كيف فشل عبد الله الدوسري في "غزوة جنيف"؟

epa06549195 (FILE) - Bahrain activist Nabeel Rajab (R) takes part in a march in Bilad Al-Qadeem village, a suburb of the Bahraini capital Manama, 01 April 2012 (reissued 21 February 2018). Reports on 21 February 2018 state activist Nabeel Rajab was sentenced to five years in prison over tweets criticizing the government. EPA-EFE/MAZEN MAHDI

سجل الأداء الرسمي البحريني في جنيف فشلا بالغا أثناء مناقشة التقرير الأولي المقدم من الحكومة البحرينية إلى هيئة الخبراء المستقلين في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التي ترصد تنفيذ الدول الأطراف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

في الحقيقية؛ لم يكن منظر عبد الله الدوسري (مساعد وزير الخارجية البحريني) وفريقه -وهم يقرؤون الإجابات المكتوبة- مقنعا البتة، فلعلها التجربة الأولى لهم في مواجهة هذا الكم من الأسئلة والتعليقات من خبراء الأمم المتحدة، باعتبار أنَّ تجربة الاستعراض الدوري الشامل تختلف؛ إلا أنَّهم أعادوا استخدام ذات الأسلوب المستخدم أثناء الاستعراض الشامل عام 2017، بقراءة الإجابات المكتوبة سلفا دون الاهتمام لتفاصيل الأسئلة.

طالب الدوسري -بعد أن واجه غزارة الانتقادات من الخبراء- اللجنة بالتأكد من دقة مصادرها، وهو إقرار ضمني بفشل فريقه في إقناع هيئة الخبراء بتبني تقرير السلطة؛ وهو بالمناسبة التقرير الذي تأخر 10 سنوات عن موعد تقديمه بذريعة "عوامل لوجستية"، وأخرى تتعلق "ببناء القدرات"!!

ونظرة سريعة على ردود السلطة على قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الحقوقي الأولي للبحرين؛ يتضح أنَّ هناك الكثير من التعليقات الضعيفة والباهتة والتي لا يخلو بعضها من الكذب، كما ورد في الفقرة (131): "وأغلب الحالات التي تم سحب أو فقد أو إسقاط الجنسية البحرينية عنهم يتمتعون بجنسيات أجنبية إلى جانب جنسياتهم البحرينية"

ويعني ذلك أنَّ هذه اللجنة -التي يرأسها وزير الخارجية منذ الانضمام للعهد الدولي في 2006- لم تكن قادرة على إعداد هذا التقرير المكتوب في 81 صفحة بالنسخة العربية؛ رغم الإنجازات الحقوقية الهائلة التي يتحدث عنها الوفد الرسمي، حتى ليخيل للمستمع إليهم -أثناء النقاش- أنَّ التقرير مقدم عن سويسرا وليس البحرين!

وبنظرة سريعة على ردود السلطة على قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الأولي للبحرين؛ يتضح أنَّ هناك الكثير من التعليقات الضعيفة والباهتة والتي لا يخلو بعضها من الكذب، كما ورد في الفقرة (131): "وأغلب الحالات التي تم سحب أو فقد أو إسقاط الجنسية البحرينية عنهم يتمتعون بجنسيات أجنبية إلى جانب جنسياتهم البحرينية".

وأما أكثر ما يثير السخرية فهو استدلال السلطة في تقريرها على تقدم الحالة الحقوقية بمنجزات المؤسسة الوطنية التي أوردها التقرير في الصفحتين (4-3)، وهي كالتالي: إصدار النشرات والمطبوعات التثقيفية، وإقامة عدد من الندوات والمحاضرات، وإبرام عدد من مذكرات التفاهم مع مؤسسات المجتمع المدني، وطباعة كتيب جيب تستهل ديباجته بنشأة الحقوق المدنية والسياسية!!

طبعا من خلال قراءة هاتين الصفحتين؛ سيعتقد القارئ أنَّ الحكومة تتحدث عن دار نشر للمطبوعات الحقوقية وليس عن مؤسسة حقوقية. وفي الوقت الذي أسهب فيه التقرير بالحديث عن كيفية تشكيل المؤسسة الوطنية؛ تجنب الإشارة إلى إخفاق المؤسسة في الحصول على تصنيف (أ).

وهو الأمر الذي دفع رئيسة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ماريا خوري (في 11 ديسمبر/كانون الأول 2017) إلى القول بأنَّ "الاعتمادية الدولية مسيَّسة"؛ لأنَّ هذا الإخفاق يعني أنَّ الاعتمادية الدولية لا ترى أنَّ المؤسسة الوطنية ممتثلة لمبادئ باريس.

وذلك رغم أنَّ الدولة خصصت في الموازنة العامة للمؤسسة الوطنية أكثر من مليون دينار خلال 2017–2018 صُرفت في الهواء لتزوير الواقع الحقوقي، من خلال الرحلات السياحية لأعضاء المؤسسة في العواصم الأجنبية والفنادق الفارهة.

في الفقرة (55) تقول السلطة إنَّ تعريف الإرهاب "جاء محددا من حيث بيان الأوضاع القانونية والشروط الواقعية لتوافر حالة الإرهاب"؛ رغم أنَّ التعريف لا يمكن معه التفريق بين الجريمة العادية التي نص عليها قانون العقوبات وحدد عقوبتها، والجريمة الإرهابية التي نص عليها قانون الإرهاب وشدد عقوبتها، ولا بد من الإشارة إلى أنّ السلطات في البحرين تصف -بشكل دائم- الاحتجاجات الشعبية منذ 2011 بأنها نشاط إرهابي.

ومن الطريف ما تذرعت به السلطة أمام هيئة الخبراء في العهد الدولي في الفقرة (59)، لتبرير الاحتجاز التعسفي مدة 28 يوما بناءً على قانون الإرهاب وفق المادة (27)؛ من أنَّ "المشرع نظم هاتين المسألتين بجملة من الضوابط لضمان حماية حقوق الإنسان وحرياته وضمان عدم انتهاكها"، وهو ما يأتي مخالفاً للفقرة (3) من المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

في الفقرة (64)؛ أشارت السلطة إلى أنَّ عدد الأشخاص الذين تمت إدانتهم في الجرائم الإرهابية -من عام 2011 إلى 25 يناير/كانون الثاني 2018- هو 7460 شخصا. وخطورة هذا الموضوع ستتضح إذا انتبهنا إلى ما ورد في التقرير السنوي لأعمال النيابة العامة لعام 2017، والذي كشف أنَّ عدد القضايا الواردة لنيابة الجرائم الإرهابية هي 5126 في عام واحد؛ مع العلم بأنَّ قانون الإرهاب لم يطبق منذ صدوره سوى على المعارضين السياسيين.

في الفقرة (101) يقول التقرير إن "السلطة القضائية في ظل أحكام الدستور تتمتع باستقلال مهني ومالي وإداري كامل"، وإنَّ "الأمر الملكي لا يعدو أن يكون أداة تعيين للانخراط في العمل القضائي". وذلك رغم غياب الضمانات التشريعية التي تعطي الملك السلطة العليا في تعيين القضاة، دون أن يكون هناك أي تفعيل حقيقي لضمانة أن الشعب هو مصدر السلطات جميعها.

الملك -في النظام الدستوري البحريني- يحتفظ بصلاحيات واسعة؛ إذ إنه يرأس جميع السلطات وله فيها صلاحيات كبيرة، بما يتنافى مع ما يقتضيه الدستور من الفصل بين السلطات، فضلا عن أنَّ الرقابة الشعبية على القضاء مغيَّبة تماما

فالملك -في النظام الدستوري البحريني- يحتفظ بصلاحيات واسعة؛ إذ إنه يرأس جميع السلطات وله فيها صلاحيات كبيرة، بما يتنافى مع ما يقتضيه الدستور من الفصل بين السلطات، فضلا عن أنَّ الرقابة الشعبية على القضاء مغيَّبة تماما.

في الفقرة (102) تتحدث السلطة عن المحاكمة الأولى للأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان؛ فتقول إنه "قد اتُّبُعت مع المحكوم عليه -سواء خلال مرحلة التحقيق أم المحاكمة- الإجراءاتُ المنصوص عليها بالقانون".

وذلك رغم الإخلال بضمانات ما قبل المحاكمة، مثل: الحق في الحرية (خبراء الأمم المتحدة وصفوه بأنه محتجَز تعسفيا)؛ وحق المحتجَز في الحصول على المعلومات الخاصة بقضيته (كرر المحامون كثيراً أنهم حرموا من الاطلاع على محضر التحريات وملف القضية قبل التحقيق)؛ وحق المتهم في الاستعانة بمحام قبل المحاكمة.

وكذلك الحقوق والضمانات أثناء التحقيق: هل ضمانات المحاكمة العادلة تقوم على توجيه التحقيق للبحث عن أدلة الإدانة دون أدلة البراءة؟ وهل استجلاء الحقيقة وقرينة البراءة تقوم على قبول اقتطاع العبارات وتحميلها أكثر مما تحتمل؟ أما الضمانات أثناء المحاكمة فنورد مثلا: الحق في استدعاء الشهود ومناقشتهم؛ فقد رفضت المحكمة استدعاء وزير الداخلية ورئيس الأمن العام، والشواهد كثيرة.

في الفقرة (117) المتعلقة بحرية التنقل؛ تقول السلطة إن "منع السفر مرهون بوجود دعوى جنائية أو مدنية، حيث ورد إجراء المنع من السفر في التشريع".

وللبرهنة هنا، وفي بداية منع الناشطين الحقوقيين والسياسيين من السفر؛ بلع عبد الله الدوسري لسانه عندما سأله رئيس مجلس حقوق الإنسان: هل هناك دعوى قضائية لمنع أكثر من 30 ناشطا من حضور جنيف؟ فلم يملك حينها غير إنكار الأمر، قبل أن يتم تلفيق عدد من القضايا في النيابة العامة على بعض النشطاء لاحقا.

تقرير السلطة الحقوقي مليء بالمغالطات وتجنب الحديث عن بعض المشاكل الحقوقية الرئيسية، إضافة إلى تقديمه مبررات غير موضوعية ولا تصل إلى حد الإقناع في قضايا حقوقية أخرى، ويذهب كثيرا في استخدام العبارات الإنشائية

في الفقرة (126) يرِد التالي: "إن حرية الرأي والتعبير مكفولة في جميع وسائل الإعلام دون قيود سوى الضوابط المهنية والأخلاقية". وهذا ما يؤكده تفشي وباء خطابات الكراهية ضد المعارضين في وسائل الإعلام الرسمية، واستخدام المواد التالية في قانون العقوبات البحريني لتقييد حرية التعبير وتغليظ العقوبة: (160)، (165)، (173)، (214)، (215)، (216).

في الفقرة (87) تقول السلطة: "بشأن ما تم -بشكل عام- من تطبيق لتوصيات لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب رقم CAT/C/BHR/CO2-3؛ فإن الأمانة العامة للتظلمات تتمتع باستقلالية ميزانيتها وهيكلها الإداري والوظيفي". رغم أنَّ أحكام المرسوم رقم 27 لسنة 2012 واضحة في أنَّ "أمين عام التظلمات ونائبه يتم تعيينهما بموجب مرسوم بناءً على توصية وزير الداخلية وموافقة رئيس مجلس الوزراء".

وهو ما يعني أنَّ طريقة التشكيل تفتقر إلى دور الشعب -المتمثل في البرلمان، أو المتمثل في المجتمع المدني، أو المتمثل في المعارضة، أو المتمثل في جهة مقبولة دوليا- في اختيار الأمين العام لهذا المكتب أو الأمانة العامة؛ كما حدث في تجارب أخرى.

فبعض الدول يتم تعيين أمين المظالم وفق مرسوم رئاسي أو أمر ملكي بعد موافقة البرلمان أو المجلسين (مثل إيرلندا)، وفي بعض الدول يتم تعيين أول أمين عام للمظالم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة (مثل كوسوفو). وبحسب التجارب في الدول المختلفة فإن الأمين العام للمظالم يتم انتخابه من السلطة التشريعية أو من الجمعية العامة بأغلبية معينة (في ألبانيا والأرجنتين وأرمينيا والبرتغال وجورجيا ومالطا؛ يكون فيها أمين المظالم مسؤولا مباشرة أمام البرلمان).

على أية حال؛ تقرير السلطة مليء بالمغالطات وتجنب الحديث عن بعض المشاكل الحقوقية الرئيسية، إضافة إلى تقديمه مبررات غير موضوعية ولا تصل إلى حد الإقناع في قضايا حقوقية أخرى، ويذهب كثيرا في استخدام العبارات الإنشائية.

وهو –مع ذلك- يقدم رؤية واضحة لنتائج صرْف أكثر من أربعة ملايين دينار لموازنة وزارة الخارجية البحرينية التي وضعت ضمن أولوياتها تزييف صورة الواقع الحقوقي، ونالت درجة الفشل بامتياز؛ رغم غزوات جنيف المتكررة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.