محمد دحلان.. قيادي فلسطيني متهم باغتيالات وبهندسة الثورات المضادة
سياسي فلسطيني وقيادي سابق في حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح)، بدأ حياته السياسية في الشبيبة الفتحاوية في ثمانينيات القرن الماضي، وقضى فترة في السجون الإسرائيلية. تَنَقّل في عدة مواقع واضطلع بكثير من الأدوار، من عضو في حركة فتح، إلى قائد لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، ووزير في حكومة السلطة الفلسطينية، ثم متظاهرا ضدها. عارض "فتح" والسلطة فأبعد عن صفوفها وفقد نفوذه، واتُهم بالاختلاس وأدين غيابيا بتهم فساد.
المولد والنشأة
وُلد محمد يوسف شاكر دحلان -أبو فادي- يوم 29 سبتمبر/أيلول 1961 في خان يونس جنوب قطاع غزة، الذي كان يخضع للإدارة المصرية آنذاك. وهو الابن السادس لأسرة نزحت من قرية حمامة المُهجَّرة بعد نكبة حرب 1948.
ذاق مرارة الغربة عن دياره، وعاش كبقية الأطفال في مناخ الفاقة والعوز بالمخيمات، إذ تعود أهل غزة على رؤية الشاب الفقير في ثياب متواضعة، حتى إنهم يذْكرونه بـ "البنطلون والقميص الكحلي" اللذين كان يرتديهما باستمرار.
كان من بين أقرانه في المخيم خلال تلك الفترة، قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمد الضيف، والقائد العام للحركة في غزة يحيى السنوار.
وكان متجاورا في الحارة مع الشهيد عبد العزيز الرنتيسي (زعيم حماس السابق في قطاع غزة)، حتى إنه عنون فصلا في مذكراته "أمي التي كانت أمّا أخرى للشهيد الرنتيسي".
الدراسة والتكوين العلمي
تدرج دحلان في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، حيث أتمّ دراسته الأساسية والثانوية، وعرف خلال هذه الفترة بأنه كان متوسط المراتب وغير منتبه لتحصيله العلمي.
في أواخر السبعينيات ذهب لجمهورية مصر العربية للدراسة في كلية التربية الرياضية ولم يكمل تعليمه هناك، ثم عاد إلى غزة فانتسب إلى "الجامعة الإسلامية" وحصل منها على بكالوريوس في إدارة الأعمال.
أتقن اللغة العبرية خلال فترة سجنه في المعتقلات الإسرائيلية، وقرأ الكثير من الكتب التي تتناول المجتمع والسياسة الإسرائيليين، وقيل إنه قضى عدة أشهر عندما أصبح سياسيا مشهورا في لندن يتدرب على التحدث بالإنجليزية.
الحياة المهنية
ترأس دحلان عام 1994 وهو ابن الـ33 عاما، جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، وبعد دورة تأهيلية في الخارج تمت ترقيته إلى رتبة عقيد، وتولى قيادة 10 فروع أمنية مخصصة في معظمها لقمع المعارضة المحلية.
خلع معطفه الأمني الذي تقلده لسنوات طويلة، ولبس المعطف السياسي عام 2003، حيث أصبح وزيرا للشؤون الأمنية، ثم وزيرا للشؤون المدنية بعد وفاة عرفات عام 2004.
فاز عام 2006 في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة محافظة خان يونس، وفي يوليو/تموز 2002 تقلد منصب مستشار الأمن القومي، وعام 2009 شغل منصب مفوض الإعلام والثقافة في اللجنة المركزية.
التجربة السياسية
بدأ دحلان حياته السياسية عندما كان مراهقا في حركة فتح، من خلال المشاركة في تأسيسه لذراعها الطلابي المعروف باسم "الشبيبة الفتحاوية". واعتقل عدة مرات في الفترة ما بين 1981 و1986 في السجون الإسرائيلية على خلفية انتمائه لحركة فتح.
أصدر الاحتلال قرارا بترحيله إلى الأردن أواخر عام 1987، ومن هناك تنقل في إطار عمله بأجهزة حركة فتح إلى ليبيا التي أقام فيها فترة بسيطة، قبل أن يستقر به المطاف في تونس، والتي تعد المرحلة الأهم من حياته السياسية، حين عمل في مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات ونال ثقته، وقال إنه في تلك الفترة، كان اليد اليمنى لأبي جهاد في توجيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
بعد توقيع اتفاق أوسلو واستلام السلطة الفلسطينية حكم قطاع غزة وبعض أجزاء من الضفة الغربية، عاد القائد الشاب في مظهر المسؤول، ومنح لقب رئيس قوات الأمن الوقائي في غزة، وهي الوظيفة التي عبدت الطريق أمامه لنسج علاقات قوية مع وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية والإقليمية.
وعين عضوا في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، وقيادة المفاوضات في إطار الإعداد لمرحلة ما بعد تطبيق خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 1995، وشارك في مباحثات كامب ديفيد الثانية عام 2000، وقمة طابا عام 2001.
بعد رفض عرفات تعيينه وزيرا للداخلية، استقال دحلان من منصبه في الأمن الوقائي عام 2002، وتزعم ما يُعرف بـ"عصابة الخمسة" للإطاحة بعرفات في فترة الحصار الإسرائيلي له.
ثم واصل صعوده في سلم القيادة الفلسطينية، فتمّ انتخابه عام 2009 عضوا في اللجنة المركزية، قبل أن يفرض نفسه مستشارا أمنيا لمحمود عباس.
عام 2011 تم طرده من الهيئة القيادية لحركة فتح، قبل أن يقرر أبو مازن في يونيو/حزيران من العام نفسه طرده بشكل تام ودائم من الحركة نتيجة لاتهامه في قضايا جنائية ومالية، وفي عام 2012 جرده من حصانته البرلمانية، وحُكم عليه بالسجن عامين في مارس/آذار 2014 بعد إدانته غيابيا.
مؤامرات واغتيالات
في فترة قيادة دحلان للأمن الوقائي في قطاع غزة، نفذ جهازه العديد من حملات الاعتقالات في صفوف أعضاء حركة حماس والمتعاطفين معها، وزج بهم في غياهب السجون.
حامت حوله الشكوك والاتهامات في تلك الفترة واتهم بالعمل وكيلا لجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وكان نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق "زئيف بويم" قد اتهم في لقاء عام 2004 رجال دحلان عن قتل أربعين من معارضيه.
ونشرت وثيقة رسمية من حركة فتح كشفت تورطه في اغتيال كل من اللواء كمال مدحت في بيروت، والإعلامي الفلسطيني خليل الزبن، ومنسّق هيئة الإذاعة والتلفزيون في غزة هشام مكّي، والقيادي في حماس حسين أبو عجوة.
تزَعّم دحلان حملة قمع لحماس بعد فوزها بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006، ما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين الجانبين، انتهت بطرده من قطاع غزة عام 2007، وأبعد عن المشهد السياسي لفترة طويلة.
كما اتهم بتأسيس "فرقة الموت"، والتي كانت مهمتها الرئيسية قمع مناوئي السلطة الفلسطينية، وتطارد هذه الفرقة اتهامات بتنفيذ عمليات سرية لصالح إسرائيل، منها اغتيال العديد من القيادات الفلسطينية.
وكان الرئيس عباس قد صرح في لقاء للجنة المركزية عقده عام 2014، أن دحلان كان على علم بمحاولة اغتيال قائد كتائب القسام صلاح شحادة، وكان يتابع تفاصيلها.
وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية دور دحلان في اغتيال محمود المبحوح، أحد أبرز قادة كتائب القسام في دبي عام 2010، واتهم أيضا بتجنيد موظفين وضباط يتجسّسون لمصلحته في المؤسسات الأمنية ومؤسسة الرئاسة، إضافة إلى زرع أجهزة تنصّت داخل العديد من المقرات.
بعد ذلك، قاد مؤامرة ضد الرئيس محمود عباس، انتهت بهروبه بعد أن اتهم بالفساد والرشوة وقَتْل الرئيس الراحل ياسر عرفات بالتنسيق مع إسرائيل.
وهو الأمر الذي أكده أمين سر اللجنة المركزية العليا لحركة فتح فاروق القدومي في يوليو/تموز 2009، وذكرته أيضا القناة العاشرة الإسرائيلية، إذ قالت إنها حصلت على وثيقة أعدتها لجنة التحقيق في وفاة عرفات تؤكد بشكل قاطع أن دحلان هو من غير دواء كان يتعاطاه عرفات بآخر مسموم.
مهندس الثورات المضادة
ساهم دحلان في إفشال ثورات الربيع العربي ومحاصرة الإسلاميين، ووصفه تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية بأنه "قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط". وكرس ذلك وصفه أيضا في وثيقة لـ"مركز بيغن السادات" للدراسات الإستراتيجية، بأنه "شخصية كانت مختبئة لعدة سنوات في ظلال السياسة الفلسطينية"، ووصفه قادة إسرائيل بـ"الشريك الملائم ليحل محل عباس الضعيف".
ووجهت له اتهامات لقيامه بدور بارز في الثورات المضادة للربيع العربي، خاصة في مصر وتونس وليبيا، إذ يتهمه البعض بأن له دورا في التخطيط للانقلاب العسكري على حكم الرئيس السابق محمد مرسي عام 2013، وينسب إليه تنفيذ مهمات سرية لدى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسيطر على مناطق في ليبيا، والمساهمة في تأسيس حزب معارض سوري جديد في القاهرة، والتواصل مع فاعلين سياسيين تونسيين في المرحلة الانتقالية، كما يتهم بالتورط في تفجير أكتوبر/تشرين الأول 2016 في العاصمة اليمنية صنعاء.
وتتهمه تركيا بالمساهمة في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي شهدتها منتصف يوليو/تموز 2016، وذلك من خلال نقل 3 مليارات دولار وفرتها الإمارات لتمويل الحركة الانقلابية، عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة الأميركية.
وكان دحلان وراء توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات بين صربيا والإمارات، على شكل استثمارات اقتصادية وصفقات أسلحة ضخمة وُجهت لإخماد ثورات الربيع العربي. ومقابل ذلك منحه الرئيس الصربي عام 2013 وسام العلم الصربي، والجنسية له ولعائلته وخمسة من السياسيين المقربين منه، وفق تقرير لصحيفة غارديان البريطانية.
ثروة مشبوهة
ذكرت تقارير أن دحلان عندما دخل غزة كان مدينا بمبلغ 300 دولار لأحد الضباط الفلسطينيين، لكن "فساده المالي والاقتصادي" غير أحواله، وفق ما يقول خصومه.
فقد عقد صفقة عام 1994 تتلخص في إلغاء توكيل الشركة الموردة للبترول ومشتقاته للضفة وغزة، وإعطائها لشركة أخرى مقربة منه، وهو ما عاد عليه بأرباح تقدر حسب إحصائية بنكية بحوالي مليوني دولار.
ثم أصبح مالكا لفندق الواحة في قطاع غزة، وقالت صحيفة "هآرتس" عام 1997 إن ثروته في البنوك الإسرائيلية فقط تقدر بـ 53 مليون دولار.
ونُشرت تقارير كشفت أن 40% من حصيلة رسوم معبر كارني (المنطار) والمقدرة بنحو 250 ألف دولار شهريا، كانت تُحوَّل للحساب الشخصي لمدير جهاز الأمن الوقائي في حينه محمد دحلان. وإلى حدود عام 2017 قدرت تقارير إخبارية ثروته بأكثر من 120 مليون دولار.