختلفة ستخلق قوة ضاغطة تدفع عمليات التغيير، وتخلق تفهما أفضل لحتميته واستعدادا أكبر لتحمل أعبائه وتكاليفه على كافة الأصعدة. وتلعب مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بالتجمعات والتكتلات المختلفة دورا حيويا في عملية التغيير، ويشكل غياب مثل هذه المؤسسات عائقا أساسيا أمام عملية التغيير، إذ أن لمثل هذه المؤسسات قدرة أكبر على الوصول إلى الجماهير بكفاءة وبفعالية قد لا تتوافر للحكومات. ولذا لا بد من إفساح المجال بصورة كاملة أمام مثل هذه المؤسسات لممارسة هذا الدور، حيث أنه بدون هذه المؤسسات تصبح التجربة الديمقراطية ناقصة وغير فاعلة في تحقيق الأهداف العامة للمجتمع.
  6. تعميق المشاركة الديمقراطية:
    مما لا شك فيه أن عمليات التغيير الجذري لا يمكن أن تتم وتستمر بنجاح في ظل مناخ غير ديمقراطي. فالديمقراطية والمشاركة الفعالة من كافة الفئات والتيارات المختلفة سوف تضمن شفافية أكبر في عمليات صناعة قرارات التغيير، واستعدادا أكبر للمشاركة في تحمل أعبائه، فالديمقراطية لا تعني فقط مجرد المشاركة ولكن أيضا مسؤولية. إن على المؤسسات الحاكمة أن تدرك أيضا أن المرحلة القادمة لا بد وأن تتطلب مشاركة أكبر من قبل القطاعات الأخرى في المجتمع في عمليات صناعة السياسة وصياغة البرامج وتنفيذ الإستراتيجيات، ومما لا شك فيه أن ذلك الأمر يتطلب تنازلات من قبل المؤسسات الحاكمة لقبول مثل هذه المشاركة. غير أن الديمقراطية أيضا ممارسة، وبمعنى آخر فإن غياب الديمقراطية بمفهومها الشامل حاليا في معظم دول المجلس سوف يعني أن إدخال هذا الشكل من الديمقراطية يجب أن يكون بشكل تدريجي لضمان الممارسة الإيجابية، خصوصا في ظل التركيبة الاجتماعية لمعظم مجتمعات دول الخليج والتي قد تسيطر على حركة وتوجهات النواب في البرلمانات، بغض النظر عن المصلحة العامة على المدى الطويل.
  7. الوعي بقواعد الحركة:
    تتطلب الديمقراطية والحرية من الحكومات أن تتعلم من قواعد الحركة في المجتمع. على سبيل المثال تشير التجربة الكويتية إلى فعالية الخطاب النيابي لجماهير الشارع من خلال الديوانيات وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري، في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من غياب أو ضعف الاتصال الحكومي بالجماهير الأمر الذي يترك المجال فسيحا أمام النواب، لأنهم الصوت الوحيد الذي يعزف في الشارع، خصوصا في ظل غياب الصحف الحكومية وضعف القنوات الإعلامية الرسمية في إيصال رسالة الحكومة وبيان أهمية برامجها للوصول بشكل مناسب إلى الشارع. ولذلك حرصت الحكومة في الكويت ضمن مقترح برنامجها لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة 2002/2006 على عمل حملة للتوعية الجماهيرية بالخطة Public awareness campaign وأهدافها وبرامجها ومخاطر استمرار الأوضاع الحالية.

_______________
وزير المالية ووزير التخطيط السابق – الكويت

المصادر
– عبد الله القويز، (1993) "منجزات التكامل الاقتصادي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ضوء التنفيذ التدريجي لأحكام الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لمجلس التعاون"، السنة الثامنة، ص 66-78.
– مازن العليكي، (1991) "تجربة التصنيع في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "، السنة السادسة، ص 83 – 94.
– سليمان القدسي، "سياسات أسواق العمالة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسـات والبحوث الإستراتيجية، سلسلة محاضرات الإمارات [22]، 1998).
– طاهر كنعان (تحريـر)، "دور الدولة في البيئة الاقتصادية العربية الجديدة"، (الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي، 1998).
– عبد اللطيف الحمد، "التكامل الإنمائي الخليجي.. التحديات والمواجهـة "، بحث نشر في كتاب "قمة الكويت وصياغة المستقبل"، وكالة الأنبـاء الكويتية، (إصدار خاص بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، 1997).
– عبد الله القويز، "التحديات والفرص الاقتصادية الرئيسية أمام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، بحث نشر في كتـاب مؤتمر أمن الخليج.. المنظور الوطنـي، (لندن، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1997).
– على نايف عبيد، (1996) "مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. من التعاون إلى التكامل"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
– مجلس التعاون لدول الخليج العربية، النشرة الاقتصادية، أعداد مختلفة.
– محمد عبد الرحمن العسومي، تطورات أسواق النفط العالمية واقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، (أبو ظبي، غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي، 1998).
– محمد محمود الإمام، مستقبـل التنمية العربيـة والعمـل الاقتصادي المشترك، (المعهد العربي للتخطيط، 1993).
– مكتب العمل الدولي "التعليم والتدريب من أجل العمل في مجتمع المعارف" جنيف، 2002.
– يوسف الإبراهيم، "التخطيط التنموي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. المفهوم – السمات – المستقبل "، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، (1994).
– يوسف الإبراهيم، "عجز الموازنة.. أوضاع المالية العامة في دولة الكويت.. الواقع والاحتمالات وسبل المواجهة"، (الكويت، دار قرطاس، 1995).
– يوسف الإبراهيم "الدور الاقتصادي للدولة ومستقبل التعاون الاقتصادي بين دول الخليج العربية" (مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية) العدد (16) ديسمبر 2000، ص 127-160 .
– يوسف الإبراهيم، "مستقبل مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي.. البعد الاقتصادي"، وكالة الأنباء الكويتية، ديسمبر 2003.
– Al Gore, Creating A Government that Works Better and Cost Less, The Report of the National Performance Review, 1993.
– l-Alkim, H.H The Gulf Subregion In The Twenty-First Century: US Involvement & Sources of Instability, American Studies International, February 2000, Vol. XXXVIII, No. 1 pp 72-94
– Girgis, M. National Versus Migrant Workers in the GCC: Coping with Change”, submitted to Mediterranean Development Forum Labor Workshop, Cairo, Egypt. March 5-8, 2000.
– IMF, Financial Systems and Labor Markets in the Gulf Cooperation Council Countries, 1997.
-IMF, Kuwait From Reconstruction to Accumulation for Future Generations, Paper 150, 1997.
– MF, Policy Challenges in the GCC Countries, 1996.
– smail Sirageldin and Yousef Al-Ebraheem, “Budget Deficit, Resource Gap and Development in Oil Economies,” Discussion Paper, Council of Foreign Relations, 1997.
– smail Sirageldin, “Globalization, Regionalization, and Recent Trade Agreements: Impact on Arab Economies,” Keynote Address, International Conference on “The New Economic Development and their Impacts on the Arab Economics,” Arab Planning Institute, Tunis, 1998.
– adresic, E. “On a Common Currency for the GCC Countries” IMF policy discussion paper PDP/02/12, Dec. 2002
– oseph Stiglitz, “Redefining the Role of the State: What Should It Do? How Should Do It? and How Should Decisions Be Mode? Presented at the Tenth Anniversary of MIT Research Institute, Japan, March, 1998.
– ulia Devlin, An Institutional Approach to Economic Policy Reform in the Gulf States, Occasional Papers, no. 13 (Abu Dhabi: ECSSR, 1998).
– akhleh, E. ( 1986 ) “ The Gulf Cooperation Council: Policies, Problems and Prospects “, Praeger, New York.
– Yousef Al-Ebraheem, “Kuwait’s Economic Travails,” Middle East Quarterly, 1996.

المصدر : الجزيرة