خبير: المهربون لا يقلدون أساليب المافيا

A patrolling Hungarian police officer watches migrants behind a temporary protective fence at the border between Hungary and Serbia near Morahalom, 179 kms southeast of Budapest, Hungary, Monday Feb. 22, 2016. (Zoltan Gergely Kelemen/MTI via AP)
دورية مجرية على الحدود مع النمسا لمنع التسلل (الأوروبية-أرشيف)

عرض خبير القانون الجنائي الألماني أندرياس شلونهارد رؤيته لسبل مكافحة تهريب المهاجرين، داعيا الدول المتضررة من مهربي البشر لاتخاذ إجراءات أكثر شمولية في موضوع الهجرة وعدم الاعتماد على الشرطة والمحاكمات فقط. ورأى أن إغلاق الحدود و"التقوقع" يخدمان المهربين، مطالبا بإتاحة فرص الهجرة المنظمة عبر قنواتها القانونية.
فيما يلي نص الحوار:

– ما هو تعريفكم للمهرب؟
المهربون هم أشخاص يساعدون آخرين على عبور الحدود بصفة غير قانونية. مشاهد المستفيدين من خدمة التهريب باتت معروفة للجميع في أوروبا، وهي تظهر أناسا يعبرون الحدود على متن سيارات صغيرة أو حافلات وقطارات أو راجلين أيضا، وهم يدفعون أموالا مقابل ذلك، ويقطعون مسافات طويلة في ظروف قاسية. المشاهد نفسها تتكرر في آسيا وأستراليا وأميركا الشمالية.
الواقع هو أن كثيرا من الناس محرومون من حق التنقل من بلد إلى آخر بطريقة قانونية بسبب جنسيتهم. ونظرا لشعورهم باليأس، فإنهم يلجؤون إلى المهربين. ممثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أشار مؤخرا إلى أن 95% من عمليات التهريب تتم بنجاح وبرضا الأطراف المعنية.

– أثناء محاكماتهم كان مهربون كثر يرددون أنهم كانوا يريدون فقط تقديم مساعدة. ما الذي يميز المهرب عن شخص يساعد آخر على الهرب؟

هناك وثيقة أعدتها الأمم المتحدة ووقعت عليها أكثر من 140 دولة تفيد بأن التهريب يخضع للعقاب فقط عندما يكون المهرب يتطلع لتحقيق مكاسب مالية، وهذا ما اتُفق عليه في نهاية 1990 على مستوى العالم، لكن الكثير من الدول لا تلتزم بذلك، لأنه في أغلب الحالات يصعب تقديم إثبات على أن أموالا قد تم دفعها، وبالتالي يتم الاستغناء عما يثبت الرغبة في تحقيق مكاسب. ويؤدي هذا الوضع بطبيعة الحال، إلى تجريم العبور غير الشرعي وكل مساعدة على السفر مهما كان نوعها. وهذا ينطبق أيضا على ألمانيا.

عام 2015 تطوع نمساويون كثر لمرافقة لاجئين قدموا من صربيا وسلوفينيا أو المجر إلى ألمانيا. هذا النوع من المساعدة لا يخضع للعقوبة في النمسا بخلاف ألمانيا. وإذا ما قارنا القوانين المرتبطة بالتهريب في الدول الـ47 الأعضاء في المجلس الأوروبي، فإننا سنجد 47 قانونا مختلفا.

والسؤال هو كيف يمكن تقديم المساعدة من دون مقابل مالي؟ قد يقوم بها موظف إغاثة يريد مساعدة لاجئ من بلد يواجه فيه الاضطهاد، أو أنه لا تتوفر فيه له المساعدة المطلوبة.

في عهد ألمانيا المقسمة إلى دولتين، قام بعض الأشخاص حتى عام 1989 بتهريب أناس من ألمانيا الديمقراطية سابقا إلى غرب ألمانيا، وتم ذلك في الغالب مقابل المال. القيام بهذا النوع من المساعدة على الهرب لم يخضع للعقاب، ورحبت بها حكومة ألمانيا الغربية آنذاك.

شلونهارد: المهربون لا يعملون بنفس طريقة المافيا (الجزيرة)
شلونهارد: المهربون لا يعملون بنفس طريقة المافيا (الجزيرة)

– إذن ما هي الدوافع الأساسية التي تحدد كيفية التعامل مع المهربين؟

أجل، فحتى في أيام النازية كان يتم تهريب يهود وأقليات أخرى مضطهدة، وحصل ذلك في الغالب بأساليب خطيرة ومكلفة. الأجواء تغيرت في التسعينيات عندما فُتحت حدود شرق أوروبا التي لم يعبرها فقط مجريون وبلغار أو رومانيون. فالمهاجرون من الشرق الأوسط وأفريقيا أو آسيا أيضا كانوا قادرين على العبور إلى أوروبا الغربية. المشاكل التي أريد السيطرة عليها قبل 25 عاما من خلال إبرام عقود دولية ظلت على حالها: الحكومة النمساوية ترى أن بلدها مقصد للهجرة من أوروبا الشرقية، والإيطاليون ينتابهم قلق كبير بسبب الأشخاص الذين يحاولون العبور عن طريق البحر المتوسط. والكثيرون يدفعون حياتهم ثمنا للمحاولة.

– الاتحاد الأوروبي اعتمد برنامج عمل لمحاربة تهريب المهاجرين. ما رأيكم في ذلك البرنامج؟
مبادرات كثيرة تقوم بها بروكسيل، وهناك إجراءات تكرس صورة أوروبا الحصينة، مثل إجراءات التفتيش المشدد أو إقامة الجدران على الحدود، ليس فقط لغرض ضمان مراقبة أفضل للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بل أيضا لإغلاق الحدود جزئيا. بموازاة ذلك هناك إجراءات تهدف إلى إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط.

توجد نماذج عدة للتعامل مع ضغط الهجرة. الاتفاق مع تركيا يشكل إمكانية لمكافحة جريمة التهريب، وهناك أيضا مراكز الإيواء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ورغم ذلك تبقى الشكوك قائمة بجدوى النموذجين المذكورين، في النهاية يجب على الدولة تحمل المسؤولية، والكثيرون في الأمم المتحدة يقولون إن العدد الكبير من عمليات التهريب والمحاكمات يدل على فشل الدولة في خلق فرص للهجرة الشرعية وضبطها. خلال عام 2015 نشطت بعض الدول في مجال نقل اللاجئين عبر البلقان. تحدثت أجهزة الشرطة الألمانية في تقاريرها عن نسبة ضعيفة لعمليات التهريب. هذه الخلاصة توصلت إليها أجهزة شرطة أخرى. فعندما تتاح إمكانية السفر بشكل قانوني، فلا تكون هناك حاجة لمهربين.

عام 2015 ضمنت دول عديدة هذه الإمكانية، ففي مقدونيا وُضعت القطارات تحت التصرف، ونفس الشيء حصل بالنمسا بالنسبة للحافلات. إن ذلك يقضي على سبل تحقيق مكاسب بالنسبة للمهربين. لكن منذ أن أغلقت الحدود الأولى خريف 2015، انتقلت المشكلة إلى وجهات أخرى. فبعد سنة باتت أعداد كبيرة من الناس تتنقل عبر طرق بديلة، كان أولها طريق البلقان الشرقي، وتتم حاليا عمليات انتقال أعداد كبيرة من الناس عبر البحر المتوسط. وهذا الطريق لا يمكن للمهاجرين وحدهم التغلب عليه، إنهم بحاجة إلى مهربين. وإغلاق هذه الطرق أدى إلى تنشيط عمل المهربين، فالتقوقع يخدم المهربين في المقام الأول.

– من هم إذن المهربون؟

هم أشخاص تأتي غالبيتهم من بلدان العبور في النمسا أو من صربيا ورومانيا والمجر. وبما أن الكثير من الناس يريدون العبور، فهناك أشخاص يعرضون عليهم إمكانية نقلهم مقابل مبلغ مالي، وفي الغالب تكون المبالغ ضئيلة. كما يكون ذلك فرصة لكسب المال بسرعة بالنسبة لشخص "المهرب" الذي ليس له دخل.

نادرا ما يعمل المهربون عبر بلدان مختلفة، أو من خلال إجراءات تنظيمية تشبه تلك التي تعتمدها المافيا. هم أشخاص يتواصلون بشكل أفضل. وهم في الغالب أشخاص يتحدرون بالأصل من أوطان مثل أفغانستان وسوريا وباكستان، في الغالب هم أشخاص تم تهريبهم ويبذلون الآن محاولة لتهريب أشخاص آخرين من عائلاتهم، فيتحولون بالتالي إلى مهربين. هناك مهربون يخاطرون بحياة اللاجئين بسبب الجشع، هناك من يلقى حتفه اختناقا داخل حافلة، والآلاف يغرقون لأنهم يستقلون قوارب لا تصلح للإبحار مطلقا.

– كيف يمكن محاربة هذه الأعمال الإجرامية؟

يجب أولا العمل على إيجاد حوافز تُبعد الأشخاص عن المهربين. ويجب ضمان إمكانية تقديم طلبات لجوء في البلدان الأصلية وفي بلدان العبور، كما يجب فتح باب العمل للمهاجرين. لا يعني ذلك أننا سنفتح الأبواب و"نترك الجميع يعبرون"، بل العكس. القضية مرتبطة بضرورة تحمل الدول المسؤولية لعبور الأشخاص الذين نريد حمايتهم والذين نحتاجهم لسوق العمل عندنا. نحن نعيش في وسط أوروبا في بلدان تسجل تراجعا في عدد الولادات، وهناك حاجة للمهاجرين.

ـــــــــ

  • البروفيسور أدنرياس شلونهارد يدرس القانون الجنائي بجامعة كوينسلاند في أستراليا وبجامعة فيينا، وهو يعمل مستشارا لدى مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ولدى المجلس الأوروبي.
المصدر : دويتشه فيله