شعار قسم ميدان

ما بعد مؤتمر الحزب الشيوعي.. كيف ستتغير سياسة الصين الخارجية خلال ولاية شي الثالثة؟

مقدمة الترجمة:

كما توقع الجميع منذ أشهر، وافق الحزب الشيوعي الصينى على إجراء تعديلات على ميثاقه، تهدف إلى ترسيخ المكانة الجوهرية للرئيس شي جين بينغ و"الدور الإرشادي لفكره السياسي"، وذلك خلال المؤتمر العام العشرين للحزب الذي انتهى للتو وشهد انتخابات لجنة مركزية جديدة ضمت مقربين من الرئيس شي، ما يمهد الطريق لانتخابه لفترة رئاسية ثالثة بمجرد انعقاد اللجنة الجديدة.

ولن تكون هذه الخطوة سوى البداية لمزيد من سياسات الصين الخارجية الجريئة والحازمة. وهذه السياسات المتوقعة هي ما تناقشه يون سون، الزميلة البارزة والمديرة المشاركة لبرنامج شرق آسيا، ومديرة برنامج الصين في مركز "ستيمسون" الأميركي للأبحاث، في تحليلها المنشور في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.

نص الترجمة:

انتهى للتو المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الحاكم، وبات الرئيس الصيني "شي جين بينغ" على أعتاب فترة رئاسية ثالثة تماما كما أراد. ويُمثِّل ذلك خروجا عما عهدت به الصين منذ حدَّد رئيسها السابق "دِنغ شياو بينغ" مدة تولي الرئاسة بفترتين رئاسيتين فقط في دستور عام 1982، وهي المدة التي حُذِفت من الدستور عام 2018. ومن المتوقع أن يمدد "شي"، الذي تولى الحكم عام 2013 ويبلغ من العمر حاليا 69 عاما، فترة رئاسته حتى عام 2030 وربما إلى ما بعد ذلك.

في محاولة لتقليل عزلتها، عزَّزت بكين اصطفافها الإستراتيجي مع موسكو، فقد أعلن "شي" و"بوتين" تعاونا "غير محدود" بين بلديهما. (الأوروبية)

يترسخ حكم "شي" في الوقت الذي تواجه فيه إدارته رياحا قوية معاكسة في الداخل والخارج على حدٍّ سواء. فقد أثارت سياسة "صفر كوفيد" في الصين، المتمثلة في القضاء تماما على فيروس "كوفيد-19" والوصول بعدد الحالات إلى الصفر، تباطؤا اقتصاديا واستياء شعبيا. كما تشتد حِدَّة خصومة الصين مع الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، ناهيك بأن اصطفاف "شي" دوليًّا مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" تسبَّب في مشكلات لم تحسب الصين حسابها (لا سيما مع اشتداد العقوبات على موسكو وإخفاقاتها العسكرية في أوكرانيا)*. وفي خضم هذه الظروف، سيكون من المنطقي الاعتقاد بأن الزعيم الصيني سيُعيد ترتيب أوراقه حالما يطمئن على مستقبله السياسي. بيد أن هؤلاء الذين يعتقدون أن "شي" سيجعل سياساته بعد المؤتمر الوطني العام العشرين معتدلة يُحتمَل أن يصابوا بالإحباط في الأخير.

 

لم تترك شخصية "شي" وقناعاته السياسية مجالا لإعادة النظر في رؤيته للبلاد، التي وصفها بـ"الحلم الصيني"، حيث يرى أن الحزب الشيوعي يقود صعود الصين من جديد باعتبارها قوة عظمى. وقد أظهر "شي" أمارات ضبط النفس منذ استضافت بكين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير/شباط الماضي، فمنح الأولوية للاستقرار على اتخاذ خطوات جريئة قد تُعرقل أجندته في المؤتمر الوطني، بيد أن إحباطه بسبب وضع الصين الإستراتيجي ومشكلاتها الداخلية يتزايد باستمرار. وحينما يزول الضغط السياسي عقب المؤتمر الوطني العام للحزب، يبدو راجحا أن "شي" سيكون على أهبة الاستعداد لإحياء سياسته الخارجية الحازمة، والتدخُّل بشكل مباشر أكثر في النزاعات المتاخمة للصين، والدفع بقوة أكبر ضد وجود الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

أمَّلت بكين في أن تهدأ المنافسة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس "جو بايدن"، لكنها تفاقمت بدلا عن ذلك. (رويترز)

حتى الآن، لم يكن عام 2022 في صالح الصين. فقد أمَّلت بكين في أن تهدأ المنافسة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس "جو بايدن"، لكنها تفاقمت بدلا عن ذلك. وفي محاولة لتقليل عزلتها، عزَّزت بكين اصطفافها الإستراتيجي مع موسكو، فقد أعلن "شي" و"بوتين" تعاونا "غير محدود" بين بلديهما خلال زيارة بوتين إلى الصين في الألعاب الأولمبية الشتوية. وبينما أثارت الحرب الروسية الغضب والعقوبات على الصعيد الدولي، فإنها عقَّدت علاقات الصين الخارجية، وألقت بظلال الشك على حكمة "شي" في قراره تعزيز الاصطفاف مع روسيا. وقد اجتاحت وجهات النظر المتشككة في سياسة الصين تجاه روسيا مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وفي أحد المنشورات التي تمت مشاركتها على نطاق واسع شكَّك "هو واي"، باحث كبير على صلة بمكتب مستشاري مجلس الدولة، في أن "الصين تُقيِّد نفسها بروسيا"، فيما توقَّع "جاو يوشينغ"، السفير الصيني السابق في أوكرانيا، أن "بوتين سيفشل لا محالة" في جهوده الحربية.

 

لقد شكَّلت سياسة "صفر كوفيد" الصينية مع تمديد قيود الإغلاق في شانغهاي وغيرها من المدن خلال ربيع العام الجاري مصدرا آخرا للاستياء المحلي. وتكهَّن بعض المراقبين الصينيين بأن سياسة "صفر كوفيد" صُمِّمَت لعرقلة قاعدة نفوذ "جماعة شانغهاي" -جماعة من مسؤولي الحزب الذين حصدوا نفوذا في عهد الرئيس السابق "جيانغ زِمين"- بعدما انتهج مسؤولو شانغهاي نهجا أكثر انفتاحا مما فضَّله "شي" في إدارة الجائحة والتنمية الاقتصادية. وتُعَدُّ الخسائر الناجمة عن القيود المفروضة جراء الجائحة هائلة على صعيدَيْ المأساة الإنسانية والتكلفة الاقتصادية، حيث انكمش ناتج شانغهاي المحلي الإجمالي بنسبة 5.7% في النصف الأول من العام الجاري.

(رويترز)

قد لا يكون الجدل حول روسيا وسياسات إدارة الجائحة أمورا كافية لتحدي حكم "شي"، لكن توقيتها غير مواتٍ له تماما. فبينما يعكف الرجل على الدخول إلى ولاية ثالثة غير مسبوقة منذ عقود، ويُبشِّر بنموذج جديد للحكومة والسياسة في الصين؛ يتطلب الخروج عن تقليد راسخ رصيدا سياسيا كبيرا، حتى بالنسبة لزعيم قوي مثل "شي". وفي النظام الصيني القائم على الكفاءة والجدارة، فإن أي تغيير يحتاج إلى تسويغ رصين، ولذا يجب على "شي" أن يُظهِر لنخبة حزبه حكمته وقدراته على اتخاذ القرار، وهو بحاجة إلى نجاحات ملموسة لتدعيم ما يدَّعيه.

 

 السياسة الخارجية الجديدة للصين

تجنَّب "شي" أيَّ مبادرات كبرى في سياسته الخارجية كان من شأنها تسريع وتيرة التوترات مع جيران الصين وخصومها على مدار العام الجاري. والأهم من ذلك أنه لم يرد توريط الصين في نزاع قد يُضعِف موقفه في المعارك السياسية المحلية التي تتصدر قائمة أولوياته. ولا يعني ذلك أن الصين لن ترُد في حال تهديد مصالحها، وإن جاءت الردود الصينية على ما اعتبرته أعمالا استفزازية مثل تعزيز الولايات المتحدة مساعداتها لتايوان ردودا معتدلة نسبيا حتى الآن هذا العام. وكما توقَّع كثيرون، لم تؤدِّ زيارة "نانسي بيلوسي" إلى تايوان مؤخرا إلى أي هجوم صيني على الجزيرة. الصين إذن تعتبر الاستقرار أولويتها القصوى، على الأقل حتى ينتهي مؤتمر الحزب الشيوعي، و(عملية التمديد للرئيس)*.

 

ظهر هذا الاعتدال وضبط النفس في تعامل الصين مع المشكلات القائمة على حدودها. فمثلا، منذ عام 2020، عقدت الصين والهند 16 جولة من المحادثات بشأن نزاعهما الحدودي. ورغم أن المحادثات لم تحرز سوى القليل من التقدم الملموس، فإن الصين سعت سعيا حثيثا لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع الهند في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. كما رفضت الصين أيضا اتخاذ موقف واضح بشأن حرب روسيا في أوكرانيا، أما مساعداتها الاقتصادية والعسكرية لروسيا فظهرت هزيلة على نحو مفاجئ. وقد دافعت الصين عن تحركات روسيا، متهمة الناتو بالاعتداء على روسيا، لكن خوف بكين من العقوبات الأميركية وتعرُّض العلاقات الأميركية-الصينية إلى مزيد من الاضطراب؛ جعلها معتدلة في سياساتها. ونتيجة ذلك، تذمَّرت روسيا علنا للمسؤولين الصينيين من أن بلادهم لم تفِ بدورها في الشراكة الثنائية بين البلدين.

غالبا ما يتسم موسم الانتخابات في البلدان الديمقراطية بالخطابات الدعائية السامية وإعادة تعريف المواقف السياسية، وإطلاق المرشحين وعودا قد يوفون بها أو لا بمجرد تسلمهم المنصب. أما في الصين فتجري الصراعات على السلطة السياسية والفوز فيها داخل أروقة الحزب الشيوعي الصيني. وبالنسبة إلى "شي"، فإن الاستقرار مفيد حالما تنتهي مجريات هذه المنافسة. بيد أن المنطق نفسه لن يستمر بعد ضمان بقائه لفترة رئاسية ثالثة، حيث افترض بعض المراقبين أن "شي" سيُعدِّل سياسته الخارجية بعد المؤتمر الوطني لأنه لن يكون بحاجة إلى إثبات قوته لنخبة الحزب حينئذ. وهذا في الحقيقة سوء فهم جسيم.

 

لربما لن تتطلَّب السياسات الداخلية بعد المؤتمر من "شي" أن يبدو صارما، لكن رغبته في الإبقاء على هذه الصورة ورؤيته الطموحة للبلاد لن تتغير. وستظل بكين تتحرَّك تبعا لقناعات "شي"، الذي يؤمن بنفوذ الصين المتنامي، وبحماية المكانة التي تستحقها بلاده في النظام العالمي، بل والأكثر من ذلك أن "شي" سيكون مستعدا لإظهار القوة الصينية على نحو أقوى وأشد بعد أن تضع دراما السياسة الداخلية أوزارها، ويتحرَّر الرجل من قيوده الداخلية الحالية، ويزيد من أنشطة بلاده الخارجية لإسدال الستار تماما على مواقف 2022 المُحرجة بالنسبة له.

 

حالما تتأكَّد فترة "شي" الرئاسية الثالثة، سيتمكَّن الرجل من موقعه الجديد بوصفه قائدا دون منازع من الإقدام على تلك السياسات الجديدة دون معارضة تُذكَر داخل الحكومة الصينية. فقد خفتت الآراء المعارضة، لكنها ما زالت موجودة داخل النظام، وإن كان نجاح "شي" في تولي الحكم مدى الحياة كما يبدو، وتعيينه الموالين له في المناصب العليا، سيقضي على هذه الأصوات المعارضة. ومن ثمَّ، سيزداد تأثير النغمة الواحدة التي تصنع من خلالها الصين سياستها الخارجية دون إصغاء للأصوات المعارضة، وستتضخَّم أصوات الأجهزة الأمنية والدعايات الرسمية. وفي ظل عدم وجود تاريخ مُحدَّد لنهاية حكم "شي"؛ لن يكون لدى منتقديه سوى قليل من القنوات الرسمية وغير الرسمية التي يمكنهم من خلالها التعبير عن آرائهم أو آمالهم في تغيير القيادة.

حتى في ظل وجود بعض المسؤولين الصينيين الذين يرغبون في تخفيف حِدَّة السياسة الخارجية الحازمة التي تنتهجها بكين؛ قد لا تتيح التطورات الإقليمية هذا الخيار أمام "شي". فقد تسبَّبت المنافسة المتزايدة مع الولايات المتحدة في الدوران داخل حلقة مفرغة، حيث تعزيز واشنطن تحالفاتها وشراكاتها لمواجهة الدور المتنامي للصين، بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. أما في الصين، فقد جرت تعبئة كاملة لماكينة الدعاية المضادة للولايات المتحدة، مما خلَّف بيئة شديدة الحساسية قد تجعل أي تحرك من جانب واشنطن يُفضي إلى استثارة جيل جديد من ممثلي الصين في الخارج ممن يتسمون بالمواقف الأكثر تشددا، ومن ثم انزلاقهم نحو نوبة من رد الفعل المتعصب المبالغ فيه. وثمَّة حافز قوي في الداخل لاتباع الصين هذا النهج، فرغم أن الحكومة الصينية الاستبدادية لديها سطوة كافية على الرأي العام لتهدئته إذا ما اختارت فعل ذلك، فإنها تجد نفسها -حتى الآن- أكثر استفادة من إشعال جذوة القومية في خضم محاولاتها للضغط على الحكومات الأجنبية والدفع بأهداف سياساتها.

 

 "شي جين بينغ" ينطلق

حالما ينتهي "شي" من المؤتمر الوطني للحزب (وعملية إعادة انتخابه)*، سيسعى إلى إعادة ترسيخ القوة الصينية في مجالات ذات أولوية إستراتيجية بالنسبة لبلاده، وستتصدر النزاعات في غرب المحيط الهادئ قائمة الأولويات. إن التوترات تتصاعد بالفعل في محيط شبه جزيرة كوريا، كما أن شن كوريا الشمالية لعملها الاستفزازي التالي مسألة وقت، علاوة على نية واشنطن وسيول تعزيز أنظمتهم الرادعة ضد بيونغ يانغ. وفي نظر بكين، تقوِّض هذه التطورات نفوذ الصين الإقليمي وأمنها العسكري، أضف إلى ذلك أن التركيز على الردع من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يقلل من حافز الانخراط في الحوار الدبلوماسي مع كوريا الشمالية، وهو مسعى يعزز نفوذ الصين.

 

بينما تعزز واشنطن وسيول قدراتهما العسكرية في شبه جزيرة كوريا؛ ستنخرط بكين في عمل مماثل لإحداث التوازن المطلوب، وستنشر قواتها في نطاق الأراضي الصينية، وترفع من دعمها وتنسيقها مع بيونغ يانغ. وقد استنكر العديد من الخبراء الصينيين في الشأن الكوري جهود حكومة "يون" الكورية الجنوبية للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وتشكيل ثقل مضاد للصين، واصفين هذه الجهود بأنها سوء تقدير إستراتيجي خطير، في حين تكهَّن البعض بوقوع مناوشات عسكرية في البحر بين الصين وكوريا الجنوبية في الأشهر المقبلة. وثمَّة نمط مشابه يحدث بين الصين واليابان، حيث تعزز طوكيو إمكانياتها لمواجهة الجيش الصيني وأساليبه شبه العسكرية، مثل تنفيذ اختراقات باستخدام الطائرات المقاتلة والسفن الحربية وسفن الصيد داخل المجال الجوي والبحري لمحيط جزر "دياويو" (سِنكاكو) المتنازع عليها بين البلدين.

بيد أن مثار القلق الأكبر هو خطط بكين حيال تايوان، فما انفك غضب القادة الصينيين يزداد بسبب تصرفات واشنطن التي يرونها تفريغا لسياسة "الصين واحدة" من معناها (وهي سياسة تتبعها واشنطن وتقر فيها بأن تايوان جزء من الصين وإن لم تعترف بذلك رسميا)، وكذلك بسبب التحركات التايوانية التي يرى فيها القادة الصينيون خطوات نحو الاستقلال (بدلا من الاندماج التدريجي مع الصين). وقد اتخذت الصين أيضا سلسلة من الخطوات القانونية خلال السنوات القليلة الماضية لدفع مطالب بكين بحقوقها في مضيق تايوان. ومنذ عام 2020، أنكرت الحكومة الصينية رسميا وجود الخط الوسط، الذي طالما اعتُرِف به ضمنيا باعتباره الحد البحري الفاصل بين بر الصين الرئيسي وتايوان. وفي يونيو/حزيران الماضي، ذهبت الصين إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث ادَّعت أن المضيق لا يمكن اعتباره مياها دولية. وفيما بعد، قد تتخذ الصين خطوات عملية لتنفيذ هذا الادعاء -مثل إدارة المضيق باعتباره منطقة اقتصادية خالصة تابعة لها- سعيا منها لعزل القوات الأميركية في الممر المائي في نهاية المطاف، مما يزيد من صعوبة تدخل الولايات المتحدة في صراع محتمل على تايوان (خاصة قرر الحزب الشيوعي أن يدرج لأول مرة إشارة في ميثاقه تؤكد "معارضة" بكين لاستقلال تايوان خلال المؤتمر الأخير الذي انتهى للتو).*

 

من المرجح أن تصبح المنطقة بأسرها أكثر توترا بعد المؤتمر العام العشرين للحزب الشيوعي. وقد تلكَّأت الصين في المفاوضات مع دول جنوب شرق آسيا بشأن إعلان وثيقة لقواعد التحرُّك في بحر الصين الجنوبي، التي من شأنها إرساء قواعد للنشاط البحري وآلية لتسوية النزاعات من أجل تطبيق هذه القواعد. وفي الوقت الحالي، تُزوِّد بكين ثلاث جزر اصطناعية على الأقل بطائرات عسكرية، وأنظمة صواريخ مضادة للسفن وللطائرات، بالإضافة إلى تكنولوجيا الليزر والتشويش. ومن المرجح أن تزداد معارضة الجيش الصيني لقيام الولايات المتحدة بعمليات ملاحة حرة في فترة "شي" الرئاسية الثالثة. وقد قامت الصين بالفعل هذا العام بالعديد من الاعتراضات الجوية والبحرية للطائرات والسفن الأميركية، مما أثار القلق بين المسؤولين في الجيش الأميركي.

من المرجح أن تزداد معارضة الجيش الصيني لقيام الولايات المتحدة بعمليات ملاحة حرة في فترة "شي" الرئاسية الثالثة. (رويترز)

يُعَدُّ التوقع بأن يعرقل التباطؤ الاقتصادي الصيني طموح "شي" أو يخفف من حِدَّة أساليبه ضربا من التمني، إذ يُظهر تاريخ الرجل بأنه لا يعتبر الأداء الاقتصادي مصدر شرعيته الأساسي -انظر مثلا إلى التزامه الصارم بسياسة "صفر كوفيد" رغم كلفتها الاقتصادية الهائلة-، بل إن تحركاته مبنية على اعتقاد بأن الصين جمعت ما يكفي من الثروة لجعل استعراض القوة أمرا يستحق كلفته الاقتصادية.

 

صمدت الصين لأكثر من عامين من العزلة التي فرضتها على نفسها بسبب كوفيد. وخلال عام 2022، بدت سياسة الصين الخارجية معتدلة نسبيا بالمقارنة مع ما كان يمكن أن تبدو عليه. ولكن بعد المؤتمر العام العشرين للحزب الشيوعي، ستنفتح الصين تدريجيا على العالم مجددا، ولا شك في أن العودة إلى الوضع العادي، على صعيد البورصة والتجارة والسفر، سيلقى ترحيبا حارا. بيد أن الوجه الآخر المُظلِم لهذه العملية هو استئناف -وربما تصعيد- سياسة الصين الخارجية الحازمة. فبعد أن ينتهي شي من مغامراته الداخلية وينجح في تعزيز سلطانه، فإنه سيمتلك الفرصة الكاملة التي يحتاج إليها لمواصلة السعي وراء "الحلم الصيني" الذي ستكشف عنه الأيام القادمة.

——————————————————————–

ترجمة: هدير عبد العظيم.

هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : مواقع إلكترونية