حسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين
مؤسس الطائفة الإسماعيلية النزارية أو ما تعرف بـ"جماعة الحشاشين"، ولد في إيران وتوفي فيها، رباه أبوه على اتباع المذهب الإثني عشري، وعند بلوغه سن الـ17 اعتنق المذهب الإسماعيلي.
عمل لفترة في البلاط السلجوقي، ثم بدأ يتنقل بين مناطق إيران لنشر المذهب الإسماعيلي بشكل سري فزاد أتباعه إلى أن استولى على قلعة آلموت واتخذها مركزا لدعوته، ومنها بدأ توسيع نفوذه في المناطق المجاورة، ووضع أسس ما سماها "الفدائية" هو وطائفته، إذ كان يرسل أتباعه لاغتيال معارضيه في وضح النهار لإثارة الخوف والرعب في قلوب أعدائه.
المولد والنشأة
ولد الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصباح الحميري عام 428 هجري الموافق 1037 ميلادي في مدينة قم التي كانت مركزا أساسيا للشيعة الإثني عشرية، فيما ترجح بعض المصادر ولادته في بلدة معصوم بمقاطعة الري بالقرب من طهران.
يرجع نسبه إلى قبيلة حمير، حيث قدم أبوه من اليمن إلى الكوفة ومنها إلى قم ومن قم إلى الري حيث استقر بأسرته.
كان أبوه يتبع المذهب الإثني عشري، واهتم بتعليم ابنه هذا المذهب وشجعه على الاطلاع على مختلف العلوم في عصره.
في سن الـ17 التقى بأحد دعاة الإسماعيلية ودخل معه في جدال ونقاش مستفيض شكل منعطفا حاسما في أفكاره وعقيدته، وانتهى به الحال إلى اعتناق المذهب الإسماعيلي.
كان لديه علم بالحساب والهندسة، وكان مطلعا على مختلف علوم عصره النظرية والعملية، مما أهله ليلتحق بالبلاط السلجوقي ويعمل موظفا ومستشارا إداريا عند السلطان ملكشاه.
في بلاط السلاجقة
تختلف الروايات بشأن ظروف دخوله البلاط السلجوقي وخروجه منه، وكلها مرتبطة بعلاقة مزعومة بينه وبين الوزير السلجوقي نظام الملك.
تتحدث بعض المصادر عن علاقة صداقة جمعت الحسن الصباح ونظام الملك والشاعر عمر الخيام في مرحلة الطفولة، إذ تزعم هذه المصادر أن ثلاثتهم درسوا في نيسابور وتعاهدوا إذا حقق أحدهم النجاح أن يمد يد العون للبقية، لذلك عندما أصبح نظام الملك وزيرا أخذ الحسن الصباح للعمل في البلاط السلجوقي.
لكن هذه الرواية يتم التشكيك فيها من بعض الباحثين كون الحسن الصباح ولد سنة 428 هجرية ونظام الملك ولد سنة 408 هجرية، مما يعني أن فرق العمر بينهما 20 سنة، وهو ما يبطل فكرة أنهما كانا صديقين في مرحلة الدراسة، كما أن المصادر التاريخية الأكثر حجة تنص على أن الصباح تلقى تعليمه في مدينة الري وليس نيسابور.
من جهة أخرى، يقول بعض المؤرخين الشيعة إن الوزير نظام الملك تآمر لإخراج الحسن الصباح من بلاط السلاجقة وإثارة غضب السلطان عليه بعدما أظهر الصباح كفاءة، فخشي الوزير أن تتهدم مكانته في البلاط وتتزعزع ثقة السلطان به، وهي الرواية التي يعلل بها مؤرخو الشيعة دوافع هروب الحسن إلى مصر.
لكن ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" ينفي حدوث أي صدام في تلك الفترة بين الصباح ونظام الملك، بل إن هذا الأخير كان يحسن معاملته، ويعلل ابن الاثير هروب الصباح إلى مصر بانزعاج رئيس مدينة الري من نشاطه في الدعوة الإسماعيلية وإيوائه مجموعة من الفاطميين المصريين.
أما الصباح فيفسر ذهابه إلى مصر في شذرات من سيرته بتنفيذ توجيه الداعية الكبير عبد الملك بن عطاش بضرورة الذهاب إلى القاهرة لحضور دروس العلوم الباطنية وللقاء الخليفة الفاطمي الإمام المستنصر وإعلان الولاء له مباشرة.
في مصر
عندما غادر مدينة الري عام 467 هجري/ 1076 ميلادي لم يذهب الصباح إلى مصر مباشرة، بل توجه نحو أصفهان وقضى فيها فترة يدعو إلى المذهب الإسماعيلي الفاطمي، ثم توجه إلى أذربيجان ومنها إلى ميافاريق ثم إلى الموصل ثم إلى سنجار فالرحبة فدمشق فصيدا فصور فعكا، ومنها سلك طريق البحر إلى شاطئ مصر.
وصل إلى القاهرة سنة 471 هجرية/ 1078 ميلادية واستقبله الخليفة الفاطمي الإمام المستنصر بحفاوة وكذلك كبار الدعاة ورجال الدولة، وخلال لقائه بالخليفة سأله الصباح "من إمامي بعدك؟" فقال "ابني نزار".
واصطدم في مصر مع أمير جيوشها ووزير السيف والقلم بدر الجمالي الذي كان مناهضا لتولي نزار الخلافة بعد المستنصر ومؤيدا لأخيه الأصغر أحمد المستعلي، فضلا عن أن الجمالي ضاق ذرعا من تقدير المستنصر للحسن، فعمل على طرده من مصر بعد أن قضى فيها 3 سنوات، لكن بعض المؤرخين يقولون إنه قضى فيها نحو 18 شهرا.
التحصن في آلموت
خرج الصباح من مصر واتجه بحرا إلى عكا ومنها إلى حلب ثم إلى بغداد ومنها إلى بلاد فارس، فبلغ أصفهان في يونيو/حزيران 1081 ميلادي/ 473 هجري، وظل 9 سنوات يتنقل من مدينة إلى أخرى بشكل سري يدعو إلى المذهب الإسماعيلي ويكتسب الأنصار.
في هذه الفترة قتل أنصاره في أصفهان مؤذنا كانوا قد دعوه إلى مذهبهم فرفض الاستجابة لهم فخافوا أن يكشف أمرهم للسلطات، وكانت هذه أول عملية اغتيال ينفذها أتباعه.
عندما بلغ خبر الحادثة للوزير السلجوقي نظام الملك أمر باعتقال القاتل، وانتبه حينها إلى خطر هذه الجماعة والتهديد الذي تشكله على أمن واستقرار السلطة، فبدأ بتعقب المنتمين إليها ودعاتها، مما دفع الصباح إلى التفكير جديا في إيجاد حصن منيع يحميه هو وأتباعه من الملاحقة المتواصلة ويمكنه من نشر دعوته.
اختار الصباح قلعة آلموت لهذا الغرض، وهي حصن بناه أحد ملوك الديلم ويقع فوق صخرة عالية وسط الجبال ويبعد نحو 100 كلم عن مدينة طهران، وقد كان استيلاء جماعة الصباح على هذه القلعة أول عمل تاريخي كبير تنفذه هذه الحركة الوليدة.
ومن قلعة آلموت واصل الصباح نشر دعوته في المناطق المجاورة، وسيطر على عدد من القلاع والحصون مستخدما تارة الإقناع العقائدي وتارة أخرى القوة العسكرية، وقد أثارت أطماعه التوسعية غضب السلطان السلجوقي ملكشاه فقرر توجيه حملتين عسكريتين إلى قلعة آلموت وقهستان للقضاء على نفوذ الصباح المتزايد، لكنهما فشلتا في تحقيق أهدافهما.
أول عملية اغتيال
وضع الحسن الصباح الوزير السلجوقي نظام الملك على رأس قائمة الاغتيالات باعتباره عدوه الأول وعدو حركته، إذ كان من أشد المحاربين للمذاهب الفكرية الباطنية.
في 10 رمضان سنة 485 هجرية/ 1092 ميلادية اقترب فدائي من الإسماعيلية الباطنية متنكرا في زي صوفي فقير من الوزير زاعما أن لديه مظلمة، فلما اقترب منه نظام الملك سدد إليه طعنة في القلب فسقط ميتا وهو في الـ77 من عمره، وتعتبر هذه أول عملية اغتيال لشخصية كبيرة تنفذها هذه الحركة، وبها أرسى حسن الصباح أسس "الفدائية" كما يقول المؤرخون الشيعة.
بعد هذه العملية نفذت الحركة سلسلة اغتيالات طالت كبار الشخصيات التي تعارض دعوتها من وزراء وقادة في الجيوش وأمراء وعلماء بهدف زرع الخوف في قلوب أعدائها.
بعد فترة قصيرة من اغتيال نظام الملك توفي السلطان ملكشاه، فاندلعت حروب داخلية بين أبنائه أضعفت السلطة المركزية السلجوقية، وانتهز الصباح هذه الفرصة ليوسع نفوذه وينشر دعوته في كل أنحاء إيران بشكل ظاهر، وهو ما تحقق بفضل تسامح بركيارق أحد أبناء السلطان ملكشاه الذين كانوا يتنازعون على العرش، إذ تعاون مع الحشاشين للقضاء على مخالفيه مقابل منح الصباح حرية نشر دعوته.
استطاع الصباح كسب المزيد من الأتباع، فازدادت قوة جماعته واتسع نفوذها واستولى على العديد من القلاع التي تمتد على مساحة جغرافية متصلة حتى شكّل دولة مترامية الأطراف أطلق عليها بلاد الإسماعيلية.
شعر السلطان بركيارق بالخطر يهدد سلطته، سواء من جماعة الصباح التي تعاظم نفوذها أو من السخط المتزايد من معارضي تسامحه تجاه أعضائها، فعقد اتفاقا مع حكام الولايات الإيرانية للقضاء على الإسماعيليين في جميع أنحاء إيران وقتل المنتمين إليها، مما عرضها لانتكاسة كبيرة، ومع ذلك ظل معقلهم الرئيسي في قلعة آلموت بعيدا عن أي تهديد.
لم توقف هذه الانتكاسة الصباح، بل استمر في إرسال الدعاة والفدائيين إلى مختلف المناطق الإيرانية وإلى سوريا لاغتيال الشخصيات التي كانت تجاهر علنا بمعارضته، ومن الشخصيات التي تعرضت للاغتيال على يد رجاله في تلك الفترة الوزير الأعز أبو المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستاني وزير السلطان بركيارق، ووالي بيهق، ومفتي أصفهان، وزعيم فرقة الكرامية في نيسابور، والوزير السميرمي وزير السلطان محمود.
كما أن حسن الصباح أمر بتنفيذ عمليات تخريب لإرهاب معارضي طائفته مثل حرق جامع أصفهان الشهير الذي كان مركزا للتيار السني.
استمرت محاولات دك قلعة آلموت حيث تحصن الحسن الصباح لعقود عدة، وحاصرها السلطان السلجوقي ملكشاه وكذلك ابنه السلطان بركيارق، ومن بعده السلطان محمد الذي حاصرها 8 سنوات، ومن بعده حاول السلطان سنجر مواصلة سياسة أخيه والنيل من حسن الصباح، لكنه تعرض لتهديد مباشر بالقتل فأنهى الحصار.
آلموت.. خرافات وحقائق
تقول بعض المصادر إن الحسن الصباح بنى في قلعة آلموت قصورا وحدائق واسعة وصنع فيها أنهارا من خمر وحليب وعسل، وجلب إليها فتيات صغيرات جميلات ليخلق مكانا يشبه الفردوس طبق الأوصاف التي جاءت في القرآن الكريم، ومن النصوص التي أوردت هذه المزاعم ما كتبه الرحالة الشهير ماركو بولو.
وتزعم هذه الروايات أن زعيم الإسماعيليين كان يعطي الشباب الحشيش والأفيون حتى يغيبوا عن الوعي، فينقلهم إلى قصور داخل القلعة حيث يستمتعون فيها بأجواء الجنة، ثم ينومهم مرة أخرى ويعيدهم ويوهمهم أنهم كانوا في الفردوس الأعلى، فإذا أراد اغتيال شخصية ما يكلف بعض أتباعه بهذا العمل ويعدهم بأن مصيرهم بعد الموت سيكون العودة إلى ذلك الفردوس الذي كانوا فيه وتعرفوا عليه، لذلك كان الفدائيون ينفذون أوامره ويقتلون أعداء سيدهم بجرأة ودون خوف من الموت الذي ينتظرهم.
لكن تحليل الطبيعة الطبوغرافية للقلعة يجعل المرء يصنف كتابات ماركو بولو وغيره من المؤرخين ضمن الأساطير، حسب المفكر وأستاذ فلسفة الأديان المصري محمد عثمان الخشت.
وحسب المصدر نفسه، فإن القلعة تقع على صخرة ترتفع بأكثر من 10 آلاف قدم عن سطح البحر في مرتفعات فارس، ومناخ هذه المنطقة شديد البرودة حيث يتساقط الثلج فيها لأكثر من 6 أشهر في السنة.
كما أن مؤرخين آخرين ذكروا أن السكان كانوا يعزلون الحيوانات في المناطق الجنوبية خوفا عليها من البرد الشديد الذي لا يمكن أن تتحمله، لذلك اعتبر الخشت أن ما ذكره ماركو بولو وتبعه فيه كثير من المؤرخين دون تحقق لا أساس له من الصحة، ومجرد أساطير تنضاف إلى روايات أخرى انتشرت عن الصباح وجماعته، ومنها القول إن تسميتهم بالحشاشين لتعاطي أتباعه مخدر الحشيش قبل تنفيذ أي عملية اغتيال، في حين ترجح روايات أخرى أن هذا الاسم أطلق عليهم لأنهم كانوا يضطرون لأكل حشائش الأرض خلال سنوات حصار قلعتهم.
ويرى الخشت أن الطابع السري الذي ميز الإسماعيلية النزارية منح خصومها الفرصة لنسج الأساطير والخرافات عن تاريخها وأفكار مؤسسها، وقد استفاد هؤلاء من إتلاف معظم النصوص التي كتبها زعماء الجماعة، خاصة الصباح بعد سيطرة التتار على القلعة وحرق كل الكتب فيها.
شخصية جدلية
منذ استيلائه على قلعة آلموت إلى حين وفاته ظل الحسن الصباح منعزلا في القلعة، واستطاع أن يدير منها دولة صغيرة منشقة عن الحكم السني يتمتع فيها بالزعامة الروحية والفكرية والسياسية، ويعتمد على جيش من الدعاة الماهرين والفدائيين المستعدين للموت بإشارة من القائد.
ويذكر بعض المؤرخين أنه طوال 35 سنة لم يخرج من القلعة سوى مرتين، وكان يقضي جل وقته في التفكير والتأمل والقراءة والكتابة، حيث ألف كتبا كثيرة تنظر للمذهب الإسماعيلي وتفند الآراء المخالفة له، لكن الإتلاف كان مصير هذه المؤلفات بعد سيطرة التتار على القلعة سنوات بعد وفاته.
وكان للشهرستاني -وهو أحد علماء مذهب الأشاعرة، وكان معاصرا للصباح- الفضل في حفظ خلاصة تعاليمه المسماة "الفصول الأربعة"، كما حفظ مؤرخو السنة شذرات من سيرته الذاتية، إضافة إلى بعض الكتب الإسماعيلية التي اقتبست بعضا من آرائه.
يوصف بأنه مؤسس حركة دموية ضالة، وأحيانا يصفها آخرون بأنها جماعة من الملحدين غير المؤمنين بالله، في حين ذكرت مصادر أخرى أنه أسس حركة ثورية ولدت في ظروف بالغة التعقيد والضعف كان يعيشها العالم الإسلامي.
وتضمنت رسالة وجهها إلى ملكشاه أفكاره ومعتقداته وردّه على كل الاتهامات الموجهة إليه، وقال فيها إنه لم يأت بدين جديد، بل يدين بدين الإسلام وبرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وهاجم في رسالته العباسيين، وقال إنهم عاثوا في الأرض فسادا وفجورا، وقتلوا آلافا من أولاد الرسول في أطراف العالم حتى اضطروا إلى الاختفاء والانزواء للنجاة بأنفسهم، في حين اشتغل الخلفاء العباسيون بملذات الدنيا، واستنكر بعض أعمالهم، ومنها جلد أبي حنيفة الكوفي مع أنه كان علما من أعلام الإسلام، وصلب منصور الحلاج الذي كان قدوة للناس.
وبخصوص اغتيال أتباعه بعض كبار المسؤولين في الدولة فقد برره الصباح بانحراف موظفي السلطان ووكلاء نظام الملك وأرباب المعاملات في حدود خراسان عن جادة الصواب، وتجاوزهم عورات الناس وقتلهم النساء أمام أزواجهن، فضلا عن الظلم الذي كانوا يمارسونه إزاء الرعية.
وبينما تصف بعض الروايات الحسن الصباح بأنه كان مهووسا بالسلطة وصفته أخرى بأنه كان زاهدا قانعا لا يحب البذخ والترف، وشديدا في تطبيق أحكام الشريعة، وكان يحظر على أتباعه الخمر والموسيقى وسائر الملذات المحرمة.
كما تقول بعض المصادر إنه كان حازما وصارما في إدارة شؤون جماعته، وكان يضع المصلحة العامة فوق كل شيء، ولا يتساهل في تطبيق مبادئ وتعاليم حركته حتى أنه لم يتوان عن قتل ابنه الحسين عندما تورط في قتل أحد الدعاة، وأعدم ابنه الثاني بعد أن وجده يشرب الخمر، وطرد أحد دعاته من القلعة لأنه كان يتسلى بالعزف على الناي.
الوفاة
مرض الحسن الصباح مرض الموت في ربيع الأول عام 518 هجري، ولما أحس بدنو أجله استدعى مندوبه في قلعة لامسار وهو برزك آميد، وكان من كبار الدعاة المخلصين في نشر الدعوة الإسماعيلية، وكان له علم وافر بأصول المذهب فاختاره لخلافته، وفي 6 ربيع الثاني من العام نفسه وافته المنية.