ثورة 17 فبراير.. الشعب يُسقط "الجماهيرية"

من احتفالات ذكرى الثورة بمدينة أوباري جنوب غربي ليبيا
الثوار أعلنوا تشكيل المجلس الوطني الانتقالي وإسناد رئاسته إلى وزير العدل المستقيل من نظام القذافي مصطفى عبد الجليل

ثورة شعبية سلمية اندلعت في ليبيا يوم 17 فبراير/شباط 2011 بعد ثورتيْ تونس ومصر، سارع العقيد معمر القذافي إلى وأدها في مهدها بالسلاح لكنها أطاحت به وبنظامه، بعد سلسلة ضربات جوية وبحرية وجهتها قوات حلف شمال الأطلسي الناتو لمعاقل قوات القذافي. 

قمع السلمية
في 14 فبراير/شباط 2011 أصدرت 213 شخصية ممثلة لمجموعة من الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية بيانا يطالبون فيه بتنحي العقيد القذافي، مؤكدين حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أي مضايقات أو تهديدات من قبل النظام.
 
وبعد يوم واحد على صدور البيان سقط عدد من الليبيين قتلى برصاص الشرطة في بنغازي ثانية مدن البلاد الكبرى التي تحولت إلى معقل للمعارضة، حيث اعتصم هناك عدد من المواطنين يطالبون بالإفراج عن سجناء سياسيين.

وتواصلت الصدامات لليوم الثاني على التوالي مع اتساع نطاق الاحتجاجات التي أخذت طابعا دمويا إثر إطلاق قوات الأمن و"المرتزقة" الرصاص الحي على المحتجين في مدن بنغازي والبيضاء ودرنة وأجدابيا، فسقط العديد من المدنيين قتلى.

اتسع نطاق المظاهرات حتى شملت مدنا جديدة في جميع أنحاء البلاد بما فيها العاصمة طرابلس، وسيطر المتظاهرون على بنغازي في 20 فبراير/شباط 2011.

دفع اشتداد وتيرة القمع عددا من المسؤولين الليبيين إلى الاستقالة احتجاجا على مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقمع والعنف، فاستقال وزير العدل مصطفى عبد الجليل، ووزير الدولة لشؤون الهجرة والمغتربين علي الريشي، ومندوب ليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم، ونظيره في جامعة الدول العربية، والسفراء الليبيون في كل من بريطانيا والصين والهند وإندونيسيا وبنغلاديش وبولندا.

ومع اتساع دائرة المظاهرات والقمع ظهر سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي في التلفزيون الرسمي محذرا من أن البلاد ستمضي نحو الحرب الأهلية، وأعقب ذلك ظهور مماثل لأبيه ينفي فيه مغادرته البلاد نحو فنزويلا، في حين اتخذت الاستقالات زخما جديدا باستقالة وزير الداخلية اللواء الركن عبد الفتاح يونس العبيدي وإعلان تأييده للثوار.

وتوج هذا الحراك بإعلان الثوار في 26 فبراير/شباط تشكيل المجلس الوطني الانتقالي وتولي وزير العدل المستقيل مصطفى عبد الجليل رئاسته.

أهداف الثورة 
بعد أسبوع على اندلاع الثورة بث المنسق العام لائتلاف الثورة عبد السلام المسماري في 22 فبراير/شباط 2011 بيانا أسماه "بيان انتصار ثورة 17 فبراير المباركة" عبر إذاعة "صوت ليبيا الحرة "، ولخص فيه أهداف تلك الثورة في خمسة أهداف هي:
– بناء دولة ليبيا الموحدة الحرة المدنية الكاملة السيادة.
– وضع دستور يستمدّ شرعيته من إرادة الشعب وثورة 17 فبراير المظفرة، ويستند إلى احترام حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة، والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وبناء المؤسسات الوطنية على أسس تكفل المشاركة الواسعة والتعددية والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة، وحق التمثيل لكل فئات وشرائح الشعب الليبي.
– التأكيد على وحدة الشعب الليبي والتراب الوطني وتماسك نسيجه الاجتماعي.
– احترام كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية أسوة بأعضاء المجتمع الدولي.
– حماية وصيانة أرواح وممتلكات كل الموجودين على أرض ليبيا من مواطنين وأجانب.

تسارعت وتيرة الأحداث وبدأت تأخذ بعدا دوليا عقب إعلان الأمم المتحدة في 25 فبراير/شباط 2011 سقوط نحو ألف قتيل في المواجهات بليبيا، وتوقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما أمرا بتجميد الأصول المالية لمعمر القذافي.

أعقب ذلك فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على النظام الليبي تشمل حظرا على بيع السلاح لليبيا وتجميد أصول مالية ومنع بعض أركان النظام من السفر. 

كما قرر الاتحاد الأوروبي حظر بيع الأسلحة والذخيرة لليبيا وجمد أصولا للقذافي وخمسة من أفراد عائلته، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بطرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان المكون من 47 عضوا.

وفي 7 مارس/آذار 2011 بدأت قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) طلعات مراقبة جوية للأجواء الليبية على مدار الساعة، وبعد مرور عشرة أيام تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين الليبيين.

وأعقب ذلك انطلاق عملية "فجر الأوديسا" العسكرية ضد النظام الليبي بمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، والتي تهدف لمنع النظام الليبي من استخدام القوة ضد المدنيين.

وإزاء هذا التطور أعلن معمر القذافي أنه سيتم فتح مستودعات الأسلحة لتسليح الشعب الليبي، لكنه بعث برسالة إلى الرئيس الأميركي أوباما يطلب منه وضع حد للحملة العسكرية ضد نظامه زاعما أن الثوار أعضاء في تنظيم القاعدة، ثم أعلن القذافي لاحقا  قبوله خطة الوساطة الأفريقية في الأزمة الليبية التي رفضها الثوار لأنها لا تنص صراحة على تنحي القذافي وأسرته عن السلطة.

العد التنازلي
في 9 مارس/آذار 2011 أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون أن أيام نظام القذافي باتت معدودة، وأنه ينبغي الإعداد لمرحلة ما بعد القذافي.

وفي الـ27 من الشهر نفسه أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبعد نحو أسبوعين اعترفت الولايات المتحدة وبريطانيا بالمجلس الوطني الانتقالي سلطة شرعية في ليبيا، وهو الاعتراف الذي سبقتهما إليه فرنسا وقطر والاتحاد الأوروبي.

وفي 14 أغسطس/آب 2011 أحكم الثوار الليبيون سيطرتهم على مدينة الزاوية الواقعة غرب طرابلس فقطعوا بذلك آخر طرق النظام الليبي مع الخارج. وبعد يومين أحكموا الطوق على العاصمة طرابلس وسيطروا على أبرز الطرق الرئيسية المؤدية إليها، ثم تمكنوا من دخولها يوم 21 من الشهر نفسه وسيطروا على معظم أحيائها.

وفي 23 أغسطس/آب دخل الثوار إلى باب العزيزية مقر إقامة القذافي بعد ساعات من الحصار والقصف الجوي المكثف من قبل الناتو، وأعلن الثوار سيطرتهم شبه الكاملة على طرابلس باستثناء حي بوسليم والهضبة الخضراء ومرافق قريبة منه، مثل فندق "ركسوس" الذي يقيم فيه الصحفيون الأجانب ويسيطر عليه عناصر مسلحون موالون للقذافي.

تعرض الثوار لإطلاق نار من قبل القناصة التابعين للقذافي المتمركزين حول الساحة الخضراء والتي أصبحت تسمى "ساحة الشهداء" بعد سيطرة المعارضين عليها، وترددت أنباء عن فرار رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي عبر الحدود إلى تونس، كما أعلن المجلس الانتقالي الليبي اعتقال محمد القذافي الابن الأكبر للعقيد معمر القذافي قبل أن يتمكن من الفرار.

وقال المجلس إن مصير القذافي مجهول وإنه غير متأكد مما إن كان قد غادر البلاد، وقد أعلنت إيطاليا أن عبد السلام جلود الرجل الثاني في نظام القذافي أعلن انشقاقه وطلب اللجوء إليها، وصرح جلود بأن القذافي لن يستسلم ولن ينتحر وأنه سوف يقاتل حتى النهاية.

وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 أعلِن مقتل القذافي بعد أسره من قبل ثوار ليبيا في مدينة سرت (مسقط رأسه) مع وزير دفاعه أبو بكر يونس وحراس شخصيين، وذلك خلال هربهم من غارة للناتو يعتقد أنها من قوات فرنسية استهدفت القافلة المكونة من سيارات كثيرة. وقد قتل معه ابنه المعتصم، وتم القبض على ابنه سيف الإسلام لاحقا ليسدل الستار على نظام القذافي الذي حكم 42 سنة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية