نتائج الاستفتاء وتحديات الجمهورية الثانية بتركيا

كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية
أردوغان خلال كلمته عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية (الجزيرة)

زهير حمداني

أقرت نتائج الاستفتاء الشعبي بتركيا الذي أجري يوم 16 أبريل/نيسان الماضي نهائيا التعديلات الدستورية التي طرحها حزب العدالة والتنمية الحاكم بما سيؤدي إلى تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، لكن الأرقام والنسب المتقاربة وخرائط عملية التصويت ومواقف المعارضة نثرت أسئلة كثيرة تتعلق بتحديات المرحلة المقبلة في تركيا.

وأكدت الهيئة العليا للانتخابات في نتيجة نهائية أن 25 مليونا و175 ألفا و463 مواطنا صوتوا لصالح التعديلات بنسبة 51.4%، بينما صوّت 23 مليونا و779 ألفا و141 مواطنا ضد التعديلات بما نسبته 48.6%.

وجاء الاستفتاء بناء على قرار البرلمان التركي الذي أقر يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي تعديل 18 مادة قدمها حزب العدالة والتنمية.

وأمّنت النتائج الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان تمرير الاستفتاء ومضامينه، لكن ذلك لم يمر دون إثارة جدل سياسي وقانوني داخل البلاد وخارجها، وقراءات مختلفة في الأرقام والنسب تشير إلى حدوث شرخ سياسي ومجتمعي، له ما بعده، وفق رأي أصحابها.

‪أنصار العدالة والتنمية بأنقرة يحتفلون بالموافقة الشعبية على الاستفتاء الدستوري‬  أنصار العدالة والتنمية بأنقرة يحتفلون بالموافقة الشعبية على الاستفتاء الدستوري (غيتي)
‪أنصار العدالة والتنمية بأنقرة يحتفلون بالموافقة الشعبية على الاستفتاء الدستوري‬  أنصار العدالة والتنمية بأنقرة يحتفلون بالموافقة الشعبية على الاستفتاء الدستوري (غيتي)

أرقام ومتغيرات
ووصلت نسبة المشاركة بالداخل إلى 85% من إجمالي 55.3 مليون ناخب يحق لهم المشاركة في الاقتراع، الأمر الذي عكس الاهتمام الشعبي مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة، كما كانت هنالك الكثير من المتغيرات في السلوك الانتخابي وتوزع الأصوات مناطقيا.

وأهم ما يلفت الانتباه في الاستفتاء الأخير رفض المدن الكبيرة (إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا) بثقلها المادي والمعنوي للتعديلات الدستورية، رغم أنها صوتت بأغلبية كبيرة لمصلحة أردوغان في الانتخابات عام 2014.

وفي مدينة ديار بكر معقل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، كان أصوات الأغلبية بالرفض، إلا أن نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية ارتفع بنحو 10% عن انتخابات نوفمبر/تشرين الأول 2015، وهو أمر شمل معظم ولايات الجنوب الشرقي ذات الكثافة الكردية، التي لعبت دورا كبيرا في ترجيح كفة الموافقة.

وانحازت ولايات الأناضول ومنطقة البحر الأسود في أغلبيتها، إلى خيار الموافقة بنسب وصلت في بعض الولايات مثل "بيبروت" إلى 81%، في حين سجلت ولاية "ريزة "-مسقط رأس أردوغان- 75.5%، أما ولاية "قونيا" فقد بلغت نسبة الموافقة فيها 72.8% .

وصوّت كثير من المناطق الداخلية في البلاد بالموافقة، بنسبة تجاوزت في أغلبها 70%، وفي المناطق الساحلية على بحر إيجه وجنوب شرق الأناضول -التي تعد معقلا للأكراد- صوتت أغلب المناطق بالرفض بنسبة وصلت إلى 70%.

ولعل الملاحظة الأبرز هي أن نسبة المصوتين بـ "لا" في هذه المدن كانت أقل بكثير من الأصوات التي ناصرت حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية عام 2015.

وبالنسبة لتصويت الأتراك بالخارج، فقد كانت معظم الأصوات لصالح الموافقة على الاستفتاء في غالبية الدول، حيث صوت نحو 65% من الأتراك في ألمانيا بـ نعم، وبلغت نسبة الموافقة في هولندا 70.94%، وبلجيكا 74.98%، وفرنسا 64.85%، في وقت رفض الأتراك المقيمون في سويسرا بنود الاستفتاء بنسبة 61.92%.

‪زعيم الحركة القومية دولت باهشلي تحالف مع العدالة والتنمية في الاستفتاء لكن معظم قواعد حزبه صوتت بالرفض‬ زعيم الحركة القومية دولت باهشلي تحالف مع العدالة والتنمية في الاستفتاء لكن معظم قواعد حزبه صوتت بالرفض (الجزيرة)
‪زعيم الحركة القومية دولت باهشلي تحالف مع العدالة والتنمية في الاستفتاء لكن معظم قواعد حزبه صوتت بالرفض‬ زعيم الحركة القومية دولت باهشلي تحالف مع العدالة والتنمية في الاستفتاء لكن معظم قواعد حزبه صوتت بالرفض (الجزيرة)

تحالف هش
ودخل حزب العدالة والتنمية معركة الاستفتاء في الدستور الجديد متحالفا مع حزب الحركة القومية، إذ حصل الحزبان مجتمعَيْن على أكثر من 60% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وتشير الأرقام إلى أن العدالة والتنمية لم يستفد كثيرا من أصوات "الحركة القومية" الذي صوتت قاعدته الشعبية في معظمها ضد التعديلات، كما تبرز الأرقام أيضا أن ما بين 2 و3% من قاعدة العدالة والتنمية نفسه صوتت ضد التعديلات المستفتى عليها.

ورغم خيبتهما بتمرير الاستفتاء، تمكن حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي من تحقيق مكاسب انتخابية بعد أن خسر "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" نحو عشر نقاط من كتلتهما الانتخابية (من 61.4% إلى 51.4%) مقارنة بالانتخابات البرلمانية الماضية.

وتمثل الكتلة الانتخابية لأحزاب المعارضة غالبا 35% من إجمالي الشعب التركي بما نسبته 25% لـ حزب الشعب الجمهوري و10% لحزب الشعوب الديمقراطي، لكنها استطاعت في هذا الاستحقاق الحصول 48% من إجمالي عدد الأصوات.

ويؤكد المحلل السياسي المقرب من الحكومة والكاتب بصحيفة "حرييت"عبد القادر سيلفي أن" النتائج يجب أن تكون بمثابة إنذار مبكر لحزب العدالة والتنمية قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية والبرلمانية".

زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار طالب بإعادة فرز أكثر من ثلثي الأصوات
زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار طالب بإعادة فرز أكثر من ثلثي الأصوات

شكوك ومخاوف
واتسم موقف كل من حزبي الشعب الجمهوري ذي التوجه العلماني والشعوب الديمقراطي الكردي بالاعتراض الشديد على التعديلات الدستورية باعتبار أنها ستعزز صلاحيات أردوغان نحو شمولية في الحكم، وفق قراءتهما.

وسارع الحزبان مدفوعين بالتقارب بين نسبة المؤيدين والرافضين إلى الطعن في النتائج، وطالبا بإعادة فرز 60% من صناديق الاقتراع وهو ما رفضته الهيئة العليا للانتخابات.

وتعتبر المعارضة أن الاستفتاء يمثل الخطوة الأخيرة للرئيس أردوغان ضمن إجراءات سابقة لإحكام سيطرته على الدولة عبر النظام الرئاسي والقطع نهائيا مع النظام البرلماني المستمر منذ ولادة الجمهورية عام 1923، والذي يقيد جزئيا صلاحياته.

وترى الأحزاب المعارضة ومؤيدوها أن نتائج الاستفتاء وأرقامه تمثل شرخا في شرعية النظام، وتزيد من الانقسام السياسي والمجتمعي، كما أن العمل بالتعديلات الدستورية -التي ستوسع صلاحيات الرئيس وتعيده إلى حزب العدالة والتنمية- ستقود البلاد إلى حكم الفرد والحزب.

من جهته، انتقد أردوغان أحزاب المعارضة وقياداتها، متهما إياها بضرب وحدة البلاد و"توفير الغطاء السياسي للمتآمرين على تركيا والانحياز إلى فلول النازية في أوروبا" وهو ما يشير إلى الخلافات المستحكمة في المشهد السياسي التركي، وفق بعض المحللين.

ويؤكد أردوغان والداعمون له أن النظام الرئاسي الذي أقره الشعب في الاستفتاء -بقطع النظر عن نسبة المؤيدين- هو الأصلح لتركيا في الظرف الحالي، وهو المعمول به في الدول الكبرى، كما أن النظام في عهدي مصطفى كمال وبعده عصمت إينونو كان أقرب إلى الرئاسي رغم طبيعته البرلمانية نظرا للسلطات المعنوية الكبيرة التي تمتعا بها.

وبنظر المؤيدين، فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي لم يكن مطلبا شخصيا أو مبتدعا من أردوغان، بل سبقه في ذلك رؤساء بمن فيهم سليمان ديميريل وتورجوت أوزال ورؤساء حكومات مثل عدنان مندريس ونجم الدين أربكان.

ومن المنتظر أن يستمر الجدل حول الاستفتاء ومفاعيله وتداعياته السياسية في تركيا إلى ما بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية أواخر 2019، حيث سيكون ذلك الموعد فيصلا في انتقال تركيا الصعب إلى مرحلة الجمهورية الثانية في خضم تحديات داخلية وخارجية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية