الأحلام ملاذ الجيل الضائع في الشيشان
يجد جيل كامل من شباب الشيشان الذين لم يذوقوا طعم الحياة الطبيعية في جمهوريتهم التي تشهد حربا للاستقلال عن روسيا، في الأحلام والأماني ملاذا للهروب من الواقع المؤلم.
وتتفاوت أحلام جيل الضياع الشيشاني الذي لا يمكنه تخيل الحياة بدون دبابات تجوب الشوارع ولا يتذكر العاصمة غروزني قبل الحرب والدمار، بين الحلم بالهجرة إلى دول غربية وتمني المجد عبر انضمامهم إلى صفوف المقاومة كمقاتلين يتدربون في معسكرات جبلية.
فالشابة الشيشانية مالينا (25 عاما) تبيع خلال النهار الصور المثيرة للجنود الروس الذين نشروا في حربهم ضد المقاتلين الخراب في بلدها، لكن في ليل الشيشان البارد تدفئ قلبها بأحلام عن باريس وقراءة روايات شكسبير.
ورغم أن مالينا وشقيقها أصلان (17 عاما) يمضيان أيامهما في كوخ خشبي قرب قاعدة عسكرية روسية يبيعان الأطعمة والمشروبات لرجال يلقيان عليهم بالمسؤولية عن الدمار في الشيشان، فإنها تحلم بالهجرة إلى باريس مع شقيقها الذي يحلم بأن يكون نجم كرة قدم في فرنسا، وتوضح أن كل ما تحتاجه هو 800 دولار للانطلاق بتحقيق طموحاتهما.
وتقول مالينا مشيرة إلى عربات جند مدرعة تمر محملة بالجنود الروس "انظر إليهم، إنهم يتجولون بهذه الطريقة في أنحاء المدينة، وإذا ساق القدر شخصا أو سيارة إلى طريقهم يتطور الوضع إلى أسوأ مما تتخيل"، وتضيف أن "هذه ليست حياة، نحن نعيش تحت رحمتهم، نحن نكبر تحت فوهات البنادق".
مستقبل مجهول
ويؤكد ألفي والد مالينا الذي يتكسب من التجارة في سلع تجلب من جمهورية داغستان المجاورة، أن الشيشان ليس لها مستقبل "على مدى عشر سنوات لم نرى مستقبلا، وانظر إلى شبابنا الآن، لم يروا شيئا سوى العنف والأسلحة. لم يتلقوا تعليما". في نظرة ملؤها التشاؤم قال "سيموت هذا الجيل قبل أن يمكننا التحرك".
وإن كانت أحلام مالينا في الهجرة فإن بعض زملاء دراستها سابقا يغرقون في أحلام المجد كمقاتلين يتدربون في معسكرات جبلية. ويقول سلام سلاموف نائب وزير الداخلية في الشيشان إن عشر سنوات من الحرب أججت الشعور المناهض للروس بين الأطفال الذين كانوا في الثالثة عشرة عام 1991. ويضيف أن "هناك من ليس لديهم شيء يخسرونه".
وفي هذا الإطار يشار إلى عملية احتجاز الرهائن في مسرح بموسكو في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي التي خلفت 129 قتيلا. وقاد العملية -التي توصف على أنها أكثر هجمات المقاتلين طموحا في حرب الشيشان الثانية التي اندلعت عام 1999- مقاتل شيشاني يقال إنه لم يتجاوز 25 عاما.
وتعرف السلطات المحلية الموالية لموسكو خطر السخط بين الجيل الشاب في الشيشان كوقود لآلة الحرب التي يديرها الزعماء المطالبون بالاستقلال. لكن الإمكانيات الهزيلة لهذه السلطات تعجز عن التعامل مع عشرات الشبان المصدومين.
والخطة الوحيدة الملموسة كانت اختيار شيشانيين للخدمة في الجيش الروسي رغم أن التجنيد العام المطبق في باقي أنحاء روسيا ألغي في الشيشان. ويقول رئيس مكتب التجنيد في الشيشان "نحن مقتنعون بضرورة إبعاد الشبان عن الجماعات الانفصالية " ويضيف أن أغلب المقاتلين تتراوح أعمارهم بين 20 و34 عاما وهم يصبحون صيدا سهلا في هذه السن.
وفي إطار جهود الكرملين لإظهار أن الحياة اليومية العادية تعود إلى مجراها في الشيشان يعرض التلفزيون الحكومي بانتظام إعلانات عن رياض الأطفال والمدارس والجامعات. لكن قليلا من السكان يعطون أهمية كبيرة للتعليم بينما ما زالوا ينقبون عن قوتهم وسط أنقاض العاصمة الشيشانية.