شعار قسم ميدان

من القدس إلى أذربيجان.. لماذا يستاء الأرمن من إسرائيل؟

كنيس "مردخاي نافي" اليهودي في يريفان
كنيس "مردخاي نافي" اليهودي في يريفان (مواقع التواصل)

مقدمة الترجمة:

اندلعت في دولة أرمينيا هجمات ضد الأقلية اليهودية في البلاد بعد عملية "طوفان الأقصى"، مدفوعة بالغضب العالمي تجاه دولة الاحتلال وجرائمها في قطاع غزة من جهة، والسخط من جهة أخرى على محاولات شركة إسرائيلية انتزاع جزء من أراضي أرمينية تاريخية في مدينة القدس تخضع لسيطرة البطريركية الأرمنية، علاوة على غضب الأرمن من تل أبيب بسبب تحالفها الوثيق مع دولة أذربيجان في السنوات الماضية، وما قدمته لها من سلاح وعتاد ساعد الأخيرة في السيطرة على إقليم ناغورني قره باغ عام 2020، وكبَّد أرمينيا الهزيمة الأسوأ منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي. في هذا المقال، يستعرض الكاتب الأرميني "أربين هوفهانيسيان" تفاصيل "التوتر الأرميني-اليهودي"، قائلا إن أسبابه متعلقة بالأحداث الأخيرة وسياسات إسرائيل، وأنه لا يعني أن هناك مشكلة معاداة سامية في أرمينيا.

 

نص الترجمة:

كان للأسلحة الإسرائيلية دور بالغ الأهمية في هزيمة أذربيجان لأرمينيا أثناء حرب قره باغ الثانية عام 2020. وينطبق الأمر نفسه على الاستحواذ العسكري الأذربيجاني على إقليم ناغورني قره باغ بالكامل في أواخر العام الماضي، الذي تمخَّض عنه النزوح الجماعي لجميع السكان الأرمن من المنطقة. والآن، يُهدِّد نزاع على الملكية في القدس بتقويض الوجود الأرميني في الأراضي المقدسة المُمتَد منذ 1600 عام تقريبا. وعلى ضوء هذه الأحداث، أفضت سلسلة من أعمال الشغب ضد المعبد اليهودي الوحيد في أرمينيا إلى الحديث عن احتمالية تصاعد "معاداة السامية" في أرمينيا. ويرفض أعضاء الجالية اليهودية الصغيرة في العاصمة الأرمينية يريفان هذه الفكرة رفضا قاطعا، إذ يرون أن الهجمات تهدف إلى تشويه سمعة بلد إقامتهم الذي اختاروه ليس أكثر.

 

هجمات على كنيس يهودي

كنيس "مردخاي نافي" اليهودي في يريفان
كنيس "مردخاي نافي" اليهودي في يريفان (مواقع التواصل)

وقعت هجمة من الهجمات الأولى على كنيس "مردخاي نافي" اليهودي في يريفان يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دون أن تُخلِّف أضرارا مادية تُذكر، حيث قُذفت زجاجة مولوتوف على الكنيس، لكنها لم تشتعل. بيد أن هذه الهجمة دفعت أحد كبار الحاخامات في أذربيجان، الجارة والعدو اللدود لأرمينيا، إلى أن يُصرِّح أن الأخيرة لم تعُد آمنة لليهود. وكما قال الحاخام "زامير إيساييف"، مدير المدرسة اليهودية في باكو، على موقع "إكس" (تويتر سابقا): "أكرر ندائي لليهود في أرمينيا: ارحلوا، وإذا احتجتم إلى مساعدة، فأنا لها. ارحلوا قبل أن يفوت الأوان".

وفي هجوم آخر يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أشعل مجهول النار في أبواب الطابقين الأول والثاني من المبنى، وقد خرج المقطع المُصوَّر للهجوم، إلى جانب تبني مسؤولية كلا الهجومين، على قناة صغيرة أُنشئت مؤخرا على تطبيق تلغرام، ويدل اسمها على الانتماء إلى الجيش السري الأرميني لتحرير أرمينيا المعروف اختصارا بـ"أسالا" (ASALA)، وهي جماعة أرمينية متطرفة ومسلحة نشطت أثناء الحرب الباردة، لكنها خاملة إلى حدٍّ كبير الآن، وقد نفى ممثلوها الرسميون أي علاقة لهم بالهجوم. وسرعان ما وجد المقطع المُصوَّر صداه في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأذربيجانية التي أعلنت أن أرمينيا بمنزلة وكر لمعاداة السامية.

أعلنت لجنة التحقيق الأرمنية بعد يومين أن الجاني كان مواطنا من دولة أجنبية، وغادر أرمينيا فورا بعد الهجوم، ولم تقدم اللجنة مزيدا من المعلومات. وقد ذكر كبير حاخامات أرمينيا، "غِرشون مئير بورستاين"، لموقع "سيفيل نِت" أن الهجمات كانت بمنزلة أعمال "استفزاز" ولا تُعد تعبيرا عن معاداة السامية في أرمينيا. وقال "ناثانيال تروبكين"، عضو بارز في الجالية اليهودية في يريفان، الشيء نفسه أيضا في مقابلة مع موقع أوراسيا نِت، وأضاف قائلا: "الهجوم على الكنيس لم يكن هجوما ضد اليهود، بل كان ضد صورة أرمينيا بوصفها دولة يعُمُّها تسامح".

هذا ويُعَدُّ تروبكين واحدا من مئات اليهود الذين ارتحلوا إلى أرمينيا من روسيا في بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو المدير الفني لمقهى "ماماجان" في العاصمة يريفان الذي أصبح مركزا لأنشطة المجتمع اليهودي، كما أنه يدير البيت اليهودي في يريفان، والبيت اليهودي بمنزلة جماعة تساعد اليهود الذين ينتقلون إلى المدينة في العثور على سكن، وفي المعاملات المتعلقة بالبيروقراطية المحلية.

والحال أن هناك استياء كبيرا في أرمينيا من إسرائيل، لأنها قدَّمت ما نسبته 70% من الأسلحة التي حصلت عليها أذربيجان بين عامي 2016-2020، وفقا لتقديرات وكالة "أسوشيتد برِس". وهكذا، في أعقاب هجمات حماس على أهداف إسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والحرب الإسرائيلية على غزة، انفتح المجال لظهور المزيد من التعبيرات عن المشاعر المعادية لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي الأرمينية. بيد أن تروبكين يُحاجج بأن أيًّا من تلك المشاعر لا يمكن ترجمته بأنه معاداة للسامية، إذ إن المجتمع الأرمني، على حد قوله، "يُميِّز بين موقفه من الحكومة والشعب، وحتى لو كان الأرمن لا يحبون إسرائيل أو روسيا، فإننا لا نشعر بذلك تجاه أنفسنا".

 

نزاع في حديقة الأبقار

Armenian Patriarch of Jerusalem Nourhan Manougian arrvies at the Church of the Nativity to celebrate Christmas, in Bethlehem in the Israeli-Occupied West Bank, January 18, 2023. REUTERS/Yosri Aljamal
البطريرك الأرميني "نورهان مانوجيان" (رويترز)

بالتزامن مع تلك الأحداث، أصدرت البطريركية الأرمنية في القدس بيانا تحذر فيه من أن الكنيسة تواجه "أكبر تهديد وجودي في تاريخها منذ القرن السادس عشر". ويعيش الأرمن، وهم من أقدم الأمم المسيحية في العالم، داخل القدس منذ قرون، ولهم حصة من المدينة القديمة. ويُعَدُّ الأرمن في القدس أقدم جالية أرمينية في الشتات، حيث يصل عدد أفرادهم إلى نحو ألفي شخص.

وقد بدأ النزاع بعد أن وقَّع البطريرك الأرميني "نورهان مانوجيان" اتفاقية مع شركة "زانا كابيتال"، المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي "داني روثمان"، عام 2021. ولم تُكشَف تفاصيل الاتفاقية إلا في شهر يونيو/حزيران من هذا العام، ومثلما اتَّضح، وافق البطريرك على منح الشركة عقد إيجار لمدة تبلغ 98 عاما على قطعة أرض تُعرف شعبيا باسم حديقة الأبقار (وقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنها استُخدمت تاريخيا لرعي الماشية)، وتمَّت الصفقة من أجل بناء فندق فخم.

وقد تفاقم الوضع بعد أن أعلنت البطريركية الأرمينية في القدس، وتحت ضغط من الجالية الأرمينية، إلغاء الصفقة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (بعد عملية طوفان الأقصى والغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة)*. وفي يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دخل ممثلو شركة "زانا كابيتال" إلى حديقة الأبقار للمطالبة بما سمّوه "أرضهم"، وكان بعض مَن أتى من الرجال مسلحين، وبعضهم كان بحوزته كلاب تنبح مُقيَّدة بالسلاسل. وبعد ذلك، انتقدت البطريركية الشركة بسبب لجوئها إلى "أفعال الاستفزاز والعدوان وغيرها من الأساليب التحريضية والتضييق، بما في ذلك تدمير الممتلكات".

ونظَّم الأرمن المحليون بعد الحادثة ما وصفوه بأنه "اعتصام على مدار الساعة على أرضنا"، وصرَّح "سيتراج باليان"، أحد قادة حركة "أنقذوا الحي الأرميني" التي تُعارِض عملية النقل، لموقع أوراسيا نِت بأن "الصفقة ليست قانونية، حيث إن بموجب القانون البطريركي الداخلي، فإن الصفقات التي تمتد لأكثر من 25 عاما يجب أن تأخذ الموافقة من المجمع المقدس والجمعية العامة لأخوية القديس يعقوب. وبناء على ذلك، فلم يكن للبطريرك السلطة القانونية لتوقيع مثل هذه الاتفاقية بالنيابة عن المجمع". وقد أثنى باليان على مجتمعه لثورته ضد عملية النقل هذه قائلا: "إننا جميعا الآن متحدون مع الكنيسة للقتال في سبيل أرضنا التي اكتسبناها بعرقنا ودمنا".

المصدر : مواقع إلكترونية