نظرات وعبرات | هل ستزول إسرائيل العام القادم؟

نتنياهو برفقة وزير الاستخبارات إيلي كوهين ورئيس الموساد، يوسي كوهين.

في مارس/آذار 2009، تداول العديد من المواقع الغربية والعربية والإسلامية واليهودية على الإنترنت، ما يفيد بأن إسرائيل ستزول عام 2022، نقلا عن تقرير منسوب إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، شارك فيه 16 وكالة استخبارات أميركية. وفي سبتمبر/أيلول 2012، تداولت مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي تصريحا منسوبا لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، يفيد بأن إسرائيل لن تكون موجودة بعد 10 سنوات. وتلتقي هذه الأخبار مع توقعات بعض المفكرين والعلماء والخطباء والمهتمين من العرب والمسلمين، بأن زوال إسرائيل سيكون عام 2022 اعتمادا على استقراءاتهم لبعض النصوص القرآنية، ومن ذلك ما ذكره الشيخ أحمد ياسين في شهادته على العصر بقناة الجزيرة من أن إسرائيل ستزول عام 2027. فهل حقا ستزول إسرائيل العام القادم؟ وما حقيقة هذه المعلومات المنسوبة للمخابرات الأميركية وهنري كيسنجر؟

 

من الغريب أن نجد لفيفا واسعا في أوساط النخبة الفلسطينية والعربية والإسلامية، السياسية والدينية والفكرية والإعلامية، يعتقد بأن زوال إسرائيل سيكون العام القادم أو بعده عام 2027، ويتبنى ذلك ويبشر به كأنه وعد إلهي قطعي الثبوت والدلالة، صارفا الناس عن حقيقة ما يدور على الأرض، وعن سنن التدافع بين البشر، والعوامل المادية التي تحكمها

أثارت معركة "سيف القدس" من جديد الحديث عن قرب زوال دولة الكيان الصهيوني لدى قطاعات كبيرة من العرب والمسلمين وغيرهم، والغريب في الأمر أن نجد لفيفا واسعا في أوساط النخبة الفلسطينية والعربية والإسلامية، السياسية والدينية والفكرية والإعلامية، ممن يعتقد ذلك ويتبناه ويبشر به، وكأنه وعد إلهي قطعي الثبوت والدلالة، صارفا الناس عن حقيقة ما يدور على الأرض، وعن سنن التدافع بين البشر، والعوامل المادية التي تحكمها. ويعتبر الخروج على هذه العوامل بمثابة تغييب للوعي، وإضعاف للهمة، وزيادة للتواكل، وخروج عن المسار الصحيح للتعامل مع مجريات القضية الفلسطينية وتطورات الصراع مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن خداع العامة وتضليلهم.

تصحيح الأخبار

بحثت كثيرا جدا في الإنترنت لأعثر على مصدر يمكن الاعتماد عليه حول تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يتوقع زوال دولة إسرائيل بحلول عام 2022، فلم أجد شيئا، معظم ما وجدته عبارة عن نقولات تبدأ باستعراض خلاصة التقرير، دون الإشارة إلى مصدره، معتبرين الخبر صحيحا في الأصل، وبعض المواقع ترجع الخبر إلى موقع "برس تي في" (Press TV) الإيراني، ومن المعلوم بداهة في صناعة الإعلام، أن خبرا بمثل هذا الوزن والحجم، سيثير اهتمام وسائل الإعلام الكبرى في جميع أنحاء العالم، وسيتصدر اهتمامها لفترة طويلة من الزمان، ولكني لم أعثر له على أثر في أي منها، وهذا يرجع لسبب واحد فقط معروف في صناعة الإعلام، وهو أن الخبر عار عن الصحة، لأن الخبر إذا كان صحيحا، قد يتم حجبه في بعض الوسائل بسبب سياستها التحريرية، ولكن لا يعقل مطلقا أن يتم الإجماع على تجاهله على هذا النحو، وهو ما يؤكد أن الخبر لا أساس له من الصحة.

أما الخبر المنسوب إلى وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، بأن دولة (إسرائيل) لن تكون موجودة بعد 10 سنوات، فقد ورد في أحد مقالات الكاتبة سيندي آدمز المصنفة ضمن مقالات الثرثرة والقيل والقال، والمنشور في مجلة نيويورك بوست (New York Post) بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2012، مستخدمة عبارة "بلغني أو قيل لي" أن هنري كيسنجر قال "في غضون 10 سنوات لن يكون هناك إسرائيل"، ولم تذكر آدمز من الذي أخبرها بذلك، ولا متى، ولا كيف، ومجلة نيويورك بوست، مملوكة للإمبراطور الإعلامي الملياردير اليهودي روبرت مردوخ. وقد تناقل هذه العبارة العديد من مواقع الإنترنت محدثا الأثر نفسه الذي أحدثه تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية السابق الذكر. ورغم الأهمية الكبرى لهذا الخبر، فإننا لم نعثر له على أثر في وسائل الإعلام الكبرى، وقد نقلت بعض المواقع عن تارا بوتزبوغ التي تعمل في مكتب كيسنجر في نيويورك، قولها: "إن هذا ليس خطأ في الاقتباس، إنه لم يحدث أساسا".

وبغض النظر عن التفاصيل الواردة فيه هذه الأخبار، والتي تصبح بلا قيمة لأنها غير صحيحة، وبغض النظر عن الخوض في الجهات التي صنعتها، والأهداف المرجوّة منها، والجهات التي تناقلتها، فإن من الواجب على كوادر النخبة أن تتأنى وهي تتعامل مع مثل هذه الأكاذيب التي تصلنا يوميا عن طريق مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي تتعارض مع أبسط قواعد المنطق العام، والفهم السليم، فضلا عن المنطق السياسي والفهم الخبير المتخصص، وخصوصا بعد أن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحات مفتوحة لمعارك ضارية متواصلة، تهدف إلى التحكم في الرأي العام للجماهير المستهدفة وتوجيهها في المسارات المحددة لها.

إن الفرصة الذهبية متاحة أمام الفلسطينيين الآن لإزالة دولة الكيان الصهيوني، وذلك عن طريق: حل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي، والعالم حاليا مستعد لمناصرة هذه الفكرة أكثر من أي وقت مضى، وهذه الفرصة تحتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، ولا يوجد في المدى المنظور أي فرص أخرى بديلة، والحديث عنها مجرد ضرب من الخيال

إسرائيل لن تزول العام القادم

إنني أجزم في هذا المقال أن دولة الكيان الصهيوني لن تزول العام القادم 2022، ولا بعده بخمسة أعوام، أي 2027، وهذا الجزم ليس نبوءة ولا كهانة ولا توقعات شخصية، ولا كشفا للغيب، ولكنه الجزم الذي يفرضه السياق الراهن للمعطيات المحلية والإقليمية والدولية للقضية الفلسطينية، هذا السياق الذي لا يسمح بإلقاء إسرائيل في البحر أو بشق الأرض لابتلاع إسرائيل فيها، وذلك للأسباب الرئيسية التالية:

أولاً: فلسطينيا

  • لا يزال الانقسام هو المسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني داخلياً وخارجياً.
  • ما تزال السلطة الفلسطينية متعلقة بحبال الهواء الدولية والنصوص البالية لاتفاقيات لا يتعرف بها أحد سواها.
  • لا تزال الفصائل الفلسطينية تفتقد إلى مشروع تحرر وطني مشترك ذي أهداف قابلة للتحقيق في مدى زمني محدد.
  • لا تمتلك الفصائل الفلسطينية من القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، ما يمكنها من خوض معركة التحرير "الحِطّينية" التي تقضي على الكيان الصهيوني.
  • لا يزال الأداء السياسي الفلسطيني تنخره الخلافات والعنتريات، ويفتقد إلى الحنكة والحكمة اللازمتين للتعامل مع عدو بحجم دهاء وتفوق الكيان الصهيوني.

ثانياً: عربياً

  • انهيارات النظام العربي كبيرة جداً، وتحتاج إلى سنوات عديدة لإعادة بنائها.
  • الدول العربية تهيمن على معظمها الشمولية الاستبدادية القمعية، وتفتقد إلى الاستقرار الداخلي، مما يزيد من ارتهانها للدول الغربية، ويبقي أولوياتها منصرفة إلى الداخل.
  • انخراط عدد من الدول العربية في مشاريع إقليمية صهيونية غربية لإعادة بناء الشرق الأوسط.
  • تحول الكيان الصهيوني من عدو إلى صديق لدى عدد من الدول العربية، وانتفاء أسباب العداء ومحاربة الكيان الصهيوني لديها.

ثالثاً: دولياً

  • ما تزال الولايات المتحدة والدول الغربية ملتزمة التزاماً كاملاً بحماية دولة الكيان الصهيوني، ولن تسمح بزواله على النحو التي تشير إليه الشائعات والتنبؤات.
  • ما زالت الدول الغربية متحكمة بشكل كبير في الدول العربية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
  • ما زال النظام الدولي الراهن متماسكاً دون تغيير على مستوى القوى والمؤسسات المتحكمة التي تديره، وسيظل كذلك إلى حين حدوث متغيرات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو بيئية تؤدي إلى تدميره وبناء نظام جديد.

إذا سلمنا جدلاً بصحة التوقعات والتنبؤات التي تتحدث عن زوال دولة (إسرائيل) العام القادم، فإن هذا الأمر يتطلب تحركاً كبيراً للقيام بهذه الإزالة، على مختلف الأصعدة، والوقت المتبقي حتى نهاية العام القادم لا يتسع لذلك.

إن الفرصة الذهبية متاحة أمام الفلسطينيين الآن لإزالة دولة الكيان الصهيوني، وذلك عن طريق: حل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي، والعالم حالياً مستعد لمناصرة هذه الفكرة أكثر من أي وقت مضى، وهذه الفرصة تحتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، ولا يوجد في المدى المنظور أي فرص أخرى بديلة، والحديث عنها مجرد ضرب من الخيال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.