تفاقم أزمة الاقتصاد التونسي.. لماذا؟

صورة 1: تدهور القوة الشرائية للتونسيي بسبب ضعف الدينار/العاصمة تونس/فبراير/شباط 2018
تدهور القوة الشرائية للتونسيين بسبب ضعف الدينار (الجزيرة)
خميس بن بريك-تونس

حذّر وزراء مالية سابقون من عواقب وخيمة تهدد بخلخلة الاقتصاد التونسي المترنح أصلا جراء الانخفاض الحاد في مخزون العملة الصعبة الذي تدحرج إلى مستويات حرجة للمرة الأولى منذ 15 عاما، في حين تستعد الحكومة لمزيد من التداين الخارجي لتعبئة رصيدها.

وكشفت بيانات البنك المركزي التونسي أن احتياطي العملة الأجنبية بلغ 11.868 مليار دينار (خمسة مليارات دولار) في السادس من فبراير/شباط الجاري.

ولا تكفي هذه المدخرات سوى لتوريد 84 يوما، بينما كان رصيد العملة الصعبة يغطي على الأقل 101 يوم في الفترة نفسها العام الماضي.

وتقف وراء هبوط العملة الصعبة أسباب عديدة؛ أبرزها ارتفاع عجز الميزان التجاري البالغ العام الماضي 15.6 مليار دينار (6.5 مليارات دولار)، والناتج عن تراجع الصادرات التونسية، خاصة في قطاع الطاقة، مقابل ارتفاع الواردات، بحسب وزير المالية الأسبق إلياس فخفاخ.

تضرر التصدير
وشهدت صادرات بعض منتجات الطاقة -مثل الفوسفات- تراجعا قياسيا عقب سبع سنوات من الثورة جراء استمرار حالة الاحتقان والإضرابات المعطلة للإنتاج، لا سيما في منطقة الحوض المنجمي بالجنوب التونسي، الذي كان أحد أهم مداخيل العملة الصعبة.

وبينما بلغ إنتاج الفوسفات التونسي سنة 2010 نحو ثمانية ملايين طن، انهار الإنتاج العام الماضي بسبب الإضرابات المستمرة لأقل من النصف.

وخسرت تونس أسواقا خارجية بسبب عدم إيفائها بتعهداتها بتصدير الفوسفات نتيجة إضرابات يشنها مضربون عن العمل في تلك المنطقة.

وهذا الأمر ينطبق على إنتاج النفط، إذ شهدت البلاد العام الماضي احتجاجات عطلت إنتاج البترول.

‪حسين الديماسي: الوضع سيزداد قتامة مع تدهور مدخرات تونس‬  (الجزيرة)
‪حسين الديماسي: الوضع سيزداد قتامة مع تدهور مدخرات تونس‬  (الجزيرة)

ويبلغ معدل الإنتاج اليومي للنفط 45 ألف برميل، لكنه لا يغطي إلا نصف حاجة البلاد، التي اضطرت العام الماضي لاستهلاك أربعة مليارات دولار لتغطية وارداتها من المحروقات.

لكن حتى الإجراءات التحفظية المتخذة قبل نهاية العام الماضي من البنك المركزي التونسي، والمتمثلة في وقف إقراض الموردين لتمويل واردات عدد من السلع الاستهلاكية، لم تجد نفعا للحد من تفاقم العجز التجاري وانخفاض مخزون العملة وتدهور قيمة الدينار، بحسب فخفاخ.

تعويم الدينار
وهذه الأزمة المتلبدة في سماء الاقتصاد التونسي يرجع فخفاخ أسبابها أيضا إلى السياسة الحكومية لتعويم الدينار طبقا لتعليمات صندوق النقد الدولي أبرز ممولي الدولة التونسية، إذ طالب من البنك المركزي بألا يتدخل للحد من انزلاق الدينار بوقف ضخ العملة الصعبة في السوق.

وترك قاعدة العرض والطلب تتحكم وحدها في السوق ليأخذ الدينار قيمته الحقيقية المتدنية أمام الدولار واليورو لها "عواقب وخيمة" على الاقتصاد؛ لأنه "سيكون مكلفا جدا في إرجاع الديون الخارجية وفي توريد المواد الأولية، وهذا يزيد نسبة التضخم المستورد ويضعف الاستثمار.

من جانبه، يرى وزير المالية الأسبق حسين الديماسي أن الوضع الاقتصادي سيزداد قتامة مع تدهور مدخرات البلاد من العملة الصعبة بسبب تفاقم عجز الميزان التجاري وتراجع قيمة الصادرات مقابل الارتفاع المهول في استيراد المحروقات ومختلف السلع الاستهلاكية، وفق رأيه.

ولفهم أسباب تراجع الصادرات، يوضح أن هبوط قيمة الدينار التونسي تسبب في تضخم كلفة الإنتاج جراء ارتفاع أسعار المواد الأولية والتجهيزات بالأسواق العالمية، وهذا ما دفع عددا من الشركات المصدرة لتنشط فقط في مجال التوريد في ظل الزيادات في الأجور والضرائب وغيرهما.

‪وزير المالية رضا شلغوم: نحن مضطرون للاقتراض من الخارج‬ (الجزيرة)
‪وزير المالية رضا شلغوم: نحن مضطرون للاقتراض من الخارج‬ (الجزيرة)

تداعيات وحلول
وبغض النظر عن تراجع الصادرات، يرى أن تراجع عائدات القطاع السياحي وتحويلات المغتربين التونسيين وانخفاض الاستثمارات الخارجية كان لها سبب مباشر في تدحرج مخزون العملة الصعبة إلى مستويات قياسية ستجعل الاقتصاد المنهك يواجه صعوبات قاسية.

ومن أخطر تداعيات هبوط مدخرات العملة الصعبة استمرار انخفاض قيمة الدينار المتلاشية وارتفاع حجم التضخم وتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار واردات المواد الأولية، إضافة إلى المصاعب المتعلقة بسداد تونس ديونها أو توريدها المحروقات أو المواد الأساسية.

وعن الحلول المقترحة من الجانب الحكومي لهذه المعضلة، قال وزير المالية التونسي رضا شلغوم أمس أمام البرلمان إن تونس ستعمل على المزيد من تعبئة تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج، ودفع مقومات جذب الاستثمار الأجنبي وتنمية عائدات السياحة وتحقيق الأمن بالبلاد.

لكنه أقر بأن الحكومة ستكون مضطرة للاقتراض من الخارج من أجل تعبئة مخزونها من العملة الصعبة لتسديد ديونها وتسهيل عملية توريد المواد الأولية والمواد الأساسية التي تحتاجها المؤسسات والمواطنين، علما بأن نسبة الاقتراض الخارجي ارتفع بعد الثورة إلى 65%.

وتسعى الحكومة التونسية إلى اقتراض عشرة مليارات دولار (3.8 مليارات دولار) لتعبئة موارد الموازنة الجديدة، أكثر من نصفها سيتأتى من الديون الخارجية.

وصادق البرلمان التونسي أمس الأربعاء على إصدار قرض بقيمة 850 مليون يورو (مليار دولار) في السوق المالية الدولية. 

المصدر : الجزيرة