شعار قسم ميدان

كيف نفهم الفن؟.. 7 مساقات أكاديمية حول تاريخ الفن

PAINT
في عام 1787 انتهى جاك لوي دافيد من رسم لوحته الشهيرة "موت سقراط"، التي تعتبر نموذجا مثاليا لعصر الكلاسيكية الجديدة في فرنسا، التي تأسست على يد دافيد نفسه. عندما ننظر إلى هذه اللوحة يمكننا أن نستمتع بجمالها، دون أن نعرف أي شيء عنها.
 

من نظرتك الأولى إلى اللوحة سترى صفاء المشهد، وقوة الرجل الذي يجلس في المنتصف، سيلفت انتباهك على الفور الكأس واليد الممتدة إليها، وستنتبه لزوايا الضوء الذي يخفت كلما اتجهنا للأطراف وتتركز بؤرته الأساسية على جسد الرجل الجالس في المنتصف، من العنوان سنعرف أن دافيد يصور المشهد الشهير لموت الفيلسوف سقراط، الذي حكاه أفلاطون في محاوراته عن الروح (حوار فيدون).

في ذلك الوقت دانت محكمة أثينا سقراط بالكفر بآلهة المدينة وإفساد شبابها، وحُكم عليه بالموت عن طريق شرب سم الشوكران، كما يوضح أفلاطون في محاورة أخرى هي "محاورة كريتو"، كان من الممكن لسقراط أن يهرب من المنفى، لكنه اختار الموت لكي يعلم تلاميذه درسه الأخير، أن الفيلسوف لا يخاف من الموت.

لوحة
لوحة "موت سقراط" للرسام جاك لوي دافيد.

اختار دافيد أن يرسم اللحظة التي يمسك فيها سقراط جرعة السم وهو يتحدث مع تلاميذه حول فكرة خلود الروح، من الواضح من نظرته أنه لا يبالي على الإطلاق بما هو مقبل عليه، فيده تتجه نحو الكأس الممتلئ بالسم لكن تركيزه ونظراته بالكامل في اتجاه التلاميذ.

يواجه سقراط أداة موته بشجاعة هائلة، يمسك بها في يد وباليد الأخرى يشير في قوة إلى الحياة في العالم الآخر الذي سيذهب إليه، رسم دافيد سقراط بطريقة مثالية؛ فالرجل كان في السبعين من عمره، أقل جمالا وأقل قوة أثناء مواجهة الإعدام مما هو عليه في هذه اللوحة، لكن دافيد جعله أكثر الشخصيات إشراقا، فرسمه في زي أبيض ورسم الشخص الذي يمده بسم الإعدام يلبس هو اللون الأحمر.

لقد كان سقراط بالنسبة لدافيد رمزا للثبات على المبادئ المجردة عند مواجهة الموت، رمزا لانتصار القوة على العواطف والرغبات، وهذه هي الرسالة الأخلاقية التي أراد دافيد إيصالها للفرنسيين قبل الثورة الفرنسية بعامين، حيث كان الحكم الملكي في انحدار والمصلحون يحاولون إقرار الديمقراطية المشابهة لزمن سقراط.

أسس دافيد الكلاسيكية الجديدة لأنه كان رافضا للقيم التي يتبناها العهد الملكي، والكلاسيكية الجديدة تأثرت بالبساطة التي تميز بها الإغريق والرومان القدامى، كما كانت تعرض أفكارها بقوة، وكان هذا التوجه مغايرا تماما لمدرسة الروكوكو التي كانت تعرض أسلوب الحياة المبهرج والتلذذي للعهد الملكي.

هكذا نحن لا يمكننا فهم لوحة موت سقراط بمعزل عن السياق التاريخي والاجتماعي لدافيد والمجتمع الفرنسي في ذلك الوقت؛ فإذا كان الفن يتعامل بشكل أساسي مع عالمنا المرئي إلا أنه يخاطب الفكر أيضا، فالكثير من الأعمال الفنية التي استطاع تاريخ الفن أن يسجلها حتى يومنا هذا، مكنتنا من فهم الكثير من القضايا التي لم نتمكن من قراءتها في كتب التاريخ، لكن الفنان استطاع أن ينقلها لنا بشكل أكثر صدقا من الكثير من المصادر الأخرى.

في هذا السياق، يوجد عدة مساقات تقدم محاضرات أكاديمية ثرية عن تاريخ الفن، خصوصا الفن التشكيلي والمرئي، هذه المساقات متوفرة إلكترونيا ومتاحة للجميع، تقدمها جامعات عالمية عدة من خلال منصات احترافية، تغطي هذه المواد مجالات معينة في الفن، بالطبع لا تغطي كل مجالات الفن المعروفة أو ما يحمله المصطلح في عموميته، لكنها تغطي مجالات الرسم والتصوير بالألوان والنحت (الفنون الجميلة)، سنجد أيضا بعض المواد تتطرق أيضا إلى الفنون التطبيقية والعمارة.

تستهدف هذه المواد المثقف الذي يرغب في تعميق معرفته بثقافة الصورة، والمستثمر الذي يسعى لاقتناء الأعمال الفنية، والفنان التشكيلي الذي لا يود أن يبدأ من فراغ، ويريد أن يبدأ من حيث انتهى من سبقوه، ليبتكر طرقا جديدة للتعبير في أعماله.

في نهاية هذه المساقات سيتمكن الدارس من تكوين فكرة عامة عن تاريخ الفن خصوصا الفن الحديث، وسيكون أكثر مهارة في قراءة الأعمال الفنية بناء على خلفية الفنان وثقافته، والمميز أن هذه المساقات لا تستلزم خلفية متخصصة.

الحداثة في الفنون البصرية

 

مقدمة المساق
هذه المادة هي المادة الوحيدة المقدمة باللغة العربية من بين المواد المقترحة، تحاضر في هذه المادة المقدمة عبر منصة رواق الإلكترونية، د.مها بنت عبدالله السنان، أستاذة تاريخ الفن المساعد في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وهي كاتبة زاوية "إيقاع" في صحيفة الجزيرة التي تصدر عن مؤسسة الجزيرة، ولها مؤلفات عدة متخصصة في الفن المعاصر.

تهتم هذه المادة بتعريف المفاهيم المتنوعة للفن مثل: تاريخ الفن، ونشأة الفنون، والحداثة، ومفهوم ما بعد الحداثة، وتشرح من خلالها د. مها بوادر التحول من بعد عصر النهضة الذي مهد للحداثة في الفنون، ثم تعرض بعض أشهر المدارس الفنية الحديثة مثل التأثيرية والتكعيبية والتجريدية والدادية والسريالية، وتناقش الصراعات الفنية المتأخرة في القرن العشرين مثل التجريدية التعبيرية والبوب آرت والمفاهيمية، ثم تعطي نبذة مركزة عن التحولات الحديثة في الفن في المنطقة العربية عموما وفي السعودية على وجه الخصوص، هذا المساق متاح على موقع رواق كمادة مؤرشفة يمكن الاطلاع عليه في أي وقت.

الفن الأوروبي.. من ليوناردو دافنشي حتى رامبرنت وجويا

 

مقدمة المساق
يَعِد هذا المساق بتجربة مشاهدة بصرية غاية في الروعة، (اللوحات في هذه المادة صُورت بدقة بالغة، وعند تحميل المحاضرات يمكنك اختيار تحميلها مصحوبة بموسيقى خاصة) ويكشف هذا المساق المعنى وراء لوحات كبار فناني عصر النهضة في الفترة من 1400 حتى 1800، بداية من ليوناردو دافنشي مرورا بكارافاجيو، وفيلاسكيز، ورامبرانت، وفيرمير وجويا.

سيتعلم الدارس خلال هذه المادة كيف يميز أسلوب كل فنان في الرسم، وسيتعرف على الطرق المختلفة التي يمكنه من خلالها تفسير العمل الفني، يمد هذا المساق المتعلم بالأدوات التي تنمي لديه الحس النقدي، لكي يكون قادرا على تكوين وجهة نظر خاصة به حول الأعمال الفنية وتاريخ الفن، سيتعرف أيضا على المصطلحات الأساسية المتعارف عليها في تاريخ الفن والتي ستمكنه من مواصلة دراسته بعد ذلك إن أراد.

كما يركز هذا المساق على مد الدارسين بنوع من المعرفة الفنية التي يمكنهم من خلالها فهم الحياة نفسها وفهم تجربة الوجود في هذا العالم.

كلاسيكيات الفن الغربي والصيني 

 

مقدمة المساق
هذا المساق البيني يقدم تاريخ الفن من منظور تخصصات عدة مختلفة، مثل علم الجمال، والتاريخ الثقافي والفكري للمجتمعات التي وجد فيها، ويعرض الجوانب المشتركة بين الفن الغربي والفن الصيني، ويطرح العديد من الأسئلة والقضايا الروحانية التي يعالجها الفن للنقاش، أسئلة حول أصل الإنسان والوجود.

من خلال هذه المادة ستتعرف على أهم الأعمال الفنية والفنانين ونظريات علم الجمال في الفن الغربي والصيني، وسوف تتعلم كيف يمكن للفن أن يكون مفيدا في تحليل الأحداث الحالية وشرح التقاليد والثقافة والمجتمع، وتهتم هذه المادة أيضا بتقديم مقارنات بين الفن الصيني والفن الغربي وبين ما هو تقليدي وما هو حداثي، والتي من خلالها سيتمكن الدارس من اكتساب المهارات النقدية التي ستساعده على قراءة الفن من الخلفيات الثقافية المختلفة.

خان أكاديمي: تاريخ الفن

 
مقدمة المادة
ربما تُعد المواد التي يقدمها موقع خان أكاديمي، الأكثر شمولا من بين كل المواد المطروحة، وتتنوع هذه المواد ما بين المرئي والمقروء وتتميز بالبساطة والطرح الماتع أيضا، فالموقع مورد رائد لدراسة الفن والتراث الثقافي، ويغطي تاريخ الفن من العصور الحجرية حتى عصرنا الحالي.

تقدم هذه المواد بالتعاون مع أكثر من 200 من مؤرخي الفن وعلماء الآثار وأمناء المتاحف والعديد من المتخصصين الراغبين في جعل تاريخ الفن متاحا بجودة أفضل وبشكل مجاني للجمهور.

  

الفن والثقافة في القرن التاسع عشر
لوحة
لوحة "ليلية نجمية" للرسام فينسنت فان جوخ – 1889م (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

هذا المساق المتخصص في تاريخ الفن، يتقصى دور الطليعيين الفرنسيين في تطوير أشكال جديدة ومناهج حديثة للفن في القرن التاسع عشر، تتناول مواده أهم القضايا الجدلية التي أثيرت في هذا الوقت بداية من الواقعية حتى ما بعد الانطباعية، والتحديات التي واجهتها هذه الأساليب الجديدة أمام القواعد الأكاديمية، والارتباك الذي سببته الموضوعات التي قدمتها الحركة الطليعية للمشاهد في العصر الحديث، وبنهاية هذه الدورة ستكون على دراية بقضايا الحداثة والطريقة التي عالج بها الفن هذه القضايا، كذلك ستتعرف على التأثير العميق الذي تركه فن القرن التاسع عشر على أوربا وعلى أفكارنا المعاصرة حول ما هو حديث.

لحظات مؤثرة في تاريخ الفن الغربي
لوحة
لوحة "انطباع شروق الشمس" للرسام كلود مونيه

يقدم هذا المساق للدارسين أهم اللحظات والمعالم المؤثرة في تاريخ الفن الغربي، وكيف شكلت هذه اللحظات تاريخ الثقافة الغربية، ولا يقتصر المساق على تأثير هذه المعالم على الفنون البصرية فقط، بل قدم أيضا كيف أثرت على جميع الفنون بما فيها الأدب والموسيقى، وكيف شكلت هذه التغييرات الكبيرة الطريقة التي نفهم بها الفن الآن، سيتعلم الدارس كيف كان الفن يُفسر، وكيف يمكن تفسيره الآن عن طريق العلاقة اللانهائية المعقدة بين الفن والفنان والمشاهد، والوقت والمكان والثقافة التي ينتمي إليها كل منهم.

جولة في الحداثة: من الطليعية الفرنسية إلى البوب آرت وما بعده
لوحة
لوحة "مارلين مونرو" للفنان آندي وورهول
 يركز هذا المساق التفاعلي على تاريخ الفن الحديث وفن ما بعد الحداثة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، من فن الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي، سيتعرف الدارس كيف يمكن للتعبير الجمالي أن يعكس واقعا سياسيا واجتماعيا أكبر وكيف يكون الفن مقياسا لتجربة الحياة في العالم الحديث، وبالإضافة للمواد شديدة الأهمية والمراجع التي يوفرها هذا المساق، فهو أيضا يدرب الدارس على طرق جديدة لرؤية ومراقبة عالمه المعاصر.

في النهاية، سوف تظل عملية التذوق الفني عملية حدسية ذاتية تختلف باختلاف بيئة وثقافة وظروف كل إنسان، لكن هذا لا ينفي أهمية النضج الفكري لدى المتلقي، فليس من السهل على مشاهد لم يعتد تقاليد الرؤية الفنية أن يتذوق لوحة أو تمثالا من النوع الطليعي أو التجريبي. إن وجود أرضية مشتركة بين الفنان والمشاهد يساعد في نقل التجربة السيكولوجية بكل أبعادها الجمالية للمشاهد، فتجربة مشاهدة الفن هي تجربة جمالية سيكولوجية تعيد تشكيل أحاسيس المشاهد وتنسقها، ما يمنحه إشباعا نفسيا لا توفره له حياته اليومية المشوشة.

المصدر : الجزيرة