هل انتهى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا؟

محمد عبد الله لحبيب

خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم قتل فيه أربعة أشخاص وأصيب أكثر من 30 بمدينة مصراتة الليبية.

وكانت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) قد أكدت نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أنها قصفت معسكرا لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وأن القصف أدى إلى مقتل 17 من مقاتلي التنظيم.

وفي الفترة نفسها، أكد الصديق الصور مدير مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام الليبي أن مسلحي تنظيم الدولة كونوا جيشا في الصحراء يتألف من ثلاث كتائب على الأقل بعد أن فقدوا السيطرة على معقلهم في سرت العام الماضي.

هذه الأحداث وغيرها أعادت طرح السؤال: هل حقا انتهى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا؟

بداية مبكرة
بدأ تنظيم الدولة نشاطه في وقت مبكر بعد سقوط نظام معمر القذافي؛ فنشر دعاته في المدن الليبية، وما لبث أن أعلن عن نفسه في مدينة درنة الساحلية (1340 كلم شرق العاصمة)، في ربيع عام 2014 وبدأ في ترتيب قواته، وتشكيل هيكله الإداري.

كما بث دعاته في مدن ليبية مختلفة أبرزها بنغازي (1050 كلم شرق طرابلسوسرت (435 شرق طرابلس)، وبدأ السعي لتأسيس إمارات في مناطق مختلفة من ليبيا.

وبالتزامن مع الظهور البارز للتنظيم في مدينة درنة كانت مدينة سرت الساحلية تشهد حراكا مشابها، فقد انقسم جهاديو سرت بشأن الموقف من التنظيم، إلا أن الداعين إلى بيعة البغدادي كانوا أرجح كفة، فأعلنت سرت إمارة تابعة للدولة الإسلامية، وبدأت في استقبال الوافدين من مختلف مناطق العالم إلى الإمارة الجديدة التي مكن موقعها الاستراتيجي من استقبال المقاتلين من كل مناطق العالم، من البحر، والبر، عبر الصحراء الليبية التي تتصل بالصحراء الكبرى بأكثر من معبر حدودي، مع النيجر والجزائر، إضافة إلى تشاد والسودان.

تنظيم الدولة اعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد المقاتلين ونقلهم لليبيا (الجزيرة/أرشيف)
تنظيم الدولة اعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد المقاتلين ونقلهم لليبيا (الجزيرة/أرشيف)

وعلى الصعيد الاجتماعي مثلت سرت -التي تعد معقلا لمؤيدي القذافي- حاضنة للتنظيم الذي انضم إليه كثير من أنصار القذافي، وصرح أحمد قذاف الدم علنا بدعمه للتنظيم، وهو ابن عم القذافي وأحد رموز نظامه.

في الوقت نفسه مثلت ليبيا قبلة لقوافل الهجرة غير النظامية المتجهة نحو أوروبا، وهي القوافل التي تحدثت تقارير عدة عن استخدام تنظيم الدولة لها لاستقدام المقاتلين وتجنيدهم.

كما كشفت مراكز تدريب ومعسكرات للتنظيم في مدن ليبية أخرى مثل مدينة صبراتة بالغرب الليبي. هذا بالإضافة إلى قوة مقاتلة كانت تتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها، وخاضت الحرب في مرحلة من المراحل ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قبل أن تكشف تسجيلات مسربة انسحابها إلى سرت بالتنسيق مع قوات حفتر.

هيكلة التنظيم
كشفت تحقيقات لمكتب النائب العام الليبي عن الهيكلة الإدارية لتنظيم الدولة في ليبيا، وخطوط الهجرة التي استقبل عبرها مقاتليه.

وقالت المعلومات التي نشرها المكتب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن التنظيم اعتبر ليبيا ولاية تابعة للخلافة على رأسها والٍ عامٌّ تتبعه دواوين مركزية، وأمراء أقاليم.

ووفق الوثائق فقد قسم التنظيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، هي فزان وبرقة وطرابلس، كما هو التقسيم التقليدي لليبيا.

وتتبع لإقليم برقة إمارتا درنة وبنغازي، فيما تخضع لإمرة إقليم طرابلس إمارة سرت ومضافتان في مدينتي بني وليد، وصبراتة.

تسجيلات مسربة كشفت تنسيقا بين قوات حفتر وعناصر تنظيم الدولة أثناء انسحابها إلى سرت (رويترز)
تسجيلات مسربة كشفت تنسيقا بين قوات حفتر وعناصر تنظيم الدولة أثناء انسحابها إلى سرت (رويترز)

وتحدثت الوثائق عن استخدام مدن في الجنوب معابر لمهاجري التنظيم، كما تحدثت عن خليتين للتنظيم في كل من طرابلس ومصراتة (200 كلم شرق طرابلس).

وقد تشكلت في إمارتي درنة وسرت حكومتان لإدارة القطاعات الحكومية باسم دواوين الأمن والتعليم والصحة، إضافة إلى شؤون الجند والعدل والحسبة.

وتعاقب على الولاية العامة عراقيان هما: وسام الزبيدي ومعاذ التكريتي. وتولى إمارة سرت ودرنة على التوالي؛ عبد الكريم إدريس (سوادني) وأنس ربيعان، وهو سعودي من أصل يمني، وهما أهم إمارات التنظيم في ليبيا.

التجنيد
استخدم فرع التنظيم في ليبيا نفس أساليب التجنيد التي استخدمتها فروع التنظيم في مختلف المناطق؛ فقد كانت عناصر التجنيد تلقي بعض المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي ثم تتابع المتفاعلين معها، وتستمر معهم للتجنيد في وقت لاحق، كما استفادت من تدفق المهاجرين إلى ليبيا، وربطت صلات بمهاجرين غير قانونيين تحولوا لاحقا إلى مقاتلين في صفوف التنظيم.

وتشير تقديرات نشرتها صحيفة تلغراف في وقت سابق من هذا العام إلى أن مئات المهاجرين فقدوا في 2015، مضيفة أن المهاجرين تم استهدافهم في مخيمات اللاجئين في لبنان وتركيا، أو أثناء مرورهم من ليبيا.

وفي مدينة سرت، على سبيل المثال، فتح التنظيم مركزا للتوبة، ضم عبره عشرات من أبناء المدينة، خاصة من الذين كان لهم انتماء لنظام القذافي، وكذا من الناقمين على السلطات الليبية التي جاءت بعد الثورة.

كما استخدم التنظيم أساليب أخرى مثل ألعاب الفيديو التي طور بعضها لتناسب خطاب التنظيم، وتوفر ملاذا للتواصل بعيدا عن أعين أجهزة الاستخبارات العالمية.

وتؤكد وثائق النائب العام الليبي أن التنظيم استقبل مقاتلين من أكثر من 20 دولة منها 14 دولة عربية، من بينها السعودية والأردن ومصر والسودان، ودول المغرب العربي، إضافة إلى دول أفريقية، مثل مالي والسنغال والنيجر.

ويسلك المقاتلون المتوجهون إلى ليبيا مسارات متعددة، يأتي أغلبها من الجزائر والسودان ثم تونس، ويمر على الصحراء الليبية في طريقه إلى مراكز الإيواء (المضافات)، ومنها يتوجهون إلى المعسكرات للتدريب، ثم إلى جبهات القتال.

وقد قدرت تقارير أميركية منتصف العام 2016 عدد مقاتلي التنظيم في ليبيا بما بين 4000 و6000، إلا أن تقديرات محلية تشير إلى أن الرقم لا يتجاوز 3000 مقاتل.

هل هي النهاية؟
في نهاية العام الماضي أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج تحرير مدينة سرت من مقاتلي تنظيم الدولة، وختام معركة استمرت ثمانية أشهر خاضتها قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة الوفاق.

وكانت كتائب الثوار المنضوية تحت لواء مجلس شورى مجاهدي درنة قد أعلنت قبل ذلك في أبريل/نيسان 2016 إنهاء إمارة التنظيم في درنة وتحرير المدينة بالكامل.

وما زالت تقارير صحفية تتحدث عن وجود للتنظيم في مناطق مختلفة جنوب مدينة سرت، وقرب منابع النفط الليبي في الجفرة، إضافة إلى مناطق جبلية في محيط مدينة بني وليد.

المصدر : الجزيرة