لماذا أخطأ صندوق النقد في تقديراته بمصر؟

الدولار سحق الجنيه بعد التعويم، ومعه تبخرت مدخرات المصريين.
الدولار سحق الجنيه بعد التعويم ومعه تبخرت مدخرات المصريين (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

بات معتادا أن يذهب المصري وفي جيبه جنيهات يحسبها كافية لشراء ما يلزمه، ليصطدم بسعر جديد غير ما كان عليه قبل أيام.

تقول المصرية رحاب حمد للجزيرة نت "الكل يبيع على هواه، ويختلف السعر من تاجر لآخر، ومن يوم لآخر، والحجة الجاهزة: ارتفاع سعر الدولار".

ويقول حمادة سيد وهو بائع يفترش قطعة من الأرض يبيع فيها خضروات "نحن معذورون، فعند البيع أتحسب للسعر الذي سأشتري به كميات جديدة بسبب ارتفاعات الدولار".

وقد ارتفع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري بأكثر من 100% منذ أن قرر البنك المركزي المصري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تحرير سعر الصرف، ليصل الدولار رسميا إلى نحو 18.7 جنيها بعدما كان بـ8.8 جنيهات.

الأسعار ترتفع بوتيرة تصدم المصريين
الأسعار ترتفع بوتيرة تصدم المصريين

وكان تحرير سعر الصرف مطلبا أساسيا لصندوق النقد الدولي، وبعد تنفيذه وافق الصندوق على إقراض مصر 12 مليار دولار.

وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي ممدوح الولي إن "تصريحات رئيس بعثة صندوق النقد الدولي على ما تبدو عليه من القسوة، فهي في الحقيقة دبلوماسية، ولا تعبر عن الواقع المؤسف".

وذكر الولي في حديثه للجزيرة نت أن "ارتفاع الأسعار والتضخم نتيجة التعويم (تحرير سعر الصرف) كان متوقعا"، موضحا أنه "كان من المفترض أن يكون برنامج الحكومة قد تم عرضه على الصندوق قبل تنفيذه".

وأضاف "المثير أن الصندوق كان دائما يطالب بمرونة سعر الصرف التي تمت فعلا في مارس/آذار الماضي، ولكن الحكومة زايدت على مطالبه، وقامت بالتعويم الكامل بلا احتياطي ولا جاهزية، فبدا الدولار كعصفور تم إطلاق سراحه من القفص للسماء".

رهانات خاسرة
ويشرح الولي -الذي رأس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية- أن "رهان الحكومة كان فيما يبدو على قيام المصريين بإخراج مدخراتهم الدولارية، وهو ما لم يحدث نتيجة التوقعات بارتفاع أسعاره، فضلا عن قيام الدول التي يعمل بها المصريون بتحديد ضوابط للتحويلات". 

الولي: الحكومة قامت بالتعويم الكامل بلا احتياطي ولا جاهزية (الجزيرة)
الولي: الحكومة قامت بالتعويم الكامل بلا احتياطي ولا جاهزية (الجزيرة)

وأضاف أن "الرهان الثاني كان على الأموال الساخنة، أي تلك التي تبحث عن فرص لشراء أذون خزانة، فتم رفع الفائدة على الجنيه إلى 20%، وهي فائدة عالية جدا عالميا، وكانت التوقعات الحكومية تأمل باجتذاب نحو 11 مليار دولار، غير أن ما تم بيعه من أذون الخزانة كان مقابل مليار دولار فقط".

وفضلا عن ذلك "حقق صافي مشتريات الأجانب في البورصة أربعمئة مليون دولار فقط، فخابت التوقعات، وارتفع سعر الدولار الجمركي ليرفع من قيمة الواردات باستمرار، وبنت العديد من الشركات ميزانياتها على سعر عشرين جنيها للدولار".

وقال الكاتب الصحفي في الشأن الاقتصادي علاء البحار إن "تصريحات رئيس بعثة الصندوق تعكس مدى هشاشة الاقتصاد الذي يعاني من تراجع ملحوظ في جميع مؤشراته"، مرجحا أن يكون الصندوق بدأ يمارس مزيدا من الضغوط على الحكومة لتطبيق باقي الشروط بحسب ما تم كشفه مؤخرا.

وأضاف البحار في حديثه للجزيرة نت أن "هذا التحذير ليس الأول، فقد سبق أن حذر الصندوق من قيام الحكومة بضخ مبالغ كبيرة في المشروعات غير ذات الجدوى، وهو ما تجاهلته الحكومة".

وأشار إلى أن "بيانات الصندوق تتضارب أحيانا، فهو يتوقع تحسن الاقتصاد مرة، وفي نفس الوقت يقول إن تأثيرات الجنيه أكثر مما كان يتوقع، غير أن البيانات في مجملها تكشف عن توقعات ضمنية بمزيد من التهاوي للجنيه".

تأثيرات سلبية
وشملت أزمة تأثيرات ارتفاع الدولار أدوية وسلعا حيوية، حتى أوقف التجار التعامل مع تلك السلع التي يحجم الجمهور عن شرائها استغناء عنها، فاختفت من الأسواق، وبات الركود سمة غالبة على مراكز التسوق.

الركود يضرب مراكز التسوق مع ارتفاع الأسعار واختفاء بعض السلع (الجزيرة)
الركود يضرب مراكز التسوق مع ارتفاع الأسعار واختفاء بعض السلع (الجزيرة)

وامتد التأثير السلبي إلى شركات أجنبية بمصر في الربع الرابع من عام 2016، فمجموعة "صافولا" السعودية أعلنت عن صافي خسائر قدره 257.2 مليون دولار، وأرجعت الشركة الخسائر لتخفيض قيمة الجنيه، كما سجلت "شلمبرجير" العالمية لخدمات حقول النفط 63 مليون دولار خسائر بمصر نتيجة لخفض العملة.

وفي موازاة ذلك، أقر رئيس البرلمان المصري علي عبد العال في إحدى الجلسات هذا الأسبوع، بأن "الوضع الاقتصادي حرج حرج حرج للغاية" مؤكدا أنه يتحدث بمعلومات موثقة.

المصدر : الجزيرة