مدينة الاشتباك.. جنين تؤرق الاحتلال بمقاومتها

يسعى التحريض الإسرائيلي على مقاومة جنين إلى تشويهها عبر ربطها بالفوضى والفتان الأمني، لكبح انتشارها في مناطق أخرى. كما يسعى لإحراج السلطة الفلسطينية أمام الإدارة الأميركية.

مقاومون فلسطينيون مسلحون يشاركون بتشييع شهيدين قتلهما الاحتلال في اشتباك مسلح في جنين فجر الاثنين (الجزيرة)

جنين- "رُدوا على البارود بارود.. عمليات وخطف جنود، طلقة بطلقة ونار بنار". هتافات صدحت بها حشود من الفلسطينيين، على وقع الرصاص الغاضب، في تشييع شهيدين قُتلا في اشتباك مسلّح مع قوات إسرائيلية بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، يوم الاثنين.

وعن بكرة أبيهم خرج أهالي المدينة ومخيم اللاجئين الملاصق بها، مشيعين شهيدين من أصل 4 قتلهم الاحتلال خلال اقتحام لقواته فجر الاثنين شهد "اشتباكات عنيفة" بوصف الاحتلال نفسه، مع مسلحين فلسطينيين.

وأعلنت القوى الوطنية والإسلامية الحداد العام في المدينة، وأغلقت المحال التجارية "فالأمر جلل وجنين لا تُهادن" كما يقول المشاركون في التشييع.

وتشهد المقاومة المسلحة في مدينة ومخيم جنين تصاعدا مع كل اقتحام للاحتلال. وهو ما بدا واضحا خلال الشهور الثلاث الماضية، وتزامنا مع تصعيد الاحتلال بتهديد العائلات الفلسطينية بالطرد من حي الشيخ جراح بالقدس وارتفاع وتيرة المواجهات بأنحاء الضفة، وبعد العدوان الأخير على غزة، مايو/أيار الماضي.

وردا على هذا التصعيد، هددت المقاومة في جنين جيش الاحتلال في اقتحاماته شبه اليومية، بأنه لن يخرج منها بسلام. و"صدق المقاومون ولم يستسلموا" كما تقول الصحفية شذى حنايشة من مدينة جنين. وتضيف أن اللافت هو "استشراس" المقاومين وبسالتهم رغم صغر سنهم، وكذلك "جاهزيتهم العالية في صد أي هجوم للاحتلال".

إعلان

وتردف حنايشة، للجزيرة نت، أن المقاومين يتحضرون يوميا "للإرباك الليلي" الذي يتمثل بالرصد والمراقبة ومن ثم الاشتباك بالرصاص و"الأكواع" وهي عبوات متفجرة محلية الصنع، خلال اقتحام جنود الاحتلال للمدينة أو المخيم.

مقاومة يقابلها تحريض

ثمة شيء آخر تراه الصحفية يجعل شعلة المواجهة متقدة في جنين ومخيمها تحديدا، ويميزها عن غيرها أن إلقاء الحجارة المعتاد في المواجهات مع الاحتلال لم يعد يقنع الشباب المقاوم هنا، بل اقتناء وحمل السلاح "الذي يشترونه من جيوبهم".

ومنذ بداية العام، قتل الاحتلال 10 فلسطينيين خلال اقتحاماته لمدينة جنين، 8 منهم استشهدوا خلال الشهرين الأخيرين، ومع كل شهيد يرتقي يصر المقاومون على الاشتباك أكثر.

البسالة التي يظهرها المقاومون في جنين نالت تأييدا فلسطينيا واسعا انعكس في آلاف المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبر عن الفخر بهم والإشادة بالمقاومة. وهو ما أثار حفيظة الاحتلال الذي صعّد من تحريضه الإعلامي على جنين ومقاومتها.

وظهر ذلك فيما قاله مراسل القناة 12 الإسرائيلية صباح الاثنين، وهو يروي ما جرى في اقتحام جنين الذي أدى إلى استشهاد 4 مقاومين، وقال "واضح أن الكلمة الأخيرة لم تُقل بعد".

أما الصحفي بن كسبيت من صحيفة معاريف الإسرائيلية فيقول "أي مختص يعمل في الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) يدرك أن جنين بعيدة عن الهدوء، بل تزداد هياجاً وتطرفاً، إنه أمر محزن ومقلق، والسلطة تفقد السيطرة هناك".

وعلى الأرض، رصدت الجزيرة نت مظاهر المقاومة المسلحة التي تغيب عن باقي مناطق الضفة، فقد ظهر المسلحون ملثمين وآخرون أماطوا اللثام عن وجوههم. "فالكل أصبح مطلوبا للاحتلال بعد اليوم إما للاعتقال أو للاغتيال" قال أحد المسلحين، ثم علا الهتاف "يا أم الشهيد نيالك يا ريت أمي مكانك".

إعلان

وقد امتشق أحدهم سلاحه وتوشح بعصبة على رأسه كتب عليها "معركة مخيم جنين" في إشارة للإرث الذي يحمله هذا المكان في ضمير الأجيال الشابة خاصة.

المقاومة المسلحة في جنين تواجَه بتحريض إسرائيلي يستهدف تشويهها (الجزيرة)

مقاومة الردع

تصاعد المقاومة المسلحة في مدينة ومخيم جنين، يعزوها جمال حويل القيادي بحركة التحرير الوطني (فتح) وأحد مقاومي المخيم، خلال معركته الشهيرة عام 2002، إلى إصرار الاحتلال على التعامل "أمنيا" مع الفلسطينيين ورفضه الحل السياسي وادعائه دعم الاقتصاد عبر تسهيلات مختلفة، مقابل قناعة المقاومين في جنين بأنه "لا تعايش مع الاحتلال الذي لا يفهم إلا لغة القوة".

يقول حويل للجزيرة نت إن ما تقوم به المقاومة في جنين رد على غطرسة الاحتلال وانتهاكاته في القدس وبيتا والأغوار وغيرها، ولهذا "يريد الاحتلال ردع الوطن عبر انتقامه من مقاومة جنين".

وتؤكد جنين كل مرة، حسب حويل، أن محاولات الاحتلال لقتل روح المقاومة فاشلة. وأنها ستظل "عاصمة المقاومة والكفاح المسلح والمنبّه دوما للشعب الفلسطيني بأن الوحدة الوطنية والمقاومة هي الحل مع الاحتلال".

وبرأيه، مهما حاول الاحتلال استهداف الأجيال الشابة من المقاومين ومطاردي المخيم خاصة، يبرز شباب أقوى وأشرس، فالشهداء الأربعة من مواليد انتفاضة الأقصى وربما خلال "الاجتياح" الذي عاشه مخيم جنين عام 2002.

ويقول حويل "إنهم يعملون ليلا نهارا لتوفير ثمن الرصاص للاشتباك مع الاحتلال، وينامون وأيديهم على الزناد".

ولأن الاحتلال "مسكون بهاجس هزيمته" وللثمن الباهظ الذي دفعه في جنين خلال معركة المخيم الشهيرة، وقبلها عشرات العمليات الفدائية التي خرج منفذوها من جنين، فهو يريد الانتقام، كما يقول الشيخ خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، مذكّرا بمسميات أطلقتها إسرائيل على جنين ومخيمها كـ "عش الدبابير، عاصمة الإرهاب".

إعلان

لكن "الأجيال الشابة تشربت فكر أسلافها المقاومين هنا، وتوحدهم من كل الفصائل في مواجهة الاحتلال" يقول الشيخ عدنان، ويضيف أن رفض المقاومين الاقتحامات والاعتقالات اليومية هو ما يجعلهم يتصدون له في المخيم والمدينة ويلاحقونه خارجها.

محاولة كبح

ويميز مقاومة جنين، حسب عدنان "الحاضنة الشعبية الكبيرة" التي تحظى بها، والروح المعنوية العالية والعقيدة التي يحملها شبابها الثائر والتي ترفض الاستسلام أو الاعتقال، وتؤكد أن القتال حتى النفس الأخير خيار المقاوم وإن حوصر أو هدم منزله فوق رأسه "ولهذا تخرج المقاومة كل مرة أقوى، وهذا يستفز الاحتلال".

ويذهب الباحث بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع للقول إن تصعيد الاحتلال جرائمه ضد الفلسطينيين أبقى على المواجهة والمقاومة مستعرة، وإن تحريضه على جنين يأتي في سياق محاولة كبح تحولها إلى ظاهرة تنسحب على مناطق الضفة ويصعب السيطرة عليها.

بالإضافة إلى أن هنالك مصلحة سياسية إسرائيلية، كما يقول الباحث الفلسطيني "عبر التضخيم والتحريض والتهويل، وإحراج وإضعاف موقف السلطة (التي لا تؤيد المقاومة المسلحة) أمام الإدارة الأميركية".

واعتبر مناع أن التحريض جزء من حرب كي الوعي التي يتبعها الاحتلال، وذلك بمحاولته ربط الفلتان الأمني والفوضى وآثارها الكارثية على المواطن الفلسطيني، بالمقاومة المسلحة.

لكنه اتفق مع سابقيه على أن محاولات إسرائيل صهر وعي الشعب الفلسطيني والتفافه حول مقاومته فشلت، لا سيما في حالة الالتفاف الشعبي التي تحظى بها اشتباكات جنين.

المصدر : الجزيرة

إعلان