الشيخ أحمد ياسين.. ولد مع ثورة وقاد أخرى

أبرز مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعرض لمحاولات اغتيال فاشلة، وللعديد من عمليات الاعتقال والتعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قصفته الطائرات الإسرائيلية واغتالته عام 2004 أثناء خروجه من المسجد على كرسيه المتحرك.

المولد والنشأة

ولد أحمد إسماعيل ياسين في يونيو/حزيران 1936 بقرية "الجورة" في عسقلان، قضاء المجدل، جنوبي قطاع غزة، تزامنت ولادته مع أول ثورة فلسطينية مسلحة ضد الانتداب البريطاني وسياسة الهجرة اليهودية المفتوحة.

له 7 إخوة، أربعة من أمه وأبيه وثلاثة من أبيه، توفي والده وهو في الخامسة من عمره فتعهدته والدته سعدة عبد الله الهبيل ورعته وربته هو وإخوته.

وهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قريته عام 1948، مما اضطره للنزوح مع أسرته إلى قطاع غزة، وفيها عاش حياة قاسية ومريرة شأنه شأن المهاجرين الفلسطينيين.

وكان يذهب مع أقرانه إلى معسكرات الجيش المصري بحثا عن فائض الطعام ليجلبوه إلى أهلهم. وقد أجبرته ظروف الحرمان والفقر على ترك الدراسة في طفولته والعمل بأحد المطاعم في ميناء غزة لإعالة أسرته. تزوج من حليمة حسن ياسين عام 1961 وأنجب منها 11 ابنا: 3 ذكور، و8 بنات.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الجورة الابتدائية حتى الصف الرابع، ولكن ظروف النكبة والتهجير حالت بينه وبين استكمال الدراسة، وظل منقطعا 3 سنوات متتالية طال فيها الفقر أسرته، مما دفعه للعمل، ثم أكمل بعدها دراسته الابتدائية بمدرسة الشافعي في قطاع غزة، والإعدادية بمدرسة الكرمل.

وحصل على الثانوية العامة من مدرسة فلسطين عام 1958. ثم عين مدرسا للغة العربية والتربية الإسلامية في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، بعد اجتيازه اختبارا في وظيفة التدريس، وعلى الرغم من رفض مستشار الحاكم تعيينه بحجة ضعفه الجسدي، فإن الحاكم نفسه أصر على التعيين بعد أن رأى فيه العزيمة القوية.

وتقدم عام 1964 مرة أخرى لاجتياز امتحان الثانوية العامة، ليلتحق بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس بمصر، غير أنه لم يمضِ بها سوى سنة واحدة، وذلك بسبب اعتقاله ومنعه من دخول الأراضي المصرية، بحجة نشاطه الإسلامي.

BLOGS أحمد ياسين والرنتيسي
الشهيدان الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (مواقع التواصل)

الحياة العملية

عمل مدرسا للعربية والتربية الإسلامية عقب حصوله على شهادة الثانوية العامة. كما عمل خطيبا في مساجد غزة، ورئيسا لمؤسسة خيرية تأسست في سبعينيات القرن الماضي باسم المجمع الإسلامي، كما ساهم عام 1978 في تأسيس "الجامعة الإسلامية" بغزة.

الحالة الصحية

تعرض أحمد ياسين في سن الـ16 لكسر في فقرات العنق بينما كان يلعب مع أقرانه على شاطئ بحر غزة، مما نتج عنه شلل في أطرافه، وأصبح يمشي بصعوبة وبطء، وبعد تعرضه لسوء المعاملة والإهمال الطبي خلال اعتقاله الأول في سجون الاحتلال الإسرائيلي ثمانينيات القرن الماضي فقد القدرة على الحركة واضطر لاستعمال الكرسي المتحرك حتى استشهاده.

وبعد تجربة السجن الثانية، تفاقمت حالته الصحية وعانى من عدة أمراض، مما استدعى نقله عدة مرات إلى المستشفى، وعانى من فقدان البصر في العين اليمنى بسبب التعذيب الذي تعرض له أثناء التحقيق، وضعف شديد في قدرة الإبصار للعين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن، وحساسية في الرئتين، إضافة إلى أمراض والتهابات باطنية ومعوية.

وبعد إطلاق سراحه، ذهب للأردن واستقبله الملك الحسين في المطار قبل أن ينتقل إلى مدينة الحسين الطبية لتلقي العلاج، وزاره الملك بالمستشفى مرة أخرى كما زاره رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وبعد 5 أيام عاد إلى قطاع غزة.

من العمل الدعوي إلى العسكري

تأثر بجماعة الإخوان المسلمين أثناء دراسته بالقاهرة، وقرأ كتب قادتها واندمج بأفكارهم، وبعد عودته لقطاع غزة تفرغ للنشاط الدعوي، وبدأ يبث أفكارا للشباب تدور حول إقامة الدين في الأرض وتحرير أرض فلسطين.

وجعل من المساجد مركزا للعمل الدعوي والاجتماعي، فخصص دروسا للرجال وأخرى للنساء وأيضا للأطفال، كما أسس صناديق في المساجد التي يتردد عليها من أجل إعالة المحتاجين. فالتف حوله العديد من الشباب متأثرين بمواهبه الخطابية وأسلوبه الدعوي، ليصبح أشهر خطيب في غزة، وامتدت شهرته إلى كل مدن وقرى القطاع.

وأسس الحركة الإسلامية في غزة وكان لها ارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين بالأردن. كما أسس الجمعية الإسلامية عام 1976 وكانت تنشط في مجال الرياضة وتربية الشباب على الأفكار الإسلامية، ولاقت أنشطتها من ندوات ومحاضرات دينية ورحلات إقبالا من الشباب.

وساهم في تأسيس المجمع الإسلامي بالقطاع عام 1973 وعمل رئيسا له، وهو مؤسسة خيرية تعمل في مجال تحفيظ القرآن الكريم وبناء المساجد والمدارس، إلى جانب أنشطة وخدمات اجتماعية أخرى.

وأسس الخلايا الأولية للعمل العسكري المقاوم في قطاع غزة عام 1982، وساهم في جلب الدعم الخارجي والمساعدات المالية وجمع السلاح وتدريب الشباب عليه، كما أشرف في الفترة نفسها على تأسيس جهاز أمني للكشف عن العملاء وتصفيتهم.

واعتقل عام 1984 بتهمة حيازة الأسلحة، ولكن أفرج عنه بعد عام بعملية تبادل للأسرى ليعود للعمل الدعوي وقيادة المقاومة العسكرية، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى قرر الدخول مرحلة جديدة من مقاومة الاحتلال عن طريق العمل المسلح والمظاهرات وتأسيس تنظيم جديد.

تأسيس حركة حماس

اتفق أحمد ياسين مع قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي والعمل على تحرير فلسطين، أطلق عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1987 ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى انعقد اجتماع في منزل الشيخ ياسين في القطاع، حضره ستة من أبرز القيادات الإسلامية الفلسطينية، وهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ صلاح شحادة والدكتور إبراهيم اليازوري والمهندس عيسى النشار ومحمد شمعة وعبد الفتاح دخان، وخلصوا إلى أن الانتفاضة تمثل فرصة لدخول مرحلة جديدة في مقاومة الاحتلال والعمل المسلح.

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول، صدر أول بيان للحركة التي تعرف اختصارا باسم "حماس" دعت فيه الشعب الفلسطيني إلى الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

الاعتقالات وحياة السجون

اعتقل أحمد ياسين فترة شبابه مرتين على يد النظام المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، لكن أفرج عنه بعد فشل إثبات التهمة عليه.

واستدعته مخابرات الاحتلال الإسرائيلي كثيرا منذ 1970 واعتقلته عام 1984 وحكم عليه بالسجن 13 عاما قضى منها عاما واحدا وأفرج عنه عام 1985 ضمن عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

واعتقل مرة أخرى في مايو/أيار 1989، ووجهت له لائحة اتهام وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن مدى الحياة و15 عاما إضافية.

وعرضت كتائب عز الدين القسام الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل أسرى مع سلطات الاحتلال مقابل الإفراج عن جندي إسرائيلي أسرته في ديسمبر/كانون الأول 1992، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت العرض واقتحمت المنزل الذي احتجز فيه الجندي، مما أدى إلى مقتله.

وجرت عدة محاولات أخرى لإطلاق سراحه، إلى أن تحقق ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 1997 بموجب عملية تبادل بين الأردن وإسرائيل، حيث أفرج عنه مقابل تسليم عميلين للموساد اعتقلا في الأردن بعد محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل.

أفكاره ومواقفه

رأى الشيخ أحمد ياسين في الجهاد والمقاومة الطريق الوحيد لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، مع تأكيده على ضرورة إعداد الأمة وبناء الكوادر وتوجيه وعي الناس قبل الجهاد العسكري.

وهو يؤمن بأن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فقط، بل المسلمين أجمعين، لذلك يرى أن تحريرها لن يتم دون تحقيق نهضة إسلامية شاملة.

وقد رفض الشيخ -فترة السبعينيات- فكرة المقاومة من داخل البلاد العربية، معللا ذلك بأنها ستصنع عداوة مع الحكومات العربية التي لا تقوى على مواجهة الاحتلال إذا ما أقدم على الاستيلاء على أجزاء من أراضيها بذريعة المقاومة التي تحتضنها.

ويرى أن اتفاق أوسلو لم يحقق آمال وأهداف الشعب الفلسطيني، بل أدى لتمزيق وحدتهم بسبب التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، والذي كان موجها ضد كل من يريد أن يقاوم الاحتلال وخاصة الحركات الإسلامية.

ويعتقد الشيخ ياسين أن حماس كانت أكثر من تأثرت بهذا التنسيق، إذ ضيق الطريق على الكتائب العسكرية فأصبحت في مواجهة مع السلطة من جهة والاحتلال من جهة أخرى.

الإقامة الجبرية

فرضت السلطة الفلسطينية الإقامة الجبرية على أحمد ياسين بسبب اختلافه معها حول عدد من القضايا الوطنية. ففي عام 1998 فرضت عليه الإقامة الجبرية عندما انتقد اتفاقية "واي ريفر".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2001 فرضت عليه الإقامة الجبرية ضمن حملة شاملة قامت بها السلطة للحد من نشاط‏ ‏العناصر القيادية بحركة حماس، مما أدى إلى اندلاع مواجهات بين عدد من المحتشدين حول منزله لكسر الإقامة وبين قوات أمن السلطة، وأسفرت عن استشهاد فلسطيني وإصابة عشرات آخرين، واتخذت السلطة القرار نفسه مرة رابعة في يونيو/حزيران 2002.

محاولات اغتيال فاشلة

تعرض أحمد ياسين لعدة محاولات اغتيال فاشلة، الأولى كانت في شهر رمضان 1422هـ الموافق يناير/كانون الثاني 2002 بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، حيث استهدفته مروحيات الاحتلال الإسرائيلي.

والثانية يوم 6 سبتمبر/أيلول 2003، إذ استهدفته المروحيات الإسرائيلية خلال وجوده بمبنى سكني في غزة كان داخله برفقة القيادي في الحركة إسماعيل هنية، مما أدى إلى إصابته بجروح طفيفة في ذراعه اليمنى وإصابة 15 فلسطينيا كانوا في المبنى نفسه.

وفي العام نفسه أدرجت الولايات المتحدة الأميركية -فترة جورج بوش الابن– اسم الشيخ أحمد ياسين ضمن قوائمها للإرهاب.

استشهاده

استشهد الشيخ أحمد ياسين يوم 22 مارس/آذار 2004 أثناء خروجه من المسجد بعد تأديته صلاة الفجر، وكانت عملية الاغتيال تحت إشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أرييل شارون".

فقد أطلقت طائرة أباتشي 3 صواريخ عليه وهو على كرسيه المتحرك، واستشهد عن عمر ناهز 68 عاما، كما استشهد معه في هذه العملية سبعة من مرافقيه وجرح اثنان من أبنائه.

مؤسسة الشيخ أحمد ياسين الدولية

أنشئت مؤسسة إنسانية وثقافية باسم مؤسسة الشيخ أحمد ياسين الدولية في غزة عام 2018 بهدف المحافظة على تراث الراحل وذكراه، وتنمية القدرات والمهاراتِ المساندةِ للتوجه الحقوقي والإنساني، ونشر مفاهيم الحرية وممارستها واقعا بوصفها قيمة نذر الشيخ حياته للدفاع عنها.

كما تعمل المؤسسة على تشجيع البحث العِلمي والمبادرات في المجالات الحقوقية، وعقد المُؤتمراتِ العلمية الحقوقية المختلفة، بما يسهم في إحداثِ التطوير في ملف حقوق الإنسان، وتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية