شعار قسم ميدان

دليل الانتخابات الليبية.. من يرث عرش القذافي؟

لا يُبدِّد اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الغمام عن المشهد السياسي الليبي، فالطريق نحو تحقيق وفاق بعد نحو عقد من التناحر ليس مُمهَّدا، كما أن قوانين الانتخابات ليست محل إجماع، ولا يزال جدل القاعدة الدستورية التي تجري على أساسها الانتخابات يُقسِّم الأطراف السياسية. كما أن شروط الترشُّح للرئاسة ما زالت أيضا محل خلاف عميق، وكلما اقترب الموعد 24 ديسمبر/كانون الأول لإجراء أول انتخابات رئاسية في ليبيا منذ استقلالها قبل 70 عاما، يزداد الجدل وتتصاعد حِدَّة الخلافات والانقسامات بين الفرقاء السياسيين، ولكن ما من علامات مؤكدة توحي بأن الانتخابات لن تجري في موعدها حتى الآن.

 

بيد أن ثمَّة تهديدات أخرى تُنذر بنسف العملية الانتقالية برُمَّتها، فليس هناك ما يكفي من ضمانات بأن الانتخابات لن يشوبها تزوير مثلما ألمح رئيسا الحكومة والمجلس الرئاسي الليبي، كما أن انتشار السلاح ووجود المرتزقة قد يهوي بالبلاد إلى حرب أهلية تخرج من ثنايا احتدام الخلاف أثناء أو بعد العملية الانتخابية. وما يزيد من تحديات تلك المرحلة أن ليبيا ما زالت غارقة في الانقسامات والصراعات حول أقاليمها الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان)، والسبب في ذلك أن الحروب على طولها وشدتها لم تفلح في إفراغ المشهد السياسي لمنتصر واحد، ففي مقابل القوة العددية التي يحظى بها الغرب، توجد في الشرق ميليشيات مدعومة بكيانات سياسية تتصارع على السلطة والنفوذ، بينما يبقى الجنوب منقسما بين قوى قبلية مختلفة في ولاءاتها.

 

كيف وصل الحال إلى ما هو عليه؟

طيلة السنوات الماضية، كان السلاح والحرب هما مَن رسما معالم المرحلة الانتقالية، وفي ظل فشل المبادرات الأممية كافة في تحقيق تسوية تُنهي الانقسام السياسي والصراع العسكري، ومع وجود ثلاث حكومات (في إحدى اللحظات) وبرلمانَيْن منقسمَيْن وبنكَيْن مركزيَّيْن متنافسَيْن وعشرات الفصائل المُسلحة، لم يكن أمام المجتمع الدولي سوى تجاهل الصراع الممتد على عرش القذافي الذي أطاحت به ثورة فبراير/شباط عام 2011، على أمل أن يفرض المنتصر على الأرض شرعيته السياسية في النهاية. ومن هذا المنطلق، تحوَّل الجنرال الليبي "خليفة حفتر" من مجرد قائد عسكري سابق منزوع الشرعية والنفوذ إلى محط أنظار العديد من القوى الإقليمية والدولية بعدما سيطر بواسطة قواته على أغلب الأراضي الليبية. وفي الأخير، شنَّ حفتر في إبريل/نيسان 2019 معركته على العاصمة الليبية طرابلس بهدف إسقاط حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

Libya's eastern commander Khalifa Haftar speaks to the media after submitting his candidacy papers for the presidential elections at the office of the High National Elections Commission, in Benghazi, Libya November 16, 2021. REUTERS/Esam Omran Al-Fetori
خليفة حفتر

لكن مغامرة أمير الحرب الليبي السياسية والعسكرية لم تُؤتِ أُكلها في النهاية رغم الدعم الدولي والإقليمي الكبير الذي حظي به. فبعد عام ونصف من القتال، صنعت قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا انتصاراتها المفاجئة، ونجحت في شنِّ هجوم مضاد استعادت به منطقة الغرب كاملة، ثم زحفت صوب تخوم الشرق الليبي، واستعدَّت لبدء معركة إسقاط مدينة "سرت" الإستراتيجية، وتهديد منطقة الهلال النفطي التي تحوي 80% من النفط الليبي. ولأن النفط هو الورقة الثمينة التي اتفقت على عدم المساس بها الدول المتورطة في الحرب بالوكالة، سعت الأطراف الخارجية إلى خفض التصعيد عبر وقف متبادل لإطلاق النار، مع الاتفاق على ملامح عملية سياسية جديدة في البلاد.

 

ولأن كل الجولات السابقة باءت بالفشل، دفعت الأمم المتحدة عبر "محادثات جنيف" و"مباحثات بوزنيقة" نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي. وبينما تعهَّدت الدول المتحالفة مع حفتر بالالتزام بوقف إطلاق النار، قدَّم رئيس حكومة الوفاق "فايز السراج" استقالته تمهيدا لدخول ليبيا مرحلة انتقالية خامسة عبر انتخاب أعضاء الملتقى الوطني تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن ثمَّ ظهرت إلى النور حكومة مؤقتة تُمثِّل التراب الليبي كاملا في فبراير/شباط الماضي، وبات فيها "محمد المنفي" رئيسا للمجلس الرئاسي و"عبد الحميد الدبيبة" رئيسا للوزراء.

 

تلخَّصت مهمة السلطة الجديدة في الحفاظ على مكتسبات الاتفاق وإرساء الاستقرار وإدارة شؤون البلاد مؤقتا حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/كانون الأول، بالإضافة إلى استكمال مسارات التفاوض ودعم اللجان السياسية والاقتصادية والعسكرية، جنبا إلى جنب مع المهمة الأصعب على الإطلاق المُمثَّلة في توحيد المؤسسات الأمنية واعتماد مشروع دستور مؤقَّت ثم الاستفتاء عليه. ورغم كل التغيُّرات التي شهدتها الساحة الليبية، ظل حفتر مُسيطرا بقواته على الجزء الأكبر من ليبيا، ورغم خسارته الميدانية الأخيرة، فإنه بقي حاضرا ومؤثرا في المشهد السياسي، كما يسعى الآن للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع بعدما فشل من قبل بواسطة الذخائر.

قوات خليفة حفتر

نقاط القوة والضعف.. فيمَ اختلف الفرقاء؟

رغم تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة ضمَّت التراب الليبي كاملا، فإن ليبيا لم تعرف الاستقرار بسبب فشل الالتزام ببقية مخرجات ملتقى الحوار الليبي بشأن المرحلة الانتقالية، تحديدا ما يتعلَّق بتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة بين الشرق والغرب، وخاصة المؤسسة العسكرية. وفي قلب الخلاف، برزت أيضا قوانين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فبعدما فشل الوسطاء الدوليون في الوصول إلى حلٍّ توافقي، عادت الكرة إلى ملعب مؤسسات الحكم في ليبيا، لكنَّ الجسمَيْن التشريعيَّيْن (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) لم يتفقا على رأي واحد، رغم أن اتفاق الصخيرات المُوقَّع عام 2015 ألزم مجلس النواب بالاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة بصفته مؤسسة تنفيذية وهيئة استشارية.

 

رغم ذلك، أحال رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح" قانون انتخاب رئيس الدولة، بعد تصديق البرلمان عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى المفوضية العليا للانتخابات وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا. وقد أثارت تلك الخطوة حفيظة "خالد المشري"، رئيس المجلس الأعلى للدولة، الذي اتهم رئيس مجلس النواب بتجاوز "الاتفاق السياسي"، وعدم الأخذ برأي المجلس (الذي دعا لإجراء استفتاء شعبي على مسودة دستور تُنظَّم الانتخابات وفقا له). لكن عقيلة صالح رفض إقرار قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، بدعوى أن إجراء استفتاء على مسودة الدستور غير ممكن لضيق الوقت في ظل اقتراب موعد الانتخابات المُقرَّرة في ديسمبر/كانون الأول الجاري.

 

يعود السبب الأبرز في رفض معسكر الغرب الليبي قوانين الانتخابات إلى بنودها التي يعتبرها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة مُفصَّلة من قِبَل البرلمان على مقاس شخص واحد هو خليفة حفتر الذي سارع بتسليم منصبه إلى رئيس أركان جيشه الفريق "عبد الرازق الناظوري" قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، وهي خطوة تتفق والمادة 12 لشروط قانون الترشُّح.

عبد الرزاق الناظوري وخليفة حفتر

تمتد الخلافات بين الجسمَيْن التشريعيَّيْن إلى شروط الترشُّح نفسها، فقد اشترط مجلس الدولة على المترشِّح للرئاسة أو لعضوية مجلس الأمة ألا يكون من أفراد المؤسسة العسكرية، وأن يمضي عامان على الأقل على انتهاء خدمته، في محاولة لاستبعاد الجنرال الليبي من السباق الانتخابي. بيد أن البرلمان تجاهل ذلك الشرط، بل ووضع شرطا آخر هو أن يتوقَّف المرشَّح عن العمل قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب يعود إلى سابق عمله، وهو بند يستهدف الدبيبة بشخصه. هذا وتبرز خلافات أخرى بين المجلسَيْن مُمثَّلة في رغبة المجلس الأعلى للدولة بتكوين مجلس للأمة ذي غرفتَيْن (نواب وشيوخ)، في حين يميل مجلس النواب إلى تشكيل جسم تشريعي واحد، بالإضافة إلى إشكاليات بشأن مقر السلطة التشريعية الجديدة بين طرابلس وبنغازي.

 

كل تلك الصدامات، بداية من تجاهل البرلمان للمجلس الأعلى للدولة في التوافق حول قوانين الانتخابات، وصولا إلى الخلاف حول المواد نفسها، دفعت المشري لدعوة الليبيين إلى مقاطعة الانتخابات بقوانينها الحالية، وأن يقوموا بحراك مدني أمام مفوضية الانتخابات لإجبارها على تغيير القوانين التي أقرَّتها، بيد أن حِدَّة خطابه ما لبثت أن انخفضت أمام سياسة الأمر الواقع التي أحدثها فتح باب الترشيح.

 

98 مرشَّحا.. مَن هم الأوفر حظا لرئاسة ليبيا؟

أعلنت مفوضية الانتخابات فتح باب الترشُّح رسميا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمرت المفوضية في تلقي طلبات الترشُّح للرئاسة حتى يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد تقدَّم 98 مترشِّحا ينتظرون رد المفوضية العليا للانتخابات بعد الخضوع لعمليات تدقيق وفحص ومراجعة للطعون قبل إعلان مفوضية الانتخابات القائمة النهائية، فيما ما زال الباب مفتوحا حتى يوم 7 ديسمبر/كانون الأول بالنسبة للراغبين في الترشُّح للبرلمان. ومن المقرَّر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية على جولتين، الأولى تبدأ في 24 ديسمبر/كانون الأول، والثانية تبدأ مع الانتخابات البرلمانية بعد 52 يوما من الجولة الأولى.

 

بعدما أصدرت مفوضية الانتخابات الليبية "قائمة أولية" للمرشَّحين المقبولين في انتخابات الرئاسة، فوجئ نحو 25 مرشَّحا باستبعادهم، وأبرزهم "سيف الإسلام القذافي"، نجل الزعيم الراحل الذي أطاحت به ثورة فبراير، ليتبقَّى نحو 73 آخرين. بعد ذلك أعاد حكم محكمة القذافي إلى السباق، فيما استبعدت محكمة أخرى خليفة حفتر الذي ينتظر الفصل في الطعن على استئنافه. ومن بين تلك الأسماء المترشِّحة، يبرز تسعة مرشَّحين مُحتمَلين للفوز في سباق الرئاسة يحظون بكتل انتخابية كبيرة نسبيا في عموم التراب الليبي، وأولهم رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة، الذي تعهَّد سابقا بعدم الترشُّح، لكنه اعتزم خوض الانتخابات مُتَّكئا على الإنجازات التي حقَّقها خلال المدة التي تولَّى فيها منصبه منذ مارس/آذار الماضي، ومنها دعم الشباب المُقبِل على الزواج بمنحة بلغت 9 آلاف دولار لكل زوجين، وزيادة رواتب المعلمين لأكثر من الضِّعْف، فضلا عن تحقيق استقرار أمني في بلد يعصف به صراع مسلح منذ سنوات.

Chairman of Libya’s High National Election Commission Emad al-Sayeh​​​​​​​- - TRIPOLI, LIBYA - NOVEMBER 23: Chairman of Libya’s High National Election Commission Emad al-Sayeh holds a press conference ahead of the Libya's presidential elections, on November 23, 2021 in Tripoli, Libya.

نجح الدبيبة في العودة إلى السباق الرئاسي بعد أن تغلَّب على الطعن الذي تقدَّم به وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة "فتحي باشاغا" ضد ترشُّحه للانتخابات الرئاسية، اعتمادا على المادة 12 التي تشترط على المرشَّح تقديم استقالته وتوقُّفه عن العمل قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الانتخابات، وهو ما لم يفعله رئيس الحكومة الحالي. ثاني أبرز المرشِّحين هو خليفة حفتر (حال عودته للسباق)، الذي فشل في الوصول إلى السلطة في ليبيا عبر السلاح، فقرَّر خوض معركة جديدة عبر صناديق الانتخابات. وبخلاف سيطرته العسكرية على معظم التراب الليبي، فإنه ما زال مدعوما من عدة دول غربية وعربية أبرزها الإمارات وفرنسا.

 

ثالث الشخصيات المؤثرة التي تنافس على رئاسة ليبيا هو فتحي باشاغا الذي تقدَّم بالطعن على ترشُّح الدبيبة للانتخابات، وأحد منافسيه في انتخابات مُلتقى الحوار الوطني التي أفضت إلى اختيار رئيس الحكومة الحالي في منصبه. ويُعرَف باشاغا بأنه العقل المُدبِّر لحكومة الوفاق السابقة، إلى جانب أنه عرَّاب الاتفاق التركي-الليبي، كما يرجَّح أنه يحظى بدعم كتائب مصراتة، أقوى كتائب الغرب الليبي.

 

من أبرز المفارقات في المشهد الليبي أن عقيلة صالح، رئيس البرلمان الذي انفرد بوضع قانون الانتخابات، بات رسميا على قائمة المرشَّحين لرئاسة ليبيا، رُغم أنه مُتَّهم بتمرير قانون سمح بترشُّح حفتر للرئاسة. ويتمتع "صالح" بدعم قبيلته العبيدات، واحدة من أبرز القبائل الليبية، كما سبق أن أعلنت تجمُّعات تزعم أنها تتحدَّث باسم قبائل ليبيا تأييدها له لتولي رئاسة المجلس الرئاسي، ويُنظر إلى عقيلة باستمرار بأنه وجه أكثر قابلية للتوصُّل إلى اتفاق مع الغرب، بخلاف حفتر. هذا وأشارت بعض التحليلات إلى أن تركيا، أبرز الدول الداعمة للغرب، أبدت انفتاحها على الحوار معه.

 

بالإضافة إلى تلك القائمة السابقة، يُنظر إلى آخرين بأنهم ذوو حظ في رئاسة ليبيا، منهم "عارف النايض"، رئيس تكتُّل "إحياء ليبيا"، والمعروف بقُربه من الإمارات بعد عمله هناك سفيرا منذ اندلاع الثورة الليبية وحتى عام 2016، ويُشار إليه بأنه مهندس فتوى حمل السلاح والخروج على القذافي بسبب تأسيسه رابطة "علماء ليبيا" التي ضمَّت علماء الشريعة المُعترَف بهم داخل ليبيا. وينافسه في القائمة "محمد خالد الغويل"، رئيس حزب السلام والازدهار، الذي كان بدوره أحد المنافسين للدبيبة خلال انتخاب السلطة الانتقالية المؤقتة، في ملتقى الحوار السياسي، وبالطبع هناك سيف الإسلام القذافي الذي لا يمكن تجاهل حظوظه بعد عودته إلى السباق على أمل استعادة عرش والده.

 

الانتخابات الأولى.. باب للاستقرار أم للفوضى؟

TRIPOLI, LIBYA - FEBRUARY 17: People wave flags and chant slogans during a gathering to commemorate the tenth anniversary of the Arab Spring in Martyrs Square on February 17, 2021 in Tripoli, Libya. Libyans across the country gathered to mark the anniversary of the 2011 uprising that led to the ousting and killing of ruler Muammar Gadhafi. The anniversary comes after a new executive authority was recently announced in Libya. Mohammed al-Menfi was elected as Head of Presidential Council and Abdulhamid Dbeibeh as interim prime minister of the new unified Libyan authority and tasked with delivering new elections for the country, scheduled for December 2021. (Photo by Nada Harib/Getty Images)

رغم تأكيد القوى الدولية إجراء الانتخابات في موعدها والتلويح بفرض عقوبات على مَن يعرقلها، فإن سيناريو الفوضى لم يبرح مخاوف كل الدول الفاعلة في الملف الليبي. ومع التطورات التي حدثت منذ الخلافات على قوانين الانتخابات، والاعتراض على ترشُّح أشخاص بعينهم، وضع رئيسا الحكومة والمجلس الرئاسي في ليبيا شرطا يربط تسليم السلطة بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة توافقيا بين جميع الأطراف، وهو الشرط الذي يصعب تحقيقه في ظل حالة الاحتقان، ناهيك بالتحديات الأخرى مثل توحيد المؤسسة العسكرية وملف المرتزقة، التي يمكن أن تعرقل إجراء الانتخابات في موعدها.

 

في الوقت الذي يعقد فيه الليبيون آمالا كبيرة على هذه الانتخابات في إعادة الاستقرار إلى بلادهم بعد أكثر من عقد من الصراع والاضطرابات، والانزلاق إلى حرب أهلية معقَّدة تدخَّلت فيها شتى الأطراف الخارجية، يخشى قطاع عريض لا يخفى صوته من فشل الانتخابات، ومن ثمَّ العودة بالبلاد مرة أخرى إلى المربع صفر. وقد دفع احتمال وقوع ذلك السيناريو بالسفير الأميركي في ليبيا "ريتشارد نورلاند" إلى تحذير الأطراف الليبية علنا من استغلال أحدهم قواه العسكرية لعرقلة الانتخابات أو رفض النتائج.

 

ما يُعقِّد المشهد أكثر هو أن معظم أطراف المعادلة السياسية لن تقبل على الأرجح بإقصائها من المشهد وصعود خصومها إلى سُدَّة الحُكم، لما يُشكِّله ذلك من خطر وجودي على مكتسباتهم، لا سيما أنه يمكن بسهولة تقديمهم للمحاكمة حال فاز منافسوهم، خاصة حفتر المتورِّط في جرائم حرب. ونتيجة لذلك، تُواصِل القوى في الغرب التعبير عن شكوكها بأن خليفة حفتر قد لا يعترف بنتائج تلك الانتخابات حال لم تأتِ لصالحه، وأنه قد يستخدم جيشه للانقلاب مرة أخرى مثلما حدث في معركته الأخيرة على طرابلس، في الوقت الذي تمتلك فيه القوى الشرقية هواجس مُماثلة.

 

في نهاية المطاف، ومع تعقيدات المعادلة السياسية داخليا، تخشى الدول الفاعلة في الملف الليبي هي الأخرى أن تُسهِم التغيرات في الإضرار بمصالحها الاقتصادية في الرقعة الأغنى باحتياطات النفط في القارة الأفريقية، وهو ما دفع دولا مثل فرنسا وإيطاليا بما لديهما من استثمارات كبرى في مجالَيْ الطاقة والنفط للضغط كي تُجرَى الانتخابات في موعدها دون أي تأجيل، لعلَّ الصناديق تفتح أبواب الحل والحوار، ولا تقود البلاد إلى نقطة الصفر مجددا كما يخشى المتشائمون.

المصدر : الجزيرة