شعار قسم ميدان

إثيوبيا تبدأ توليد الكهرباء من سد النهضة.. كيف ستردّ مصر؟

Ethiopia starts electricity production at Blue Nile mega-dam- - BENISHANGUL-GUMUZ, ETHIOPIA - FEBRUARY 19: A view of Grand Ethiopian Renaissance Dam, a massive hydropower plant on the River Nile that neighbors Sudan and Egypt, as the dam started to produce electricity generation in Benishangul-Gumuz, Ethiopia on February 19, 2022. Ethiopia built the dam on the Nile River in Guba, Benishangul Gumuz Region. The construction of the Grand Ethiopian Renaissance Dam has caused a row between Ethiopia and Egypt and Sudan.

كان إعلان الحكومة الإثيوبية عن تدشين إنتاج الكهرباء من سد النهضة، في 20 فبراير/شباط الماضي، بداية مرحلة جديدة في قصة أضخم السدود الإفريقية لتوليد الطاقة الكهرومائية، كما أنه زاد من التعقيدات المرتبطة بالملف في ظل توقف المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا منذ أبريل/نيسان الماضي.

ورغم بدء تشغيل توربينين فقط من أصل 13 توربينًا مخطط لها عند نهاية المشروع، تكتسي هذه الخطوة أهمية كبرى بالنسبة لكل من إثيوبيا في إطار تصورها الاستراتيجي لسد النهضة بأبعاده التنموية والاقتصادية والجيوسياسية، ولشخص رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي يواجه مصاعب داخلية وخارجية مختلفة.

وفي هذا الإطار ستعمد هذه الورقة لتسليط الضوء على الخلفيات المرتبطة بهذا الإعلان إثيوبيًّا، والخيارات المتبقية بيد كل من مصر والسودان، والدور المحتمل للاتحاد الأوروبي للتدخل بشكل أكثر فعالية في هذا الملف خلال المراحل المقبلة.

السد والهيمنة من خلال الطاقة

Ethiopia starts electricity production at Blue Nile mega-dam- - BENISHANGUL-GUMUZ, ETHIOPIA - FEBRUARY 20: Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed speaks at the Grand Ethiopian Renaissance Dam, a massive hydropower plant on the River Nile that neighbours Sudan and Egypt, as the dam started to produce electricity generation in Benishangul-Gumuz, Ethiopia on February 20, 2022.
رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" يتحدث في سد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو محطة ضخمة للطاقة الكهرومائية على نهر النيل

وفقًا للرؤية الاستراتيجية الإثيوبية، لا تنبع أهمية توليد الكهرباء من سد النهضة لإثيوبيا من تلبيته للاحتياجات المحلية من الطاقة الكهربائية فقط حيث تصل نسبة غير المتمتعين بها إلى 60% من سكان البلاد الذين يزيد عددهم عن 112 مليون نسمة، بل إن أديس أبابا تعتمد على السد كمصدر مستقبلي محتمل للعملات الصعبة وللهيمنة الجيوسياسية أيضًا.

وتذكر دراسة صادرة عن مركز الحفاظ على التنوع الجزيئي الدولي (MDPI) المختص بشؤون الطاقة أن "أحد طموحات الحكومة [الإثيوبية] هو تطوير التجارة الدولية وأن تصبح دولة مصدِّرة للكهرباء في المنطقة"، وتضيف الدراسة الصادرة 2021 أنه يمكن للحكومة استخدام عائدات تصدير الكهرباء بالعملة الصعبة "لتعزيز النمو الاقتصادي، ودعم تطوير نظام الطاقة لديها، وتمويل استثمارات الطاقة المتجددة"(1).

وبالنظر إلى أن إثيوبيا لا تعاني وحدها من ضعف شبكات الطاقة الكهربائية في شرق إفريقيا، تنظر أديس أبابا إلى الطاقة المتوقعة من السد كسلعة قابلة للتصدير إلى العديد من الدول ككينيا وجيبوتي والسودان وجنوب السودان(2).

مثل هذه الصادرات في مجالات الطاقة ستضمن لأديس أبابا نفوذًا جيوسياسيًّا لدى الأطراف المستوردة، باعتبار أن الكهرباء لن تكون أداة حيوية في عملية التنمية في هذه الدول فقط، بل ستكون مرتبطة بحياة الناس اليومية بهذه البلدان بشكل رئيسي، لاسيما بناء القدرات الاقتصادية المرتبطة بالرفاه الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وهو ما نشاهد حالة نموذجية له في استخدام روسيا لصادراتها من النفط والغاز للضغط على الاتحاد الأوروبي(3).

خلفيات الإعلان الإثيوبي

في العشرين من فبراير/شباط الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ضمن أجواء احتفالية بدء توليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة الكبير، مؤكدًا في خطابه أن بلاده تريد توفير الطاقة لـ60% من سكانها "الذين لم يروا مصباحًا كهربائيًّا قط"، قبل أن يضيف في لغة عاطفية: "وكذلك لأمهاتنا اللواتي يحملن الحطب من أجل الحصول على الطاقة"(4).

بعيدًا عن هذه الأجواء البروتوكولية، يبدو رئيس الوزراء نفسه من أكبر المستفيدين من هذه الخطوة على أكثر من صعيد، في خضم التحديات التي يواجهها داخليًّا وخارجيًّا؛ حيث يمكن تفصيل كل ذلك في التالي:

  • 1- تكريس صورة القائد

إعلاميًّا، جرى توظيف هذا الإعلان لتكريس صورة لرئيس الوزراء كزعيم وطني قوي وقادر على مواجهة الضغوط الخارجية التي تستهدف، وفقًا للتصريحات الإثيوبية(5)، وحدة ومستقبل إثيوبيا من خلال عرقلتها للعمل في سد النهضة، وفي إطار هذا التوظيف جرت الاستفادة من رأس المال الرمزي للسد كمشروع جامع للإثيوبيين في مرحلة تتنازع بلادهم تصدعات عمودية وأفقية تهدد وجودها، ولاسيما بعد الحرب المدمرة في إقليم تيغراي وتبعاتها.

لذا وفي سياق رسم هذه الصورة، عزا بعض المسؤولين إلى أحمد الفضل في إحياء المشروع بعد أن "خسر بلدنا الكثير بسبب تأخر العمل في السد"(6) في المرحلة الماضية، كما كان من الواضح التغييب المتعمد لدور ميليس زيناوي، رئيس الوزراء الأسبق والأب الروحي الذي أطلق مشروع السد(7)، وهو ما لا يمكن فصله عن مجريات الصراع بين أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي كان زيناوي أبرز قادتها التاريخيين.

  • 2- إنعاش الآمال الاقتصادية

 يعكس الإعلان الإثيوبي رغبة الحكومة في إنعاش آمال الإثيوبيين باقتراب النقلة التي يحملها السد لاقتصاد بلادهم الذي يعاني نتيجة الحرب والعقوبات والجفاف، ولاسيما عند النظر إلى نتائج الخطوة الإثيوبية المباشرة، فبعد يومين من إعلان أديس أبابا بدء إنتاج الكهرباء من السد أعلن سفيرها في كينيا بدء نيروبي محادثات مع أديس أبابا لشراء الكهرباء منها في إطار اتفاقية التجارة بين البلدين الجارين(8).

وتوقع خبراء الاقتصاد في مؤسسة خدمة معالجة المعلومات (IHS Markit) اقتراب النمو الاقتصادي لإثيوبيا من 2% في عام 2021 وهو الأدنى خلال عقد كامل، مع تعطل النقل والحصاد بسبب الصراع المحلي بالإضافة إلى ضعف الاستثمار ونمو الإنتاج الصناعي. كما خفضت وكالة موديز لخدمات المستثمرين التصنيف الائتماني السيادي لإثيوبيا مرتين في عام 2021، بسبب تصاعد مخاطر السيولة الخارجية في حين ظل المتوسط ​​السنوي للتضخم العام مرتفعًا عند 33٪ في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، منخفضًا من 34.2٪ في أكتوبر/تشرين الأول (أعلى معدل منذ أبريل/نيسان 2012)(9).

  • 3- توحيد الجبهة الداخلية خلف رئيس الوزراء

ADDIS ABABA, ETHIOPIA - NOVEMBER 07: A woman holds up a banner of Ethiopian Prime minister Abiy Ahmed as a ceremony is held to support the Ethiopian military troops who is battling against the Tigrays People Liberation Front in Amhara Region on November 7, 2021 in Addis Ababa, Ethiopia. The country's Prime Minister Abiy Ahmed declared a state of emergency on Wednesday as his government's conflict with Tigrayan forces has expanded beyond that group's home region in the north. Tigrayan fighters have recently forged an alliance with the Oromo Liberation Army, a group fighting on behalf of ethnic Oromos, who make up about 35 percent of Ethiopia's 110 million people. (Photo by Getty Images/Getty Images)

جرى توظيف الاحتفالات الكبيرة التي رافقت الإعلان لمحاولة خلق اصطفاف داخلي خلف رئيس الوزراء الإثيوبي في لحظة حرجة تتشكل فيها بيئة سياسية جديدة في سياق المصالحة الإثيوبية والمصالحة المحتملة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

وقد أقرَّ البرلمان الإثيوبي تشكيل مفوضية الحوار الوطني، أواخر يناير/كانون الثاني 2021، والتي تهدف إلى إرساء أرضية مشتركة بشأن القضايا الخلافية "تمهد الطريق لتوافق وطني وتحافظ على وحدة البلاد"(10).

هذه المصالحة الإثيوبية، رغم ضرورتها في بلد تمزقه الصراعات الداخلية، فإنها تطرح العديد من التحديات أمام رئيس الوزراء الإثيوبي حول تشكيل مفوضيتها وآليات عملها(11)؛ حيث تتوارد التساؤلات من نخب معارضة عن جدوى حوار تغيب عنه أطراف أساسية في الصراع الداخلي الإثيوبي كجيش تحرير أورومو والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي(12)، بجانب التوجس من تحول المصالحة إلى أداة سياسية بيد حزب الرفاه الحاكم(13).

في حين تطرح المصالحة المحتملة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي احتمالات تفكك تحالف أحمد مع أقرب حلفائه من الأمهرا وإعادة ترتيب البيت الداخلي الإثيوبي، وبالتالي احتمالات إعادتهم إلى الخلف ودفع قومية الأورومو التي ينتسب إليها رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه إلى المقدمة، بكل ما سيسبِّبه ذلك من إرباك داخلي وصبِّ مزيد من النيران في أجواء الاستقطاب التي تسيطر على البلاد منذ سنوات.

  • 4- رسائل إلى دولتي المصب

Sudan's Sovereign Council Chief General Abdel Fattah al-Burhan meets with Egyptian President Abdel Fatah al-Sisi, in Khartoum, Sudan March 6, 2021. Sudan Sovereign Council/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

رغم تأكيد رئيس الوزراء الإثيوبي في خطابه بمناسبة توليد الكهرباء من السد نية بلاده عدم الإضرار بدولتي المصب، فإن الرسالة الفعلية إلى كل من القاهرة والخرطوم تتمثل في أن أديس أبابا مستمرة في أسلوبها القائم على فرض الوقائع على الأرض، وأن أحمد انتصر في صراعه الداخلي؛ حيث لطالما اتهمت الحكومة الإثيوبية مصر والسودان بدعم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وغيرها من الجماعات المسلحة في البلاد(14).

  • 5- الاستفادة من التوقيت

يبدو اختيار توقيت الإعلان مرتبطًا بتطورات الأوضاع في شرق أوروبا، وانصراف القوى الكبرى المعنية بالمنطقة إلى التركيز على التوتر الروسي-الأوكراني المتصاعد حينها، بما جنَّب أديس أبابا الضغوط الخارجية حيال خطوتها أحادية الجانب وفق توصيف دولتي المصب (مصر والسودان).

من جانب آخر، يبدو تزامن بدء توليد الكهرباء من السد مع انشغال الولايات المتحدة وحلفائها الكامل بالملف الروسي-الأوكراني، مناسبًا لرئيس الوزراء للضغط على المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الإفريقي، ديفيد ساترفيلد، الذي يعمل على التوسط في الصراع بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من جهة، بهدف الوصول إلى حل مرضٍ لجميع أطراف أزمة سد النهضة، من جهة أخرى(15)، حيث ستزداد مهمته صعوبة بعد هذا الإعلان.

مصر وخيار الدبلوماسية

Egyptian President Abdel Fattah el-Sisi talks with Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed at the opening of the 33rd Ordinary Session of the Assembly of the Heads of State and the Government of the African Union (AU) in Addis Ababa, Ethiopia, February 9, 2020. REUTERS/Tiksa Negeri

رغم اعتبار رئيس الوزراء الإثيوبي بدء توليد الكهرباء من سد النهضة "خبرًا سعيدًا" لدولتي المصب(16)، فقد أبدت الدولتان رفضهما لهذه الخطوة؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي أن الجانب الإثيوبي يمعن "في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي"(17).

في المقابل، لا تملك القاهرة الكثير من الأوراق للمراهنة عليها، وتبدو دعوة الاتحاد الإفريقي إلى إطلاق المفاوضات من جديد أهم الخيارات المصرية(18).

ولربما تأمل القاهرة أن تكون القيادة الجديدة للاتحاد، الممثَّلة في الرئيس السنغالي، ماكي صال(19)، أكثر فاعلية وتفهمًا للموقف المصري، بالنظر إلى أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التقى الرئيس السنغالي 3 مرات خلال الأشهر العشرة الأخيرة؛ حيث طُرح ملف سد النهضة في لقاءاتهما(20)، بالإضافة إلى أن السنغال نفسها لديها تجربة ناجحة في تجاوز الخلافات مع الدول المطلة على نهر السنغال، وتحويله إلى ساحة تعاون واستثمار متبادل فيما بينها.

وبالنظر إلى معاناة الاقتصاد الإثيوبي نتيجة الحرب والجفاف والعقوبات، فمن المرجح أن تحاول القاهرة إقناع الدول والمؤسسات المالية العالمية بالضغط على إثيوبيا لاتخاذ مواقف أكثر مرونة في مفاوضات السد مقابل الدعم المادي الذي تحتاج إليه للنهوض من ركام الحرب.

في حين توفر قمة المناخ، المقرر عقدها في القاهرة نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام(21)، منصة دولية مناسبة لعرض التصور المصري لمخاطر سد النهضة على أمنها المائي.

داخليًّا، ستستمر القاهرة في اتخاذ الإجراءات المتعلقة بمواجهة الفقر المائي المحتمل، من خلال "توفير مصادر مياه بديلة وغير تقليدية، مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر في السواحل الشمالية وعلى البحر الأحمر باستخدام الطاقة النظيفة، مع تحسين كفاءة نظام إدارة المياه"(22).

على المدى البعيد يبدو أفضل الخيارات المصرية الاستمرار في استراتيجية الانفتاح على القارة الإفريقية، ولاسيما دول حوض النيل المجاورة لإثيوبيا والقريبة منها ضمن شبكة من الاتفاقيات متعددة الأبعاد. في هذا الإطار، شهدت الفترة الماضية توقيع القاهرة اتفاقيات عسكرية وأمنية مع السودان وكينيا وأوغندا وبوروندي ورواندا(23).

كما شمل النشاط المصري توقيع اتفاقيات لدعم قطاع الطاقة البديلة في دول حوض النيل والبحيرات؛ حيث أسهمت مؤسسات مصرية في بناء محطات لتوليد الطاقة المتجددة في جيبوتي والصومال وأوغندا وإريتريا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى الربط الكهربائي بين الشبكتين، المصرية والسودانية، والمساهمة في بناء سد يوليوس نيريري في تنزانيا(24).

وهذه الاستراتيجية في شقها الأمني تتعدى اختراق القاهرة لدول حساسة بالنسبة إلى إثيوبيا إلى محاولة خلق بيئة أمنية وسياسية متفهمة، وربما داعمة لاحقًا، للمخاوف المتعلقة بتهديد سد النهضة لأمنها المائي.

وفي شقها الطاقوي، ترمي إلى تقليل اعتماد الدول المعنية على الطاقة الإثيوبية المتوقعة من سد النهضة ممَّا سيعني بالضرورة تقليص أرباح السد، والأهم تقليص النفوذ الجيوسياسي الإثيوبي المتوقع بالسيطرة على صنبور الطاقة المتدفقة من عنفات سد النهضة.

ورغم الحديث المستمر عنه، يبدو الخيار العسكري الأكثر بعدًا حتى الآن، في حين أن دعم القاهرة لمتمردي بني شنقول، الإقليم الذي يُبنى سد النهضة على أرضه، يظل احتمالًا تكتنف إمكانيته وجدواه مخاطر مرتبطة بتطورات الوضع في إثيوبيا وموقف السودان، المعبر الوحيد للقاهرة إلى حركة تحرير شعب بني شنقول المعارضة لأديس أبابا.

السودان: تحديات داخلية وخارجية

epa07920499 Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed (L) and President of the Sudanese Transitional Council General Abdulfattah Al Burhan (R) attend the opening session of peace talks between Sudan ruling council and rebels, in Juba, South Sudan, 14 October 2019. According to reports, Juba is hosting peace talks between the ruling transitional council in Sudan and rebel leaders that aim to end years-long multiple conflicts in Sudan. EPA-EFE/STRINGER

لم تختلف ردَّة فعل الخرطوم الأولية عن القاهرة؛ حيث أصدر وفد التفاوض السوداني الخاص بسد النهضة بيانًا وصف الخطوة الإثيوبية بأنها "خرق جوهري للالتزامات القانونية الدولية لإثيوبيا"، ومخالفة "لإعلان المبادئ بين الدول الثلاث، الموقع في الخرطوم، في مارس/آذار 2015"(25).

رغم هذا البيان الحاد يبدو موقف السودان ضعيفًا حاليًّا نتيجة العديد من التحديات التي يواجهها داخليًّا وخارجيًّا. فالخرطوم غارقة في دوامة وضع داخلي مضطرب، مع تردٍّ اقتصادي غير مسبوق وخطير يؤثر على قدرتها على اتخاذ مواقف جادة وقوية حيال ملف سد النهضة وغيره(26)، في ظل عدم وصول قادة انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول إلى توافق مع أحزاب المعارضة السياسية ومع لجان المقاومة التي تقود المظاهرات المستمرة في الشارع.

وفي السياق ذاته، أتت الخطوة الإثيوبية في لحظة تواجه فيها القيادة السودانية تحديات كبيرة في الخارج؛ حيث تضغط الحكومة الأميركية عليها للوصول إلى تسوية سياسية##a27، كما ترتفع الدعوات إلى عقوبات فردية بحق قيادات عسكرية سودانية(28).

في حين أن روسيا، أحد أهم حلفاء السلطة السودانية على المستوى الدولي، دخلت هي أيضًا في أزمة كبيرة عقب غزو قواتها لأوكرانيا. وفي هذا الإطار، يمكن النظر إلى زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى أديس أبابا(29)، 22 يناير/كانون الثاني الماضي، والأجواء الودية التي وسمتها باعتبارها مصلحة للطرفين؛ حيث يرمي آبي أحمد إلى بعث رسالة إلى المجتمع الدولي حول سعي بلاده إلى المصالحة والسلام بعد الصراعات الداخلية والخارجية التي انخرطت فيها في الفترة الماضية، في حين هدفت الخرطوم إلى ضمان عدم اتخاذ إثيوبيا، التي بدأت أوضاعها بالاستقرار، لأي خطوات تزيد في تدهور الأوضاع الهشة في السودان.

فإذا وضعنا إلى جانب هذا انقسام المواقف في الخرطوم حول الموقف من السد، يبدو اللجوء إلى طلب إطلاق المفاوضات من جديد مع أديس أبابا(30) الخيار الوحيد المطروح أمام السودان، الذي لا يخسر فيه مصر ولا يُغضب إثيوبيا المشتبك معها في ملف الخلاف الحدودي على أراضي الفشقة أيضًا.

خلاصة

Ethiopia starts electricity production at Blue Nile mega-dam- - BENISHANGUL-GUMUZ, ETHIOPIA - FEBRUARY 19: A view of Grand Ethiopian Renaissance Dam, a massive hydropower plant on the River Nile that neighbors Sudan and Egypt, as the dam started to produce electricity generation in Benishangul-Gumuz, Ethiopia on February 19, 2022. Ethiopia built the dam on the Nile River in Guba, Benishangul Gumuz Region. The construction of the Grand Ethiopian Renaissance Dam has caused a row between Ethiopia and Egypt and Sudan.

لم يكن الإعلان الإثيوبي مفاجئًا بالنظر إلى سلوك أديس أبابا طوال سنوات التفاوض القائم على فرض الوقائع على الأرض، في حين تضيق مساحة الخيارات أمام دولتي المصب مع الخطوات الإثيوبية تجاه السلام والمصالحة الداخلية. وفي هذا السياق، قد تعمل القاهرة والخرطوم على دفع الجهود الأوروبية للوصول إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف وفق ما صرحت به آنيتا فيبر، مبعوثة الاتحاد الأوروبي إلى القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

وكررت فيبر في القاهرة ما أعلنته سابقًا من اهتمام الاتحاد بحل تكاملي يشمل "السد وتكامل البنية التحتية للتجارة والنقل، ونود أن نضع أموالًا أكثر بشكل أكبر في البنية التحتية وفيما يخص الموانئ والأراضي ودعم إدارة المياه"(31)؛ وهو ما يوفر للاتحاد فرصة "لإقناع" أديس أبابا الراغبة في المصالحة مع الغرب والمتعطشة كذلك إلى الاستثمارات والمساعدات الخارجية لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

وكان من اللافت إعلان فيبر أن الاتحاد الأوروبي يزداد اهتمامه "بتنويع مصادر الطاقة" على ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا، وهو تصريح أعقب بأيام كشف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رغبة بلاده في "تصدير الطاقة إلى أوروبا لتقليل انبعاثات الغاز التي تؤثر على البيئة"(32)، ما يستلزم بنية تحتية تتضمن شبكة نقل للطاقة عابرة للسودان ومصر إلى القارة العجوز، وهو ما لا يمكن العمل عليه دون وصول البلدان الثلاثة إلى اتفاق حول السد.

بالنظر إلى كل هذا، يبدو التفاوض بدعم أوروبي الخيار المتاح الآن، ولئن كان تعليق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان إثر انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول يمثل عائقًا أمام استئناف المفاوضات، فإن دفع مصر والسودان لفصل ملف العضوية عن ملف التفاوض سيتيح للقاهرة العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حين قد يفتح الباب أمام الخرطوم للسير إلى خطوات أبعد مع الاتحاد الإفريقي.

——————————————————————

هذا المقال مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات.

المصدر : مركز الجزيرة للدراسات