قواعد الاشتباك.. ما قبل الضغط على الزناد

Jets flying over canyon at sunset
تعد قواعد الاشتباك مبادئ توجيهية في كيفية التعامل مع عملية عسكرية معينة تجمع بين الضوابط العسكرية والاعتبارات السياسية (غيتي)

مفهوم ومصطلح متداول في المجال العسكري، ويدرّس في العلوم العسكرية، ويقصد به القواعد التي يلتزم بها الجيش في استعمال القوة أثناء أي عملية عسكرية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي في نزاعات مسلحة أو مهام لحفظ السلام، ولقواعد الاشتباك أبعاد قانونية وعسكرية وإستراتيجية وسياسية. 

ويشمل المفهوم الأطر أو المبادئ التوجيهية التي يجب أن تلتزم بها القوات العسكرية أو المتقاتلة عند أي معركة أو قتال في ما بينها، بهدف الحصول على شكل معين للمعركة يجنبها "التصرفات والأفعال اللاإنسانية"، وقد تطور المفهوم حتى صار يشمل المعارك السياسية والاقتصادية والتجارية.

Caucasian soldier overlooking combat zone
قواعد الاشتباك يقصد بها تلك التي يلتزم بها الجيش في استعمال القوة أثناء أي عملية عسكرية (غيتي)

تاريخ المصطلح

بدأ الحديث عن قواعد الاشتباك في منتصف خمسينيات القرن العشرين خلال الحرب الباردة، حيث قدمت القيادة العليا للقوات البحرية الأميركية للقوى التابعة لها مبادئ توجيهية في أي مواجهة ممكنة، وحددت شروط استخدام القوة وموجباته، وكذلك فعلت القوات الجوية الأميركية خلال الحرب الكورية، على سبيل المثال.

ويعتبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) قواعد الاشتباك بمثابة توجيه وضوابط تصدرها الجهات المسؤولة عن جيش معين، بهدف تحديد الشروط التي تسمح له بالتدخل، أو ما يسمى الشروع في الاشتباك، واستعمال القوة والسلاح واستمراره من عدمه.

ولا توجد قواعد اشتباك متوافق عليها دوليا، بل إن كل جيش في كل بلد يحدد قواعد الاشتباك لكل معركة أو عملية عسكرية قد يقوم بها، وكذلك الأمر بالنسبة للقوات المشتركة أو قوات الأمم المتحدة.

وعملت جيوش عدد من دول أوروبا بقواعد الاشتباك، وكذلك القوات متعددة الجنسيات التي تعمل تحت إشراف منظمات دولية، لكن هذا المفهوم كان جديدا عام 2004 -على سبيل المثال- بالنسبة للجيش السويسري والوحدات المخولة باستعمال القوة.

فلا يُسمح باستعمال القوة بالنسبة له إلا في 3 حالات: أولاها الدفاع عن النفس ومساعدة أشخاص في حالة خطر، وثانيها في نزاع مسلح دولي ورد عدوان، وثالثها في حال الإذن باستخدام القوة.

وتعد قواعد الاشتباك مبادئ توجيهية في كيفية التعامل مع عملية عسكرية معينة، تجمع بين الضوابط العسكرية والاعتبارات السياسية، وتسمح للمسؤول السياسي أو صاحب القرار باستخدام للقوة ملائم للموقف، ثم العمل على وقف التصعيد والتحكم في الأزمة.

ولذلك، عرّف البعض قواعد الاشتباك بأنها أداة رئيسية تمكن السلطة المدنية المسؤولة من ضمان استخدام الجيش -بمختلف تشكيلاته- القوة وفق تعليماتها في عملية عسكرية معينة.

من يحدد القواعد؟

تحدد قواعد الاشتباك قبل الدخول في أي عملية أو مهمة عسكرية، وتعدها القيادة العسكرية للبلد المعني أو الجهة المعنية (حلف أو قوات حفظ السلام)، وتحدد ظروف استخدام القوة وحجمها في تلك العملية وموقعها وكيفيتها وزمنها، باستحضار قانون البلد والقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وبعض فصول ميثاق الأمم المتحدة كالفصل السادس، ويتم عرضها بعد ذلك على المسؤولين التنفيذيين والسياسيين.

وتلعب قواعد الاشتباك دورا مهما في التحكم في العملية العسكرية وأهدافها وأبعادها كذلك، وتسعى لتقليص عدد الضحايا في العسكريين والمدنيين.

وتخلق عملية تحديد قواعد الاشتباك نقاشا بين العسكريين والسياسيين في عدد من البلدان الغربية كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، حيث تعود للمسؤول السياسي سلطة القرار بعد تلقي الاستشارات والاقتراحات والتوضيحات من قيادة المؤسسة العسكرية، فخوض عملية عسكرية له أبعاد أمنية وسياسية وإستراتيجية وقانونية وإعلامية ودبلوماسية لا يمكن حسب الدول المذكورة ونظامها السياسي تركها لتدبير الجيش فقط.

وتتوافق كل الجيوش على حق استعمال الجندي القوة للدفاع عن النفس في حالة التعرض للخطر، وبغض النظر عن اختلاف التقديرات لماهية الخطر الموجب لاستعمال القوة من جندي إلى آخر.

Army troops advance a position in combat.
قواعد الاشتباك تُحدد من القيادة العسكرية للبلد المعني أو الجهة المعنية باستحضار قوانين عدة، منها قانون البلد (غيتي)

"قواعد الاشتباك" عند الأمم المتحدة

تقول الأمم المتحدة إن المبدأ الأساسي الذي يحكم "استخدام القوة" ألا تستعمل إلا إن كانت مبررة وضرورية، وما عدا ذلك فأي قوة لا تكون في هذا السياق يعد استعمالها ضد الآخر اعتداء.

فعند الدفاع عن النفس مثلا، للمدافع مبرر استخدام "قوة مميتة" إذا كانت هي الحل الوحيد لمنع قتله أو إلحاق ضرر خطير به، وأن تكون وسائل الدفاع عن النفس الأقل خطورة غير متاحة حينها أو غير فعالة.

وحددت الأمم المتحدة مستويين للقوة في قواعد الاشتباك:

  • "قوة مميتة"، تتسبب بوفاة عند استعمالها أو إصابة خطيرة، ويبرر استعمالها فقط عند الدفاع عن النفس عند الشعور بتهديد حقيقي ووشيك بالموت أو أذى جسدي خطير له أو لغيره.
  • "قوة غير مميتة"، ولا تقصد القتل أو الإصابة الخطيرة، وتستعمل في الحالات التي لا تشكل خطرا حقيقيا على النفس بالوفاة أو الأذى الخطير، فتقتصر على الدفاع دون الإضرار الخطير بالمعتدي.

وبينت الأغراض التي يجوز من أجلها استخدام القوة بشكليها المذكورين، وهي الدفاع عن النفس وعن الآخرين، والدفاع عن الممتلكات، وتنفيذ مهمات "إنفاذ القانون" حسب كل بلد.

نماذج من قواعد الاشتباك

  • العراق 

حددت القوات العسكرية الأميركية في العراق قواعد اشتباك، ووزعتها في بطاقات مغلفة على أفراد الجيش والمارينز، وحددت فيها تعليمات متعددة، منها تحديد هل الهدف عسكري مشروع أم لا قبل الاشتباك، مع الرجوع إلى القائد الأعلى للقرار في حال الالتباس، وعدم الاشتباك مع أي شخص استسلم أو كان خارج المعركة أو كان مصابا بمرض أو جروح.

ونصت القواعد المذكورة على عدم استهداف المدنيين والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الوطنية والمعالم التاريخية والثقافية والمناطق المأهولة بالسكان المدنيين إلا إذا كان العدو يستخدمها لأغراض عسكرية.

كما منعت القواعد استهداف البنى التحتية والمرافق التجارية والاجتماعية والمواصلات، وأذنت باستعمال القوة القاتلة للدفاع عن النفس أو الوحدة العسكرية مع تقليل الأضرار، والدفاع عن مدنيين موظفين في الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو الأمم المتحدة، ومنعت كذلك الاستيلاء على ممتلكات المدنيين والتعامل معهم باحترام وتقديم المساعدة والدواء لهم إذا كانوا في وضع صعب.

Army troops advance a position in combat.
المبدأ الأساسي الذي يحكم "استخدام القوة" بحسب الأمم المتحدة هو ألا تستعمل إلا إن كانت مبررة وضرورية (غيتي)
  • سوريا 

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أسقطت المقاتلات التركية طائرة روسية على الحدود مع سوريا، وأكد رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو أن بلاده حذرت مرات عدة من أنها ستطبق قواعد الاشتباك المتعارف عليها دوليا عند تعرض حدودها لأي انتهاك من قبل أي جهة كانت.

وقال بيان لرئاسة الأركان التركية إن إسقاط الطائرة تم بعد تحذيرها 10 مرات لكنها لم تكترث لذلك.

وأضاف البيان أن سلاح الجو التركي استهدف المقاتلة وأسقطها بموجب قواعد الاشتباك.

وفي 28 أغسطس/آب 2020 اعتبرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) روسيا مسؤولة عن إصابة 4 جنود أميركيين في حادث تصادم قواتها مع القوات الأميركية في الحسكة شرقي سوريا، فيما اتهمت موسكو القوات الأميركية بانتهاك الاتفاقيات القائمة بين الطرفين في سوريا.

وبشأن الحادث، قال المتحدث باسم البنتاغون غونثان هوفمان إن "روسيا انتهكت قواعد الاشتباك وأصابت عناصر الجيش الأميركي بتصرفاتها الاستفزازية المتعمدة".

وأضاف "أبلغنا الروس أن تحركاتهم خطيرة ولا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال"، مشيرا إلى أن القوات الأميركية "تتبع قواعد الاشتباك وتبذل قصارى جهودها حتى لا تحدث توترات غير مرغوب فيها".

  • الكونغو 

في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 دعا وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر الأمم المتحدة إلى تغيير قواعد الاشتباك بالنسبة لقوتها العاملة في شرق الكونغو بعد تقدم قوات الجنرال المتمرد لوران نكوندا باتجاه عاصمة منطقة كيفو.

وطالب كوشنر بعد اجتماع في مرسيليا مع نظرائه في دول الاتحاد الأوروبي بزيادة عدد جنود القوات الدولية في هذا البلد وزيادة فعاليتهم القتالية.

وتساءل الوزير -الذي كانت تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي وقتها- في مؤتمر صحفي "أتريدون مزيدا من الجنود؟ ذلك ممكن، في هذه الحالة نحتاج إلى نوع آخر منهم وقواعد اشتباك أخرى ونَفَس قيادي مختلف".

ومعلوم أن القوة الدولية المكونة وقتها من 17 ألف جندي في هذا البلد كانت مكلفة بدعم جيش الكونغو الديمقراطية وحماية اللاجئين في كيفو، لكنها اتسمت بعدم الفعالية لانتشارها على مساحة بلد توازي مساحته مجموعة دول غرب أوروبا.

وأوضح الوزير في تعقيبه أن بعض فرق القوة الدولية غير قادرة على الاشتباك في حالة الدفاع وليس الهجوم فقط، وعزا السبب إلى عدم كفاية قواعد الاشتباك المعمول بها أو محدوديتها.

  • "القسام" وإسرائيل 

في 27 أغسطس/آب 2015 حذرت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الاحتلال الإسرائيلي من مغبة عدم الالتزام بشروط وقف إطلاق النار وعدم رفع الحصار عن قطاع غزة.

وأكد متحدث باسم الكتائب -خلال افتتاح نصب تذكاري تخليدا لشهداء وحدة الضفادع البشرية التابعة للقسام- أن صبر الشعب الفلسطيني ومقاومته لن يطول، وأنه سينفجر في وجه الاحتلال إذا لم يتم تطبيق شروط وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة.

وأشار الناطق باسم "القسام" إلى أن الحرب على غزة شكلت تحولا إستراتيجيا ومفصلا تاريخيا في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني على كافة المستويات، كما شكلت "علامة فارقة في كسر قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي ونسفت عقيدته العسكرية والقتالية".

وعاد الحديث عن "قواعد الاشتباك" عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا لتقديم تقارير عن احتمالية ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" وجرائم "إبادة جماعية" بشكل يعد انتهاكا لحقوق الإنسان.

وارتفعت مطالب بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه في القطاع، خاصة بعد قصفه المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" في غزة متسببا باستشهاد ما لا يقل عن 500 مدني، معظمهم من الأطفال والنساء، مما يدل على عدم التزامه بأي مبادئ تخص "قواعد الاشتباك" وتسببه بجرائم غير إنسانية تستهدف المدنيين والمسعفين وفرق الإغاثة ممن يلزم القانون بحمايتهم.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية