شعار قسم ميدان

حرب آبل وكوالكوم الطاحنة.. ما تهدمه المحاكم تبنيه المصالح!

Handout image released by iFixit.com shows the Qualcomm MDM9615M chip on a board of a new iPhone 5 in Melbourne, Australia September 21, 2012. iPhone 5 hit stores around the globe on Friday, with fans snapping up the device that is expected to fuel a huge holiday quarter for the consumer giant. REUTERS/iFixIt.com/Handout (AUSTRALIA - Tags: BUSINESS SCIENCE TECHNOLOGY SOCIETY) FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. MANDATORY CREDIT

يقضي خُبراء القانون في الشركات التقنية الكُبرى وقتًا طويلًا لتوطيد علاقة غريبة نوعًا ما بين الأطراف المُختلفة، فهم من جهة يُحاربون لكسب معركة قضائية ضد شركة ما، ومن جهة أُخرى يُسارعون لتوقيع اتفاقيات وعقود مع نفس تلك الشركات للحصول على تقنياتها. علاقة آبل وسامسونغ تُعتبر خير مثال على ذلك، فعلى الرغم من المعارك القضائية الطويلة إلا أن الشركة الكورية كانت المسؤولة عن إنتاج شاشات "أوليد" (OLED) المستخدمة في الجيل العاشر من هواتف "آيفون".
 
آبل طرف أيضًا في علاقة أُخرى من نفس النوع مع شركة كوالكوم التي تقوم بتزويد شرائح الاتصال بالإنترنت في أجهزة آبل الذكية، إلا أن حربًا طاحنةً تدور حاليًا بينهما في أروقة الدور القضائية حول العالم.

 

شركة كوالكوم (مواقع التواصل)
شركة كوالكوم (مواقع التواصل)

  

المصلحة أولًا

تُعتبر كوالكوم من أكثر الشركات ابتكارًا في مجال تطوير الشرائح الإلكترونية، كيف لا وهي المسؤولة عن تطوير معالجات "سناب دراغون" (Snapdragon) المستخدمة في مُعظم الأجهزة الذكية العاملة بنظام أندرويد بما فيها "غلاكسي إس 8″ و"نوت 8" من شركة سامسونغ(1)، الأمر الذي يؤكّد قوّتها. وهي أيضًا مسؤولة عن تطوير شرائح الاتصال بالشبكات، مودم أو "بيزباند" (Baseband) كما تُسمّى في عالم الهواتف الذكية.

 

منذ 2011 وآبل تتعاون مع كوالكوم للحصول على تلك الشرائح لتوفير جودة اتصال عالية في هواتف "آيفون" وحواسب "آيباد" اللوحية. لكن آبل في 2016 قرّرت اللجوء لشركة "إنتل" للحصول على شرائح اتصال منها أيضًا(2)، وهو أمر اعتبره البعض طبيعيا في ظل رغبة آبل المتواصلة في التخلّص من الاحتكار ومن الاعتماد على مزوّد واحد للمكوّنات الداخلية.

  

  

لكن هيئة التجارة الفيدرالية "إف تي سي" (FTC) كان لها رأي آخر، وكشفت أن قرار آبل في 2016 لم يأتي هربًا من الاعتماد على مزوّد واحد فقط، بل هربًا من مُمارسات تعسّفيّة قامت بها كوالكوم أُجبرت بموجبها آبل على استخدام شرائح اتصال من شركة وحيدة فقط(3). أصدرت هيئة التجارة بيانًا ذكرت فيه أن شركة إنتاج الشرائح الإلكترونية تواجه تهمة احتكارية أجبرت من خلالها شريحة من الشركات التقنية الكُبرى على التعامل معها فقط، وذلك في الفترة ما بين 2011 حتى 2016.

 

وما هي سوى أيام قليلة حتى تحدّثت آبل على العلن دون خوف، متّجهة بشكل فوري إلى المحكمة بدعوى قضائية تتهم فيها كوالكوم بالاحتكار والادعاء بامتلاك براءات اختراع لا تعود لها. ولم تكتفِ بذلك فقط، بل طالبت بالحصول على مليار دولار أميركي كتعويض عن تلك المُمارسات، الأمر الذي جعلها تبدو في موقف الأقوى، فطلب مبلغ بهذا الحجم يعني أن هناك إثباتات تؤكّد وجود احتكار ومعاملة غير عادلة. وذكرت آبل في قضيّتها أنها كُلّما ابتكرت تقنية جديدة في الشاشات، أو في مُستشعر البصمة، أو في الاتصال، كانت كوالكوم تأتي وتفرض مبالغ مالية مُدّعية أنها تقنيات وصلت إليها في وقت سابق(4).

 

وبعد اتهامات من لجنة التجارة ومن شركة آبل، خرجت كوالكوم ببيان رسمي كذّبت فيه تلك الادعاءات مؤكّدة أنها ليست صحيحة وأن ما تقوله آبل غير موجود على أرض الواقع(5). وعادت وذكرت أنها ستلجأ للمحاكم للاطلاع على ادعاءات آبل للرد عليها الواحدة تلو الأُخرى دون تردّد لأنها واثقة من كل شيء تقوم به. في ذات الوقت خرجت بعض التقارير من جهات مُطّلعة ذكرت أن أصل الحكاية يعود لانتهاك شركة آبل -دون أن تدري- لبعض براءات اختراع تعود لشركة كوالكوم بالفعل. لكن كوالكوم وعوضًا من توقيع اتفاقيات أو اللجوء للمحاكم، ذهبت لآبل وقامت بابتزازها ومنعتها من التعاون مع شركات أُخرى تقوم بإنتاج شرائح الاتصال.
 
 undefined

 
ولم تكتفِ آبل بقضية في المحاكم الأميركية، بل ذهبت صوب المملكة المُتحدة والصين أيضًا(6)(7)، على اعتبار أن كوالكوم تتعاون مع الكثير من الشركات هناك وتُمارس بتسلّط توفير التقنيات للشركات بالشروط التي تراها هي مُناسبة. وإلى جانب المليار دولار في أميركا، طالبت آبل بـ 140 مليون في الصين.

 

الرد الحازم

بعدما انتهت من البيانات الصحفية على موقعها الرسمي، تقدّمت كوالكوم للمحكمة بطعن لجميع قضايا آبل مؤلّف من 134 صفحة تشرح فيه كل شيء(8). مؤكّدة أن الهدف الأساسي من وراء تلك الضجّة هو أن تحصل آبل على تقنيات كوالكوم وحقوق استخدامها بأسعار زهيدة جدًا، الأمر الذي كانت تُطالب به سابقًا. وهنا يُمكن التطرّق لأحد اتهامات آبل التي قالت فيها إن كوالكوم تبيع التقنيات لشركات تقنية بسعر أرخص من الذي تحصل عليه آبل، فكوالكوم تُعامل آبل على أنها شركة رائدة ويجب أن تدفع مبالغ أكثر. كما تحصل كوالكوم على 5٪ من كل "آيفون" تبيعه شركة آبل. وإضافة للسابق، تدفع آبل مبلغ لقاء استخدام تلك التقنيات، وآخر ثمن الشرائح التي تحصل عليها(9).

 

وبعد الاعتراض الطويل من كوالكوم على ما قامت به آبل خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، طالبت هيئة التجارة الأميركية بمنع شركة آبل من استيراد وبيع هواتف "آيفون" في أميركا إذا كانت تستخدم شرائح اتصال من تطوير شركات أُخرى(10). كما تذرّعت بفكرة أن آبل تنتهك تقنيات طوّرتها كوالكوم في مجال الشحن كذلك، الأمر الذي شدّدت عليه مُعتبرةً أن آبل تستمر في انتهاك براءات الاختراع دون أن تدفع لقاء استخدامها.

  

 
وقفت آبل في موقف القوي عندما رفعت أربع دعاوى قضائية ضد كوالكوم التي وقفت هي الأُخرى بموقف قوّة عندما طالبت بحظر استيراد هواتف "آيفون". لكن ما جرى خلف الكواليس كان غريبًا بعد تلك الأحداث بأسابيع قليلة، فالشركة ذكرت أنها على استعداد للوصول إلى تسويات مع آبل خارج المحاكم إذا ظهرت مثل تلك النوايا(11)، وهو أمر أكّد عليه تيم كوك في وقت سابق ذاكرًا أنه يُفضّل على الصعيد الشخصي الابتعاد عن المحاكم، مُشدّدًا في نفس الوقت على أن المعارك القضائية مع كوالكوم قد تستمر لفترة طويلة، وهذا يعني جدّية في موقف آبل القضائي.

 

واجهت كوالكوم بعد تلك المواقف ما لم يكن متوقّعًا، تحالف تقني يضم شركات كُبرى على غرار سامسونغ وغوغل وفيسبوك وإنتل، هدفه الوحيد هو منع مُمارسات كوالكوم الاحتكارية على اعتبار أنها ستؤذي السوق مع مرور الوقت لو استمرّت بهذا الشكل(12). دافعت تلك الشركات بضراوة عن هواتف آبل ذاكرة أن منع استيرادها بسبب تلك الحجج يُشكّل صفعة قوية في وجه الابتكار، وهي حجج يبدو أنها ساهمت في النتيجة النهائية للمحكمة التي رفضت دعوى كوالكوم وبالتالي لن يتم منع استيراد هواتف آبل من الصين، ولا منع بيعها في أميركا كذلك(13).

 

 
ولزيادة الطين بِلّه، خرجت هيئة التجارة التايوانية في (أكتوبر/تشرين الأول) 2017 بقرار تُغرّم فيه كوالكوم بـ 773 مليون دولار أميركي بسبب مُمارسات احتكارية امتدت لسبع سنوات على الأقل قامت من خلالها بالامتناع عن تقديم تقنياتها للشركات التي لا تمتثل لشروطها(14). صحيح أن كوالكوم استهجنت ووعدت بالطعن، إلا أن دعوى من هيئة التجارة الأميركية مع بداية العام وأُخرى مع نهايته تعني أن هناك شيء حاصل بالفعل في مجال الاحتكار.
 

أصحاب السوابق

بعد تلك الصفعة، قامت كوالكوم بردّة فعل تُشبه الأفعى التي تُقاتل قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حيث قامت بتوجيه دعوى قضائية ضد آبل في الصين لمنع إنتاج وبيع هواتف "آيفون"، ومن جديد كان انتهاك براءات الاختراع هو السبب وراء تلك الدعوى(15). لكن هذا لم يحديث إلا بعدما قامت آبل بالامتناع عن إرسال دفعة مُترتبة عليها لكوالكوم لقاء استخدام بعض التقنيات تصل إلى مليار دولار أميركي. ليس هذا فحسب، بل طلبت آبل أيضًا من بعض الشركات الأُخرى بالامتناع عن إرسال الدفعات(16)، الأمر الذي سببّ مشاكل لكوالكوم على الصعيد المالي وهو بدا واضحًا خلال الإعلان عن النتائج المالية الفصلية.

 

 
ولأن الدُخان لا يتصاعد من دون نار، فإن تاريخ كوالكوم الأسود في المجال الاحتكاري قد يلعب ضدّها في هذه الحرب التي تشنّها الشركات التقنية الكُبرى، فهي في (فبراير/شباط) 2015 وجدت نفسها مُذنبة وبحاجة لدفع غرامة تصل إلى 975 مليون دولار أميركي لأنها رفعت أسعار براءات اختراعها ولم تحتسبها بشكل عادل لجميع الشركات(17)، الأمر الذي ذكرته آبل في الدعوى القضائية الأولى. كما وجدت هيئة مكافحة الاحتكار في كوريا الجنوبية أن كوالكوم قامت بممارسات احتكارية تمنع المنافسة لتُغرّم مع نهاية 2016 بمبلغ 854 مليون دولار أميركي(18).

 undefined

 
تبني تلك الفوضى القانونية في مُخليّة مُتابعي القضيّة وجود حائط صلب بين آبل وكوالكوم لا يُمكن القفز فوقه، حائط لن يُهدم إلا مع انتهاء الدعاوى القضائية تلك. لكن الواقع عكس ذلك، ففي ظل السجالات في المحاكم وتراشق الاتهامات استخدمت آبل شرائح إلكترونية من إنتاج كوالكوم في هواتف "آيفون 8″ و"8 بلس" الصادرة مع نهاية (سبتمبر/أيلول) 2017، وقد تكون مُستخدمة كذلك في هواتف "آيفون إكس" التي ستبدأ بالوصول مع بداية (نوفمبر/تشرين الثاني)(19)، ليتكرّر بذلك سيناريو آبل وسامسونغ التي قامت بنسخ تصميم هواتف آيفون وواجهات نظام "آي أو إس"(20). لكنها وعلى أرض الواقع، تقوم بتزويد آبل بشرائح التخزين الموجودة داخل مجموعة كبيرة جدًا من أجهزتها منذ فترة طويلة، وهذا يعني أن ما تهدمه المحاكم تبنيه المصالح.

المصدر : الجزيرة