محمد السنوار عضو هيئة أركان كتائب القسام وأحد مهندسي "صفقة شاليط"

قائد عسكري فلسطيني، أحد أبرز المطلوبين على قوائم الاغتيال الإسرائيلية، التحق بكتائب القسام عام 1991، وشغل عضوية "هيئة الأركان" فيها، وكان مسؤولا عن بعض العمليات الفدائية، وأبرزها عملية الوهم المتبدد، التي أسفرت عن أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط".
المولد والنشأة
ولد محمد إبراهيم حسن السنوار يوم 16 سبتمبر/أيلول 1975، في مخيم للاجئين بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
نزحت أسرته من مدينة المجدل شمال شرقي القطاع بعد أن احتلتها إسرائيل إثر نكبة عام 1948.
نشأ في ظروف صعبة تحت الاحتلال، متأثرا بالمضايقات والاعتداءات المستمرة التي طالت سكان المخيمات.
تلقى تعليمه الأساسي في مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
تأثر في سن مبكرة بشقيقه الأكبر الشهيد يحيى السنوار، أحد أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ورئيسها السابق، الذي استشهد في معارك لصد العدوان الذي شنته إسرائيل على القطاع بعد عملية طوفان الأقصى.
انعكس تأثر محمد السنوار بشقيقه في التزامه المبكر بالعمل الدعوي، فقد كان من رواد المساجد، ومن أوائل المنضمين إلى صفوف حركة حماس منذ تأسيسها في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987.
التجربة العسكرية
أظهر محمد السنوار في سن مبكرة ملامح القيادة، فكان من النشطين في صفوف حركة حماس أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987–1993)، التي سميت انتفاضة الحجارة، وكان أحد أبرز العناصر الفاعلة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
التحق مبكرا بكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتدرّج في مواقع قيادية حتى تولى قيادة "لواء خان يونس" عام 2005.
مع مرور الوقت، أصبح السنوار عضوا بارزا في "هيئة الأركان" التابعة لكتائب القسام، ونسج علاقة وثيقة مع قائدها العام السابق محمد الضيف ونائبه مروان عيسى، اللذين اغتالتهما إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى.
وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، أسهم -بالتعاون مع عدد من الأشخاص الذين فرّوا من سجون السلطة الفلسطينية في رام الله- في إعادة تنظيم وبناء الكتائب التي كانت قد تضررت بفعل حملات الملاحقة والاعتقال السياسي بين عامي 1996 و2000.
اتهمته إسرائيل بأنه "العقل المدبر" لعدد من العمليات الفدائية، خاصة المرتبطة بـ"الأنفاق المفخخة" التي استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية على مدار 5 سنوات، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 في ما تسمى خطة فك الارتباط.
عاش محمد السنوار في بيئة أمنية صارمة، محاطا بسرية مُحكمة وتحركات محسوبة ضمن نطاق ضيق، إلى الحد الذي جعل ملامحه غير معروفة لدى معظم سكان قطاع غزة. وجاء هذا النمط الحذر من الحياة بعد نجاته من نحو ست محاولات اغتيال إسرائيلية، الأمر الذي دفعه إلى التواري الكامل عن الأنظار.
وبسبب هذه الظروف، اختار الابتعاد عن الظهور العلني حتى في المناسبات الخاصة، بما في ذلك جنازة والده، الذي توفي في 12 يناير/كانون الثاني 2022.
وفي فترة تزيد على عقد من الزمن، لم يُسجَّل له أي ظهور علني، باستثناء مشهد نادر بثته كتائب القسام عقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في 15 أغسطس/آب 2005، ومقابلة مصورة في برنامج "ما خفي أعظم"، والتي بُثت يوم 27 مايو/أيار 2022، كشف فيها عن محاولات كتائب القسام عام 2021 أثناء "معركة سيف القدس" أسر جنود إسرائيليين.
عملية الوهم المتبدد
وبرز اسم السنوار ضمن العقول المخططة لعملية "الوهم المتبدد"، التي نُفذت فجر 25 يونيو/حزيران 2006، واستهدفت موقعا عسكريا إسرائيليا قرب معبر كرم أبو سالم شرقي مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.
استهدفت العملية قوة مدرعة تابعة للواء جفعاتي الإسرائيلي، كانت ترابط ليلا في الموقع الحدودي، وقد تمكّن المقاومون من التسلل إلى داخل الموقع عبر نفق أرضي سبق أن أُعدّ لهذا الغرض، ما أتاح لهم عنصر المفاجأة ومكنهم من مباغتة القوة الإسرائيلية بدقة وفعالية.
أسفرت العملية عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 5 آخرين، وأسر الجندي جلعاد شاليط، الذي نُقل بسرعة إلى عمق القطاع، رغم تدخل الطيران الحربي الإسرائيلي بشكل عاجل في محاولة لإحباط العملية.
واعتبرت العملية نقلة نوعية في تاريخ العمل الفدائي الفلسطيني، لما اتسمت به من دقة في التنفيذ وتعقيد في التخطيط، كما كانت الشرارة التي فتحت الباب لاحقا لصفقة تبادل الأسرى المعروفة باسم "وفاء الأحرار".
محاولات اغتيال
تعرض محمد السنوار لعدد من محاولات الاغتيال، أبرزها في 11 أبريل/نيسان 2003، حين زرع عملاء للاحتلال جسما ملغما في جدار منزله بمدينة خان يونس، إلا أن يقظة مقاتلي كتائب القسام أحبطت المحاولة قبل تنفيذها.
وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004، أقدمت قوات الاحتلال على تفجير منزل عائلته بالكامل.
وتواصلت محاولات استهداف السنوار على مدى السنوات التالية، ففي عام 2012، أثناء العدوان الإسرائيلي المعروف بعملية "عمود السحاب"، تعرض منزله للقصف، كما تكرر الأمر عام 2014 أثناء عملية "الجرف الصامد"، غير أنه لم يكن موجودا في أي من الموقعين المستهدفين حينها.
كما نجا من محاولة أخرى أثناء الحرب الإٍسرائيلية على غزة في مايو/أيار 2021، والتي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "معركة سيف القدس".
وفي 13 مايو/أيار 2025، شنت إسرائيل هجوما جويا عنيفا على ما وصفته بأنه "مجمع قيادة وسيطرة لحماس" تحت المستشفى الأوروبي في خان يونس، مستخدمة 9 قنابل خارقة للتحصينات، معلنة أن العملية استهدفت محمد السنوار، لكنها أكدت أنها "لا تزال غير متأكدة من نجاحها".
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تقرير لها، أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تواجه صعوبات في تأكيد مقتل محمد السنوار.
الاعتقال
خاض محمد السنوار تجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي بسبب نشاطه في صفوف حركة حماس أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
كما اعتقلته أجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار حملات الاعتقال السياسي التي استهدفت كوادر الحركة وقياداتها في تسعينيات القرن الـ20، قبل أن تتراجع وتيرتها مع اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر/أيلول 2000.
وفي تلك المرحلة، قضى السنوار 9 أشهر في السجون الإسرائيلية، كما أمضى 3 سنوات أخرى في أحد سجون السلطة الفلسطينية، قبل أن ينجح في الهروب منه قبيل اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.
بعد اغتيال شقيقه يحيى
أعقب اغتيال يحيى السنوار، القائد السابق لحركة حماس، تغيّر دراماتيكي في هيكل القيادة داخل الحركة، حينها برز شقيقه الأصغر، محمد السنوار، بوصفه القائد الفعلي للذراع العسكرية لحماس في قطاع غزة، خاصة مع غياب القائد العام محمد الضيف ونائبه مروان عيسى اللذين اغتالتهما إسرائيل أيضا.
ووفق تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، فإن محمد السنوار قاد جهودا لإعادة بناء الحركة، مستفيدا من حالة الغضب الشعبي والتعبئة العامة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة.
وذكرت الصحيفة أن السنوار بدأ بتجنيد جيل جديد من المقاتلين، في وقت امتلأ فيه القطاع بالذخائر غير المنفجرة، التي تعيد المقاومة تدويرها لاستخدامها لاحقا في صناعة قنابل محلية الصنع، تُستثمر في المواجهات المتواصلة مع الاحتلال.
وأشار التقرير إلى أن حماس، ورغم تلقيها ضربة قاسية بعد اغتيال يحيى السنوار في خريف عام 2024، إلا أنها بقيادة شقيقه محمد استطاعت ترميم بنيتها القتالية بوتيرة تفوق قدرة الجيش الإسرائيلي على تدميرها، بحسب تقدير اللواء الإسرائيلي المتقاعد عامير عفيفي.