"قم".. قلعة المرجعيات الدينية المتحكمة في إيران
"قم" مدينة إيرانية تعتبر ثانية مدن إيران الكبرى ومركز الحوزة الدينية الشيعية ومعقل علمائها في البلاد، يسميها الإيرانيون "قم المقدسة" ويرونها المركز الديني الشيعي الرئيسي في العالم من حيث أهميتها وكثافة علماء الدين والمجتهدين فيها، وبعضهم يقدمها على حوزة النجف بالعراق. وعُرفت -قبل الثورة الإيرانية وبعدها- بتأثيرها في شتى شؤون البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
تتمركز مدينة "قم" على ضفاف نهر يحمل الاسم نفسه، وتقع جنوب غرب العاصمة السياسية للبلاد طهران التي تبعد عنها 125 كلم. تقدر مساحتها بـ380 كلم مربعا، وهي مركز "محافظة قم" التي تبلغ مساحتها 11 ألف كلم مربع.
تحدها مدينة طهران شمالا وأصفهان جنوبا ومدينة أراك غربا ومحافظة سمنان شرقا، وترتفع بنحو 930م فوق مستوى سطح البحر، ويتسم مناخها الصحراوي بقلة الأمطار.
السكان
يصل عدد سكان مدينة قم إلى 1.1 مليون نسمة (حسب إحصائيات عام 2011)، وهم خليط من شتى الأعراق.
التاريخ
مدينة قم من أقدم المدن الإيرانية التي أنشأها قدماء ملوك الفرس قبل الإسلام، ويقال إنها سميت على حصن "كُمْ" الذي يقع جنوب غربها ويبعد عنها نحو عشرين كلم، ثم عُرّب اسمها إلى "قم". ويؤكد بعض قدماء المؤرخين المسلمين أنها تأسست بعد دخول الإسلام إلى منطقتها سنة 23ﻫ.
يرى الشيعة أن قم هي أول مدينة أعلنت تشيّعها في إيران وذلك في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وهي تأتي -لدى شيعة إيران- في الرتبة الثانية من حيث "القداسة" بعد مدينة مشهد. ويقولون إنها كانت بذلك أول مركز علمي شيعي، كما مثلت بؤرة دائمة لمعارضة "الخلافة السنية" عبر عصورها، ومنها انطلق نشر المذهب الشيعي في البلاد.
ويعللون تلك "القداسة" بكون المدينة تضم قبر "المعصومة" فاطمة بنت موسى بن جعفر (الإمام السابع من أئمة الشيعة الجعفرية الاثني عشر)، التي يقولون إنها قدمت إليها سنة 201ﻫ في طريقها لزيارة أخيها الإمام الرضا (الإمام الثامن من أئمة الشيعة الجعفرية)، وتوفيت فيها بعد أيام قليلة من مقدمها، ثم كثر البناء حول ضريحها الذي بنيت عليه قبة وأصبح يُدعى "الحرم".
تحولت منطقة الضريح بمرور الزمن إلى مدينة آهلة بالعمران، وفي أوائل العهد السلجوقي (القرن 5 هجري) هدمت قبته وبُنيت مكانها أخرى أضخم منها وأفخم، وظلت مكانها حتى جاءت الدولة الصفوية (القرن 10 هجري) فبنى سلطانها إسماعيل الصفوي قبة أكبر منها مساحة وأكثر زينة وزخرفة، وصار "الحرم" مدفنا لكبار العلماء والملوك والوزراء.
ومنذ العصر الصفوي تزايدت المكانة العلمية والدينية لـ"حوزة قم"، فأصبحت مركزا للمرجعيات العلمية الشيعية التي توجه أتباع المذهب الجعفري وتقودهم عبر العالم، من خلال مجموعة كبيرة من المؤسسات والمدارس العلمية التي يزيد عددها على ستين مؤسسة ومدرسة يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب، ونحو 15 مؤسسة دراسات، وأربعين دار نشر باللغتين الفارسية والعربية.
وفي العصر الحديث توسع أكثر دور الحوزة والمؤسسة الدينية في قم فأصبح يشمل كافة النواحي العلمية والسياسية والاجتماعية بل والاقتصادية، لا سيما بعد إسهامها الكبير والحاسم في قيام الثورة الإيرانية على نظام شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي، وتأسيس "الجمهورية الإسلامية" عام 1979 بقيادة آية الله الخميني الذي تعلم ودرّس في مدينة قم.
ويرى سدنة "حوزة قم" أن رسالتها الأساسية تتلخص في تنشئة وتخريج المراجع الدينية والقضاة وأولياء الأمر "حتى ظهور المهدي المنتظر"، ولذلك كانت الحوزة هي التي أنشأت ودعمت نظام الجمهورية الإسلامية الذي قام بعد الثورة بقيادة مؤسسة "الولي الفقيه".
وبات للحوزة -من خلال العلماء الذين تخرجهم- موقع مؤثر في الإدارة ومؤسسات الدولة والجيش والأجهزة الأمنية والإعلامية المختلفة، مع استقلالها المالي والإداري، هذا إضافة إلى دورها المحوري في كل عملية انتخابية، مما يجعلها قبلة للمرشحين طلبا لتزكية مراجعها الدينية والتماسا لدعمهم الشعبي.
المعالم
تضم مدينة قم كثيرا من المعالم الأثرية والتاريخية والدينية الشيعية، ويأتي في مقدمتها "الحرم الفاطمي المطهر" الذي يقصده الزوار الشيعة طوال أيام السنة قادمين من جميع أنحاء العالم، ويتبعه "متحف الروضة المقدسة" الذي يعتبر من أقدم المتاحف الإيرانية (عددها 125 متحفا)، ويحوي العديد من المخطوطات النادرة والمسكوكات الإسلامية الثمينة.
وفيها أيضا طائفة من المراقد والمزارات التي تنسب إلى "آل البيت" ويبلغ عددها 16 مرقدا، كما أن فيها أكثر من مئة مسجد تاريخي من أهمها: "مسجد الإمام الحسن العسكري"، و"مسجد عشق علي".
ومن أشهر معالمها الدينية "المدرسة الفيضية" التي تعتبر "المدرسة الأم" في حوزة قم بعد أن تأسست في عهد الصفويين، وذاعت شهرتها عام 1963 عندما شهدت صدامات عنيفة بين رجال الدين وقوات الشاه الإيراني آنذاك عُرفت بـ"ثورة 15 خرداد".
ومن معالم المدينة كذلك "سوق قم" الأثري ذو الهندسة المعمارية الفريدة، ومجموعة من القلاع التاريخية مثل "قلعة سام آباد" و"قلعة مظفر آباد"، إضافة إلى ما يُسمى "خانات قم" التي يعود تاريخها إلى عهد الساسانيين قبل الإسلام.