الشهيد عمر القاسم.. "مانديلا فلسطين"

الشهيد عمر القاسم Omar Al-Qasim
عمر القاسم قاد مجموعة عسكرية فدائية اتجهت إلى رام الله عابرة نهر الأردن عام 1968 (الجزيرة)

مناضل فلسطيني ولد عام 1941 وأسهم في تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، اعتقله الاحتلال الإسرائيلي عام 1968 واستشهد في المعتقل في يونيو/حزيران من عام 1989 بعد الإهمال المتعمد لحالته الصحية من قِبل مصلحة السجون الإسرائيلية.

المولد والنشأة

ولد عمر محمود القاسم يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1941، في مدينة القدس وسط فلسطين في حارة السعدية، كان والده من النشطاء المناضلين ضد الانتداب البريطاني والمشروع الاستيطاني في فلسطين.

بدأ نشاطه السياسي باكرا، إذ شارك في المظاهرات التي كان ينظمها الطلاب في مدرسته الابتدائية، كما انضم في مرحلته الجامعية إلى حركة القوميين العرب، التي آمنت بضرورة الوحدة العربية لمواجهة العدو الإسرائيلي، وتضمنت هذه المواجهة كل الطرق العسكرية والسلمية، كما أنه كان ممثلا للحركة في الاتحاد الوطني لطلبة فلسطين فرع سوريا.

تعتبر عائلته إحدى العائلات التي هددت بالتهجير من حي الشيخ جراح شمال مدينة القدس عام 2021.

الدراسة والتكوين العلمي

درس المرحلة الابتدائية في المدرسة العمرية الواقعة بجانب المسجد الأقصى، وأنهى دراسته الثانوية من مدرسة الرشيدية عام 1958، التي كانت معقلا وطنيا ومركزا لتخريج مئات المناضلين.

حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق وتخرج في كلية الآداب متخصصا في الأدب الإنجليزي عام 1964، ثم عمل مدرسا في ثانوية عبد الله بن الحسين بمدينة القدس، وبعدها انتقل إلى مدارس جنين بعد إبعاده عن القدس عام 1966 بسبب نشاطه السياسي في حركة القوميين العرب.

الشهيد عمر القاسم Omar Al-Qasim-- مصدر الصورة ارشيف المتحف الفلسطيني الرقمي
صورة الشهيد عمر القاسم تحملها شقيقته أمل (يمين) (أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي)

التجربة النضالية

أثناء دراسته في كلية الآداب التحق عمر القاسم عام 1963 بدورة عسكرية في أحد معسكرات الجيش المصري في مدينة الشرقية، وعقب تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انضم إليها عام 1967، وانتخب عام 1968 عضوا في لجنتها المركزية، وعُين ضمن قيادتها العسكرية مسؤولا عن القطاع الأوسط، وكان من المشرفين على تدريب العناصر الجدد المنتسبين للجبهة.

تمحور فكره العسكري حول ضرورة إنشاء خلايا فدائية تهاجم المستوطنين وقوات الاحتلال من داخل فلسطين، وتكون موزعة ومدربة بشكل مستمر وسري، خلافا لآراء بعض قيادات الجبهة الذين دعوا لإطلاق مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي من الأردن تجاه فلسطين المحتلة.

بناء على ذلك قاد القاسم مجموعة عسكرية فدائية اتجهت إلى رام الله عابرة نهر الأردن في أكتوبر/تشرين الأول 1968، ولكن قوات الاحتلال استطاعت الإيقاع بهم في كمين، وألقت القبض عليهم بعد اشتباك معهم ونفاد ذخيرة عمر ورفاقه، وحكم عليه بالسجن المؤبد مرتين و27 عاما.

بعد أن ألقي القبض على عمر القاسم، ظهرت الخلافات داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بين الجناح اليميني التقليدي والجناح اليساري، مما أدى إلى انشقاق عدد من أعضاء التيار اليساري، وكان على رأسهم نايف حواتمة.

وأيد القاسم هذا الانشقاق من داخل سجنه، وأسس المنشقون لاحقا الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في فبراير/شباط 1969.

استعاد عمر نشاطه في المعتقل وأسس نواة الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال، التي كانت تهدف إلى توحيد صف الأسرى وجمع مطالبهم وتعبئتهم ضد مصلحة السجون، مما أفضى إلى صدامات عديدة بين الحركة ومصلحة السجون.

وكان أبرز هذه الاصطدامات إضراب سجن عسقلان عام 1970 الذي استمر 7 أيام، وإضراب سجن بئر السبع عام 1973 الذي استمر 24 يوما، إلى جانب إضرابات الأسرى الفردية احتجاجا على الممارسات التعسفية لمصلحة السجون الإسرائيلية تجاه السجناء الفلسطينيين.

الشهيد عمر القاسم Omar Al-Qasim-- مصدر الصورة ارشيف المتحف الفلسطيني الرقمي
عمر القاسم (وسط) وإلى يساره الناشط المقدسي هاني العيساوي (أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي)

في مايو/أيار 1985 عُقدت عملية الجليل، وهي صفقة لتبادل الأسرى بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة شمعون بيريز والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، وأُفرج على إثرها عن 1150 سجينا فلسطينيا مقابل 3 أسرى إسرائيليين، مما أدى إلى ضعف الحركة الفلسطينية الأسيرة.

ولكن عمر القاسم استطاع إعادة ترتيب هذه الحركة وتفعيل نشاطها، وأطلقت عليه الحركة الأسيرة لقب "مانديلا فلسطين"، واعتبرته أول عمداء الأسرى الفلسطينيين، وذلك بعد مضي 20 عاماً على اعتقاله في سجون الاحتلال عام 1988.

محاولات تجنيد

في صباح 15 مايو/أيار من عام 1975، وتزامنا مع ذكرى النكبة، اقتحمت مجموعة من مقاتلي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أطلقت على نفسها اسم "مجموعة الشهيد كمال ناصر" مستوطنة "معالوت" في الجليل الأعلى، واحتجزوا طلابا مشاركين في برنامج لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وذلك بهدف تأهيلهم للالتحاق بوحدات جيش الاحتلال.

طالبت المجموعة بإطلاق سراح 26 أسيرا فلسطينيا مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، مما دفع قوات الاحتلال إلى استدعاء كل من عمر القاسم وأنيس الدولة ونقلتهما على متن طائرة مروحية إلى مكان العملية، وطلبت منهما التحدث إلى المُهاجمين وإقناعهم بتسليم أنفسهم وإطلاق سراح الرهائن مقابل تخفيف أحكام القاسم والدولة.

رفض القاسم طلب الاحتلال، مما أدى إلى الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وكانت نتيجة عملية "معالوت" هي أن فجر المهاجمون أنفسهم في الأسرى المحتجزين مما أدى إلى مقتل الفدائيين الثلاثة و27 طالبا إسرائيليا.

ووُضع عمر القاسم لاحقا في الزنازين الانفرادية ورفضت قوات الاحتلال إدراج اسمه في كل عمليات تبادل الأسرى التي حدثت لاحقا، ومنها صفقة 1985، التي خرج فيها معظم رفاق دربه.

الشهيد عمر القاسم Omar Al-Qasim-- مصدر الصورة ارشيف المتحف الفلسطيني الرقمي
مشهد من جنازة الشهيد عمر القاسم في القدس يوم السادس من يونيو/حزيران 1989 (أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي)

مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، عرض الاحتلال الإسرائيلي على عمر القاسم أن يوقف نشاطه السياسي داخل السجن ويدين العمليات التي تستهدف قوات الاحتلال، وأن يعترف بدولة "إسرائيل"، مقابل إطلاق سراحه والسماح له بالإقامة في القدس.

لكن عمر رفض عرض الاحتلال قائلا "أمضيت 20 عاما في الاعتقال، ولا يهمني مصيري الشخصي، ما يهمني هو قضية شعبي، وألا يبقى كابوس الاحتلال على صدر الشعب. سأبقى أناضل وسوف يأتي اليوم الذي أتحرر فيه"، مما جعل الاحتلال يتعمد إهماله صحيا وحرمانه من حقوقه الطبية.

استشهاده في المعتقل

مع استمرار اعتقال عمر القاسم وغياب المتابعة الصحية له، أصيب بعدة أمراض أفضت في النهاية إلى استشهاده يوم الرابع من يونيو/حزيران 1989 بعد مضي 21 عاما على اعتقاله.

وشارك في تشييع جثمانه آلاف الفلسطينيين، من بينهم قيادات وطنية وسياسية، وتمت الصلاة عليه في المسجد الأقصى، ودُفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس.

قوات الشهيد عمر القاسم

أطلق اسم "عمر القاسم" على الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إذ أصبح اسمه "كتائب المقاومة الوطنية-قوات الشهيد عمر القاسم"، وأسهمت القوات إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى في التصدي للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في أعوام 2008 و2014 و2022، وشاركت في الحرب التي اندلعت عقب عملية طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

قوات الشهيد عمر القاسم
مقاتلون من قوات الشهيد عمر القاسم (الصحافة الفلسطينية)

شاركت قوات الشهيد عمر القاسم في معركة طوفان الأقصى التي تم خلالها اقتحام مستوطنات غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولاحقا ساهمت هذه القوات في رصد المسيرات الإسرائيلية وإسقاط عدد منها، واستهدفت قوات الاحتلال المتجمعة على حدود القطاع بقذائف الهاون، كما تصدت لتوغل قوات الاحتلال في عدة جبهات، أبرزها جبهات منطقتي خان يونس والشيخ رضوان.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان