الاستيطان

الاستيطان هو عملية إسكان واسعة في أرض محتلة، وذلك بذريعة الإعمار وإرساء سيطرة الدولة المهيمنة على الأرض التي ضمتها وباتت تعتبرها جزءا منها. وقد تكون دوافعه أيديولوجية دينية وعنصرية كما هو شأن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967

الاستيطان قديما
عرفت الحضارات القديمة الاستيطان، وكان رديفا لحملات التوسع التي كانت تقوم بها الإمبراطوريات لمد نفوذها والسيطرة على الطرق التجارية، خاصة البحرية التي كانت قديما مجال المنافسة الإستراتيجية الأول. وقد نشأت مدن وحواضر نتيجة غزوات اليونانيين الذين اشتهروا بكونهم غزاة وقراصنة بحر، وكان دافعهم إلى ذلك استكشاف آفاق جديدة نظرا لضيق أراضيهم وشيوع الاقتتال بينهم.

فكان كل زعيم ينشق على السلطة القائمة أو يُهزَم في صراع على الحكم، يجهّز سفنه ورجاله وينطلق إلى البحر. وهكذا نشأت مدن عريقة نتيجة توطن اليونانيين، منها: مدينة مرسيليا في جنوب فرنسا، ومدينة كولون الألمانية التي نشأت حول حامية لجيش روما في العهد الروماني، ومدينة قرطاج التي بناها الفينيقيون. وفي الحقبة الحديثة، بنَت فرنسا مدينة سينلوي في السنغال وبرازافيل في الكونغو، وبنى البلجيكيون كنشاسا التي كانت تُسمى ليبول فيل.

النشأة
ساد الاستيطان مع ازدهار الظاهرة الاستعمارية في موجتها الثانية خلال القرنين 19 و20، والتي كان دافعها الأساس -فضلا عن الهيمنة الإستراتيجية- البحث عن الأسواق والمواد الأولية، وكذلك نشر الثقافة الغربية والدين المسيحي في بعض الأحيان.

خلال الحقبة الاستعمارية تمّ الترويج للاستيطان ضمن المنظومة الاستعمارية القائمة على ادعاء التنوير ونشر الحضارة والقيم الإنسانية الراقية، بيد أن الاستيطان قد تكون له دوافع أيديولوجية ذات خلفية دينية وعنصرية، كما هو شأن الاستيطان الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، القائل بأسطورة أرض الميعاد، والنابع من مرتكزات يتداخل فيها الديني بالأسطوري، بنزعة عنصرية استئصالية رامية إلى تطهير فلسطين من العرب، وطمس هويتها وماضيها العربي الإسلامي وإقامة دولة خالصة لليهود.

الاستيطان والقانون الدولي
نشأ الاستيطان كرافد من روافد الحملات الاستعمارية منذ الاكتشافات الاستعمارية الأولى التي قام بها الإسبان والبرتغاليون والهولنديون، وبالتالي تناوله القانون الدولي ضمن هذه المنظومة. فقد عرّف القانون الدولي الاستعمار بأنه: سياسة توسعية تمارسها بعض الدول في حق شعوب أقل نماءً، سيكون عليها القبول بنوع من روابط التبعية إزاء هذه الدول.

والواقع أن هذا التعريف والإقرار قائم على تناقض مشابه لذلك الذي تستند إليه الأيديولوجيا الاستعمارية، فهي تعتبر إلحاق أرض أو احتلال دولة توسعا مشروعا، كما تُشرّع الهيمنة والاستغلال الاقتصادي لفائدة القوى الاستعمارية دون أي وجه حق إلا ما كان تحت عنوان "الأرض التي لا سيد لها" أو "الأرض الخلاء"، وهو تبرير متهافت كون كل الأراضي التي تم احتلالها تقريبا مأهولة.

 

 

 

 

الاستيطان الإسرائيلي
يمارس الاحتلال الإسرائيلي الاستيطان على نحوٍ كثيف في الأراضي الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، كما يمارسه في هضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية إلى حين انسحاب الجيش الإسرائيلي منها في عام 1982 بموجب اتفاقيات كامب ديفد.

الهاجس الأمني
إثر حرب يونيو/حزيران 1967، ارتأت حكومة اليسار الإسرائيلية ضم أجزاء من الأراضي التي احتلتها، وذلك لإقامة مناطق عازلة تُوفر عمقا أمنيا لإسرائيل في المقام الأول، وورقة للمساومة في حال عقد مفاوضات للسلام في المستقبل، هذا فضلا عن الأهداف الاستيطانية الأصلية.

ومنذ عام 1968، شرعت إسرائيل في إقامة تجمعات استيطانية في المناطق القليلة الكثافة، وذلك في إطار مخطط عالون. واعتبارا من 1970 ظهرت مستوطنات أُقيمت دون موافقة مباشرة من سلطات الاحتلال، تقف خلفها تنظيمات يهودية متطرفة، وهي ظاهرة شاعت فيما بعد في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عام 2005.

حركات دينية
شهد عام 1974 تأسيس مجموعة "غوس أمونيم" (كتلة العقيدة)، وهي حركة قومية دينية تنادي بحق اليهود في الاستقرار في إسرائيل. ومع وصول اليمين ممثلا في حزب الليكود إلى السلطة عام 1977، ضمَّ رئيس الوزراء مناحيم بيغن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويومها كان عدد المستوطنات خارج القدس الشرقية لا يتعدى 31، يوجد فيها 4400 مستوطن.

ثم تتسارع وتيرة الاستيطان في السنوات اللاحقة، خاصة مع إعلان الكنيست القدس عاصمة موحدة لإسرائيل في يوليو/تموز 1980. وما إن حلّ عام 1984 حتى بلغ عدد المستوطنين 44 ألفا، أي عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1977.

السلام
مع عودة اليسار إلى السلطة عام 1992، أعلن إسحاق رابين تجميد الاستيطان، ومع ذلك قفز عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 112 ألفا في عام 1992 إلى 150 ألفا في عام 1995، وذلك رغم توقيع اتفاقيات أوسلو والاتفاق على بدء مرحلة التسوية النهائية بعد خمس سنوات من قيام السلطة الفلسطينية.

وكانت المرة الوحيدة التي دُفع فيها الاحتلال إلى كبح جماح الاستيطان، هي تفكيكه مستوطنات غزة وترحيل سكانها وكانوا يُقدرون بثمانية آلاف مستوطن. وحدث ذلك بين 2004 و2005 ضمن خطة رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون لفك الارتباط مع غزة، إثر تواتر عمليات المقاومة الفلسطينية.

ظلت وتيرة الاستيطان في تصاعد مع عثرات مسار التسوية، إلى حد بات معه الحديث عن التسوية أمرا يكاد يكون عبثيا، بحكم أن أراضي الضفة الغربية لم تُبق منها البؤر الاستيطانية ما يصلح لإقامة حي سكني، فكيف بإقامة دولة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية