أحمد بابا مسكة.. دبلوماسي موريتاني نظر لبوليساريو

الموسوعة: صورة لأحمد بابا ولد مسكة ahmed baba ould ahmed miske

أحمد بابا أحمد مسكة سياسي وكاتب موريتاني اشتُهر بثقافته الواسعة ومواقفه المثيرة التي كان أبرزها انشقاقه عن نظام المختار ولد داداه، وانضمامه لجبهة بوليساريو التي صار أحد قياداتها وأهم منظريها الأيديولوجيين، عارض الاستعمار الفرنسي، وسجن أكثر من مرة.

المولد والنشأة
وُلد أحمد بابا ولد أحمد مسكة حسب وثائقه المدنية عام 1935 في مدينة "شنقيط" التاريخية بـموريتانيا، لأسرة محافظة من طبقة "الزوايا" (أهل العلم والقضاء في المجتمع الموريتاني التقليدي)، ونشأ في وسط علمي فتعلم -وهو صغير- القرآن الكريم وبعض متون الفقه. 

الدراسة والتكوين
التحق أحمد بابا مسكة بالمدرسة الاستعمارية النظامية في مدينة أطار عام 1950، حيث جمعته قاعات الدرس بعدد من الشخصيات التي صارت لاحقا من أعيان وساسة وعلماء موريتانيا، إذ كانت إعدادية أطار آنذاك من المؤسسات التعليمية الثانوية القليلة في البلاد.

وفي عام 1954، انتقل ولد أحمد مسكة إلى سان لوي بالسنغال لإكمال الدراسة الثانوية (وكانت حينها المركز الذي تدير منه فرنسا موريتانيا ومستعمراتها في أفريقيا الغربية)، لكنه لم يلبث أن غادر إلى فرنسا لإجراء امتحان الباكالوريا، ثم عاد سريعا ليستقر به المقام في جامعة داكار.

بعد ذلك بأكثر من عقد؛ عاد إلى باريس حيث تابع دراساته العليا فحصل عام 1970 على دكتوراه في التاريخ بعنوان "الوسيط: خريطة لموريتانيا في بداية القرن العشرين".

التجربة السياسية
بدأ أحمد بابا مسكة تجربته السياسية عام 1955، حين انتَدبه بعض الوجهاء المقربين منه اجتماعيا لتمثيلهم في مؤتمر لحزب الاتحاد التقدمي الموريتاني، وهو حزب مقرب من الإدارة الاستعمارية الفرنسية كان ويضم أبرز الوجهاء التقليديين والنخب المتعلمة تعليما حديثا، وأغلبها من شريحة المترجمين في المرافق الإدارية الفرنسية بالبلاد.

وخلال مشاركته في ذلك المؤتمر -الذي انعقد في مدينة روصو جنوبي موريتانيا- تعرف ولد أحمد مسكة على مجموعة من الشباب رافضة للواقع السياسي المستند بشكلٍ كلي تقريبا إلى زواج مصالح بين الإدارة الاستعمارية والوجهاء التقليديين.

كان هؤلاء الشباب ينقمون على الوجهاء التقليديين عدم إيلائهم أي اهتمام بالآفاق المستقبلية للبلد، ولا استشراف لآفاق الاستقلال الذي كانت بوادره تلوح في الأفق ، بعد أن بشر "القانون الإطاري" -الذي أقره البرلمان الفرنسي عام 1956- بحكم ذاتي للبلاد سيؤدي إلى استقلالها.

صار ولد أحمد مسكة أمينا عاما للمجموعة الشبابية التي أسست رابطة سُميت "رابطة الشباب الموريتاني"، وتبنت أفكارا ثورية بمقاييس تلك الحقبة التاريخية والسياق الاجتماعي المحلي مثل محاربة العبودية وبعض الظواهر الاجتماعية، وهو ما دفع ببعض الأوساط المحافظة إلى اتهامها بـ"الهرطقة".

وفي عام 1957، كان المختار ولد داداه -الذي أصبح لاحقا أول رئيس للبلاد- يُهيئ الأرضية لدخوله المعترك السياسي عبر بوابة الاتحاد التقدمي، وهو العائد لتوه من الدراسة في فرنسا.

عمل المختار على ضم مجموعة من التيارات السياسية في حزب واحد هو "حزب التجمع" الذي عقد مؤتمره التأسيسي في ألاك عام 1958، لكن "رابطة الشباب" رفضت المشاركة فتأثرت سلبا علاقتها السياسية بولد داداه، ونتج عن ذلك تأثر العلاقة السياسية والشخصية بين ولد داداه وولد أحمد مسكة.

كان الرجلان يعرفان بعضهما بضعا منذ أمدٍ بعيد، فالمختار أقام عند أسرة أهل أحمد مسكة خلال عمله ترجمانا في الإدارة الاستعمارية أربعينيات القرن العشرين، وفي العقد الموالي سكن أحمد بابا عند أسرة المختار خلال دراسته في بوتلميت.

في مايو/أيار 1958، تحولت رابطة الشباب إلى حزب سياسي مرخص سُمي "حزب النهضة"، وقد عاد إليها بعض الرفاق السابقين المطرودين من "حزب التجمع" بعد خلافات بينهم وبين ولد داداه.

دشن الحزب حملة سياسية قوية ضد نظام ولد داداه، وربط صلاتٍ وثيقة برموز الحركة الوطنية المغربية خاصة المهدي بن بركة، وسافر أحمد بابا مسكة إلى الرباط وتمكن من لقاء الملك محمد الخامس.

أثارت تلك الرحلة الخارجية والتعبئة الكبيرة في الداخل سخط النظام فتحين الفرصة لحل الحزب، وهو ما تأتى له بعد خلافاتٍ داخلية سرى معها حديث عن فسادٍ مالي واسع يتعلق بتمويلات حصل عليها الحزب من المغرب.

حُل حزب النهضة عام 1959 واعتُقل أحمد بابا مسكة بعد دعوة الحزب إلى العصيان المدني، فقضى عامين في السجن ثم خرج منه في 1961.

قبل ولد أحمد مسكة الانضمام إلى حكومة المختار ولد داداه بعد لقاءاتٍ سياسية عُرفت بالطاولة المستديرة، وقد كان بعض رفاقه قد سبقوه إلى ذلك وأبرزهم محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود الذي يعود له الفضل أصلا في إنشاء "رابطة الشباب".

عُين أحمد بابا أمينا عاما لـ"حزب الشعب الموريتاني" الذي أصبح الحزب الوحيد في البلد، ومع ذلك استمرت الخلافات بينه وولد داداه رغم تعيينه أول سفير لموريتانيا لدى الأمم المتحدة، في خطوةٍ اعتُبرت إبعادا له عن المشهد السياسي المحلي.

نادى ولد أحمد مسكة بإعطاء حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية في مختلف المحافل الأممية، وكانت رؤيته لتسيير الملف تختلف مع رؤية الحكومة فاستُدعي إلى نواكشوط عام 1966 وأودع السجن بتهمة الفساد المالي ثم حوكم وبُرئ.

قرر اعتزال العمل السياسي وتوجه إلى منفى اختياري له في فرنسا، حيث تابع دراساته العليا فحصل على دكتوراه في التاريخ عام 1970. وخلال هذه الفترة، تعاون مع منابر إعلامية قارية ودولية تركزت جل كتاباته لها على مواضيع التحرير والاستعمار.

في عام 1975، كانت نذرُ الصراع على الصحراء الغربية تلوح في الأفق تحسبا لانسحاب الاستعمار الإسباني منها. فقد كان الجنرال فرانسيسكو فرانكو (حكم إسبانيا 1936-1975 بعد انقلابه على المَلَكية، ووُصف حكمه بـ"الدكتاتوري") يحتضر، وكان المغرب وموريتانيا ينسقان جهودهما لتقاسم الإقليم فور الانسحاب الإسباني، وهو ما تُوج باتفاقية مدريد الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول 1975.

في صيف ذلك العام، نشر أحمد بابا مسكة رسالة حذَّر فيها من ضلوع موريتانيا في نزاع حول الصحراء. وكانت الرسالة موجهة بالأساس لمؤتمر عقده حزب الشعب الموريتاني الحاكم حينها.

معارضة ولد أحمد مسكة لموقف بلاده أدت به إلى الانضمام لجبهة بوليساريو التي عينته ناطقا باسمها فكان أحد منظريها السياسيين البارزين، بل وألفَ -بناءً على طلب من زعيم الجبهة الراحل الولي مصطفى السيد- كتابا سماه "بوليساريو.. روح شعب".

لم يطل مقام ولد أحمد مسكة في مخيمات تندوف التابعة لبوليساريو، فمؤتمر الجبهة المنعقد في 1978 لم يُعد انتخابه، كما أن انقلاب الجيش على ولد داداه وخروج موريتانيا من الصراع حفزه على العودة إلى بلده بعد 14 سنة من المنفى.

لكنه لم يلبث أن اعتُقل وأودع السجن مدة عام لأسباب مجهولة، وبعد الإفراج عنه غادر إلى فرنسا ثم عاد بعد لقاءٍ مع الرئيس محمد خونا ولد هيدالة في باريس، لكنه اعتُقل ثانية وظل في السجن إلى سقوط النظام بعد عام 1984.

سجن ولد أحمد مسكة عام 1986 لصلاتٍ له مفترضة بحراك زنوج موريتانيين مطالبين بمزيدٍ من الحقوق والحريات، وكانت تلك المرة الأخيرة التي يسجن فيها؛ فقد غادر أحمد بابا إلى باريس حيث عمل مديرا في اليونيسكو.

وفي عام 1990 قاد ولد أحمد مسكة وساطة لإنهاء الصراع بين الطوارق والدولة المالية في إطار قضية أزواد، لكن جهوده اصطدمت بإصرار نظام باماكو على استئصال حركة التمرد في الشمال. وفي عام 2007 عاد إلى موريتانيا فاستقر فيها وتقلد عدة مناصب سياسية.

المؤلفات
ألف ولد أحمد مسكة عدة كتب منها "بوليساريو: روح شعب" (1976)، و"القهر الحضاري.. رسالة إلى مثقفي العالم الثالث" (1982)، "المأساة الأفريقية" (le mal africain) الذي صدر 2010 وشرح فيه عوامل تخلف القارة الأفريقية. إضافة إلى أطروحته لنيل الدكتوراه بعنوان: "الوسيط: خريطة لموريتانيا في بداية القرن العشرين".

الوفاة
توفي أحمد بابا ولد أحمد مسكة يوم 14 مارس/آذار 2016 في أحد مستشفيات باريس حيث كان يطلب العلاج من مرض ألمّ به، ونقل إلى موريتانيا حيث دفن في مقبرة بمنطقة "لكصر" وسط العاصمة نواكشوط.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية