ما خيارات بايدن لمواجهة أزمة سقف الدين الحكومي؟

تعوّد العالم على الجدل الذي يدور بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن ملف الديون الأميركية أكثر من مرة، إلا أن حدة الخلافات هذا العام تتصاعد بشكل غير مسبوق بشأن الحد الأقصى لسقف الدين.

ويطالب الجمهوريون -الذين يتمتعون بنفوذ كبير وأغلبية في مجلس النواب- بربط رفع سقف الاقتراض بتخفيض الإنفاق والحصول على بعض الامتيازات الحزبية، إلا أن البيت الأبيض لا يريد أن يقدم أي تنازلات أو يتفاوض بشأن رفع سقف الديون.

وكالمعتاد، يكمن حلّ مشكلة سقف الديون بشكل مباشر في أيدي المشرعين، ولكن هذه المرة تتزايد المخاوف من أن سياسة حافة الهاوية الحزبية قد تؤدي إلى تخلف أميركا عن سداد ديونها لأول مرة على الإطلاق.

وفي وقت سابق، نشرت صحفية "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرا كتبه الخبير والأكاديمي الاقتصادي المعروف بول كروغمان، تحدث فيه عن "الإجراءات الاستثنائية" التي تسعى وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للجوء إليها لتفادي وقوع تلك الأزمة، بعد أن استنفدت الولايات المتحدة الحد القانوني لسقف الاقتراض الحالي البالغ 31.4 تريليون دولار.

وشرح الكاتب أن سقف الدين الأميركي هو المبلغ الإجمالي للأموال التي يحق للحكومة الأميركية اقتراضها للوفاء بالتزاماتها الحالية، مثل مدفوعات الضمان الاجتماعي، واسترداد الضرائب، وفوائد الدين الحكومي، والدفاع الوطني.

والحل التقليدي الذي تلجأ إليه الخزانة الأميركية عادة هو إصدار ديون -أذون خزانة وأوراق مالية وسندات- بهدف جمع الأموال لتتمكن من إدارة أعمالها وأداء التزاماتها، مع الإشارة إلى أنه قبل عام 1917 لم يكن هناك ما يسمى "سقف دين".

وأكد الكاتب أن وزارة الخزانة هذه المرة تفكّر في حلول غير تقليدية، إذ تحاول اللجوء إلى حيل بديلة للتغلب على سقف الديون حتى تتمكن إدارة بايدن من الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة دون أن تتعاون مع الكونغرس.

وأشار بول كروغمان في تقريره إلى أن هناك حيلتين رئيسيتين قد تلجأ إليهما وزارة الخزانة، هما السندات الممتازة وصك العملات المعدنية.

صك عملة بقيمة تريليون دولار

يسمح القانون الأميركي لوزارة الخزانة بإصدار العملات المعدنية، ويمنح وزير الخزانة سلطة تقديرية غير محدودة في تصميم هذه العملات. وعندما تم إصدار هذا القانون لم يكن مقصودا أن يتم استخدامه لابتزاز الأحزاب السياسية للالتفاف على مشاكل سقف الدين.

وتطرح وزارة الخزانة فكرة صك عملة بقيمة تريليون دولار، ثم تودع هذه العملة لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي، مما يضيف تريليون دولار إلى حساب الخزانة في الاحتياطي الفدرالي، ويمكن للحكومة بعد ذلك الاعتماد على هذا الحساب لدفع فواتيرها دون الاضطرار إلى إصدار ديون جديدة.

وإذا وافق الاحتياطي الفدرالي على إيداع هذه العملة، فهذا يعني أنه يمنح الحكومة قرضا دون فائدة. لكن في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، قالت وزيرة الخزانة إنه من غير المرجح أن يوافق الاحتياطي الفدرالي على مثل هذه الخطة، واصفة ذلك بأنه "وسيلة للتحايل".

بيع أذون الخزانة والسندات الممتازة

وإذا لجأت الخزانة لهذا الحل فسيكون كالعادة عن طريق بيع أذون خزانة وأوراق مالية وسندات، وتجمع هذه الأوراق المالية بين القيمة الاسمية -المبلغ الذي سيتم دفعه عند استحقاق السند- مع قسيمة نسبة الفائدة، وتدفع مرتين في العام.

وتُباع الأوراق النقدية والسندات في المزاد العلني، وغالبا ما يتم تغطية كافة الأوراق المالية المطروحة.

وفي النهاية، يتساءل الكاتب: هل يمكن فعلا أن تستخدم الإدارة الأميركية هذه الحيل والأساليب؟ ويجيب "لقد وضعنا نقطة خنق إضافية، فقبل عام 1917 لم يكن هناك ما يسمى سقف دين".

المادة 14 في الدستور قد تكون الحل

وفي تقرير آخر، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن من بين الحلول المعروضة لتجنيب الولايات المتحدة التخلف عن سداد دينها في حال عدم التوصل إلى اتفاق لرفع سقف الاستدانة، اللجوء إلى المادة 14 في الدستور الأميركي.

وتنص المادة 14 التي أضيفت على الدستور الأميركي في عام 1868 بعد حرب الانفصال، على أن "صلاحية الدين العام للولايات المتحدة المسموح به بموجب القانون، يجب ألا تكون موضع شك"، والقصد هنا أن النفقات التي أقرت بالتصويت يجب أن تحترم ومن بينها معاشات التقاعد.

وأوضح روبرت هاكيت أستاذ القانون في جامعة كورنيل أنه بعد انتهاء الحرب الأهلية "تنامت المخاوف في ولايات الشمال المنتصرة من أن يواصل مشرعو الجنوب الذين أعيدوا إلى الكونغرس تدمير الوحدة الفدرالية من الداخل من خلال رفض الدين الفدرالي الناجم عن الحرب".

وأكد مارك غرابر الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة ميريلاند أن الرئيس جو بايدن بتلميحه إلى أنه قد يلجأ إلى هذا البند "سعى إلى القول إنه إذا لم يقر الكونغرس رفع سقف الدين يمكنه على أي حال دفع المتوجبات لأن هذا واجبه الدستوري".

وأوضح روبرت هوكيت أن على بايدن أن "يطلب من وزيرة الخزانة جانيت يلين الاستمرار ببساطة في إصدار هذا الدين إذا لزم الأمر لدفع فواتير الأمة"، أي أن يتصرف وكأن سقف الدين غير موجود أساسا.

لكن الرئيس الأميركي استبعد حتى الآن اللجوء إلى هذه الآلية على المدى القصير بسبب تعقيدات قانونية، كذلك شككت جانيت يلين في فائدة اللجوء إلى المادة 14، واعتبرت أن هذه الإستراتيجية "موضع نقاش من الناحية القانونية".

الصعوبات المحتملة

ومن العوائق التي قد تحول دون استخدام الرئيس المادة 14 أن الجمهوريين سيشنون هجوما، مدعين أن بايدن لا يفهم ماهية المادة 14 التي تتعلق بالدين فقط، وأنه لا يمكنه أن يسدد الدين من دون القيام بنفقات جديدة.

ويؤكد نيل بوكانان أستاذ القانون في جامعة فلوريدا أنه في جميع الحالات تجاوز مستوى الاستدانة المحدد من قبل الكونغرس سيكون مخالفا للقانون، إلا أن عدم احترام واجبات الإنفاق الصادرة عن الكونغرس قد يشكل انتهاكا أخطر.

وهنا من الممكن أن تتم ملاحقات قضائية على شكل شكوى جماعية يتقدم بها متقاعدون باتوا لا يتلقون معاشاتهم.

العواقب الاقتصادية

تؤكد خبيرة الاقتصاد في "أكسفورد إيكونوميكس" (Oxford Economics) نانسي فاندن هاوتن أن الأسواق في الأساس معادية بشدة لعدم اليقين، وقد لا تتقبل تحديدا الحالة المبهمة التي قد تنجم عن هذا الوضع. وتقول "إذا رأى المستثمرون أن الدين الذي تبيعه الخزانة قد يعتبر لاحقا غير صالح جراء قرار صادر عن محكمة، قد يترددون في شرائه"، وقد يؤدي ذلك إلى "ارتفاع كبير في نسب الفائدة".

المصدر : الجزيرة + نيويورك تايمز