شعار قسم ميدان

ممر الشك والحفرة والجيوب.. مصطلحات كروية لا تعلم عنها الكثير!

"منزل!"، "منزل!"، هذا ما كان يسمعه الإنجليزي روبرت فالكنر المُنتقِل حديثا إلى أيرلندا كلما استحوذ على الكرة؛ بمجرد أن تصله يصرخ عليه زملاؤه وأصدقاؤهم الذين احتشدوا لمشاهدة المباراة الودية في المتنزه: "منزل!"، "منزل!"، وكأي غريب يصطدم بعادة راسخة في بلد جديد، تردَّد فالكنر في السؤال عن معنى الكلمة وعلاقتها بكرة القدم، حتى استجمع شجاعته بعد 6 أشهر كاملة، ليكتشف أنها طريقة الأيرلنديين في إخبارك بأن تُظهِر "رجولتك" أثناء اللعب. (1)

 

طبعا أنت تعلم أننا لم نتوقَّف عند هذه الحكاية، وتعلم أننا حاولنا أن نفهم كيف تحوَّل المنزل إلى عبارة تشجيعية ذكورية، ولكننا فشلنا للأسف. الأمر ليس مقصورا على الأيرلنديين، بل إن هناك العديد من المصطلحات العجيبة التي نسمعها من أفواه المُعلِّقين واللاعبين والمدربين دون أن نفهم معناها، ولا كيف تحوَّر استخدامها الأصلي ليقودها إلى ملاعب كرة القدم.

 

طبعا نحن نعلم أن هذا التقرير يبدو تقليديا للغاية من عنوانه، ولكن متى كانت عناويننا تُعبِّر بدقة عمّا تحويه روابطها؟ لدينا أزمة مستمرة مع العناوين كما تعلم، وقد تكون تلك إحدى حلقاتها التي لا تنتهي، ولكننا نعدك أنك -كالعادة- ستخرج من هذا التقرير ذي العنوان التقليدي وقد عرفت المزيد عن كرة القدم. فلنبدأ إذن.

 

كتاب الخلاط لمايكل كوكس

أغلب هذه المصطلحات نشأت في إنجلترا وما حولها، وبالطبع نالت شعبيتها وانتشارها لأسباب لغوية ولوجيستية مفهومة. المصطلح الأول الذي قرَّرنا أن نخبرك عنه هو ذلك الذي اتخذه مايكل كوكس -أحد أشهر المحللين التكتيكيين في العالم حاليا- عنوانا لكتابه (2)؛ الخلّاط (The Mixer).

 

يتحدَّث كتاب كوكس عن تاريخ تطوُّر الطرق التكتيكية في البريمرليغ منذ نشأته، وإن كان هناك شيء واحد قد ميَّز هذه المسابقة عبر تاريخها وصنع هويتها التكتيكية لفترات طويلة فهو الكرات العالية والطولية، التي يرسلها مدافعوك نحو منطقة جزاء الخصم، ليتجاوزوا عملية بناء اللعب بأكملها ويختصروها في تمريرة واحدة. (3)

 

الخلّاط (The Mixer) هو الاسم الذي شاع بين الإنجليز ليصف المساحة التي تقع بين علامة الجزاء وخط المرمى، التي كانت تسقط فيها أغلب تلك الكرات الطولية العالية، سواء كانت من لعب مفتوح أو من ركلات ثابتة. (4)

 

سبب التسمية واضح بالطبع، ولكن الحقيقة أن الخلّاط الإنجليزي كان أكثر عشوائية من أي خلّاط آخر، فلا يُنتظر منه أن يمزج العصير بتركيز معين مثلا، أو ينتج تركيبة الخرسانة المناسبة بمقادير محددة، بل تُلقى فيه أكبر الأطوال والقامات، والبقاء للأقوى والأطول.

 

نحن لا نعلم أبعاد ممر الشك بالضبط. هذه هي المعلومة الأولى التي يُخبرك بها آدم هوري محرر "ذا أثلتيك"، الذي يُقدِّم بثا صوتيا أسبوعيا بعنوان "Football Cliches" يتحدَّث فيه عن الأفكار والمصطلحات المكررة والمبتذلة في كرة القدم، وبالطبع ممر الشك واحد منها. (5)

 

المقصود بالمصطلح هو المساحة التي غالبا ما تقع على حدود منطقة الياردات الست داخل منطقة الجزاء، الممر الذي يتوسط المسافة بين حارس المرمى وآخر مدافعيه، وسُمي بهذا الاسم لأن العرضيات التي تمر عبره غالبا ما تُثير الارتباك والحيرة بين الحارس والمدافعين؛ هل يجب أن يخرج الحارس؟ هل هي مسؤوليته؟ هل يجب أن يتكفَّل المدافع بها؟ أي وضعية نتحدَّث عنها بالضبط؟ هل هي عرضية بسرعة تسديدة مثل تلك التي يُطلقها ألكسندر أرنولد؟ أم أنها عرضية مقوسة بسرعة متوسطة مثل عرضيات روبرتسون؟ (6)

 

في اللحظة التي تدور فيها كل تلك الأسئلة في رأس المدافعين وحارسهم يكون المهاجم قد استغل الموقف وسدَّد الكرة، ببساطة لأنه الشخص الوحيد في هذا الموقف الذي لا يملك ذرة شك واحدة فيما يجب عليه فعله.

يُقال إن أصل المصطلح يعود إلى لعبات أخرى مثل البيسبول والكريكيت؛ في الأولى مثلا يُعتبر ممر الشك هو المساحة التي تقع عند طرف مضرب الضارب، التي تصل فيها الكرة عادة إلى أقصى تقوس لها، فتُعطِّل قراره لأنه لا يستطيع تقديرها بدقة، ويخشى أن يضربها بطرف مضربه لأن أقل خطأ سيؤثر تأثيرا ضخما على اتجاه الكرة.

 

ربما سمعت عنها من قبل؛ الحفرة (The Hole)، كما يُعرِّفها قاموس كامبريدج باختصار، هي المساحة الواقعة بين مدافعي الخصم ولاعبي وسطه في الحالة الدفاعية، التي عادة ما ينشط فيها صانع الألعاب التقليدي رقم 10 الذي أوشك على الانقراض. (7)

 

لا نعلم لماذا سُميت بالحفرة تحديدا، ولكن السبب غالبا أنها المساحة التي يخشى المدافعون أن يتقدَّموا إليها فيتركون المساحات خلفهم، ويخشى لاعبو الوسط أن يتراجعوا إليها فيتركون المساحات أمامهم، لهذا هي مساحة يصعب التحكُّم فيها إلا في إطار تكتيكي جماعي يضعه المدرب، ويصعب ترك مهمة تغطيتها للقرارات الفردية والظروف. يمكنك اعتبارها ممر شك آخر ولكن في مساحة مختلفة من الملعب، الفكرة نفسها تُستخدم مع المساحة التي تقع على أطراف منطقة الجزاء أثناء العرضيات والركلات الركنية، مع اسم آخر يدل على الشك والصراع هو "أرض اللا أحد" (No Man’s Land). (1)

 

في مساحة كتلك تُصبح اللمسة الأولى من أهم ما يمكن. جنوب الأفريقي الرائع ستيفن بيينار، صانع ألعاب إيفرتون وأياكس السابق، كان يقوم بعدة تدريبات خاصة على انفراد ليزيد من قدرته على التحكُّم في الكرة بمجرد أن تصله في هذه المساحة، فكان يصفّ مجموعة من الأقماع في شكل ربع دائري في أحد أركان صالة الألعاب الرياضية، ليحصر نفسه في مساحة ضيقة أمام حائطين عموديين، ثم يتبادل ركل الكرة نحو كل حائط واستقبالها حتى يُعوِّد نفسه على الاستدارة السريعة والتصرُّف بالكرة. (8)

هذا هو ما حوَّل هاري كين إلى صانع ألعاب فذ في الأعوام الأخيرة، فبالإضافة إلى بنيته القوية، فإن قدرته على ترويض أي تمريرة عمودية خارقة فعلا؛ مهما كانت قوة التمريرة وسرعتها فهو قادر على امتصاصها بلمسة واحدة، وأحيانا قد يقوم بحركتين في اللمسة ذاتها، الامتصاص والاستدارة، وهذا ما يجعل السيطرة عليه صعبة للغاية. (9)

 

القاعدة تقول إن كل حفرة (Hole) هي جيب (Pocket) أيضا، ولكن العكس ليس صحيحا؛ ليست كل جيب حفرة. الجيوب هي المساحات ذاتها بين خطوط الخصم ولكن بعرض الملعب كاملا، وسُميت بهذا الاسم لأنها مساحة ضيقة للغاية تقع بين سطحين متوازيين، مثل الجيوب بالضبط.

 

في الواقع، التطوُّر الذي وقع في تسمية هذه المساحات من استخدام مصطلح الحفرة إلى مصطلح الجيوب يمكن ربطه بالتطور التكتيكي وانتشار خطة الـ4-3-3 في العقود الأخيرة بعد عقود من سيطرة 4-4-2 و4-2-3-1 بمشتقاتها. (10) (11)

 

4-2-3-1 كانت تعتمد على صانع ألعاب أو مهاجم ثانٍ متأخر في العمق وظيفته أن يشغل الحفرة، وهو ما استعاضت عنه الـ4-3-3 بتوزيع الدور على أكثر من لاعب يمكنهم استغلال المساحة ذاتها على أطراف الملعب وفي أنصاف الفراغات (Half Spaces). أيضا في كثير من الأحيان تكون الجيوب مساحة مهمة للأجنحة العكسية (Inverted Wingers)، وصناع اللعب الطرفيين (Wide Playmakers) لاستلام الكرة والتدرُّج بالهجمة. لاعبون مثل إنسيني وهازار وميسي ونيمار قضوا فترات طويلة من مسيرتهم في الجيوب ينتظرون التمريرة العمودية السليمة.

 

إن لم يكن أيٌّ مما سبق جديدا على مسامعك فـ "Suffoco" سيكون كذلك قطعا. أول مَن صك المصطلح كان سام تاي مُحرِّر "Bleacher Report" في حوار مع مايكل كوكس، صاحب مدونة "Zonal Marking"، عبر البث الصوتي الأسبوعي الذي يحمل الاسم نفسه على "ذا أثلتيك". (12)

 

"Suffoco" ليس مركزا جديدا، بالأحرى هو دور مختلف للاعب رقم 10 الذي يشغل الحفرة (The Hole)، وقد استُحدِث لمواجهة صانع الألعاب المتأخر -المدير أو "Regista" بالإيطالية- الذي يتحكَّم في إيقاع فريقه ويلعب دورا كبيرا في تقدُّم الكرة وتدرُّجها عبر خطوط الضغط. المثال الأوضح على "Regista" هو أندريا بيرلو طبعا، بينما المثال الأوضح على نقيضه "Suffoco" هو لاعبون من طراز مروان فيلايني وراؤول غارسيا، يشغلون المركز رقم 10 فراغيا فقط، ولكن بمهام دفاعية في الأساس تتعلَّق بالضغط واستخلاص الكرة في مناطق متقدِّمة وهدم مرحلة الخروج بالكرة عند الخصم.

 

على الأرجح يعود أصل المصطلح للفظة "Suffocate" الإنجليزية التي تعني الخنق. طبعا لا داعي لذكر مَن المقصود بالخنق هنا.

 

القنوات هي طريقة عملية لتقسيم الملعب إلى 5 حارات رأسية أساسية. بعض المدربين يستخدمون 7 حارات وأحيانا 9، والهدف هو تمكين المدرب من توزيع لاعبيه بشكل يخلخل خطوط الخصم الأفقية ويُجبرها على التمدد بعرض الملعب حتى تظهر الفراغات التي يمكن اختراقها من قِبَل الأجنحة السريعة أو الأظهرة الهجومية. (1)

———————————————————————————–

المصادر

  1. 11 مصطلح مجرد في كرة القدم غير حقيقيون في الحياة الواقعية – Balls
  2. كتاب The Mixer لمايكل كوكس؛ تاريخ الطرق التكتيكية للبريمرليغ – Amazon
  3. كرة القدم التي تعيد نفسها – ميدان
  4.  ألق بنفسك في الخلّاط! – Four Four Two
  5. ما هو ممر الشك؟ – Tifo Football
  6. محمد صلاح يتحدث عن خوفه من عرضيات أرنولد التي تشبه الرصاصات! – Empire of the Kop
  7. اللعب في الحفرة – Cambridge Dictionary
  8. اللعب في الحفرة – Four Four Two
  9. متى تحول هاري كين إلى صانع ألعاب؟ – Tifo Football
  10.  العثور على الجيوب الإيجابية – Elite Soccer Coaching
  11. تحركات لاعبي الوسط للعثور على الجيوب – Youtube
  12. مصطلحات تكتيكية عالمية يجب أن تعرفها – Bleacher Report
المصدر : الجزيرة