الشعيرات مكررة.. لا إحراج لترمب ولا إزعاج للأسد

هجوم أمريكي بريطاني فرنسي على سوريا
صاروخ يظهر في سماء العاصمة دمشق خلال الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية (الجزيرة)
زهير حمداني
 
جاء الهجوم العسكري الأميركي البريطاني الفرنسي على مواقع في سوريا وكأنه "حل وسط" ينزل ترمب وحلفاءه من فوق الشجرة ولا يحرج موسكو، كما أنه لا يشكل تهديدا للرئيس السوري بشار الأسد في وجوده أو مستقبل حملته العسكرية.
 
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي جوزيف دانفورد إن أكثر من مئة صاروخ أطلقت من سفن وطائرات، وإن الحلفاء قصفوا قواعد ومنشآت الأسلحة الكيميائية الرئيسية في سوريا.
 
وفيما تؤكد الولايات المتحدة وحلفاؤها أن الضربة الثلاثية التي استهدفت عددا من المواقع العسكرية في دمشق وحمص كانت ناجحة وشكلت رادعا للأسد وشلت قدرات جيشه الكيميائية المفترضة تشير كل من دمشق وموسكو إلى أن قوات النظام استوعبت الضربة وأبطلت أي مفعول عسكري لها.
 
وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن أنظمة الدفاع الجوي التابعة للحكومة السورية من طرازي "بانتسير" و"بوك" اعترضت معظم الصواريخ المستخدمة في الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من بينها 12 صاروخا استهدفت مطار الضمير شرقي دمشق.
 

بعد عام
ووفق بعض المحللين، فإن الضربة الغربية الأخيرة على سوريا لا تختلف في ظروفها -وتوابعها ربما- كثيرا عن تلك التي نفذتها الولايات المتحدة على مطار الشعيرات في ريف حمص الشرقي في 7 أبريل/نيسان 2017 باستخدام 59 صاروخ توماهوك بعد أنباء عن قصف طائرات النظام بلدة خان شيخون في إدلب بـغاز السارين.

والجديد في هجوم 14 أبريل/نيسان الجاري هو مشاركة بريطانيا وفرنسا، كما كان أشمل نسبيا مقارنة بالشعيرات والظروف الدولية المحيطة به، والتي اتسمت بتوتر أكبر، خاصة بين بريطانيا وروسيا في قضية الجاسوس سيرغي سكريبال، لكن لم يخرج عن لعبة التوازنات الدولية -بما في ذلك إبلاغ موسكو به- وفق ما قالت وزيرة الجيوش الفرنسية.

ولم يكن لتلك الضربة "الاستعراضية" كما وصفها حتى الإعلام الغربي أي تأثير على الصعيدين العسكري والسياسي للنظام، إذ واصلت قواته التقدم في معظم الجبهات -بما ذلك دير الزور والغوطة وإدلب- واستعادت آلاف الكيلومترات، كما فرضت موسكو أجندتها السياسية بشأن الحل.

واستنادا إلى منطق المقارنة يرى محللون أن الضربات الجوية التي نفذت السبت يمكن أن تسند ترمب في مشاكله وصراعاته الداخلية، خصوصا في "الملف الروسي" وصراعه مع المحقق مولر، ولندن في صراعها مع موسكو بقضية سكريبال، وباريس في خروجها من مأزق "الخطوط الحمراء" التي أعلنها الرئيس ماكرون بشأن الكيميائي السوري، لكنها لم تكن مزعجة بالنسبة للنظام أو حلفائه.

ووفق نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية لدى مجلس الدوما الروسي أليكسي تشابا، فإن واشنطن وباريس ولندن كانت مرغمة على ضرب سوريا حفاظا على ماء وجهها، وذلك بعد أن حشرت نفسها في طريق مسدود إثر إطلاق تصريحات مدوية مشبعة بالتهديد والاتهامات ضد الحكومة السورية، على حد قوله.

‪صواريخ تظهر في سماء العاصمة السورية دمشق خلال القصف الأميركي الفرنسي البريطاني‬ (الجزيرة)
‪صواريخ تظهر في سماء العاصمة السورية دمشق خلال القصف الأميركي الفرنسي البريطاني‬ (الجزيرة)

حدود القوة
تفاصيل العملية العسكرية التي أدانتها روسيا بأشد العبارات لم تخرج -رغم التوتر الروسي الغربي الكبير- عن حدود القوة المتعارف عليها بين الدول العظمى، وتركت ذلك الهامش من المناورة الذي يحول دون اندلاع صراع غير محمود العواقب، وهو ما جعل تأثيرها العسكري والسياسي على دمشق محدودا.

فعلى الصعيد العسكري يؤكد خبراء ومتابعون أن الهجوم كان متوقعا في توقيته وحجمه ووسائله، وكذلك معظم أهدافه، وقد اتخذت قوات النظام الإجراءات الاحترازية اللازمة لتقليل حدة خسائره، وباعتبار أن الضربات كانت محدودة فإنها لم تشكل خطرا كبيرا على جيش النظام أو مصادر قوته الرئيسية.

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قال إن الضربات التي شنتها القوات الجوية الفرنسية في سوريا لم تستهدف حلفاء سوريا، في إشارة إلى روسيا وربما إيران وحزب الله، وهو ما يشير إلى أن الهجمات "المعروفة مسبقا" لم تغير حقائق الميدان التي تمضي لفائدة الرئيس الأسد.

ويشير مراقبون إلى أن حجم الضربة -إذ اقتصرت على الموجة الأولى التي شملت نحو مئة صاروخ والأهداف التي تم ضربها- فإنها لن تؤثر على القدرات العسكرية للنظام ولن توقف زخم التقدم الذي يحققه في الفترة الأخيرة.

وإذا كانت الضربة قد حملت رسائل سياسية ومعنوية شديدة اللهجة من الغرب إلى دمشق فإن نشر الرئاسة السورية فيديو يظهر الرئيس الأسد وهو يمارس مهامه بعدها وبيان وزارة الخارجية عن تصميم دمشق على "الاستمرار في مطاردة فلول الإرهاب التكفيري والدفاع عن سيادة سورية" يؤكد التأثير الضعيف لها.

ويقارب مغردون ومحللون دخول قوات من الأمن الداخلي السوري إلى مدينة دوما في الغوطة الشرقية بعد الضربات الغربية على أنه انتصار آخر يسجل في رصيد النظام الذي لم تربكه الضربات الغربية على دمشق.

ويرى الكاتب كريستوفر ديكي في صحيفة ديلي بيست الأميركية أن القضاء على ما تبقى من القدرات الكيميائية القليلة لدى الأسد لن يغير المعادلة على الأرض في الحرب السورية شيئا، وأن الهجوم يظهر للأسد وحلفائه أن إدارة ترمب لا تعتزم تغيير النظام أو الوصول إلى حد المواجهة مع إيران أو روسيا.

ويؤكد محللون أن مثل هذه الضربات كانت قد تمثل خطرا على الرئيس بشار الأسد ونظامه والعاصمة دمشق لو شنت قبل أشهر وتزامنت مع هجوم كبير للمعارضة المسلحة انطلاقا من الغوطة الشرقية نحو العاصمة، لكن مع خروج هذه المعارضة من كامل الغوطة ومن حول دمشق فقدت الضربات الجوية المحدودة أي قيمة عسكرية لها.

وبالنسبة للكثير من المعارضين السوريين والخبراء العسكريين فإن تأثير ضربة عسكرية على الوضع العسكري الميداني في سوريا سيكون محدودا ما لم تكن شاملة ومتواصلة وتستهدف بشكل مباشر النظام وأركانه وخطوط إمداده وتسمح لقوات المعارضة المسلحة (في الجبهة الجنوبية مثلا) بالتحرك نحو دمشق.

‪بشار الأسد مع عسكريين روس في قاعدة حميميم بريف اللاذقية‬ (مواقع التواصل)
‪بشار الأسد مع عسكريين روس في قاعدة حميميم بريف اللاذقية‬ (مواقع التواصل)

محاور وصراع يشتد
وإذا كانت معظم التحليلات العسكرية تقلص من تأثير الضربة العسكرية الغربية ميدانيا لكنها وفق الكثير من المحللين قد تسهم في الضغط على روسيا للحد من تفردها الروسي بالوضع في سوريا وإعادته إلى سياقه الدولي، خصوصا ملف الحل السياسي.

فعندما تأتي الضربة هذه المرة بمشاركة فرنسية بريطانية -في المعلن- وتحظى بتأييد معظم الدول الغربية ودول عربية تصبح رسالة قوية للنظام وروسيا وإيران وحزب الله بأن معسكرا كبيرا يتشكل، وخطوط مواجهة وقواعد اشتباك مختلفة توضع.

ويشتبك البعد الإقليمي بالدولي في الميدان السوري بما في ذلك التدخل الإيراني والإسرائيلي (قصف مطار "تيفور" قبل أيام)، وفي حين ابتهجت إسرائيل بالضربة الأميركية الغربية أدانتها إيران، وأكد الحرس الثوري الإيراني في بيان "أن هذا السلوك لن يضعف محور المقاومة بل سيقويه ويعزز احتمالات التصدي للتدخلات".

من جهته، أكد حزب الله أن ما سماه العدوان الثلاثي على سوريا "انتهاك صارخ للسيادة السورية وكرامة الشعب السوري وشعوب المنطقة"، وأعلن الحزب -الذي يقاتل إلى جانب النظام في سوريا منذ سنوات- وقوفه الصريح والثابت إلى جانب الشعب السوري وقيادته وجيشه الباسل، على حد تعبيره.

وكان لافتا قبل يومين -وفي خضم التهديدات بضربة أميركية- حضور علي أكبر ولايتي مستشار الشؤون السياسية للمرشد الإيراني إلى دمشق وزيارته الغوطة الشرقية، وتأكيده أن المرحلة المقبلة ستكون استعادة إدلب.

هذه الانحيازات القائمة على لعبة المحاور في سوريا تؤكد -وفق متابعين- أن الوضع الميداني والسياسي في المسرح السوري يقوم على أكثر من معركة ويستند إلى صراع أشمل بين قوى عظمى ولاعبين إقليميين، ولن تكون الضربات الجوية المحدودة عاملا حاسما فيه.

ويشير محللون إلى أن النظام وحلفاءه قد تمنحهم هذه الضربة المزيد من "القوة واللحمة" لتحقيق مكاسب ميدانية أكبر على الأرض والتوجه نحو درعا وإدلب وحلب لاستعادة ما بقي منها لدى المعارضة المسلحة، مستثمرين الغطاء السياسي والعسكري الروسي ما دام قائما.

ولعل أهم ما في الضربة الغربية المشتركة في سوريا كميدان رئيسي للخلاف مع روسيا هو تسخين الصراع مع موسكو والضغط عليها إلى أبعد حد ممكن لدفعها إلى تقديم تنازلات في الملف السوري وملفات أخرى إستراتيجية تشمل دورها في العالم.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية