سد النهضة.. أكبر محطة لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا

سد النهضة الإثيوبي هو أكبر مشروع مائي في أفريقيا، شُيد على النيل الأزرق في إقليم بني شنقول-قماز قرب الحدود مع السودان، وبدأت أعماله عام 2011. تقول السلطات الإثيوبية إن الهدف من السد هو توليد نحو 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء وتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، وتعتبره ركيزة للتنمية الاقتصادية في البلاد.

وأثار المشروع جدلا إقليميا واسعا، خاصة مع مصر والسودان، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن المائي وتقاسم حصص نهر النيل. ورغم الخلافات، ترى إثيوبيا في السد رمزا للسيادة الوطنية وأداة للخروج من الفقر وتعزيز التكامل الإقليمي.

الموقع والمساحة

يقع سد النهضة الإثيوبي الكبير -وفق التسمية الإثيوبية- على نهر النيل الأزرق في إقليم بني شنقول-قماز بشمال غربي إثيوبيا، على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، بالقرب من نقطة التقاء نهر بيليس، أحد روافد النيل الأزرق.

وينبع نهر النيل الأزرق من بحيرة تانا في منطقة الأمهرة شمال غرب إثيوبيا، متجها جنوبا فغربا ثم شمالا، إلى أن يصل إلى السودان.

ويمتد السد على مساحة واسعة تبلغ نحو 1680 كيلومترا مربعا، ويصل ارتفاعه إلى حوالي 145 مترا وطوله 1.8 كيلومتر، مع سماكة تصل إلى 130 مترا عند القاعدة و11 مترا عند القمة.

ويمثل موقع السد على نهر النيل الكبير أهمية إستراتيجية، فهو أطول أنهار العالم (6650 كيلومترا)، ويربط دولا أفريقية عدة من الجنوب إلى الشمال، ثم يصب في النهاية في السودان ومصر.

التشييد

تعود فكرة استغلال مياه النيل الأزرق من أجل تنمية إثيوبيا إلى عقود مضت، إذ استكشفت البلاد في ستينيات القرن الـ20 إمكانية إنشاء سد لتوليد الكهرباء ودعم النمو الاقتصادي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي والقيود المالية، كلها عوامل أخّرت وضع الخطط العملية سنوات عدة.

وفي تسعينيات القرن الـ20، أجريت دراسات جدوى وتقييمات فنية، بقيادة مكتب الاستصلاح الأميركي، وبدأت الحكومة الإثيوبية النظر في مشروع واسع النطاق يلبي الطلب المتزايد على الكهرباء، وكان الهدف تقليل اعتماد إثيوبيا على الوقود الأحفوري وبناء مصدر طاقة متجددة يدعم الصناعة والتنمية.

وفي 2 أبريل/نيسان 2011، أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي حينئذ ملس زيناوي رسميا مشروع سد النهضة للطاقة الكهرومائية. وتولت شركة "ساليني" الإيطالية مهمة بنائه على مراحل، مع تمويل جزء كبير منه داخليا عبر سندات حكومية ومساهمات عامة، وبلغت تكلفته نحو 4.2 مليارات دولار أميركي.

إعلان

ومنذ البداية أثار مشروع السد جدلا، لا سيما مع دولتي السودان ومصر الواقعتين أسفل نهر النيل، بسبب مخاوف متعلقة بحقوق المياه وتدفق النهر والأمن المائي الإقليمي.

أما إثيوبيا، فترى أن السد يمثل طموحها في استغلال مواردها الطبيعية بشكل مستدام، ونموذجا للاستقلال والسيادة والنهضة الأفريقية في تطوير المشاريع الاقتصادية الكبرى.

إنفوغراف سد النهضة الإثيوبي

الأهمية الإستراتيجية

بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية، فإن الغرض من بناء سد النهضة هو توفير الكهرباء لأكثر من 60 مليون إثيوبي، وتقديم طاقة كهربائية بأسعار معقولة للقطاعات الخدمية والصناعية والزراعية.

ويتماشى المشروع مع طموحات إثيوبيا في "التنمية الصديقة للبيئة"، إذ يمثل مشروعا اجتماعيا واقتصاديا مستداما يحل محل الوقود الأحفوري ويقلل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

وترى إثيوبيا أن بناء السد ليس مسألة اختيار، بل هو ضرورة اقتصادية وتنموية وطريقة للخروج من الفقر لأمة يبلغ عدد سكانها نحو 112 مليون نسمة.

وتضيف الوكالة أن السد يوفر العديد من الفوائد لمنطقة القرن الأفريقي بأكملها وما وراءها، ويتيح طاقة متجددة بأسعار معقولة للسودان ومصر ودول أخرى في المنطقة.

كما يساهم السد بشكل كبير في تنظيم إمدادات المياه لمصر والسودان أثناء مواسم الجفاف والأمطار، ويوفر قدرة تخزينية مائية إقليمية، مع تقليل تبخر المياه ومنع الفيضانات في السودان ومصر، من دون أي تكلفة على البلدين، حسب الوكالة نفسها.

القدرات التشغيلية

يتميز سد النهضة الإثيوبي بقدرات تشغيلية كبيرة، إذ تبلغ القدرة المركبة لمحطتيه الكهرومائيتين نحو 6 آلاف ميغاوات (وحدة قياس الطاقة الكهربائية)، مما يوفر تشغيلا مرنا واحتياطيا ضخما من الطاقة.

ويضم السد الرئيسي 16 قناة ضغط، خُصصت اثنتان منهما للتوليد المبكر أثناء ملء الخزان. وهناك محطتان على الضفتين اليمنى واليسرى تتألفان من 10 توربينات من نوع فرانسيس في الأولى، و6 وحدات أخرى في الثانية، بطاقة 375 ميغاوات لكل وحدة.

وترتبط محولات الرفع بالمحطات عبر خطوط هوائية إلى محطة تحويل بجهد يبلغ 500 كيلو فولت، كما يشتمل النظام على 3 مفيضات لحماية السد من الفيضان الأقصى المحتمل، إضافة إلى أنظمة تصريف أثناء موسم الجفاف ومفيض مؤقت متدرج لمواجهة تجاوز المياه في موسم الأمطار، مما يتيح تنظيم تدفقات المياه وضمان استمرارية إنتاج الكهرباء.

وفيما يلي بعض الميزات الرئيسية لمشروع سد النهضة الإثيوبي:

  • الخزان: يستوعب نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.
  • السد الرئيسي: مبني من الخرسانة المدكوكة بالأسطوانة بارتفاع 175 مترا، ويعتمد على قوة الجاذبية لتحمل ضغط المياه.
  • سد الكتف: سد صخري مغطى بالخرسانة، يبلغ ارتفاعه 60 مترا وطوله 4.8 كيلومترات، ويكمل وظيفة السد الرئيسي في احتواء الخزان.
  • المفيض: يضم 6 بوابات قياس، صُممت لتصريف الفيضان الأقصى المحتمل بسرعة تصل إلى 14500 متر مكعب في الثانية.
  • قنوات الضغط: أنابيب ضخمة بطول 180 مترا لكل قناة، تنقل المياه من الخزان إلى التوربينات.
  • محطات التوليد: محطتان تضمان 16 توربينا من نوع "فرانسيس"، بطاقة إجمالية قدرها نحو 6 آلاف ميغاوات.
  • خط النقل: خط كهرباء بجهد 400 كيلو فولت، يمتد مسافة 240 كيلومترا لنقل الطاقة المنتجة.

محطات تاريخية

بعد وفاة زيناوي، واجه رئيس الوزراء الإثيوبي هيلاميريام ديسيلين (2012-2018) معارضة داخلية بشأن سد النهضة إلى جانب ضغوط اقتصادية وتصاعد التوترات الدبلوماسية مع مصر والسودان.

إعلان

رغم التحديات، تمكن ديسيلين من الحفاظ على استمرارية المشروع عبر القيادة السياسية والمشاركة الدبلوماسية، ومن أبرز الإنجازات توقيع إعلان المبادئ بشأن سد النهضة عام 2015 بين إثيوبيا ومصر والسودان، والذي نص على التعاون في استخدام مياه النيل.

كما اعترفت مصر بموجب الإعلان بحق إثيوبيا في بناء السد مقابل التزامات بمشاركة القاهرة في ترتيبات إدارته.

وشهدت فترة ديسيلين تحقيق إنجازات كبرى في المشروع، أهمها إتمام المكونات الهيكلية الرئيسية للسد.

ومع تولي آبي أحمد علي رئاسة الوزراء في أبريل/نيسان 2018، عمل على تعزيز جهود بناء السد بشكل ملحوظ، عبر زيارات منتظمة للموقع وتنظيم حملات عامة لدعم استكماله، إضافة إلى السعي لتأمين تمويل إضافي.

وواجه آبي أحمد تحديات دبلوماسية متصاعدة، بما في ذلك اعتراض مصر عبر المنتديات الدولية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، كما سعت إلى وساطة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

وفي 22 يوليو/تموز 2020، أعلن آبي أحمد إتمام المرحلة الأولى من ملء سد النهضة، واصفا ذلك بـ"النجاح التاريخي"، ثم نُفذت المرحلة الثانية في يوليو/تموز 2021، وسط رفض مصري سوداني اعتبر الخطوة "إجراء أحاديا".

وفي فبراير/شباط 2020، أعلن آبي أحمد بدء توليد الكهرباء رسميا بتشغيل التوربين الأول، وأعقبه تشغيل توربين ثان في أغسطس/آب 2022 بقدرة 375 ميغاوات، ليرتفع إنتاج الطاقة إلى نحو 750 ميغاوات.

وفي 11 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن آبي أحمد إكمال المرحلة الرابعة والأخيرة من عملية الملء، وهو ما أدانته مصر واعتبرته خرقا للالتزامات الدولية الخاصة بملء وتشغيل السدود.

وفي يوليو/تموز 2025، أعلن آبي أحمد "إنجاز العمل" في مشروع سد النهضة واستعداد حكومته لتدشينه رسميا، مؤكدا أن السد لا يمثل تهديدا لدول المصب، بل "فرصة مشتركة".

كما توقع أن يحقق السد إيرادات سنوية تقارب مليار دولار أميركي تُستثمر في مشاريع تنموية أخرى، مع الإشارة إلى نية بلاده إنشاء مشروعات مماثلة في المستقبل.

الموقف المصري والسوداني

ترى مصر والسودان أن سد النهضة الإثيوبي "تترتب عليه آثار جسيمة على دولتي المصب"، معتبرتين أنه يمثل تهديدا مستمرا لاستقرار حوض النيل الشرقي وفقا للقانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بالخطوات الأحادية التي اتخذتها أديس أبابا في ملء وتشغيل السد، وما يترتب عليها من أخطار تتصل بأمانه والتصرفات المائية غير المنضبطة ومواجهة حالات الجفاف".

وتؤكد الدولتان أن على إثيوبيا تعديل سياساتها في حوض النيل الشرقي لإعادة بناء التعاون بين دول الحوض، مشددتين على أن قضية السد تظل إشكالية بين الدول الثلاث، ورافضتين أي مساع لإقحام باقي دول الحوض في هذا الخلاف.

كما شدد البلدان على أهمية الحفاظ على الآلية التشاورية ودعمها باعتبارها المسار الوحيد نحو التوافق والشمول بين دول النيل، مع استمرار تعبيرهما عن المخاوف من تقليص حصتهما المائية، وحثهما إثيوبيا مرارا على وقف عملية الملء حتى التوصل إلى اتفاق فني ملزم حول تقنيات الملء والتشغيل.

المصدر: الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

إعلان