الاتحاد العام التونسي للشغل أحد أكبر المنظمات العمالية في تونس

الاتحاد العام التونسي للشغل المصدر: الاتحاد العام التونسي للشغل
الشعار الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل (صفحة الاتحاد على فيسبوك)

منظمة نقابية مركزية تونسية أسسها فرحات حشاد في 20 يناير/كانون الثاني 1946، وهي امتداد لتجارب نقابية سابقة منذ أوائل القرن الـ20. لعبت دورا محوريا في النضال ضد الاستعمار الفرنسي ثم في الحياة السياسية والاجتماعية بعد الاستقلال، كما قادت عددا من التحركات الاجتماعية والإضرابات. وبرزت بقوة في المحطات المفصلية من تاريخ تونس.

النشأة والتأسيس

تعود بدايات العمل النقابي في تونس إلى أوائل القرن العشرين، عندما شرع التونسيون منذ عشرينيات وثلاثينيات ذلك القرن في تنظيم صفوفهم للمطالبة بحقوقهم المهنية والاجتماعية، بعد سلسلة من المحاولات الرامية إلى إنشاء كيانات تدافع عن مصالح العمال.

كانت النواة الأولى للعمل النقابي عبر انخراط العمال التونسيين في نقابات القطاع الصناعي، والتي أنشأها بالأساس عمال أوروبيون جلبتهم فرنسا عقب احتلالها لتونس عام 1881. وكان أول إضراب نقابي مُعلن نُفذ في 8 سبتمبر/أيلول 1900، بقيادة عمال السكك الحديدية الذين كان معظمهم من الفرنسيين.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ظهرت مبادرات تونسية لتأسيس تنظيم نقابي وطني مستقل، تجسدت في سلسلة إضرابات انتهت بتأسيس محمد علي الحامي جامعة عموم العملة التونسية عام 1924. غير أن هذه التجربة لم تستمر، إذ حاكمت السلطات الاستعمارية قادة النقابة في نوفمبر/تشرين الثاني 1925، وأقدمت على نفي بعضهم وعلى رأسهم الحامي، خارج البلاد.

وفي 1937، جرى إحياء المشروع النقابي عبر تأسيس "جامعة عموم العملة التونسية" مجددا، برئاسة بلقاسم القناوي، إلا أن خلافات سياسية بينه وبين الحزب الحر الدستوري الجديد -تحديدا حول موقفه الرافض للمشاركة في الإضراب العام- أسفرت عن حل المنظمة، وهو ما استغلته السلطات الاستعمارية لتقويض هذا الكيان النقابي الوليد.

وقد استفاد العمال التونسيون من التجربة النقابية الأوروبية، وخاصة من احتكاكهم بنقابة الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية.

وفي أواخر عام 1944، تأسست نقابات عمالية مستقلة في الجنوب التونسي ثم توسع التنظيم لاحقا ليشمل نقابات في الشمال. وضُمت "الجمعية التونسية للموظفين" إلى هذا الحراك النقابي، مما ساهم في توسيع قاعدة الاتحاد العام.

وعقب مؤتمر انعقد في المدرسة الخلدونية بتونس العاصمة في 20 يناير/كانون الثاني 1946، تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل بحضور نحو 12 ألف شخص. وكان من أبرز قادته فرحات شحات الذي يُنسب إليه الفضل في التأسيس، ومحمد الفاضل بن عاشور أول رئيس للاتحاد.

إعلان

التوجه الأيديولوجي

يُعرّف الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه بأنه منظمة نقابية وطنية ديمقراطية مستقلة عن أي تشكيل سياسي، تستمد شرعيتها وقوتها وقراراتها من القواعد العمالية.

وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد، فإنه يهدف إلى "توحيد وتنظيم جميع العاملين بالفكر والساعد -بمن فيهم المتقاعدون- على المستوى الوطني، والعمل على النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والارتقاء بوعيهم والدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية".

ويضيف الاتحاد أنه يعمل من أجل:

  • إنشاء اقتصاد وطني مستقل متحرر من كل تبعية، وتحقيق توزيع عادل للثروات الوطنية بما يضمن طموحات جميع العاملين والفئات الشعبية.
  • الدفاع عن الحريات العامة والفردية وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
  • دعم الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من أجل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة العربية وبناء التكامل الاقتصادي والعمل على تحقيق الوحدة العربية وخدمة قضاياها.
  • دعم منظمة الوحدة النقابية الأفريقية والتعاون مع الحركات النقابية العمالية في العالم وفقا لمبادئ الاتحاد العام التونسي للشغل.
  • مؤازرة وتدعيم الحركات النقابية العمالية المضطهدة، ومساندة جميع الشعوب المكافحة من أجل استرداد سيادتها وتقرير مصيرها ودعم نضال حركات التحرر في العالم.

محطات تاريخية

كانت مواجهة الاستعمار الفرنسي الحلقة الأولى في سلسلة المواجهات التي خاضها الاتحاد العام التونسي للشغل، ومن أبرز الأحداث التي ميزت كفاحه ضد الاستعمار أحداث أغسطس/آب 1947 بمدينة صفاقس، حين قتلت القوات الفرنسية عشرات الأشخاص أثناء إضراب عمالي.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1950، ارتكبت القوات الفرنسية مجزرة أخرى بحق العمال المضربين والأهالي المتضامنين معهم، إذ قُتل عدد من الأشخاص بينهم امرأة حامل وأصيب العشرات بجروح، مما دفع الاتحاد إلى إعلانه يوم حداد وطني يُحييه سنويا، تعبيرا عن إدانة الشعب التونسي لهذه الجريمة.

الاتحاد العام التونسي للشغل المصدر: الاتحاد العام التونسي للشغل
الاتحاد العام التونسي للشغل ضم حين تأسيسه عام 1946 نحو 12 ألف عضو (صفحة الاتحاد على فيسبوك)

وفي العام التالي، انخرط الاتحاد في "الاتحاد الدولي للنقابات الحرة" واتخذه منبرا للدفاع عن استقلال تونس في المحافل الدولية.

لكنه تلقى أول ضربة موجعة عندما اغتالت عصابة اليد الحمراء الفرنسية، الأمين العام فرحات حشاد في 5 ديسمبر/كانون الأول 1952.

وبعد الاستقلال عام 1957، وقف الاتحاد إلى جانب فصيل الحبيب بورقيبة داخل الحركة الوطنية التونسية وتحديدا في صراعه مع صالح بن يوسف. حينها أصبح لبورقيبة نفوذ داخل الاتحاد وتدخل في تركيبته القيادية واختيار قياداته.

شارك عدد من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في أول حكومة تونسية بعد الاستقلال، منهم محمود المسعودي والأمين الشابي وعبد الله فرحات.

إلا أن العلاقة بين بورقيبة والاتحاد شهدت توترا كبيرا، خاصة بعد إعلان الأخير إضرابا عاما في 26 يناير/كانون الثاني 1978، فيما عُرف بـ"الخميس الأسود"، حين لجأت السلطات إلى اعتقال معظم قيادات الاتحاد وعلى رأسهم الحبيب عاشور.

وتفاقمت الخلافات لاحقا، وبلغت ذروتها بعد سجن الحبيب عاشور عام 1985، فيما عُرف بقضية "كوسوب".

إعلان

وبعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه زين العابدين بن علي في نوفمبر/تشرين الثاني 1987، سعى إلى إحكام قبضته على مؤسسات الدولة والمجتمع، ضمن ما عُرف بسياسة "التدجين" الرامية إلى احتواء المعارضين وتطويع الفاعلين الاجتماعيين، ولم يكن الاتحاد بمنأى عن هذا التوجه.

وعقد الاتحاد مؤتمره الوطني عام 1989، وانتُخبت قيادة جديدة برئاسة إسماعيل السحباني، الذي أيّد لاحقا ترشيح بن علي في الانتخابات الرئاسية عام 2004.

ورغم غياب المواقف الصريحة من قيادة الاتحاد تجاه نظام بن علي، فإن قواعده وفروعه في المحافظات كانت منخرطة بقوة في دعم التحركات الاجتماعية التي انطلقت من مدينة سيدي بوزيد في ديسمبر/كانون الأول 2010، وتطورت إلى احتجاجات شعبية واسعة أدت إلى سقوط النظام وفرار بن علي من البلاد.

وبعد الثورة، لعب الاتحاد دورا سياسيا بارزا في مواجهة الحكومة التي كانت تقودها حركة النهضة، وبرز دوره بشكل خاص بقيادة أمينه العام حسين العباسي أثناء الأزمة السياسية التي أعقبت مقتل السياسيين اليساريين شكري بلعيد ومحمد براهمي.

وتولى الاتحاد رعاية الحوار الوطني الذي أسفر عن توافق سياسي أدى إلى تنازل حركة النهضة عن رئاسة الحكومة وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2014 والرئاسية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

وفي الفترة الممتدة من 2011 إلى 2021، أصبحت الإضرابات التي نظمها الاتحاد من السمات اليومية في الحياة العامة بتونس، مما انعكس بشكل واضح على أداء الدولة في مجالي الاقتصاد والتنمية.

الاتحاد وقيس سعيد

ساند الاتحاد العام التونسي للشغل الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 فيما بات يُعرف بـ"الانقلاب على الديمقراطية"، واعتبرها استجابة للتحركات الاجتماعية والشعبية السلمية التي اندلعت في عدد من الجهات، وذلك وفق ما ورد في بيان رسمي للاتحاد.

وقد واجه الاتحاد انتقادات من محللين رأوا أن بعض مواقفه السياسية بعد عام 2021 أضعفت من وزنه الوطني وورطته ضمن منظومة الحكم التي وُصفت بأنها تميل نحو "الاستبداد والانفراد بالسلطة".

وفي سبتمبر/أيلول 2023، أكد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي تمسك المنظمة بدورها الوطني والسياسي رغم محاولات تهميشه، مشددا على أن استقلاليتها تمثل "قضية حياة أو موت" وتتطلب النضال والتضحية من أجل الدفاع عن دورها التاريخي.

وفي سياق تصعيدي اعتُبر عودة للاتحاد إلى الواجهة الاجتماعية؛ نظم أنصاره مظاهرة حاشدة في مارس/آذار 2024 أمام مقر رئاسة الحكومة احتجاجا على تعطل الحوار الاجتماعي وانتهاك الحقوق النقابية. وجاءت هذه الخطوة ضمن سلسلة من التحركات للدفاع عن استحقاقات العاملين، كما ورد في بيان للاتحاد.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان