البارزاني.. قفزة النهاية التي كسرت "حلم الدولة"

epa05916966 President of the Iraqi Kurdistan Region, Masoud Barzani looks on during a joint press conference with German Foreign Minister Sigmar Gabriel (not pictured), following their meeting in Erbil, the capital of the Kurdistan region of northern Iraq, 20 April 2017. Gabriel was in Baghdad on 19 April where he also had meetings with Iraqi officials before visiting Erbil to meet Kurdistan Region officials including President Masoud Barzani. EPA/GAILAN HAJI
البارزاني أراد أن تكون نهايته بإقامة الدولة الكردية لكنها جاءت بانكماش إقليم كردستان العراق وتقلص صلاحياته (الأوروبية)
محمد النجار-الجزيرة نت

في آخر غزواته كتب الرئيس الأول لإقليم كردستان العراق نهايته، فمسعود البارزاني الذي يوصف بأنه واحد من "دهاة السياسة" في التاريخ الكردي، كتب الفصل الأخير من حياته السياسية بهزيمة كانت مؤلمة لأنها جاءت من بوابة حلم إقامة دولة كردستان.
والبارزاني سليل عائلة واجهت  الحكومات المتعاقبة في بغداد منذ قيام العراق المعاصر، فعمه الأكبر أحمد البارزاني تمرد على سلطة الملك فيصل الأول عام 1930، ووالده الملا مصطفى البارزاني واصل بعد ذلك قيادة عشيرة البارزانيين الكبيرة في نفس الطريق، وأصبح أحد مؤسسي دولة مهاباد في إيران ووزير دفاعها عام 1946، وهناك في تلك الجمهورية الكردية اليتيمة التي دامت 11 شهرا فقط وفي نفس ذلك العام، ولد مسعود البارزاني .
 
وفي التاريخ الكردي يشار للبارزاني بأنه أحد آباء مشروع الحكم الذاتي الذي حصل عليه إقليم كردستان من العراق عام 1970.
خبر البارزاني السياسة وتقلباتها منذ طفولته التي عاشها في جنوب العراق منفيا وبعيدا عن والده الذي كان قد فر للاتحاد السوفياتي بعد انهيار دولة مهاباد، وانتقل البارزاني الابن وعمره 12 عاما للعيش في بغداد بعد سقوط الحكم الملكي عام 1958، وهناك وفي ذلك العام التقى والده للمرة الأولى في حياته بعد أن سمح رئيس الوزراء العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بعودة البارزاني الأب للبلاد.
وقاد البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد وفاة والده عام 1979، وعرف مع زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني كأحد رأسين يقودان الأكراد العراقيين بعد حرب عام 1991.

الرئيس الأول والأخير

وانتخب البارزاني كأول رئيس لإقليم كردستان عام 2005، وأعيد انتخابه عام 2009، وقرر برلمان الإقليم التمديد له عام 2013 لمدة عامين، وظل الرجل في منصبه عامين آخرين لتعذر إجراء الانتخابات في ظل استعار الحرب في العراق مع تنظيم الدولة.
وبدلا من أن يقود الأكراد نحو الاستقلال وإقامة الدولة، انتهى مشهد الاستفتاء الذي أجري نهاية الشهر الماضي بسلسلة من الانهيارات التي ضربت الحلم الكردي، وحولت صورة الرجل من "بطل الاستقلال" إلى موضع جدل بين الأكراد الذين بات الكثيرون منهم يحملونه مسؤولية "مغامرة الانفصال".
وتحول مشهد الاحتفال الذي عم مدن كردستان العراق، والمناطق التي كانت البشمركة قد سيطرت عليها منذ عام 2014، وأبرزها محافظة كركوك التي تصفها كتابات كردية بأنها "قدس الأكراد" إلى مشهد المركبات التي حملت عشرات الآلاف من الأكراد الذين غادروا هذه المناطق نحو الإقليم، بعد أن انسحبت البشمركة منها أمام تقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي.
 
وفي عودتهم نحو كركوك، كانت الصور والعبر لدى الأكراد تلخص في بعضها صورة البارزاني.
 
وتلخص كردية تحدثت للجزيرة هذه الصورة، حيث قالت أثناء عودتها مع عائلتها من السليمانية لكركوك بعد انسحاب الحشد الشعبي "أقول لمسعود البارزاني، انظر إلى نتيجة تهديداتك والاستفتاء الذي عارضه الجميع، وقالوا لا تفعل، وهذه النتيجة: الفرار وخراب البيوت والقتل وعشرات الشهداء بين صفوف البشمركة والحشد، من سيعوضهم؟ هذه ليست المرة الأولى التي يخسر فيها الكرد ولا نتعظ من أخطاء الماضي".

فيتو عراقي
وعلى الرغم من أن الرجل كان قد أعلن أنه لن يترشح هو أو أي من أفراد عائلته لانتخابات رئاسة الإقليم بعد انتهاء ولايته المقررة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني فإنه أراد أن يختم حياته السياسية بقفزة سياسية تخلده أبا للدولة الكردية التي طالما حلم بها الأكراد.

 
لكن مصادر سياسية ترى أن هناك "فيتو" عراقيا مدعوما بموقف من تركيا وإيران على بقاء البارزاني، وأن بغداد وضعت شرطا غير معلن يقضي بضرورة رحيل البارزاني عن السلطة وحل رئاسة الإقليم ضمن شروطها للتطبيع.
وتشير المصادر إلى أن بغداد ترى أن تشكيل الأقاليم بالعراق لا يعني أن يكون هناك نظام رئاسي بالإقليم ويترأسه رئيس وله صلاحيات تقترب كثيرا من صلاحيات رئيس دولة، بل يكون الأمر مقتصرا على حكومة محلية، وهو ما يؤشر إلى أن بغداد ماضية في إعادة هيكلة العلاقة التي ستؤثر على أسلوب الحكم في كردستان العراق.
 
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنه لن يقبل أن تستمر العلاقة بين بغداد وأربيل وكأنها علاقة دولة مع دولة أخرى، كما كانت بالماضي.
 
وبينما كان ذلك الإقليم يتمدد بالمناطق العراقية، ويمتلك مطارات ومنافذ مباشرة مع دول الجوار، ويعيش استقرارا أمنيا وازدهارا اقتصاديا جعلته بمثابة الجنة وسط عراق يحترق، يتراجع كل ذلك إلى حدود سلطة الحكم الذاتي قبل عام 2003، وليتحول البارزاني لمجرد سياسي كردي يسجل اسمه في سجل القيادات الكردية التي غامرت يوما بمستقبل الشعب الكردي.
المصدر : الجزيرة