بوتلميت

بوتلميت - موريتانيا - الموسوعة
بوتلميت إحدى المدن التي لعبت دورا سياسيا وثقافيا مهما في التاريخ الموريتاني الحديث (الجزيرة)

إحدى أهم مدن الجنوب الغربي في موريتانيا، ومن المدن التي لعبت دورا سياسيا وثقافيا هاما في التاريخ الموريتاني الحديث، ومنها ينحدر أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال.

الموقع
تقع بوتلميت شرق العاصمة نواكشوط على بعد نحو 150 كيلومترا تقريبا، وسط ولاية الترارزة. وقد أخذت المدينة اسمها المركب من اسم نبتة صحراوية تدعى "تلميت"، وتعتبر غذاء جيدا للإبل.

السكان
يبلغ عدد سكان المدينة نحو 28000 ألف نسمة (حسب إحصائيات 2005).

التاريخ
تأسست بوتلميت عام 1828 على يد العالم الكبير الشيخ سيديا بن المختار ولد الهيبة (1770- 1868م) الذي بنى في العام ذاته أول دار في ذلك الوادي (بوتلميت).

حاطت بالمدينة عند نشأتها ظروف تميزت بالصراع السياسي القوي بين إمارات الجنوب والوسط في موريتانيا (إمارتي الترارزة والبراكنة)، حيث كانت البلاد تحكمها في ذلك الوقت (النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي) مجموعة من الإمارات المنتشرة في أرجائها المختلفة، وهي الصراعات التي كان المستعمر الفرنسي يغذيها ويدعمها تمهيدا لغزوه المنتظر آنذاك للبلاد.

ونتيجة للمكانة البارزة التي كان يحظى بها الشيخ سيديا فقد تحولت المدينة الوليدة إلى قبلة لزعماء ومبعوثي تلك الإمارات، ومرتادي وتلامذة الشيخ من كل الجهات.

واستطاع الشيخ سيديا نتيجة لتلك الثقة أن يتوسط في إصلاح العلاقات بين زعماء وأمراء المناطق المتصارعة بحل الخلافات وتسوية الصراعات الدائرة بينهم، وتنسيق الجهود وتعبئة الموارد لمواجهة المستعمر الفرنسي الذي بدأ حينها يطرق أبواب البلاد.

وبموازاة ذلك وجه رسالتين إحداهما للحاكم الفرنسي يدعوه فيها إلى الإسلام، والأخرى للسلطان المغربي يدعوه فيها إلى مساعدتهم بالمال والسلاح لمواجهة الفرنسيين.

وهكذا ساهمت مكانة وجهود الشيخ سيديا في تعزيز المكانة السياسية والقيادية للمدينة الجديدة (بوتلميت) في محيطها القريب، فصارت المدينة إحدى المدن التي لعبت دورا سياسيا وثقافيا مهما في التاريخ الموريتاني الحديث.

ولكن حفيده "بابا" الذي جاء بعده كان يناقضه في الموقف من الغزو الفرنسي حيث أفتى بحرمة مقاومة الغزاة عسكريا، ووقع معهم اتفاقا مهد لدخولهم البلاد عام 1903، وهو الاتفاق الذي نص على أمور عديدة من بينها ألا يتعرضوا للناس في عباداتهم وشعائرهم، وأن يبقى القضاء في أيدي السكان، وأن يلتزم الفرنسيون بعدم السعي إلى تنصير الناس أو إخراجهم عن دينهم.

وكانت بوتلميت نتيجة لكل ذلك هي أهم معاقل المستعمر الفرنسي إداريا وسياسيا وليس عسكريا، ولا تزال القلاع التي بناها المستعمر فوق الكثيب المطل من الغرب على المدينة واتخذها مقرا له، قائمة حتى اليوم، وبقيت فترة طويلة هي المقر الرسمي لـ"سركل" (دائرة الحكم) ولايتيْ الترارزة وإينشيري.

غادر بوتلميت آخرُ وال فرنسي ويدعى كرنو نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1960 بالتزامن مع إعلان استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي، ومن المفارقات أن يوم مغادرة الوالي الفرنسي هو أول يوم تصلى فيه صلاة الجمعة بالمدينة.

ومن هذه المدينة ينحدر أول رئيس للبلاد وهو الراحل المختار ولد داداه، الذي تولى الرئاسة منذ استقلال موريتانيا عام 1960 عن فرنسا وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.

وقبل مغادرتهم المدينة، بنى الفرنسيون بالتعاون مع أسرة أهل الشيخ سيديا "معهد بوتلميت" الذي دشنه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول عام 1957 أثناء زيارته لموريتانيا، وتحول مع الوقت -وعلى مدى نحو عقدين- إلى أهم معهد علمي في البلاد كلها، واستطاع أن يستقطب كثيرا من علماء البلد، وأن يمزج بين الدراسات المحظرية (التقليدية) والحديثة، قبل أن يتحول بعد 1975 إلى مقر لثانوية المدينة.

وكان الفرنسيون قد بنوا قبل ذلك أول مدرسة في البلاد تدرس طبقا للنظام العصري في مدينة بوتلميت سنة 1914، وهي المدرسة التي تخرج فيها عدد من أبناء الولاية من بينهم الرئيس الموريتاني الأول المختار ولد داداه.

وفضلا عن علاقة المدينة أخذا وردا بالمستعمر السابق، فقد كان لها دور سياسي بارز في محيطها الجغرافي، وظلت عاصمة لولاية الترارزة قبل أن تتحول عنها الإدارة عام 1969 وتصبح مدينة روصو هي عاصمة الولاية.

وقبل استقلال البلاد -وخلال فترات حكم الإمارات- كان للمدينة دورها ومكانتها السياسية، حيث قضت الأعراف السلطانية حينها ألا يكتمل الشأن وتتم البيعة، ويستتب الأمر لأي أمير جديد لإمارة الترارزة قبل توشيحه وتنصيبه في المدينة.

المصدر : الجزيرة