أميركا ونظام البشير.. من تشديد العقوبات لتخفيفها

Sudan's President Omar Al Bashir addresses the nation during the country's 61st independence day, at the presidential palace in Khartoum, Sudan December 31, 2016. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
انتهجت الحكومات الأميركية سياسة معادية للسودان منذ وصول الرئيس عمر البشير إلى السلطة(رويترز)

منذ وصول الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى السلطة بانقلاب عسكري في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 ضد حكومة الصادق المهدي، وسُمي "ثورة الإنقاذ"، انتهجت الحكومات الأميركية سياسة معادية للسودان، وأدرجته على قائمة "الدول الراعية للإرهاب". ورغم محاولات التقارب بين البلدين، فلم تغير واشنطن موقفها، لتقرر إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل رحيلها عام 2017 تخفيف عقوباتها على الخرطوم

فقد أدرجت واشنطن عام 1993 السودان على قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، وقالت إن السبب هو ما وصفته "بمخاوف تتعلق بالإرهاب"، وجاء ذلك على خلفية استضافة الخرطوم زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.

ورغم سعي حكومة البشير لاحقا لتحسين علاقتها مع الإدارة الأميركية، بمغادرة بن لادن التراب السوداني عام 1996، فإن واشنطن صعدت خطواتها تجاه الخرطوم بفرض عقوبات اقتصادية عليها عام 1997.

ومضت واشنطن في تضييقها على السودان، حيث قصف سلاح الجو الأميركي عام 1998 مصنعا للأدوية قالت الخرطوم إنه مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة أنه "مصنع للأسلحة الكيميائية".

وتم خفض التمثيل الدبلوماسي في كل من السفارتين إلى درجة قائم بالأعمال، لكن دون أن يمنع الخرطوم من إبرام اتفاق تعاون مع واشنطن لمكافحة الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وبرر مدير المخابرات السودانية السابق صلاح قوش الاتفاق بأنه منح بلاده حماية من تلقي ضربة عسكرية على غرار الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.

وعود أميركية
سمحت حكومة البشير أيضا للولايات المتحدة بالتوسط بينها وبين متمردي الحركة الشعبية، الذين يحاربونها في جنوب البلاد، رغم اتهامها لواشنطن بدعمهم.

ونجحت واشنطن في دفع الطرفين لتوقيع اتفاق سلام عام 2005، مهد لانفصال جنوب السودان عام 2011، عبر استفتاء شعبي صوّت فيه أكثر من 98% من الجنوبيين لصالح الانفصال.

ووعدت واشنطن الخرطوم بشطب اسمها من قائمة "الدول الراعية للإرهاب" ورفع العقوبات وتطبيع العلاقات بين البلدين، في حال التزامها بإجراء الاستفتاء وعدم عرقلة انفصال الجنوب.

ورغم أن السودان كان أول دولة تعترف بالجارة الوليدة، وشارك الرئيس البشير في حفل إعلانها بعاصمتها جوبا، فإن الإدارة الأميركية لم تف بوعودها للخرطوم.

واستمرت الإدارة الأميركية في انتهاج سياسة الضغط نفسها على السودان، فوضعت شروطا جديدة؛ أبرزها وقف الحرب في مناطق أخرى هي جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور وتحسين سجل حقوق الإنسان وحل أزمة الحكم.

ورفضت الخرطوم هذه الشروط، ورأت أنها "تدخلا في الشؤون الداخلية"، وهددت في سبتمبر/أيلول 2013 بعدم التعامل مع المبعوث الجديد للرئيس الأميركي إلى السودان وجنوب السودان دونالد بووث، ما لم يكن مهتما فقط بتطبيع العلاقات بين البلدين.

ورفضت الخرطوم في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 منح بووث تأشيرة دخول للمرة الثانية بعد أن منحتها له في زيارته الأولى عقب تعيينه، حيث عزف كبار المسؤولين وقتها عن مقابلته خلافا للمبعوثين السابقين.

وتلا ذلك تهديد الخرطوم في يوليو/تموز 2014 "بمراجعة" اتفاق التعاون في مكافحة الإرهاب مع واشنطن؛ وبررت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، نقلا عن مصدر حكومي -لم تسمه- هذا الأمر، بأن "العلاقات الثنائية التي ينبغي أن تشكل الإطار السياسي العام لهذا التعاون لا تتناسب مع الروح التي ظل السودان يبديها".

مرونة سودانية
غير أن حكومة البشير أبدت لاحقا بعض المرونة مع الأميركيين، حيث استقبلت في أغسطس/آب 2015 المبعوث الأميركي، بعدما أيدت إدارته عملية الحوار الوطني التي بادر بها البشير، وبالفعل انخرط بووث في سلسلة مشاورات مع الحكومة وخصومها، أثمرت توقيع المعارضة في أغسطس/آب 2015 على خارطة طريق طرحها الوسيط الأفريقي رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو أمبيكي بعد أشهر من رفضها.

كما أن واشنطن امتدحت خطوة الحكومة السودانية بالتوقيع منفردة في مارس/آذار 2016 على خارطة الطريق التي تنص على عقد مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة لوقف الأعمال العدائية وتمرير الإغاثة للمتضررين، ومن ثم الاتفاق على أجندة لحوار أشمل يضم أحزاب المعارضة لمناقشة القضايا القومية، وعلى رأسها أزمة الحكم وإصلاح الاقتصاد.

وحضر المبعوث الأميركي المحادثات التي استضافتها أديس أبابا في أغسطس/آب من العام نفسه، وتم تعليقها لأجل غير مسمى، بعد فشل الخصمين في التوصل لاتفاق.

وبعدها زار بووث الخرطوم أكثر من مرة، وبحث مع مسؤولين كبار استئناف عملية السلام، لكن لم يحدد بعد موعدا للجولة الجديدة.

وسبق المؤتمر تخفيف إدارة أوباما للعقوبات، حيث سمحت في فبراير/شباط 2015 للشركات الأميركية بتصدير الأجهزة الإلكترونية الشخصية مثل الهواتف الذكية وتطبيقاتها إلى السودان.

وجاء القرار الأميركي بعد أيام من زيارة نادرة لوزير الخارجية إبراهيم غندور إلى واشنطن بدعوة من الكونغرس، وكان يشغل وقتها منصب مساعد الرئيس السوداني.

وأرجعت واشنطن قرارها إلى "الترويج لحرية التعبير ومساعدة السودانيين على التواصل مع العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت".

في حين ذكرت وسائل إعلام غربية أن واحدا من الأسباب الرئيسية للخطوات التصالحية المتبادلة بين الخرطوم وواشنطن هو قطع السودان رسميا علاقته الدبلوماسية مع إيران مطلع يناير/كانون الثاني 2016، مع العلم أن طهران كانت من أوثق الحلفاء الإقليميين للخرطوم.

وجاءت الخطوة التالية من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته أوباما الذي أعلن في 13 يناير/كانون الثاني 2017 أنه قرر بدء تخفيف العقوبات على السودان بعد 180 يوما من هذا التاريخ، وهي الخطوة التي قالت وزارة الخارجية السودانية إنها "تمثل نتاجا طبيعيا لجهود مشتركة وحوار طويل وصريح وثمرة تعاون وثيق بين البلدين في قضايا دولية وإقليمية محل اهتمام مشترك".

وبحسب المسؤولين الأميركيين، سيبقى الحظر على الأسلحة قائما مع مطلب محاسبة الرئيس عمر البشير في ما يواجهه من اتهامات بارتكاب جرائم.

وبينما لم تشمل قرارات أوباما شطب السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، وهي خطوة تتطلب موافقة الكونغرس، أشارت الخارجية السودانية إلى "تصميم" حكومتها على مواصلة التعاون والحوار مع واشنطن لتحقيق ذلك.undefined

المصدر : الجزيرة + وكالات + وكالة الأناضول