استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي
استفتاء جرى يوم الخميس 23 يونيو/حزيران 2016، ونزلت نتائجه بردا وسلاما على مؤيدي الخروج من حضن الاتحاد الأوروبي، وصواعق على مؤيدي البقاء الذين حذروا من مستقبل أسود ينتظر الاقتصاد البريطاني بعد نتيجة التصويت.
استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه جرى يوم 23 يونيو/حزيران 2016، وصوّت فيه نحو 17.4 مليون شخص (51.9%) لصالح الخروج من الاتحاد، مقابل 16.1 مليونا (48.1%) لصالح البقاء فيه.
النتائج الأولية التي بدأت تظهر مساء يوم التصويت كانت تبشر بتقدم طفيف لصالح البقاء، لكن مع تقدم فرز الأصوات، انقلبت الكفة لصالح أنصار الخروج، وهو ما اتضح عقب إعلان النتائج في نصف المناطق فجر يوم 24 من الشهر نفسه، حين بلغت النسبة 51.3% لأنصار الخروج مقابل 48.7% لأنصار البقاء، قبيل إعلان النتائج النهائية من طرف اللجنة المشرفة على الاستفتاء.
النتائج أظهرت أن مدن لندن وليفربول ونيوكاسل صوتت لصالح البقاء، وكذلك مدينة غلاسكو في أسكتلندا، بينما صوتت لصالح الخروج مدن: ويغان وواتفورد وبلاكبول وشيفيلد ونوتنغهام وكانتربري.
وكانت أول نتيجة جزئية تعلن في الاستفتاء قد أوضحت أن منطقة جبل طارق -التابعة للتاج البريطاني- صوتت بقوة لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء بنسبة 96%.
أما مدينة ساندرلاند في (شمال شرق إنجلترا) فكان تصويتها أقوى من المتوقع لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد، فوفقا لنتائج رسمية أيد 61.3% من الناخبين في ساندرلاند الخروج، في حين صوتت إيرلندا الشمالية لصالح البقاء في الاتحاد.
ما بعد التصويت
إجراءات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي ستستغرق عامين على الأقل، حيث تلتزم بريطانيا بتعهداتها والتزاماتها والاتفاقيات التي وقعتها، لكن لن يسمح لها بالمشاركة في اتخاذ القرارات.
الحكومة ستعرض نتيجة الاستفتاء -المعروف اختصارا بالبريكست- على البرلمان لرفضه أو قبوله، وعلى المستوى النظري بإمكان النواب رفضه، لكن هذا الخيار يبقى صعبا على مستوى التطبيق لأنه سيعتبر معارضا للإرادة الشعبية.
وقد بدأ مسلسل الاستفتاء يوم 27 مايو/أيار 2015 عندما قدمت الحكومة البريطانية رسميا إلى البرلمان مشروع القانون الذي يفصل آليات الاستفتاء على بقاء البلاد عضوا في الاتحاد.
وبعد إقراره في البرلمان يوم 10 يونيو/حزيران 2015 بأغلبية ساحقة (544 نائبا وبمعارضة 53 نائبا)، حدد يوم 23 يونيو/حزيران 2016 موعدا لتنظيمه.
وهذه هي المرة الأولى منذ 41 عاما التي يتاح فيها للشعب البريطاني أن يقول كلمته في هذا الشأن، إذ نُظم الاستفتاء الأول على انتماء بريطانيا إلى الكتلة الأوروبية عام 1975.
وقبل ثمانية أيام من الاستفتاء، اغتيلت النائبة العمالية المؤيدة للاتحاد الأوروبي جو كوكس يوم 16 يونيو/حزيران 2016 في وسط الشارع، بيد رجل قالت وسائل الإعلام إنه يدعى توماس مير (52 عاما)، هتف قائلا "المملكة المتحدة أولا".
تباين مواقف
ويعتقد أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي بضرورة استعادة السيطرة على حدود البلاد للحد من الهجرة من أجل خفض نفقات الرعاية الاجتماعية، وتنشيط الخدمات العامة، والاحتفاظ بالوظائف للبريطانيين؛ بينما ظل مؤيدو البقاء ضمن الاتحاد يشرحون أن المهاجرين يسهمون أكثر في الضرائب من دون تكلفة خزينة الدولة.
كما يرى مؤيدو الخروج أن من شأنه السماح للمملكة المتحدة باسترداد إسهاماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة نحو 8.5 مليارات جنيه سنويا. أما المعارضون فكانوا يوضحون أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول للمملكة المتحدة، وشكل 45% من الصادرات البريطانية و53% من الواردات عام 2014.
وبينما كان أنصار الخروج يشرحون أن المملكة المتحدة ستحتفظ بنفوذها كونها قوة نووية ومن دول حلف شمال الأطلسي ومن القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي، حذر مؤيدو البقاء من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى فقدان نفوذ المملكة المتحدة في العالم، ويزيد من احتمالات استفتاء جديد حول استقلال أسكتلندا التي تؤيد بشدة البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وقد أعلنت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستيرجن أن إجراء استفتاء ثان للانفصال عن بريطانيا هو أفضل حل؛ حيث سبق أن جرى استفتاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أظهر رفض الأسكتلنديين الاستقلال عن بريطانيا بـ55.3% من الأصوات، بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 44.7%.
مستقبل "مجهول"
آثار نتائج الاستفتاء كانت فورية ومتشحة بالسواد، فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون عزمه الاستقالة في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وطالب بانتخاب رئيس وزراء جديد يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، وأوضح أنه أخبر ملكة بريطانيا بنيته الاستقالة.
كما أن الجنيه الإسترليني هوى بأكثر من 10% أمام الدولار الأميركي، وهو أدنى مستوى له منذ ثلاثين عاما، علما بأن الدولار هبط بدوره أمام الين الياباني بنسبة تزيد على 5%.
واستقر سعر الجنيه الإسترليني صباح يوم 24 يونيو/حزيران 2016 عند مستوى 1.35 دولار للمرة الأولى منذ عام 1985، كما هبط اليورو بأكثر من 3% أمام الدولار إلى 1.1024 دولار.
وهبطت أيضا أسعار النفط بأكثر من 5% بسبب التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ووصف وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير يوم التصويت بأنه "يوم حزين" لبريطانيا وأوروبا، بينما دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت لاتخاذ إجراءات لإعادة الثقة إلى الشعوب.
وعلى الصعيد الأوروبي، قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إن "بريطانيا اختارت أن يكون لها مسار خاص بها وسيكون مسارا صعبا جدا"، وأكد رئيس اتحاد المصدرين في ألمانيا أن نتيجة الاستفتاء البريطاني "كارثية لبريطانيا وأوروبا وألمانيا، وخصوصا الاقتصاد الألماني".
كما أن وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي تداعوا لعقد اجتماع بعد يومين من الاستفتاء في برلين، للتباحث في تبعات خروج البريطانيين من الكتلة الأوروبية.
إسبانيا التي لم تخف قلقها إزاء نتيجة التصويت الذي يؤثر سلبا وبشكل واضح على اقتصادها، وطالبت على لسان وزير خارجيتها مانويل غارسيا مارغايو تقاسم السيادة مع بريطانيا على جبل طارق البريطاني، ليتاح لها الدخول إلى الأسواق الداخلية للاتحاد الأوروبي. وقد رأى البعض في هذه الخطوة الإسبانية محاولة لاستغلال نتائج التصويت للتقدم خطوة إلى الأمام، في مطالبها التاريخية بإعادة جبل طارق إلى سيادتها.