شعار قسم ميدان

التغيير حتمي.. هذا ما تخطط له "آبل" بالسنوات القادمة

midan - رئيسية ابل

بالنسبة لشركة تُجيد -وتعتمد على- التسويق مثل آبل، فإن أي جُملة تُقال، أو مُشاركة تُنشر على شبكات التواصل الاجتماعي، تكون ذات مدلول، ولعلّ تغريدة "تيم كوك" (Tim Cook) قبل مؤتمر الشركة الأخير يوم 12 سبتمبر/أيلول خير مثال على ذلك(1)، فهو وقبل البداية بدقائق أوهم الجميع أنه أخطأ ما بين الرسائل الخاصّة والتغريدات العامّة، لتكون تغريدته مُجرّد تقديم استباقي للمقطع الذي افتتحت به آبل المؤتمر الذي كشف بدوره عن هويّة جديدة بعيدا عن هواتف آيفون للمرّة الأولى منذ عقد من الزمن.

 

ثلاثة في واحد

"سنقوم اليوم بتقديم ثلاثة أجهزة ثورية، الأول هو جهاز "آيبود" بشاشة عريضة تستجيب للمس، والثاني هو هاتف ثوري، والأخير هو عبارة عن جهاز لتصفّح شبكة الإنترنت"، بهذا الشكل افتتح "ستيف جوبز" حديثه في مؤتمر آبل عام 2007 قبل تقديم هواتف آيفون للمرّة الأولى، سُرعان ما بدأ بتكرار "آيبود، وهاتف ثوري، وجهاز لتصفّح الإنترنت" أكثر من مرّة ليقوم بعد ذلك بالكشف عن اسم الجهاز الجديد، آيفون، مُغيّرا بذلك شكل الهواتف الذكية دون عودة.

   

      

وعلى الرغم من قلق جميع العاملين في آبل من دخول عالم الهواتف الذكية، فإن تلك الأجهزة ساهمت منذ عام 2011 تقريبا في أكثر من 50٪ من عائدات الشركة على فترات متقطّعة، مع وصول تلك النسبة إلى 69٪ في الربع الأول من عام 2018 على سبيل المثال، دلالة على المُساهمة الكبيرة لهواتف آيفون في قيمة الشركة التي انفجرت وتجاوزت حاجز التريليون دولار أميركي(2).

 

ولم يختلف الوضع كثيرا في 2018 عمّا كان عليه في 2007، فشركة آبل خلال مؤتمرها الأخير تحدّثت أيضا عن ثلاثة أجهزة في جهاز واحد تُتيح للمُستخدم البقاء على اتصال، وتتبّع حركته ونشاطه، إضافة إلى تتبّع حالته الصحيّة ومؤشّراته الحيوية، وهنا الحديث عن ساعة آبل الذكية، وتحديدا الجيل الرابع (Series 4)، الذي كان أول جهاز تكشف الشركة عنه خلال المؤتمر، وهي عادة بدأت فيها قبل سنوات قليلة، تُرسل رسائل خفيّة يتغاضى الجميع عنها.

 

كانت شركة آبل أول من ابتكر فئة الهواتف الذكية بشاشات تستجيب للمس الإصبع مُباشرة دون الحاجة إلى الاستعانة بأقلام ضوئية أو بمُلحقات أُخرى. كما ساهم نظام "آي أو إس" (iOS) في وضع حجر الأساس لأنظمة أُخرى مثل أندرويد الذي تغيّر كثيرا بعدما كشفت آبل عن هواتف آيفون، فالعاملون في غوغل قاموا بإعادة بناء النظام بشكل كامل لأنهم أيقنوا حجم ما قدّمته آبل في ذلك الوقت(3).

 

وفي كل عام أو عامين، حرصت آبل، على تقديم تحديث ثوري انطلاقا من هواتف آيفون "3 جي" (3G)، مرورا بهواتف آيفون 4 و"4 إس"، ووصولا إلى آيفون 5 و"5 إس" ومن بعدهم آيفون 6 و"6 بلس"، لتبدأ بعدها دورة التحديثات الثورية بالانخفاض لأن مساحة الابتكار أصبحت محدودة، ولا يُمكن بتغيير المواد المُستخدمة في تصنيع الجهاز، أو بزيادة حجم الشاشة ودقّة الكاميرات، تقديم مُنتج ثوري يُرضي الخارجين عن المألوف. ومن هنا، كان لا بُد من العثور على فئة جديدة تُرضي تلك الرغبات.

   

   

وجدت شركة آبل ضالّتها في ساعاتها الذكية، الفئة التي تختلف قليلا عن الهواتف الذكية من ناحية دورة الحياة، فالمُستخدم لا يُغيّر الساعة التقليدية كل عام، بل تجري العملية على فترات طويلة. ومن هنا، أطلقت الشركة الجيل الأول من ساعة آبل في عام 2015 وقامت بإدخال تحديثات بسيطة عليه، تارة من ناحية المواصفات الداخلية، وتارة من ناحية التصميم، دون نسيان نظام التشغيل الذي تطوّر بشكل كبير، والذي دفع شركة غوغل مرّة أُخرى لإعادة تقديم نظام أندرويد "وير" (Android Wear) بحلّة جديدة(4).

 

وبالأرقام، فإن مبيعات ساعة آبل الذكية في تصاعد مُستمر منذ الكشف عنها وحتى يومنا الحالي، فهي باعت خلال الربع الأخير من 2016 أكثر من 6 ملايين ساعة ذكية، مُسيطرة بذلك على أكثر من 50٪ من مبيعات الساعات الذكية حول العالم(5). وفي الربع الأخير من 2017، باعت الشركة أكثر من 8 ملايين ساعة أيضا، لتُصبح الساعة الأكثر مبيعا على مستوى العالم، وهنا الحديث ليس فقط عن الساعات الذكية، بل عن العادية أيضا، فساعة آبل وضعت الشركة من ناحية المبيعات في المركز الأول متفوّقة على شركات بحجم "روليكس" أو "فوسيل" (Fossil)، على سبيل المثال لا الحصر(6).

   

   

الخدمات والترفيه

وبعيدا عن الأجهزة، وبالعودة إلى تغريدة "تيم كوك"، فإن آبل وللمرّة الأولى تقريبا تقوم بافتتاح المؤتمر بمقطع ترفيهي كوميدي، وهذا لم يكن عشوائيا أبدا، بل كان يُشير أيضا إلى جزء من هويّة الشركة التي تصرف الملايين وتتعاقد مع عشرات دور الإنتاج للخروج بمُسلسلات وبرامج يُمكن لمُستخدمي خدمة "آبل ميوزك" مُشاهدتها، في محاولة لاستنساخ نجاح خدمات مثل "نتفليكس" (Netflix) لبثّ المحتوى حسب الطلب(7).

 

استفاضت آبل خلال المؤتمر كثيرا في مقاطع الفيديو، فمع تقديم كل جهاز جديد عرضت الشركة مقطعين على الأقل، واحد تقليدي يكشف عن الجهاز للمرّة الأولى، وآخر لاستعراض الاستخدامات اليومية على هيئة مقطع توثيقي، دون نسيان الإعلانات الرسمية لتلك الأجهزة أيضا. تلك الخطوة لم تأتِ من العدم، فقطاع الخدمات، الذي يضم خدمة آبل للموسيقى وخدمة الدفع الإلكتروني رفقة خدمات التخزين السحابي، في نمو مُستمر أيضا، فخلال الربع الأخير من 2017، بلغت نسبة نموّه أكثر من 35٪ تقريبا، بينما وصلت تلك النسبة إلى 19٪ تقريبا خلال الربع الأول من 2018، وهذا بالمُقارنة مع الربع نفسه من العام الماضي(8).

 

أما من ناحية المُساهمة العملية في العائدات، درّ قطاع الخدمات 4.5 مليار دولار أميركي على الأقل في كل ربع مالي منذ عام 2014، ليصل الرقم إلى 6 مليارات دولار منذ 2016 ثم إلى 8.5 مليار دولار على الأقل منذ بداية 2018، وإلى 9.55 مليار في الربع الثالث من عام 2018، ليُشكّل هذا القطاع لوحده 19٪ تقريبا من عائدات آبل خلال ذلك الربع، في وقت تراجعت فيه مُساهمة هواتف آيفون إلى 56٪ تقريبا(8)(9).

 

ابتكرت آبل في ساعاتها الذكية هذا العام بعدما قدّمت مُستشعرا لتخطيط القلب كهربائيا مع الحصول على موافقة هيئة الدواء والغذاء لاستخدامه دون مشاكل، وهذا للمرّة الأولى في ساعة ذكيّة، لتعود إلى هوايتها المُفضّلة في تقديم الابتكارات لكن هذه المرّة عبر الساعة التي ستكون الفئة الرئيسية في الفترة المُقبلة رفقة قطاع الخدمات الذي يُمثّل هو الآخر فرصة عظيمة للشركة، فالأرقام لا تكذب، ووجود أكثر من ملياري جهاز يعمل بنظام "آي أو إس" يعني مُضاعفة حظوظ شركة آبل التي تسعى لتقديم بيئة مُتكاملة لمُستخدمي أجهزتها أيًّا كانت.

   

   

خلال الفترة القادمة، واستنادا إلى تاريخ آبل، ستتحوّل الشركة من التركيز على الهواتف الذكية إلى التركيز على الساعات الذكية، وهو شيء واضح في الوقت الراهن. هذا لا يعني أنها ستتوقّف عن الابتكار في الهواتف الذكية، بل ستُعاملها مثل مُعاملة الحواسب التي كانت في يوم من الأيام كالآيفون تدرّ المليارات سنويا، بانتظار فئة جديدة تدفع الساعات جانبا وتُحفّز آبل على الابتكار من جديد.

  

دوام الحال من المُحال، وبعدما ركّزت آبل لسنوات على الحواسب، جاءت أجهزة "آيبود" لتغيير هذا الأمر، متبوعة بهواتف آيفون ثم الساعات الذكية، بانتظار النظّارات الذكية التي ستكون فئة أساسية في يوم من الأيام رفقة الأنظمة ذاتية القيادة وخصوصا في السيّارات(10)(11)، وتلك تبدّلات قادمة لا محالة، وحتى ذلك الحين، آبل لم تعد شركة آيفون فقط.