منذ أيام أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عن توصل الإمارات والاحتلال الصهيوني إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وبذلك باتت الإمارات أول دولة خليجية تبرم اتفاق مع الكيان الصهيوني، اتفاق التطبيع هذا لم يكن الاتفاق الأول، ولن يكون الأخير، فقد سبقه قائمة طويلة من الدول العربية التي أقامت علاقات مع دولة الكيان الصهيوني، لكنها الثالثة عربياً بعد اتفاقيتي مصر عام 1979، والأردن عام 1994، وهناك قائمة أخرى في الانتظار، هذا الاتفاق وأمثاله جاء نتيجة طبيعية لتردي الوضع العربي والإقليمي الراهن، الذي لم يعد يسمح للفلسطينيين والقضية الفلسطينية بالاعتماد عليه مطلقا.
اتفاق التطبيع هذا جاء تتويجاً لسلسلة طويلة من التعاون والتنسيق والتواصل وتبادل الزيارات بين الإمارات وكيان الاحتلال، فمنذ سنوات، تنتهج الامارات سياسات مشبوهة على الساحة العربية، سياسات تثير حفيظة العرب وريبتهم، وتُوصف بالتخريبية والمثيرة للشبهات، بدءاً من سياساتها في سورية والعراق وليبيا واليمن، وصراعها مع دولة قطر وتضييقها على الأردن، ومحاولاتها التدخل السافر في الشأن الفلسطيني الداخلي عبر المال وتبني بعض الرموز، واستخدام نفوذها الذي توسعه وتبنيه بالكثير من الأموال، وممّا يثير الكثير من الخيبة والدهشة والاستغراب أنها لم تنجح في أي من تلك الساحات العربية على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها، والدماء العربية الكثيرة التي تراق في تلك الساحات، فلم ينتج عن سياساتها سوى المزيد من الفشل والنزاعات والتخريب والتفكيك وإراقة الدماء العربية، وكأنها تتلذذ بإحراق الأموال في سبيل إشعال نار الفتنة ونشر الخراب في الساحات العربية.
قد تسير بلدان خليجية أخرى على خطى الإمارات في الشهور القادمة لتوقيع اتفاقات ومعاهدات سلام مع كيان الاحتلال، فهذا سيكون، من ناحية السلطة الفلسطينية اشارة واضحة على أن العالم العربي لم يعد يلتفت إليها أو ينتظرها، و ينبغي أن ندرك بان التهديد من جانب إيران والخوف من تحولها الى دولة ذات سلاح نووي هو مصلحة اهم لدول الخليج من التأييد للشعب الفلسطيني، وسوف يُكرر الكيان الصهيوني مقولة أن الفلسطينيين وقيادتهم يضيّعون فرص السلام، وأن الشعب الفلسطيني يمتهن منهج الرفض لكل مبادرات السلام، وبالتالي الكيان الصهيوني لا يحتاج إلى سلام مع الفلسطينيين، بما أنه يُتقن القفز فوقهم ويستطيع عقد اتفاقات ومعاهدات سلام مع بلدان عربية أخرى، إنه تفكير قاصر وقصير المدى ومتوهّم أيضاً، فمن خلال التصفيق للاتفاق عبر تصويره بأنه يُشكّل اختراقاً نحو تحقيق ما يُسمى بالسلام، يساهم كثير، عن قصد أو غير قصد، في ترويج الوهم بأنه يمكن بلوغ السلام .
تدّعي الإمارات أنها بهذا الاتفاق أوقفت خطة ضمّ العدو الصهيوني للأراضي الفلسطينية بينما يؤكد مسؤولي الكيان الصهيوني أن هذا غير صحيح، وأن خطة الضم تأجلت قليلاً بناء على طلب ترمب
لا جديد في الاتفاق الإماراتي الصهيوني سوى التوقيت، فقد تم اختياره بدقة وعناية شديدين من قبل الأمريكيين والكيان الصهيوني، ليس لأجل عيون الإمارات ودول الخليج فحسب، وإنما لخدمة حملة ترمب الانتخابية، وتعزيز فرص نتنياهو للاستمرار في رئاسة الحكومة، وما عدا ذلك فقد كان قائماً منذ عقود بأساليب سرّية ومختلفة إلى أن زارت الوزيرة الصهيونية أبو ظبي وجالت في أرجاء جامع الشيخ زايد ،واستقبال الفرق الرياضية الصهيونية، وإلى ما هنالك من خطوات بعضها تم تسريبه إلى الإعلام، وأكثرها كانت تمرّ من خلال قنوات بسرية، ولا يقل أهمية عن ذلك، النفط الخليجي مقابل حماية عروشهم، فمنذ زمن بعيد تمّ وضع نفط الخليج ومصير شعب الخليج في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال، وحرمان ومنع المساندة والدعم الحقيقيين للقضية الفلسطينية، إضافة إلى إضعاف العرب وبعثرة صفوفهم وانهيار مكانتهم الإقليمية والدولية .
هذا الواقع سمح للكيان الصهيوني بالدخول المكشوف والنشط إلى عمق مكونات بنية النظام العربي، وفق المصالح الذاتية الفردية للدول العربية أو الشروط المفروضة عليها، هي الدافع الأساسي وراء التعجيل في إقامة علاقات مع دولة الكيان الصهيوني، وبعد أن فاجأت القيادة الفلسطينية العالم العربي عام 1993 بإبرام اتفاق أوسلو مع الكيان الصهيوني، بصورة منفردة بعيدة عن القرار العربي، لتفتح الباب واسعا أمام الدول العربية في إبرام اتفاقيات مع الكيان الصهيوني، وفتح شهية البعض من الأنظمة العربية.
تتحدث الامارات علنًا عن علاقتها مع الكيان الصهيوني، وتدافع بوقاحة عن التطبيع مع كيان يميني متطرّف وتوسعي وتهويدي، لا يعترف بأدنى حقوق للشعب الفلسطيني ، تتبجّح بصوت عالٍ عن تقاطع مصالحها مع الكيان الصهيوني، ولا نعلم ما هي تلك المصالح، إلا إن كانت مصالح حفنة فاسدة ومستبدة وظالمة، باعت نفسها وما تملك من نفوذ للإدارة الأمريكية وللكيان الصهيوني مقابل حماية عروشهم، وتدير حربًا شعواء ضد الشعب الفلسطيني، وتمنح الحرية لمرتزقة مأجورين بمهاجمة وتشويه كل ما هو وطني فلسطيني في ظل صمتٍ دولي مخزٍ ومشين وموقف رسمي عربي معيب.
تدّعي الإمارات أنها بهذا الاتفاق أوقفت خطة ضمّ العدو الصهيوني للأراضي الفلسطينية بينما يؤكد مسؤولي الكيان الصهيوني أن هذا غير صحيح، وأن خطة الضم تأجلت قليلاً بناء على طلب ترمب، ولا شك أنها ستُستأنف بعد الانتخابات الأمريكية وبعد انتهاء جدال نتنياهو ومعركته الداخلية. من المتوقع أن تشهد الشهور القادمة عملية التطبيع وإبرام اتفاقيات إضافية بين الكيان الصهيوني وقائمة جديدة من الدول العربية، كاستحقاق سياسي يمكنها من ترتيب أوضاعها الداخلية ومعالجة أزماتها السياسية والاقتصادية، ويأتي في مقدمتها… البحرين وسلطنة عُمان والمغرب والسعودية والسودان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.