العدل الدولية: بلدان تطالب بتطبيق القانون الدولي وأخرى تبرر الاحتلال الإسرائيلي
لاهاي- عقدت محكمة العدل الدولية، أمس الأربعاء، يومها الثالث من جلسات الاستماع، تحاول فيها 52 دولة مناقشة وفحص التبعات القانونية لسياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
ورغم أن هذه الإجراءات القانونية لا تتعلق بالحرب المستمرة على قطاع غزة بشكل مباشر، فإنها تسعى إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل، وتسليط الضوء على سيطرتها على القدس الشرقية والضفة الغربية والقطاع المحاصر منذ عام 1967.
وتميزت هذه الجلسة بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا -أعضاء مجلس الأمن– من بين 11 دولة خاطبت العدل الدولية. وعكس الموقف الأميركي والفرنسي والمجري -خاصة- ردا يتماشى مع رؤية إسرائيل واستنكارها للإجراءات القائمة ضدها.
تبرير فرنسي
لم تعارض كل الدول الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة، إذ زعم دييغو كولاس (مدير الشؤون القانونية بالخارجية الفرنسية) أن ما تفعله إسرائيل "لقمع المقاومة الفلسطينية" يبرر احتلالها للضفة والقدس الشرقية. ورأى أن الاحتلال وضع واقعي ومدته لا تجعله غير قانوني، مما يعني أنه ليس خطأ في حد ذاته، حسب زعمه.
ومع ذلك، اعترف المسؤول الفرنسي أنه يجب على إسرائيل منح الفلسطينيين الحماية والحقوق، مشددا على أن بلاده لن تعترف أبدا بالاستيلاء القسري على الأراضي بالضفة وأنها تكرر إدانتها للتصريحات التي تروج لإعادة بناء المستوطنات في غزة ونقل سكانها خارجها.
وقال كولاس إن "حل الدولتين وحده سيلبي حق إسرائيل في الأمن والتطلعات المشروعة للفلسطينيين في دولة مستقلة وقابلة للحياة. وتحقيقا لذلك، تدعو باريس إلى استئناف عملية السلام بشكل حاسم وذي مصداقية" مضيفا أن "هذا يتطلب ترتيبات أمنية ودولية قادرة على اتخاذ إجراءات سيادية".
وفيما يتعلق بالرأي الاستشاري المنتظر من قبل العدل الدولية، تعتقد باريس أن نطاق إجراءات المحكمة يجب أن "يحدَّد بدقة" ويقدم رأيا "لا يذهب أبعد مما هو ضروري".
من جانبها، دعت الولايات المتحدة قضاة العدل الدولية إلى عدم إصدار حكم يقضي بانسحاب إسرائيل الفوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرة أن أمن إسرائيل يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
وقال القائم بأعمال المستشار القانوني بالخارجية الأميركية ريتشارد فيسيك إنه "لا ينبغي أن تكون إسرائيل ملزمة قانونا بالانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي المحتلة" وإن "أي تحرك نحو انسحابها من الضفة وغزة يتطلب مراعاة احتياجاتها الأمنية الحقيقية".
وأضاف فيسيك أن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة مهّدا الطريق إلى حل سلمي من خلال المفاوضات، والذي سيكون -أساسا- حول تبادل الأرض مقابل السلام.
حل الدولتين
وأكد فيسيك أن واشنطن تدعم حل الدولتين، رافضا الحجج التي قدمتها دول أخرى القائلة إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني المستمر منذ عقود شرط أساسي وضروري لضمان السلام والحل السياسي الدائم.
وكانت وجهة النظر المجرية متحيزة بشكل واضح للاحتلال الإسرائيلي حيث كرر المتحدث باسمها جيرجو كوكسيس ضرورة التحرر من مساءلة إسرائيل والثناء على "اتفاقيات أبراهام" ملقيا باللوم على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
واعتبر الممثل الثاني للمجر أتيلا هيديغ أن "الإجراءات المرفوعة أمام هذه المحكمة الموقرة قد تساهم بشكل مباشر في تصعيد النزاع" وأن "الاستخدام المحتمل للمحكمة في حرب الاتصالات يمكن أن يخلف خطوط تقسيم ضيقة ويمكن أن يستمر في تأجيج التوترات في واحد من أشد الصراعات خطورة في التاريخ الحديث".
أما روسيا فدعت إلى إقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدة أن "حل الدولتين عبر التفاوض، مع دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة تتعايش سلميا مع إسرائيل، سيكون أفضل وصفة لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية، وخلق ضمانات لعدم تكرارها وجبر الضرر".
وانتقد المبعوث الروسي فلاديمير تارابرين إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاءهم الغربيين الذين اتهمهم بفرض "عقاب جماعي" على الفلسطينيين في قطاع غزة. وقال المندوب إن ما حدث بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا يبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين من قبل جيش الاحتلال.
ودان تارابرين -بشدة- الدفاع عن العنف ضد المدنيين تحت مسمى "الحماية الوطنية" التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية وقاية لها وسط ضجيج المصطلحات القانونية الموجهة ضدها.
وأشار إلى أن سياسة الاستيطان ألحقت ضررا لا يمكن إصلاحه بحق فلسطين في تقرير المصير، وأن "على الطرفين استئناف المفاوضات" بالتعاون مع كافة الدول والمنظمات لجعل ذلك ممكنا، مستذكرا دور الوسيط الذي لعبته بلاده.
وأكد المبعوث الروسي أن إسرائيل ملزمة بوقف انتهاك القانون الدولي لأن "مستوطناتها تتعارض مع مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة" موضحا أن الانتهاكات تشمل مصادرة الأراضي والهدم والعنف من جانب المستوطنين.
رفض الاحتلال
في المقابل، قالت ممثلة كولومبيا أندريا خيمينيز هيريرا إن ما يحدث في غزة يوفر "خريطة الرعب والدمار نتيجة سياسات الأرض المحروقة التي تنتهجها إسرائيل" واصفة الأوضاع في القطاع بـ"الموت واليأس".
بدوره، تطرق الوفد المصري إلى القيود العديدة المفروضة على الفلسطينيين، بما فيها القيود المفروضة على سفر غير القادرين على الوصول إلى المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة.
وشددت الممثلة القانونية لمصر ياسمين موسى على أن ازدهار واستقرار وسلام الشرق الأوسط لا يمكن أن يحدث دون دعم العدالة وسيادة القانون، وأن "الاحتلال الإسرائيلي المطول غير قانوني" وأن "التاريخ سيحكم علينا على كيفية استجابتنا اليوم".
أما سفير كوبا لدى الأمم المتحدة، أنايانسي رودريغيز كاميجو، فقد أخبر المحكمة أن إسرائيل ـباعتبارها القوة المحتلة- وحلفاءها يجب أن يتحملوا المسؤولية عن "الآثار القانونية الناجمة عن عدم الامتثال المستمر للقانون الدولي".
وحذر من أن وصف تصرفات إسرائيل ضد الفلسطينيين بالفصل العنصري من شأنه أن يتجاهل "نية إبادة الشعب الفلسطيني كمجموعة عرقية أو دينية ينطبق عليها حق تقرير المصير".
يُذكر أن إسرائيل لم تحضر جلسات الاستماع وأرسلت بيانا مكتوبا مكونا من 5 صفحات ادعت فيه أن رأي المحكمة الاستشاري سيكون "ضارا" بمحاولات حل الصراع، عادّة أن الأسئلة التي تطرحها الجمعية العامة للأمم المتحدة "متحيزة".
ودون الإشارة إلى الاتهام بالإبادة الجماعية أو مصطلح الفصل العنصري، لم تطالب الدول الأعضاء بمجلس الأمن -في جلسات الاستماع- في أي جزء من تصريحاتها بإنهاء فوري للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وكأن محنة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة ستظل قضية شائكة في قلب الدبلوماسية العالمية ومحكوم عليها بالانتظار إلى أجل غير مسمى.