شعار قسم ميدان

الحرب القادمة في الشرق الأوسط.. هل تنوي إسرائيل مهاجمة إيران بعد الاتفاق النووي؟

في عام 1956، تعرَّضت مصر لما عُرِف بـ"العدوان الثلاثي" من طرف إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ردا على قرار القاهرة تأميم قناة السويس، وبعد أيام من هذا الحدث التاريخي المهم الذي كان يحظى بمتابعة عالمية، اندلعت ثورة في المجر، وسحق الجيش الأحمر التابع للاتحاد السوفيتي تلك الثورة.

تستدعي إسرائيل هذين الحدثين وهي تراقب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي استأثر باهتمام العالم منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، ويتخوَّف الإسرائيليون من أن يُحوِّل هذا الحدث نظر الدول الغربية عن إيران التي تُشكِّل تهديدا مباشرا لأمن دولة الاحتلال. وتزيد محادثات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني من مخاوف تل أبيب التي ترى نفسها الهدف الأول لهذا المشروع الإيراني الذي تصفه بـ"الخطير"، وعلى وقع هذا التهديد، بدأ صُنَّاع القرار الإسرائيليون الحديث عن إمكانية شن هجوم عسكري على إيران إن استدعى الأمر ذلك، بهدف منع طهران من الانضمام إلى مصاف الدول النووية.

استجداء ثم تهديد ووعيد

أمام ثلة من رجال جهاز مخابراته، "الموساد"، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يتوعَّد بالعمل ضد برنامج إيران النووي تحقيقا لمصالح بلاده، كان ذلك في الأول من مارس/آذار الحالي، وبدت بعض مخاوف بينيت وكأنها في طريقها للتحقُّق، بعد ظهور أخبار تؤكِّد اقتراب الولايات المتحدة الأميركية، حليف إسرائيل الأبرز، من توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران بعد شهور من المحادثات التي استضافتها العاصمة النمساوية "فيينا".

ساعتها، قال بينيت موجِّها الخطاب للحضور الذين اصطفوا في قاعة مغلقة: "تراقب عيننا الأولى الأحداث في كييف، مثل بقية العالم، لكن يجب أن تُركِّز عيننا الأخرى على ما يحدث غرب أوكرانيا، في فيينا"، مُضيفا: "مهمتكم ستكون منع إيران من حيازة قدرات نووية، أنتم تواجهون هذه المهمة منذ سنوات، وأظن أن الوقت قد حان، وأننا نقترب أكثر من أي وقت مضى من ساعة الحقيقة".

على المنوال ذاته، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للتلويح باستخدام الخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، مُستعرِضا في الوقت ذاته ذرائع إسرائيل لاتخاذ هذا الخيار، وأهمها الكميات الكبيرة من الأسلحة التي تحاول إيران تمريرها للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بحسب زعمه. وختم غانتس تصريحاته بالقول: "سواء وُقِّع على اتفاق أم لا، فلن يكون ذلك نهاية المطاف بالنسبة لنا، ولا ينبغي أن يكون التوقيع هو نهاية الطريق بالنسبة لدول المنطقة والعالم، علينا الاستمرار في العمل ضد العدوان الإيراني".

في الواقع، أصبحت مثل تلك التصريحات معتادة ومتداولة على ألسنة مسؤولي دولة الاحتلال، مُبرِّرين وعيدهم بأنه رد على توعُّد كل زعيم إيراني تولَّى السلطة بإزالة إسرائيل من الوجود. بيد أن الخطر الإيراني -من وجهة نظر الإسرائيليين- لم يعد يقتصر على تهديدات القادة الإيرانيين أو بناء ترسانات مليئة بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجَّهة نحو إسرائيل، ولكنه يتعدَّى ذلك إلى برنامج إيران النووي العسكري، الذي تضع دولة الاحتلال تقويضه أولوية قصوى، سواء كان ذلك عبر الاغتيالات المدبَّرة للعلماء الإيرانيين، أو عن طريق معارضة أي جهد دبلوماسي لا يُقوِّض طموحات إيران النووية من الأساس، بما في ذلك الاتفاق النووي لعام 2015.

لاقت رغبات إسرائيل آذانا مُصْغية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد إلغاء إدارته لاتفاق 2015، مُعيدة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، لكن آمال تل أبيب في إنهاء أحلام طهران النووية تلقَّت صدمة قوية مع انتهاء حقبة ترامب وقدوم إدارة جو بايدن التي تعهَّدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بإحياء الاتفاق النووي، إذ تشارك واشنطن حاليا في محادثات فيينا التي تهدف إلى إحياء الاتفاق مقابل رفع معظم العقوبات الدولية عن طهران.

لكن دولة الاحتلال تعارض مبدئيا أي اتفاق لا يضمن حرمان طهران من أي نوع من القدرات النووية، حتى السلمية منها، وهي ترى أن أي اتفاق لا يُحقِّق ذلك لن يُقرِّب فقط عدوها اللدود بشكل خطير من امتلاك سلاح نووي، لكنه سيسمح أيضا لطهران باستخدام الأموال التي تطالب بها (أصول مجمدة بقيمة 7 مليارات دولار) في تنمية قوتها في مختلف المجالات الحيوية وزيادة الإنفاق على تسليح وكلائها. ويذهب الإسرائيليون إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يستشرفون أن تدفع هذه الصفقة الجديدة لاعبين آخرين في الشرق الأوسط نحو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي بمنطقة الشرق الأوسط إلى سباق تسلح نووي، في حين أن دولة الاحتلال ترغب في الاحتفاظ بموقعها مُشغِّلا وحيدا للأسلحة النووية في المنطقة، ضمن برنامج ينكره الجميع بمَن في ذلك تل أبيب نفسها.

تعتمد إسرائيل في دعوتها لتقويض النووي الإيراني على عدد من التقارير الدولية، إذ أفاد تقرير حديث للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تُواصِل التقدُّم في برنامجها النووي إلى جانب المحادثات مع القوى العالمية، حيث ضاعفت كمية اليورانيوم المخصب التي تمتلكها تقريبا منذ التقرير الفصلي السابق الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وأشار التقرير الذي نشرته وكالة رويترز إلى أن كمية اليورانيوم المخصب الإيراني ارتفعت بنسبة 60% لتبلغ 33.2 كيلوغراما (73.2 رطلا)، بزيادة 15.5 كيلوغراما (34.2 رطلا) مقارنة بالتقرير السابق. هذا وتتطلَّب القنبلة الواحدة 40 كيلوغراما (88.2 رطلا) من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%.

استهداف غير مباشر

ومع تجاهل إدارة بايدن لمناشداتها، يبدو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قرَّرت التصرُّف بمفردها. وفي الثامن من مارس/آذار الحالي، أعلن الحرس الثوري الإيراني عن مقتل ضابطين من عناصره خلال قصف إسرائيلي استهدف مواقع قُرب دمشق، بعد أن نشر على غير العادة صورة تابوتين يحملان جثمان الضابطين، ولم يناور الحرس الجمهوري في بيانه الذي أصدره بهذه المناسبة، إذ وجَّه أصابع الاتهام للجيش الإسرائيلي الذي استهدف هذه المنطقة التابعة للقوات الإيرانية بالصواريخ مما أدى إلى مقتل العقيدين إحسان كربلائي ومرتضى سعيد نجاد.

كانت هذه العملية هي آخر فصول الاستهدافات الإسرائيلية لإيران والجماعات المتحالفة معها داخل الأراضي السورية، التي تعتبرها تل أبيب مضمارا مفتوحا لاستهداف مراكز القوى الإيرانية، حيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي هجماته المنتظمة على المصالح الإيرانية منذ عام 2015. ونتيجة لأهمية مثل هذه العمليات بالنسبة للقادة في دولة الاحتلال، فإنهم أظهروا تحفُّظا واضحا في إدانة روسيا بسبب غزو أوكرانيا، بسبب تخوُّفاتهم من إمكانية تقييد موسكو لعمليات الاحتلال في الأجواء السورية، وهو ما عبَّر عنه يعقوب عميدرور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق حين قال: "قلب الإسرائيليين مع أوكرانيا، بلا شك، لكن نحن بحاجة إلى حرية التصرُّف في سوريا لاحتواء الإيرانيين، لا يمكننا تجاهل حقيقة وجودهم هناك".

لم تُعوِّل إسرائيل على العمليات العسكرية الخاطفة في سماء سوريا فقط، بل عملت على استغلال الوقت المتاح لتعزيز قدراتها العسكرية في حال اضطرت إلى اتخاذ إجراءات ضد إيران، كما كثَّفت جهودها الدبلوماسية في هذا السياق أيضا، فعزَّزت تحالفها مع دول الخليج المناوئة بدورها لطهران، والراغبة في الالتحاق بمصاف القوى النووية. هذا وتتخوَّف هذه الدول من إعادة سيناريو ما بعد اتفاق 2015، حين توسَّعت قوات الحرس الثوري الإيراني في العديد من المناطق المشتعلة بالشرق الأوسط عبر تمويل الميليشيات التي تعمل بالوكالة دفاعا عن مصالح إيران في العراق واليمن ولبنان وسوريا، بجانب اجتهاد إيران في تطوير الصواريخ الباليستية، دون رد حازم من واشنطن، التي آثرت حينها السلامة بعدم التصعيد ضد إيران حفاظا على الاتفاق النووي الأخير.

تُفضِّل دولة الاحتلال إذن نهج الخيار العسكري مع إيران، رغم دعوات بعض المحللين لاستخدام مزيج يجمع بين مطارق الاقتصاد القوية (العقوبات) والردع التقني عوضا عن ذلك. والمثال الحي حسب المتحدثين أنفسهم هو نظام الليزر للدفاع الصاروخي الذي تنشره إسرائيل بالقُرب من قطاع غزة على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال، إذ يتوقَّع الإسرائيليون أن يُخضِع هذا النظام العسكري صواريخ المقاومة التي تدعمها إيران، ويطالبون بتوسيع هذا النوع من المظلات الدفاعية عوضا عن اللجوء إلى الحلول العسكرية المباشرة.

الخيار العسكري.. الحل المستحيل

يرى شلحت أن: "التحرك الإسرائيلي في حاجة إلى الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، سيكون من الصعب أن تقوم إسرائيل بأي عمل ضد إيران دون دعم أميركي".

لكن بالنسبة إلى القادة اليمينيين في دولة الاحتلال، فإن ذلك لن يكون كافيا. ففي حين تُضاعِف الأزمة الأوكرانية من الضغط على الدول الغربية للوصول إلى اتفاق سريع مع إيران، ذلك لأن فشل تلك المحادثات قد يعني ارتفاع مخاطر اندلاع حرب إقليمية جديدة واستمرار الضغط التصاعدي على أسعار النفط العالمية، تشعر إسرائيل بالمزيد من الإلحاح لتحديد اتجاهها.

ولأن دولة الاحتلال لا ترى أية صيغة إيجابية لهذا الاتفاق المحتمل، فإن التحرك العسكري ضد إيران أصبح مطروحا بقوة كما يرى أنطوان شلحت، الباحث بالمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار". وأفاد شلحت في حديثه لـ"ميدان" أن إسرائيل استخلصت العبرة من الحرب الروسية الأوكرانية، ورأت بأم عينها أن كل دولة باتت مُطالَبة بالدفاع عن مصالحها مع تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، لذلك من المرجَّح أن تتحرك للدفاع عن أمنها، خصوصا أنها تتخوَّف من انتقال عدوى التسلُّح النووي إلى دول أخرى بالشرق الأوسط، ما يعني كسر احتكار إسرائيل لهذا السلاح الذي يمنحها تفوُّقا إقليميا.

يرى المتحدِّث نفسه أن العائق الحقيقي الذي قد يمنع إسرائيل من هذا التحرك سيكون موقف الحليف الأميركي، إذ لم تنجح حكومة الاحتلال في تغيير قناعة واشنطن حول الاتفاق النووي مع إيران، ويُضيف شلحت: "التحرك الإسرائيلي في حاجة إلى الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، سيكون من الصعب أن تقوم إسرائيل بأي عمل ضد إيران دون دعم أميركي".

هذا فيما يتعلَّق بالتعقيدات السياسية، أما فيما يتعلَّق بالحسابات اللوجستية، يبدو الخيار العسكري أكثر تعقيدا من أن يضطلع به سلاح الجو الإسرائيلي في ضوء المعطيات الحالية، وفي هذا الصدد يقول يوسي ميلمان، الكاتب والصحفي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية، إن من أجل ضرب إيران سيتعيَّن على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، في أقصر الطرق، المرور فوق بلدين: العراق والأردن. ومن المحتمل أيضا أن تمر الطائرات الإسرائيلية عبر السعودية، لكن هذا قد يُطيل الطريق نحو إيران.

ويُضيف ميلمان في مقال له في صحيفة "هارتس" الإسرائيلية حول الصعوبات التي قد تواجه هذا التدخل العسكري: "وأيًّا كان الطريق الذي سيسلكه سلاح الجو الإسرائيلي، سيتعيَّن على الطائرات التزوُّد بالحمولة القصوى من القنابل والصواريخ. ورغم أن مقاتلات "إف-35″ الشبحية الجديدة مُصمَّمة خصوصا من أجل مهمة شن ضربة جوية على إيران، فإنها ستحتاج إلى إعادة التزود بالوقود في الجو، وهو ما يبطئ العملية ويزيد من خطر كشفها".

ويستبعد الكاتب الإسرائيلي سماح أذربيجان للطائرات الإسرائيلية بالعمل في أجوائها ضد إيران، إذ إن التعاون الاستخباراتي السري أمر، والعمل الحربي الإسرائيلي ضد إيران انطلاقا من الأراضي الأذرية أمر آخر، لأن من شأن ذلك تغيير قواعد اللعبة بين البلدين وفي عموم المنطقة، إذ سيُثير ذلك ردا إيرانيا غاضبا ضد أذربيجان التي لن تُحبِّذ أبدا التورُّط في حرب مع جارتها الجنوبية من أجل إسرائيل.

لا تمتلك إسرائيل العديد من الخيارات الجيدة لمواجهة إيران، فالتصعيد العسكري يحتاج إلى موافقة أميركية شبه مستحيلة، وشجاعة كبيرة في فتح جبهة حربية جديدة مع طهران، وهو يعني إشعال المنطقة أكثر مما هي مشتعلة بالفعل، ما يُعيد الاحتلال إلى المربع ذاته القائم منذ عام 2015: أي اتفاق من إيران هو أفضل من لا اتفاق، ما دامت واشنطن غير مستعدة للتورُّط عسكريا، وأي اتفاق مهما كان لا بد أن ترفضه إسرائيل ظاهريا في نهاية المطاف. تسمح هذه المناورة للاحتلال بالاستفادة من القيود التي سيفرضها أي اتفاق محتمل على طموحات إيران النووية، وفي الوقت نفسه إطلاق يدها بين الحين والآخر لاستهداف إيران ومنعها من تطوير قدرات نووية حقيقية تحت مظلة الاتفاق.

المصدر : الجزيرة