تركيا وإدلب.. خيارات المواجهة المحتومة

محمد النجار-الجزيرة نت

لا يبدو أن مقطع الفيديو الذي نشره نشطاء لدخول خبراء عسكريين أتراك محافظة إدلب السورية الأحد بحماية من هيئة تحرير الشام يمثل الواقع الحقيقي لعلاقات الطرفين، وخيارات المواجهة في المحافظة التي تمثل عمقا إستراتيجيا لـ أنقرة.

فقبل ساعات قليلة من دخول الخبراء الأتراك، تبادلت المدفعية التركية وقوات الهيئة -التي تمثل جبهة النصرة سابقا عمودها الفقري- القصف، وبالرغم من محدوديته فإنه أعطى صورة ربما أكثر واقعية عن أجواء الشك التي تحيط بعلاقات الطرفين.

وتسيطر الهيئة على نحو 80% من محافظة إدلب، ويدخل في نفوذها معبرا باب الهوى وأطمة اللذان يربطان المحافظة بـ تركيا.

وارتفع عدد سكان إدلب من مليوني نسمة قبل الثورة عام 2011 إلى نحو ثلاثة ملايين بعد أن تم تهجير سكان مناطق عديدة إليها من محافظات حلب وحمص وحماة وريف دمشق واللاذقية في إطار اتفاقات وقف إطلاق النار التي أبرمت بين النظام السوري وجماعات المعارضة المختلفة.

هدفان إستراتيجيان
ما تريده تركيا من تدخلها في إدلب تحقيق هدفين إستراتيجيين، الأول دعم الجيش السوري الحر لتنفيذ اتفاق أستانا الذي وضع إدلب في قلب منطقة خفض التصعيد الرابعة، وبالتالي تحقيق الأمن ووقف العمليات العسكرية وأهمها عمليات روسيا التي استباحت طائراتها أجواء إدلب على مدى الأسبوعين الماضيين.

والهدف الثاني والأهم بالنسبة لأنقرة هو منع تمدد قوات سوريا الديمقراطية التي تُعتبَر المليشيات الكردية ذراعها الرئيس، وقطع الطريق على تحقيق هدفها بإقامة دولة كردية بالشمال السوري بطول 911 كلم -وفق ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب له الأحد- تمتد من رأس البسيط على البحر المتوسط وعلى طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

وبينما تسعى تركيا لضمان بقاء إدلب منطقة نفوذ لها -وإضافة لوقف النفوذ الروسي- تسعى لمنع النفوذ الإيراني من خلال قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين والواقعتين بالمحافظة السنية.

على الطرف المقابل، فإن دور أنقرة بإدلب لا يبدو مفروشا بالورود، فهيئة تحرير الشام أرسلت رسائل تهديد للجيش التركي، كما حذرت الجيش السوري الحر المدعوم منها من أي تعاون مع الطيران الروسي، وهو ما استدعى الجيش الحر للرد على تصريحات أردوغان بأن الطيران الروسي يغطي عملياته في إدلب بنفي ذلك، وتأكيد أنه ينظر إلى روسيا كقوة احتلال في سوريا.

قوات تركية تنتشر على الحدود مع سوريا أمس الأحد في إطار العمليات العسكرية على الحدود (رويترز)
قوات تركية تنتشر على الحدود مع سوريا أمس الأحد في إطار العمليات العسكرية على الحدود (رويترز)

نذر المواجهة
وبينما تفضل أنقرة دعم الجيش الحر من الخلف وعدم الاضطرار لإرسال قوات إلى إدلب، تدفعها نذر المواجهة مع هيئة تحرير الشام والقوات الكردية للإقدام على هذه الخطوة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. علي باكير أن هيئة تحرير الشام بعثت برسائل تؤشّر على استعدادها لمواجهة القوات التركية إذا قررت الأخيرة دخول إدلب لأنها تعتبر اتفاق تركيا مع روسيا يتعارض مع مصالحها.

لكن باكير قال للجزيرة نت إنه يعتقد أن الهيئة ليس لديها الكثير من الخيارات، فإما أن تقبل بالتدخل التركي الذي يهدف بالمجمل إلى تجنيب المدينة مصير حلب، وإما أن تقوم روسيا وإيران والنظام السوري بهذه المهمة مما سيؤدي لخسارة الجميع. 

وتابع الكاتب "إذا قررت الهيئة مواجهة القوات التركية لاحقا فهذا سيعقّد العملية وسيدفع تركيا أكثر باتجاه روسيا من أجل حسم المعركة".

وقال أيضا إن الجيش السوري الحر يقوم بالعملية الآن ويحظى بدعم من القوات التركية من الخلف، لكنه يستبعد أن تصمد تلك القوات لوحدها طويلا إذا ما قررت الهيئة المواجهة، مما سيدفع أنقرة للتدخل على الأرض، وهو ما تعمل الاستخبارات التركية على تقييمه حاليا.

الكانتون الكردي
ووفق باكير فإن الهدف غير المباشر للعملية التركية احتواء الكانتون الكردي في عفرين، واستكمال الخطوات اللازمة لقطع الطريق على مليشيات (بي واي دي) وحرمانها من السيطرة على الشمال السوري.

لكنه يرى أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا قد جرى اتفاق مع روسيا على هذا الأمر، سيما وأن الأخيرة نشرت قوات لها في عفرين لمنع الاشتباك الكردي التركي، كما أن موقفها من المليشيات الكردية لم يحسم بعد، وإن كانت لا تدعمها بالشكل الذي يقوم به الجانب الأميركي.

ويلفت باكير إلى أن هيئة تحرير الشام لم تحسم هي الأخرى خيارها النهائي، فإما أن تقرر الذوبان أكثر في الحالة السورية، وهذا قد لا يشكل حلا نهائيا لمشكلتها، وإما المواجهة وهذا سيؤدي لأضرار كارثية للمدنيين بإدلب، وستخسر هي في جميع الأحوال.

ويبدو أن أي مواجهة بين تركيا وهيئة تحرير الشام سيكون المدنيون هم الخاسر الأكبر فيها عوضا عن خسارة المعارضة المعتدلة سياسيا وعسكريا، وربما مواجهة الهيئة مصير تنظيم الدولة.

عندئذ سيكون النظام السوري وحلفاؤه هم الرابح، والقوات الكردية المدعومة أميركيا والتي ستتمكن -في حال فشل تركيا- من تحقيق نفوذها بالشمال السوري وستقطع الحدود بين تركيا والعالم العربي.

المصدر : الجزيرة