المبعوث الدولي ملادينوف.. هل هو "حمال الأسية" لأجل غزة؟

Nickolay Mladenov (on screen) United Nations Special Coordinator for the Middle East Peace Process briefs the U.N. Security Council from Jerusalem on the situation in the Middle East as the Council meets on Israel and Palestine at U.N. headquarters in New York, U.S., May 23, 2018. REUTERS/Mike Segar
ملادينوف خلال تقديم إيجاز له إلى مجلس الأمن (رويترز-أرشيف)

منذ نحو 45 يوما أضاف الإعلام إلى قاموس المصطلحات المتعلقة بقطاع غزة المحاصر منذ عام 2007 وقضية فلسطين؛ مصطلحا جديدا هو" خطة ملادينوف بشأن غزة"، وأسهم في رواج المصطلح اقتران اسم صاحبه بالتحرك الرسمي المصري الأخير في ملفي المصالحة الفلسطينية وتخفيف حصار غزة ، إلى جانب انخراطه بجولات مكوكية، شملت عواصم ومدنا عربية، بينها القاهرة والدوحة وأبو ظبي ورام الله وغزة، إلى جانب تل أبيب والقدس.

عند تعيين نيكولاي ملادينوف عام 2015 من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون ليخلف الدبلوماسي الهولندي روبرت سيري كمنسق لعملية السلام في الشرق الأوسط؛ أعلن المتحدث باسم الأمين العام أن تفويض ملادينوف يشمل كذلك عمله كممثل شخصي للأمين العام لدى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكذلك كونه مبعوثاً للأمين العام لدى اللجنة الرباعية (التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة).

وخلال أدائه عمله الجديد -الذي انتقل إليه من عمل مماثل في بعثة الأمم المتحدة في العراق- لم يقدم ملادينوف في بداياته أداء مختلفا عن أسلافه، خلا الإيجاز الدوري الذي يقدمه لمجلس الأمن الدولي، لكن إمعان حكومة نتنياهو في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وضعه على خط تصادمي معها، أتى ذلك  إثر توجيه ملادينوف انتقادات لهذه السياسة التوسعية في أغسطس/آب 2016.

وأثار هذا الموقف غضب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي أمر في الشهر التالي الأجهزة الخاضعة لأمرته بمقاطعة ملادينوف.

خلاف
لكن الحدث الذي أظهر الخلاف بين ملادينوف وكل من حكومة نتنياهو وإدارة دونالد ترمب، كان قرار الأخير نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس؛ فقد أعرب الدبلوماسي البلغاري عن عدم رضاه من المس بوضع القدس عبر "حلول أحادية "، وعبّر عن قلقه من احتمال تصاعد العنف"، كما أكد تمسكه بحل الدولتين.

وسرعان ما تحققت نبوءة ملادينوف مع خروج الفلسطينيين في الضفة وغزة إلى الشوارع تعبيرا عن رفضهم الخطوة الأميركية، وتزامن نقل السفارة كذلك مع تصاعد تحذيرات السلطة الفلسطينية ومعارضيها -على حد سواء- من ترتيبات تجريها في الخفاء إدارة ترامب بموافقة مصرية-سعودية لحل القضية الفلسطينية، اصطلح على تسميتها "صفقة القرن".

‪إضراب لموظفي الأونروا في غزة بعد الاستغناء الجماعي عنهم‬ (رويترز)
‪إضراب لموظفي الأونروا في غزة بعد الاستغناء الجماعي عنهم‬ (رويترز)

بيد أن تحركات الفلسطينيين الرافضة لصفقة القرن ما لبثت أن انتقلت إلى حدود قطاع غزة اعتبارا من نهاية مارس/آذار، مما أعاد تسليط الأضواء على ضغوط الولايات المتحدة على وكالة الأونروا وتخفيض المساعدات السنوية المقدمة لها؛ والذي صنف في إطار ترتيبات صفقة القرن، وهو الأمر الذي فاقم بدوره الأزمة الإنسانية في غزة أكثر من غيرها، بحكم الحصار الإسرائيلي المتواصل للقطاع وإغلاق مصر معبرها.

وزاد تعثر المصالحة الفلسطينية في تعميق الأزمة الإنسانية في غزة، في حين شهد الوضع الأمني تدهورا فوريا مع استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي للرد على احتجاجات الناشطين المطالبين بتطبيق حق العودة، وهو ما تطور بعد شهرين إلى استخدام طائرات ورقية محملة بالوقود أحدثت حرائق في المزارع الإسرائيلية.

وكان ملادينوف يواكب هذه التطورات بدعوة الطرفين "إلى ضبط النفس".

إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى المبادرة في أواسط يونيو /حزيران الماضي، حيث صاغ خطة نشرت الصحف المحلية الفلسطينية بعض بنودها، وتركز على تحسين الأوضاع في القطاع، والعمل على "إنعاش أربعة قطاعات، وهي خلق فرص عمل للحد من البطالة المرتفعة المتفشية في القطاع، والكهرباء، والمياه، والصحة"، إلى جانب منع نشوب حرب.

وتفيد التقارير الصحفية المتداولة بشأن مضمون الخطة بأن أولى خطواتها تتلخص في "خلق فرص عمل للمتعطلين من العمل وفق معادلة المال مقابل العمل، بغية ضح عشرات ملايين الدولارات في سوق غزة، نظراً لانهيار الاقتصاد المحلي وعدم وجود سيولة مالية، كي تعود عجلة الاقتصاد للدوران".

وتشير تقارير صحفية أخرى إلى أن ملادينوف جمع من أجل تنفيذها نحو 650 مليون دولار قد ترتفع إلى نحو مليار دولار.

ارتياب
ويرجح المراقبون أن تكون التغطية المالية الجاهزة للخطة، واحتمال وجود علاقة لها بصفقة القرن؛ وراء ارتياب رئيس السلطة محمود عباس منها ومن صاحبها، ويربط المراقبون بين اشتباه عباس في وقوف الولايات المتحدة وراء خطة ملادينوف وعدم استقباله في مقر المقاطعة برام الله لأكثر من شهرين رغم تواجده الدائم بمقر إقامته في القدس.

أما موقف حماس من الخطة فتنقل تقارير إعلامية عن مسؤول في الحركة قوله إن حماس تقول لملادينوف والجهات الدولية "اعملوا ما شئتم، ولكن لا تضعوا شروطاً عليّ ولا تطلبوا أن أوقع على شيء". وبهذا المعنى –يضيف التقرير- فإن حماس لا مانع لديها من تنفيذ المشاريع الدولية ما دام هناك دعم دولي، لأن غزة بحاجة إليها ولا يوجد بديل، لكن بشرط ألا تلتزم بشروط محددة، أو أن توقع على شيء يجعلها جزءاً من "صفقة القرن".

ويشير مسؤول آخر في حماس -فضل عدم الإفصاح عن هويته- إلىى أن الضبابية لا تزال تحوم حول آليات تنفيذ خطة ملادينوف، فهل ستطبق بوجود السلطة أم عبر مصر في حال رفضت الأولى؟

تفيد نظرة على التغريدات المنشورة خلال الشهرين الماضيين على حساب ملادينوف إلى مركزية غزة في برنامج تحركاته ومواقفه المعلنة؛ فهو دائم الإشادة بالجهات المانحة التي تتطوع لتمويل مشاريع تشغيل للشبان في القطاع، ودائم الحركة بين الشخصيات والزعماء والعواصم، لكن قضية حل الأزمة الإنسانية أو رفع الحصار لا ترتبط بخطة ملادينوف وحدها -وفق تقديرات المراقبين- بل بملفات سياسية؛ أولها المصالحة الفلسطينية.

المصدر : مواقع إلكترونية