الصحراء الكبرى.. ندرة الأمطار وتنوع الثروات

Militiaman from the Ansar Dine Islamic group approach a vehicle that had been involved in an accident in the desert of northeastern Mali, June 15, 2012. The U.N. Security Council on Monday declared its readiness to consider backing West African military intervention in Mali, where rebels and Islamist militants have seized control of much of the country, but said it needed more details on the plan. Picture taken June 15, 2012. REUTERS/Adama Diarra (MALI - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT RELIGION)
رغم أن الشائع عن الصحراء الكبرى أنها نطاق رملي صرف فإن النطاقات الرملية لا تمثل سوى 20% من مساحتها (رويترز)

"الصحراء الكبرى" صحراء قاحلة وجافة تمتد بين شمال ووسط قارة أفريقيا؛ تعد من كبريات صحارى العالم، وتعرف بارتفاع الحرارة إلى معدلات قياسية، وبالندرة والاضطراب في تساقط المطر، وتزخر الصحراء الكبرى بموارد معدنية بالغة الأهمية. تسكنها مجموعات ثقافية وعرقية كبرى هي: الزنوج والعرب والأمازيغ.

الموقع
تمتد الصحراء الكبرى من سواحل المحيط الأطلسي غربا إلى تخوم البحر الأحمر شرقا، أما حدودها من الجنوب إلى الشمال فهي خطا العرض 30 و35. طولها 4800 كلم وعرضها 1800، وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي تسعة ملايين ونصف مليون كيلومتر مربع.

تنتشر عبر 11 دولة أقصاها غربا السنغال وموريتانيا وأقصاها شرقا السودان وإثيوبيا، وإن كان بعض علماء الجغرافيا يعتبرون صحارى الجزيرة العربية جزءا من الصحراء الكبرى، لأوجه شبه كثيرة بين النطاقين في البنية الجيولوجية والمناخ والغطاء النباتي والحيواني.

المناخ
يعرف مناخ الصحراء الكبرى بندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وشدة الجفاف، فتساقطات المطر شديدة الاضطراب، وتتراوح في المعتاد بين 50 و150 مليمترا في السنة، وفي ضوء ذلك يرسم جغرافيون حدود الصحراء الكبرى وفق معدل التساقط، فتصنف المناطق ذات التساقطات الأهم شمالا ضمن النطاق المداري المتأثر بالمناخ المتوسطي، وفي الجنوب تضاف هذه المناطق لمنطقة المناخ السوداني.

وتوجد في الصحراء الكبرى منطقة الساحل الأفريقي التي تعد من أكثر مناطق العالم هشاشة اجتماعية بسبب الجفاف وندرة المياه وتقلب المناخ. وقد تدخلت منظمة الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية في عدة مناسبات لمواجهة نوبات الجفاف والمجاعة التي تواكبها، لما لها من تأثير مباشر على السكان الذين يعيش أغلبهم على الرعي والزراعة.

الجيولوجيا
تتكون الصحراء الكبرى أساسا من الأحراش والهضاب والأودية، وإن كانت الفكرة الشائعة عنها خطأ هي أنها نطاق رملي صرف. وفي الواقع، لا تمثل النطاقات الرملية أكثر من 20% من مساحتها، وأبرزها عرقان كبيران شرقي وغربي، فضلا عن بحيرات رملية شديدة النشاط والاضطراب، أهمها المجابات الكبرى الموجودة على التخوم بين موريتانيا ومالي وتمتد شمالا إلى الجزائر.

أما بقية جيولوجية المنطقة فتتألف من هضاب وسلاسل جبلية لا يتجاوز ارتفاع أعلى قمة فيها 3700 متر فوق مستوى البحر. وأشهر هذه النطاقات الجبلية سلسلة جبال الهكار في الجزائر، وتيسبتي في تشاد، وتينيري في النيجر التي تعد قلب الصحراء الكبرى نظرا إلى أن أعلى معدلات الحرارة وأدنى معدلات الأمطار تسجل فيها.

وأكثر من ذلك، فإن الطوارق -وهم من أقدم سكان المنطقة- أطلقوا كلمة "تينيري" (تعني الصحراء في لغتهم "تماشيغت") على هذه المنطقة، تعبيرا عن قساوتها وصعوبة الحياة فيها قياسا على جوارها من مناطق الصحراء الأخرى.

السكان
تُشير تقديرات 2015 إلى أن عدد سكان الصحراء يبلغ ثمانية ملايين نسمة، يتوزعون مناصفة بين الوسط الحضري والقروي (منهم أعداد هامة من الرحل)، ويوجد ثمنهم تقريبا في المنطقة المغاربية (جنوب الجزائر، جنوب المغرب، جنوب ليبيا، جنوب تونس، وشرق موريتانيا).

ومن الناحية العرقية، توجد في الصحراء الكبرى مجموعات بشرية متمايزة، وإن كانت أنماط عيشها متشابهة وتتوزع بين الترحال والتقري البدائي في معظمه، مع الاعتماد في كل الحالات على التنمية الحيوانية والزراعة، كما أن سكان الصحراء الكبرى في المجمل يُمكن تقسيمهم إلى مجموعات ثقافية وعرقية كبرى هي: الزنوج والعرب والأمازيغ.

وتشمل المجموعة الأولى عرقيات التبو، والفلان (البّول)، والسونغاي، والبمبارا، أما المجموعة العربية فأغلبها قبائل بني حسان وبني معقل وبني هلال في الجزء الغربي والأوسط، فضلا عن مجموعات عربية أخرى تقطن تشاد والنيجر والسودان.

أما المجموعة الأمازيغية فتوجد كثافتها الأهم في جنوب الجزائر والمغرب، مع حضورٍ متميز في شمال مالي والنيجر وجنوب الجزائر وليبيا، من خلال مجموعات الطوارق بمختلف تفرعاتها.

وقد رأى الباحث والمستكشف الفرنسي تيودور مونو أن الصحراء الكبرى تتشكل من ثلاثة فضاءات اجتماعية وثقافية، تتمايزُ حسب طريقة شد الرحال على الإبل (harnachement chamelier).

ووفق هذا التصنيف؛ فإن الفضاء الأول يشمل منطقة القرن الأفريقي والحبشة والسودان وجنوب مصر وشمال تشاد، في حين يشمل الفضاء الثاني بالأساس قبائل التبو والطوارق، ويقتصر الفضاء الثالث على مجموعات بني حسان أو ما يُسميه الباحث مونو "فضاء الراحلة".

ثروات وتحديات
تزخر الصحراء الكبرى بموارد معدنية بالغة الأهمية، منها البترول (وأهم حقوله في ليبيا والجزائر وتشاد)، والمنغنيز والنحاس والحديد (أكبر منتِج له في المنطقة موريتانيا)، واليورانيوم (أبرز مناجمه في النيجر). كما تتوافر هذه الصحراء على ثروات حيوانية هائلة تُقدر بعشرات الملايين من رؤوس الإبل والأبقار والأغنام.

ورغم هذه الثروات المتنوعة، فإن دول الصحراء الكبرى تعاني من تحديات كبيرة في قطاعات التنمية المختلفة، بسبب شيوع الفساد الإداري والمالي، وضعف خطط الاستثمار، واختلال آليات توزيع عوائد الموجود منه، إضافة إلى التمزق المجتمعي والاضطراب السياسي والنزاعات والحروب الأهلية.

المصدر : الجزيرة